كانت تنتابني سورة من الحزن والأسى،وتجتاحني نوبة عارمة من الغضب ،حين كنت أستمع لأبي وهو يحكي عن حياته الّتي عاش ثلثيها تحت الظّلم السّافر للمستعمر الغاشم ...
نـُقشت حكاياته المؤلمة بتلافيف مخي، أتألم كلّما حرّكتها ذاكرتي ...
***
ذات ليلة حوصر بيت العائلة الكبيرة ...
نبح كلاب القرية نباحا متواصلا...
سكنت حركة من بداخل الدّار...
وشخصت عيون الصّغار...
وتحولت إشراقة الوجوه إلى اكفهرار...
دفعوا الباب المصنوع من الخشب الغليظ كانت به شروخا تسمح بانسياب شاب من شباب هذا الزّمن إلى فنائه الواسع دون عناء ...
كان عشاؤنا على النّار ، وكنت جوعانا ...
لكن تركت العشاء لأولادي الصّغار مع أمّهم "سقّاوه" بالدّموع...
أمّا أنا فما وجدت إلاّ بعض القطع من الجبس الّذي كان يغلّف جدران الزنزانة الضّيقة التي لا يسمح لي سقفها المتدلّي على رأسي بالوقوف، ولا سطحها المبلّل بالتمدّد،و الّذي كانت تنبعث منه الرّوائح الكريهة الّتي لا تحتمّلها حتّى الخنازير،
اعتقدت أنها توقف آلام جوعي ...
قضيت ليلتي......
***
لم يكمل أبي سرد الحكاية ...
ما السّبب ؟؟؟؟
تاثرتُ كثيرا ولم أتمالك نفسي وأجهشت بالبكاء .....

دموعي تذرف الآن ...
كنت مستمعا ممتازا منذ طفولتي ...
كان عمري لا يتجاوز خمس سنوات حين نُقشت هذه الحكاية بنبرات والدي- رحمه الله – في ذاكرتي فأحدثت فيها جراحا لا تندمل.... و مثلها مئات الحكايات... تركض في رأسي دون استقرار... محدثة بين الحين والآخر حالات طوارئ و استنفار ...
وقد كتب له المولى أن يعش إلى ما بعد الاستقلال....
لينجبني وأخي و ثلاث بنات...
-ما زلنا جميعا على قيد الحياة.-..
ثمّ يرحل إلى جوار ربّه تاركا لنا هذا الوطن الغالي
فهو كان يتوقع أنّه من السّهل أن نرعاه...
ألا نتألّم حين نكتشف أنّنا ضيعناه...؟؟؟؟؟
من واقع كاظم 19