حينما كنت طفلا صغيرا ولنقل في الثامنة من عمري كان إذا ما أخذ مني شيئا معينا في المنزل أو ربما لم أعطى ما أريد أبدأ في البكاء ومن ثم أتعمد زيادة شدة الصياح والبكاء حتى يدوي البيت دويا وكنت أقصد من ذلك أن تنزعج آذان أمي خاصة من صياحي ولكي تحل المشكلة تعطيني ما أريد فيتوقف صوتي الذي أزعجها.
وأحيانا كنت أنجح في مرادي وأحيانا كنت أبقى أصيح وأصيح وأبكي حتى تتعب حبالي الصوتية فأسكت
بعدما أصبحت كبيرا وبينما أنا خارج من المنزل كعادتي صباحا سمعت صياحا يشبه إلى حد كبير صياحي الذي كنت أصيحه وأنا صغير ولكنني لم أعرف مصدره وكنت كلما تقدمت في مسيري يزداد الصوت علوا حتى وصلت عند إمرأة كبيرة تضع يديها على رأسها وكانت جالسة على صخرة، كانت في كل مرة تضرب يديها على رأسها وتحاول زيادة صوتها وكأنها تحاول إخراج الهم الكبير الذي هي فيه وكانت تقول "تعبت يا ربي تعبت".
كانت بجانبها إمرأة أخرى تواسيها وتقول لها: "كفاكي يا فلانة كفاكي" وهي ترد عليها: " إنك لا تدرين مع من أنا؟؟ إنك لا تدرين من أعاشر اليوم؟؟".
لقد كانت واقعة حزينة في نظري ولست أدري لما كانت المرأة تصيح ولست أقص القصص لكي أنتقص من شأن الناس ولكن أريد العبرة ولست أقصد السيدة الكريمة:
يا إخوتي إننا نحن من نختار حياتنا وإن دفعنا الثمن فإننا نحن من نلام وإن واقع حياتنا في الكبر هو نتيجة منطقية لتحضيرنا وما اخترناه وما قمنا بإعداده في الصغر.
إن من اختارت في صغرها وشبابها لباسا معينا فلابد وأن يرتبط بها من يحب ويهوى ذلك النوع من اللباس.
إن من اختار اللهو واللعب والغناء لابد وأن يقصده أشخاص يحبون اللهو واللعب والغناء لكي يرتبطون به.
إن من اختار الكذب والأخلاق السيئة لابد وأن يهواه الكذابون ومن هم أخلاقهم في الحضيض.
إن من اختار أن يكون جاهلا لابد وأن ينجذب إليه الجهلة.
لذا فنحن من نختار في النهاية من يحيط بنا ونختار من نخالط.
فعلينا أن نختار الأفضل.