بســــــم الله الرحمـــــــــــن الرحيـــــم
قال الشيخ محمد علي فركوس حفظه الله : كما أنَّ ميدانَ الإصلاح يَتَطَلَّبُ من القائمين عليه من دعاةِ الحقِّ أن يكونوا على بصيرةٍ بالمجال الدَّعوي: مِنْ علمٍ دقيقٍ بالشَّرع ومقاصدِه العُلْيَا، ومَرَامِيهِ النَّبيلةِ مع الصِّلة الوثيقة بالله تعالى: ﴿قُلْ هَـذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى الله عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ الله وَمَا أَنَاْ مِنَ الْمُشْرِكِين﴾[يوسف:108]، وأنْ يَبْتَعِدُوا في مسيرتهم الدَّعويَّة عن الجَفْوَةِ والغِلْظَةِ وسُوءِ الأدَبِ والمنْقَلَبِ، فالرِّفقُ في الأسلوب من أبرزِ خصائصِ دعوةِ الحقِّ، وأنْ يَتَنَزَّهُوا عن الأغراضِ الدَّنيئةِ والاغترارِ بالدُّنيا؛ لأنَّ الانشغالَ بها والتَّلَهِّي عن الآخرةِ أوَّلُ طريق الضَّيَاع، قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلاَ أَوْلاَدُكُمْ عَن ذِكْرِ الله وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُون﴾[المنافقون:9]، وأن يلتزموا التوكُّلَ على الله والتحلِّي بالصَّبر على دعوتهم إلى الخير والرُّشد والسُّؤْددِ، ويعتبروا بما واجهَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم من كلِّ أشكال الصُّدُودِ والفُجُورِ، وكلِّ ألوان الكُنُودِ والجُحُودِ، فَصَبَرَ عليها وصَابَرَ ورَابَطَ حتَّى أتمَّ اللهُ دعوتَه، وانتشرتْ في الآفاقِ.
إنَّ صبرَ الدُّعاةِ المصلحينَ على ما يُصيبُهم هو من عَزَائِمِ الأمور؛ لأنَّه صبرٌ على استكبارِ الجاحدِين، وجَفْوَةِ العُصاةِ، وعَنَتِ المدْعُوِّينَ، وهو من علامات أهلِ الصَّلاح المتَّقين، قال تعالى: ﴿وَمَا لَنَا أَلاَّ نَتَوَكَّلَ عَلَى الله وَقَدْ هَدَانَا سُبُلَنَا وَلَنَصْبِرَنَّ عَلَى مَا آذَيْتُمُونَا وَعَلَى الله فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُون﴾[إبراهيم:12]، كما هو من صفاتِ الأئمَّةِ المقتدَى بهم، قال تعالى: ﴿وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُون﴾[السجدة:24].
هذا، وإذا تحقَّقتِ الدِّعامةُ الأولى لصَلاح الفردِ بإصلاح نفسِه، فقد استقامَت لَبِنَةٌ لمجتمعه المسلم، تنتظِمُ إلى جانبها لَبِنَاتٌ قويَّةٌ صالحةٌ يُشيَّدُ بها صَرْحُ أمَّة الإسلامِ كالبنيانِ المرصوصِ يشدُّ بعضُه بعضًا، تَقرُّ بها أعينُ الموحِّدين في تماسُكها وعزَّتِها وتَمْكِينِها وهَيْمَنَتِهَا، وتحتلُّ صدارةَ المجتمعات على مدى الزَّمانِ وفي كلِّ الأحوالِ، قال تعالى: ﴿إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُون﴾[الأنبياء:92].
نسألُ الله تعالى أنْ يفتحَ علينَا بالاعتصامِ بحبلهِ المتينِ، وأنْ يجمَعَ كلمتَنا على التَّقوى والدِّينِ، وأنْ يوفِّقَ القائمينَ على الإصلاحِ في دعوتِهم، ويسدِّدَ خُطاهم، ويجمعَهم على التَّعاونِ على البِرِّ والتَّقْوَى والتَّواصِي بالحقِّ والصَّبرِ، واللهُ من وراء القصدِ وهو يهدي السَّبيل.
وآخر دعوانا أنِ الحمد لله ربّ العالمين، وصلَّى الله على محمَّد وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدِّين وسلَّم تَسْلِيمًا.
سماحة الشيخ محمد علي فركوس حفظه الله
آخر تعديل عثمان الجزائري. 2015-12-23 في 08:22.