لا أفهم كثيرا في الإقالات والتعيينات التي تأسر الرأي العام هذه في صفوف الأمن، وبالتالي لا أفرق بين نفعها أو مضرتها، ومن يخلف من، ومن يفعل ماذا؟!
لكن يهمني ما يجري هذه الأثناء في نادي الصنوبر من تفكير حول إصلاحات المنظومة التربوية، فكل مشاكل البلاد في كفة والمدرسة ومستقبلها وحدها في كفة أخرى. فلا حل لمشاكل البلاد إلا بإصلاح المدرسة والذي يشترط إصلاح المنظومة الاجتماعية والخلية الأولى الأسرة.
الكل يدرك أن داء المدرسة الجزائرية مرتبط بشيئين لا ثالث لهما، نقابات الأساتذة التي تنخر المدرسة وتهدم كل إصلاح، والانفجار الديمغرافي الذي لم تنفع معه أي إصلاحات بسبب ما يستهلكه كل سنة من إمكانيات، ويتطلبه من كادر بشري.
منذ التعددية السياسية بداية التسعينيات لم تتوقف نقابات التعليم عن رهن المدرسة والتلاميذ في صراعاتها مع السلطة، ومن ينسى ما فعلته نقابة (السيت) التابعة للجبهة الإسلامية للإنقاذ بداية التسعينيات والكوارث التي ألحقتها بالمدرسة، وإقحام التربية الإسلامية في كل المقررات وفي الامتحانات، من المتوسط إلى البكالوريا وحتى الابتدائي.
هذه النقابة التي ورثت تلاعباتها بمصير التلاميذ والبلاد نقابات أخرى، ما زالت تأسر مصير المدرسة، وآخرها ما قامت به السنة المنصرمة من إضرابات كادت أن تعصف بالسنة الدراسية، مع أن الحكومة لم تتوان في كل مرة عن تلبية مطالب الأساتذة وتحسنت وضعيتهم الاجتماعية عشرات أضعاف ما كانت عليه، لكن في المقابل انهار المستوى الدراسي إلى الحضيض.
محق الوزير الأول إذاً عندما أكد أمس لدى افتتاح الجلسات حول المدرسة في نادي الصنوبر، على إبعاد المدرسة عن الصراعات السياسية، هذه الصراعات التي رهنت المدرسة ومعها مستقبل أجيال. ولكن لن تكفي دعوة الوزير الأول، لأن النقابات وخاصة ذات التوجه الإسلاموي ليس لها من ساحة للصراع ونشرها أفكارها الظلامية غير المدرسة، فهي تلعب على كسب المجتمع في هدوء من خلال نشر سمومها في عقول الشباب عبر المدرسة والبرامج الدراسية ذات الصبغة الوهابية، وخاصة من خلال مواد التربية الإسلامية، ونبذ مناهج الفلسفة العقلانية، وحتى الجامعة لم تسلم من هذا المخطط.
أيدري السيد الوزير الأول أن مادة علم التشريح (Anatomie) قد ألغيت من مناهج الطب في الجزائر، لأن الفاهمين حرموها وحرموا تدريسها، فمن أين للطلبة الأطباء فهم أعضاء الجسم ووظائفها إن لم يدرسوا التشريح؟
لا يكفي توجيه سلال “مناشدة” لإبعاد المدرسة عن السياسة، فلابد من البدء ومن الآن بتغيير المناهج الدراسية وتنقيتها من فكر الدواعش الذي سمم البرامج منذ أن رضخت السلطة إلى عملية ليّ الذراع مع التيار الأصولي والتركيز على المواد العلمية والفلسفة التي ستمكن النشء من التفكير السليم ومناقشة الأفكار بعقل، بدل التلقين الذي استغلته الحركة الإسلامية، لتحول دون تنشئة فكرية سليمة.
مستقبل البلاد وأمنها الداخلي مثل الخارجي، مرهون بالمدرسة، مرهون ببرامج عصرية حضارية ذات مرجعية وطنية، تحمي الأجيال مما تروج له التيارات الأصولية والتغريبية على السواء، من أفكار تشكك في الهوية وتعمل على نشأة أجيال منفصمة الهوية غير قادرة على رفع التحديات وسط الشعوب. ويكفي إلقاء نظرة خاطفة على الشارع وملاحظة الشباب في زيهم وطريقة حديثهم وميولهم الاستهلاكية الفاحشة واهتماماتهم الضحلة، لنفهم أن الداء استشرى في الجسد، وأنه وجب الإسراع بالتقويم الذي لن يكون سهلا والذي سيمر أولا بالمدرسة، وبالمنظومة الإعلامية المفتوحة هذه السنوات على الخراب، وأيضا على الأسرة.
حدة حزام
https://www.al-fadjr.com/ar/assatir/310253.html