العمل عبادة وجهاد وكد ونشاط، وهو وسيلة من أجل العيش الكريم، تنهض به الأمم، وتسود به الشعوب، وينجح به الأفراد، وبدون العمل يكون الفرد عالة على المجتمع، وللأسف الشديد؛ نحن لا نعير العمل أي اهتمام، نذهب إلى العمل ونحن كسالى غير منضبطين، نعمل بتهاون وتراخ وبدون جدية، قد لا نحرر وثيقة واحدة في اليوم، وبعد وقت قصير من بدء العمل نترك المكتب ونذهب إلى المقهى لأخذ فنجان قهوة وتبادل أطراف الحديث مع الأصدقاء الذين ضربنا معهم موعدا هناك، بعد ذلك نذهب إلى السوق قصد قضاء حوائجنا والويل للمدير إذا نبهنا...
يمجد الإسلام العمل ويرفع من قيمته ويربط كرامة الإنسان به، والعامل الذي يعمل ليعول عياله ويرفع شأن أمته ويحقق الخير لمجتمعه أفضل عند الله من المتعبد الذي يركن إلى العبادة ويزهد في العمل، والخمول والتكاسل نقص في إنسانية الإنسان وسبب في تفاهته وحطته وعدم تقييمه(1).
من واجب كل مكلف أن يؤدي عمله بإتقان ودقة وإخلاص، وبدون تقصير أو إهمال أو لامبالاة، وأن يوفي بالعقد الذي التزم به مع صاحب العمل؛ فالله سبحانه وتعالى يحاسبه إن قصر في ذلك(2)، يجب التحلي بالصدق والأمانة وعدم الخداع في العمل، فالتاجر عليه أن يكون سمحا لا يعرف الخداع ولا الطمع البشع، وأن يخلص الأستاذ والطبيب والموظف والعامل... في عملهم مرضاة لله ثم خدمة للوطن والمجتمع، لا يؤخرون العمل عن وقته، وأن يجدوا ويجتهدوا ويتقنوا العمل ويحافظوا على أسراره، وأن يكونوا أمناء فلا غش ولا خيانة ولا رشوة، وأن يعدل المسئول بين عماله أو موظفيه؛ لا يتحيز للبعض دون البعض الآخر.
الإخلاص والإتقان في العمل مطلوب حتى يثمر ويؤتى أكله، فعلى الأستاذ أن يخلص في تدريس طلبته، وعلى الطبيب أن يعالج مرضاه بصدق وإخلاص، وعلى الموظف أن يراعي شؤون الناس في مكتبه، وعلى العامل أن يتقن عمله، وعلى الفلاح أن يحسن الزرع والحصاد وألا يغش في تسويق منتجاته، وعلى التاجر أن يزن بالقسطاس المستقيم وألا يزهد في الميزان، وعلى الحرفي أن يتقن الصنعة، لكننا وللأسف نحن أقل الأمم عطاء وعملا، وأكثرها كلاما وجدلا، نحن نتكلم كثيرا ونعمل قليلا، وكثيرا ما نعمل غير المهم، وندع المهم. بل قد نعمل غير النافع، و ندع النافع، ... نستهلك ولا ننتج، ونستورد ولا نصنع وقد ننتج ما لا نحتاج إليه ونهمل إنتاج ما نحن في أشد الحاجة إليه. ونفتخر باقتناء أفخر السيارات العالمية، ونحن لا نحسن صناعة دراجة!!(3).
لم تصل الدول المتقدمة إلى ما هي عليه من مستوى من حيث التقدم والتطور إلا بجدية أبنائها في العمل، فهم يقدسون العمل ويربون أبناءهم منذ نعومة أظفارهم على حب العمل، لا يسمح عندهم للموظف أن يقرأ الجريدة خلال ساعات العمل أو أن يذهب للمقهى ليشرب قهوة أو ينام في مكتبه لأنه تعب أو أن يدخل بعد الوقت المحدد أو يخرج قبله، إنهم يخلصون العمل، وبالإخلاص بنى أسلافنا السابقون حضارتهم، وبعدمه تراجعنا نحن اليوم إلى الحضيض الأسفل، وقفنا التقدم وعقلنا حركته، يقول الشيخ محمد الغزالي رحمه الله « لو قيل لكل شيء في البلاد الإسلامية: عد من حيث جئت، لخشيت أن يمشي الناس حفاة عراة، لا يجدون- من صنع أيديهم- ما يكتسون، ولا ما ينتعلون، ولا ما يركبون، ولا ما يضيء لهم البيوت.. بل لخشيت أن يجوعوا لأن بلادهم لا تستطيع الاكتفاء الذاتي من الحبوب!! »(4).
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــ
(1)- - ينظر العمل في الإسلام. أخلاقه- مفاهيمه- قيمه- أحكامه، ص17.
(2)- ينظر مشكلات في طريق الحياة الإسلامية، ص29.
(3)- أين الخلل؟، ص13 و15.
(4)- مشكلات في طريق الحياة الإسلامية، ص24.