بسم الله الرحمن الرحيم
أخي الحبيب عمرو خالد ، دعني أشكرك على ما تقوم به من جهود من إيقاظ الأمة وتثقيفها بالثقافة الإسلامية كي تنهض من كبوتها ـ والله يجزيك عنا وعن أمة الإسلام كل خير ، وبارك الله فيك وسدد خطاك وهدانا الله وإياك .
ولكن يا أخي اعلم بأن نهضة الأمة وعزها يبدأ من تصحيح العقيدة ، وتصحيح مفهوم التوحيد ، ويأتي بعده كل شيء .
أكتب لك هذه السطور لأني رأيت تهتم بكل شيء إلا العقيدة ، فإنك لم تشر إلى قضايا التوحيد وتحديد مفاهيمه وأصوله تلك المفاهيم التي ضيعها القبوريون وسكت عن ضياعها الأزهر قرون من الزمن . حتى ضاعت العقيدة ، وانتشرت مظاهر الوثنية من تقديس القبور والحج إليها والنذر إليها والطواف حولها وطلب الحاجات منها ، والذبح عندها والاستعانة بها من دون الله ، والاستغاثة بها من دون الله ، والوقوف أمامها بكل أدب وخشوع ، والإيمان بأنها تضر وتنفع وتتصرف في الكون بدلاً من الله ، هذا عدا عن آلاف الخرافات والأساطير التي نسجت عن أصحابها وكلها تهدم عقيدة التوحيد التي ارتضاها لنا الله ، ونادى بها رسوله الكريم وعذب من أجلها وصبر بأبي هو وأمي . وكل هذا يحدث على مرأى من الأزهر وعلمائه ، لأن علماءه مشغولون بأعياد الموالد و الحضرات والخوض في المسائل الفقهية الفرعية ، وكان لسان هؤلاء يردد : يقول الشافعية كذا ويقول الأحناف كذا ونحن نقول كذا وكذا والحنبلية يقولن كذا ... وهكذا وأما العقيدة فهي تهدم على بعد عشرات الأمتار منهم فيما يحدث حول قبر الحسين وضريح زينب وغيرها من الأضرحة الوهمية والمكذوبة .
وعندما نهضت بالدعوة إلى دين الله توسمنا فيك خيراً أيها الأخ الفاضل ( وما زلنا نتوسم والله ) ،
ولكني رأيتك تركز على القضايا الفرعية وتتجاهل قضية العقيدة وقضية التوحيد ، ومن المعلوم أنها أهم قضايا الدين ، وهي أساس الدين ، فلماذا تهتم بالفروع وتتجاهل الأصول ؟
وقصتي معك تبدأ من برنامجك (قصص الأنبياء) ، في العام الماضي .
وكنت من عادتك أنك عندما تذكر شيئاً من حياة أي نبي مهماً تتوقف عن سرد السيرة وتنبه الناس إليه وتقارن وتشرحه للعبرة وتعطي الفائدة والغاية من هذا الموقف أو ذلك ، حتى لا يقع الناس في أخطاء الأمم السابقة ، وكي يعتبروا ممن سبقهم من الأمم .
وعندما بدأت في سرد قصة النبي نوح ـ عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام ـ انتظرت منك أن تتوقف عند عبادة قوم نوح للأصنام ، وكيف بدأت هذه العبادة وكيف تدرج الناس باسم الغلو بالصالحين من الحب إلى الغلو إلى التقديس إلى رسم صورهم إلى نحت أشكالهم إلى اتخاذهم وسيلة إلى الله إلى عبادتهم في آخر المطاف . وانتظرت منك أن تعطي العبرة من عرض سيرة النبي نوح كي يتجنب القبوريون الغلو بأصحاب القبور وكي يتجنبوا الاستعانة بها والطواف حولها والنذر لها وتقديسها و... غير ذلك من الوسائل البدعية والشركية ، ولكني رأيتك قد مررت على هذا الموضوع مروراً سريعاً ، ولم تقف أبداً . وهذا شيء آلمني كثيراً . لأنك تجاهلت أهم وأعظم موضوع في الإسلام ، وهذا الأمر الذي أرسل الله جميع أنبيائه من أجله ومكث النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ 23 سنة من أجل توضيحه وتأسيسه ، وعانى ما عانى من أجل ذلك .
فأنت عرضت قصص الأنبياء وقلت لنا الهدف من هذا البرنامج هو أخذ العبرة والاستفادة ومقارنة ذلك بواقعنا ، ومن المعلوم أن الهدف الأساسي والرئيسي من إرسال جميع الأنبياء هو توحيد الله وتصحيح العقيدة من الوثنية ، التي ما ترسخت إلا بسبب الغلو الذي انتشر في بلاد المسلمين في القرون المتأخرة ، وكان حري بك أيها الأخ الفاضل أن تتوقف عند أهم موضوع وتبين خطره للناس وأهميته عند الله .
كم تمنيت منك يا أخي أن تبين للناس كيف تدرج قوم نوح في عبادتهم لود وسواع ويغوث ويعوق ونسر ،
فقد روى البخاري وغيره عن عطاء عن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ أنه قال :
صارت الأوثان التي كانت في قوم نوح في العرب بعدُ ، أما ( ود) فكانت لكلب بدومة الجندل ، وأما (سواع) فكانت لهذيل ، وأما (يغوث) فكانت لمراد ثم لبني غطيف بالجوف عند سبأ ، وأما (يعوق) فكانت لهمذان ، وأما (نسر) فكانت لحمير لآل ذي الكلاع ، أسماء رجال صالحين من قوم نوح فلما هلكوا أوحى الشيطان إلى قومهم أن انصبوا إلى مجالسهم التي كانوا يجلسون أنصاباً وسموها بأسمائهم ففعلوا ، فلم تعبد حتى إذا هلك أولئك وتَنَسَّخَ العلمُ عُبِدَت ) (البخاري : برقم 4920) .
ولكن ما يحيرني هو أنك لماذا لم تهتم بقضية العقيدة ، ولماذا لم تقف عند هذه النقطة الهامة هل غابت عنك ، أم أنك عرفتها ولكنك تجاهلتها عمداً خوفاً من غضب القبورية ، عباد القبور (من الصوفية والرافضة والأحباش) ، ولكن كان الأجدر بك أن تضع مرضاة الله نصاب عينك .
أنسيت يا أخي خطورة الغلو بما يسمى بالأولياء الصالحين والأئمة ، أنسيت يا أخي أنه يوجد في (بلدك) مصر وحدها أكثر من ستة آلاف قبر يعبد من دون الله ، ويزار للتبرك ، ويطاف حول بعضها ، ويطلب منها الحاجات ، ويستغاث بها ، ويحلف بها ، وينذر لها ، ووووو الكثير من المظاهر البدعية والشركية ، والتي هدمت بدورها حقيقة التوحيد التي جاء من أجلها الأنبياء المرسلون ومن بعدهم رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ .
أرجو ألا تغضب منى لنصحي لك ، فإني والله لك محب وناصح ، هداني الله وإياك .
أخوك المحب في الله ناصر التوحيد .