المعلم المتقاعد
طلقتني وظيفة التعليم == ا لعجز ولا لفعل ذميمِ
نبذتني نبذ النواة كأني == لم أكن مخلصا لها من قديمِ
ورمت بي إلى البطالة ألهو== بفسيح من الخيال عقيمِ
وكأني ما كنت أخدم جيلا== يتمنى الحياة فوق النجومِ
وكأني ما كنت أبذل جهدا== وكأني ما كنت أوفى حميمِ
وكأني ما كنت أصنع شيئا == به تغزو العقول دنيا العلومِ
نسيت أنني قضيت شبابي == في دفاع مشرف أو هجومِ
أسهر الليل باحثا عن بذور == تنبت الزهر في رياض الفهومِ
لم تدع خدمة الطفولة مني == غير شيخ يدب فوق الأديمِ
ولكم عشت في الحياة مضيفا == كل يوم همومها لهمومي
أقطع الليل والدفاتر حولي == جمعت بين جيد وسقيمِ
أقتل الوقت باحثا عن عيوب == وضعت بين أحرف ورقومِ
فإذا سرت بين صف وصف == هيج الخط زفرتي وغمومي
لا تسلني عن اعوجاج حروف == وعن الطاء صورت مثل ميمِ
وعن الجمع حل موضع طرح == وعن الضرب صار كالمقسومِ
كم رأت مقلتي الغرائب تبدو == وترى في خرائط ورسومِ
فإذا النيل في مكان فرات == وأثينا بموضع الخرطومِ
وإذا الترك من سلالة حام == وجديسٌ تحدرت من تميمِ
رغم هذا ورغم ما كنت ألقى == في سبيل التهذيب والتقويمِ
ودعتني وقالت: اليومَ دعني == وابتعد عن معاهدي ورسومي
لم تعد غير أشيب يتهيّا = للمصير المقدر المحتومِ
فابتعد أيها المسن ودعني == لقوي من الشباب وسيمِ
قلت: يا من قضيتُ زهرة عمري == بين أحضانها أداوي كلومي
إن أكن قد قضيت ستين عاما == في حياة تذيب أقوى الجسومِ
إنما العيش والحياة كفاح == لا فراش مهيأ لنؤومِ
ولقد آن أن أعيش وأحيا == خالي البال من جميع الهمومِ
فأنا اليوم كالهزار طليق == جلبته الربا لشم النسيمِ
أطلق الله في الفضاء جناحيـ == ـه فأضحى يطوف فوق الغيومِ
إن أكن راحلا فأحمد ربي == أنني سرت في الطريق القويمِ
هذه سنة الحياة فصول == تتوالى وحكمة من حكيمِ