[COLOR="red"]بسم الله الرحمن الرحيم[/COLOR]
مذاكرة :
قوة الحفظ في الصغر
الحفظ في الصغر كالنقش على الحجر .
ما الحلم إلا بالتحلم في الكِبر ... وما العلم إلا بالتعلم في الصغر
لو ثُقِب القلب المعلَّم في الصبا ... لألفيت فيه العلم كالنقش في الحجر .
يقول علقمة بن قيس ـ رحمه الله تعالى ـ : ما سمعته وأنا شاب فكأني أنظر إليه في قرطاس أو ورقة)أخرجه أبوخيثمة زهير بن حرب رحمه الله في كتاب «العلم» (156) بسند صحيح.
محفوظاته التي حفظها وهو شاب كأنها أمامه في ورقة.
مثل بعض حفَّاظ القرآن الكريم المتقنين يقرأ السورة وكأن المصحف أمامه الورقة تلو الأخرى .
سن الشباب الذي ضيعه وفرط فيه كثير من الشباب إلا من رحم الله عز وجل .
وسن الشباب سن عظيم لهذا كان سن أهل الجنة ( إن لكم أن تشبوا فلا تهرموا أبداً) كما في الصحيح .
فننصح الصغيرات والشابات بالحفظ ، فإن الحفظ سلاح، وكما قيل ( متونها حصونها) حفظ المتون حصن بإذن الله ، فهو يعد سلاحاً في مجاهدة الشيطان ، سلاحاً في دفع الشبهات ، سلاحاً في دفع الشهوات . و النبي ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ يقول: حجبت الجنة بالمكاره وحجبت النار بالشهوات) .
من ضيع شبابه فهذه خسارة في حقه .
سن الشباب عشرون عاماً من بداية السادسة عشرة إلى خمس وثلاثين، أسرع ما يمرُّ من الأعمار سن الشباب ، ولا يعرف قدر الشباب إلا من وفقه الله عز وجل.
لهذا كان الشاب الذي نشأ في عبادة الله يظله الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله كما في الصحيحين عن أبي هريرة .
وفيه تحفيز للنفوس وبعث الهمم إلى الخير ودار القرار{ وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ } .
فلا يضيع هذا السن النفيس.
أخرج الرامهرمزي في المحدث الفاصل أن عروة بن الزبيرقال :أَيْ بُنَيَّ كُنَّا صِغَارَ قَوْمٍ فَأَصْبَحْنَا كِبَارَهُمْ، وَإِنَّكُمُ الْيَوْمَ صَغَائِرُ قَوْمٍ وَيُوشِكُ أَنْ تَكُونُوا كِبَارَهُمْ، فَمَا خَيْرٌ فِي كَبِيرٍ، وَلَا عِلْمَ لَهُ، فَعَلَيْكُمْ بِالسُّنَّةِ .
وقال الخطيب في "الفقيه والتفقه" (2/818) التفقه في زمن الشبيبة وإقبال العمر والتمكن منه بقلة الأشغال وكمال الذهن وراحة القريحة (أي راحة البال) يرسخ في القلب ويثبت ويتمكن ويستحكم، فيحصل الانتفاع به والبركة إذا صحبه من الله حسن التوفيق.
وإذا أهمل إلى حالة الكِبَر المغيرة للأخلاق الناقصة للآلات كان ما قال الشاعر:
إذا أنت أعياك التعلم ناشئا ... فمطلبه شيخًا عليك شديد. اهـ
*التركيز والتنبُّه
يقول تعالى {إِنَّ فِيَ ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ} [ق: 37].
فمن فرَّغ قلبه للعلم يستفيد.
ومن كان مهملا غير مبالٍ فإنه يسأم ويأتيه النعاس ولا يدري ما يُقال ويُحرَم الاستفادة .
يقول الوالد الشيخ مقبل ـ رحمه الله تعالى ـ (بعض الإخوان يسافر وهو عندنا في الجَلسة ) .
وكان يقول للذي ما ينتبه :أسافرت سفراً بعيداً أو قصيراً).
فالشيطان حريص على أن يصرفنا عن العلم بالوسوسة وشرود الذهن.
وليس هذا من آداب من يطلب العلم أخرج ابن أبي حاتم رحمه الله في «الجرح والتعديل» (2/34) بسند صحيح عن يحيى بن سعيد وهو القطان: ينبغي لكتبة الحديث أن يكون ثبت الأخذ، ويفهم ما يقال له، ويبصر الرجل -يعني: المحدث- ثم يتعاهد ذلك منه -يعني: نطقه- يقول: حدثنا، أو سمعت، أو يرسله.
فقد قال هشام بن عروة: إذا حدثك رجل بحديث فقل: عمن هذا؟ أو فممن سمعته؟ فإن الرجل يحدث عن آخر دونه -يعني: دونه- في الإتقان، والصدق.
قال يحيى: فعجبت من فطنته.
يقول (ويفهم ما يقال له) وهذا لا يكون إلا بالتركيز والتيقظ .نسأل الله التوفيق .
***************************
قال الحافظ ابن كثير ـ رحمه الله تعالى:
فصل ذكر نسبه صلى الله عليه و سلم بعد عدنان
و هذا النسب الذي سقناه إلى عدنان لا مرية فيه و لانزاع ، و هو ثابت بالتواتر و الإجماع ، و إنما الشأن فيما بعد ذلك ، لكن لا خلاف بين أهل النسب و غيرهم من علماء أهل الكتاب أن عدنان من ولد إسماعيل نبي الله ، وهو الذبيح على الصحيح من قول الصحابة و الأئمة ، وإسماعيل بن إبراهيم خليل الرحمن عليه أفضل الصلاة و السلام .
***************************
(وهذا النسب الذي سقناه إلى عدنان) وهو ما تقدم من محمد بن عبدالله إلى الجد العشرين عدنان هذا لا خلاف فيه بين العلماء، لكن ما بعد عدنان حصل فيه خلاف.
(لا مرية فيه ولانزاع) لا شك فيه ولا خلاف.
(و هو ثابت بالتواتر) التواتر لغة: التتابع.
والتواتر عند أهل العلم : هو نقل جماعةٍ عن جماعة يستحيل في العادةِ تواطؤهم على الكذب ، ويستندون إلى شيء محسوس .
الحواس خمس : السمع، والبصر، والشم ، والذوق، واللمس.
والمقصود بـ (ويستندون إلى شيء محسوس): أي إلى السمع ، والبصر، ما يكون مثل ما عند النصارى تناقل بعضهم عن بعض أن الله ثالث ثلاثة تعالى الله عز وجل عن ذلك علواً كبيراً، وهذا التناقل مبني على التفكير، وحديث النفس فلم يستندوا فيه إلى شيء محسوس ، فلا يقال إنه حق ، وقد كذَّبهم الله عز وجل وكفَّرهم فقال سبحانه وتعالى :{ لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا إِلَهٌ وَاحِدٌ... }[المائدة:73] .
(و إنما الشأن فيما بعد ذلك )أي ما فوق عدنان .
(لكن لا خلاف بين أهل النسب وغيرهم من علماء أهل الكتاب أن عدنان من ولد إسماعيل نبي الله) .
هذه فائدة أن عدنان من ولد نبي الله إسماعيل ـ عليه السلام ـ بلا خلاف بين أهل النسب.
فهم وإن اختلفوا فيما فوق عدنان إلا أنهم متفقون في عدنان أنه من سُلالة إسماعيل نبي الله .
وتقدم أن النسب النبوي إلى عدنان لا مرية فيه و لانزاع ، وهو ثابت بالتواتر و الإجماع .
فيكون أيضاً بالإجماع أن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم من سُلالة إسماعيل بن إبراهيم خليلِ الله لأن عدنان من ولد إسماعيل .
(وهو الذبيح على الصحيح من قول الصحابة والأئمة) ترابط كبير ـ ياأخوات ـ بين السيرة وبين القرآن الكريم فالإلمام بالسيرة يعين على فهم القرآن الكريم.
فقوله(وهو الذبيح) يشير إلى قوله تعالى:{ وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ} [الصافات:107].
(على الصحيح) أنه نبي الله إسماعيل ـ عليه السلام ـ ، وهناك قول آخر أنه إسحاق ـ عليه السلام ـ، والقول الصحيح أنه إسماعيل ـ عليه السلام ـ
سُئل شيخ الإسلام كما في مجموع الفتاوى(4/ 331) عَنْ " الذَّبِيحِ " مِنْ وَلَدِ خَلِيلِ اللَّهِ إبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ هَلْ هُوَ: إسْمَاعِيلُ أَوْ إسْحَاقُ؟.
وكان مما أفاد أن النِّزَاعَ فِيهَا مَشْهُورٌ لَكِنَّ الَّذِي يَجِبُ الْقَطْعُ بِهِ أَنَّهُ إسْمَاعِيلُ وَهَذَا الَّذِي عَلَيْهِ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ وَالدَّلَائِلُ الْمَشْهُورَةُ وَهُوَ الَّذِي تَدُلُّ عَلَيْهِ التَّوْرَاةُ الَّتِي بِأَيْدِي أَهْلِ الْكِتَابِ.
وعزا هذا القول شيخ الإسلام إلى أكثر العلماءفي كتابه الرد على المنطقيين 517.
وجزم رحمه الله في مجموع الفتاوى أن القول بأنه إسحاق أَصْلهُ مِنْ تَحْرِيفِ أَهْلِ الْكِتَابِ فَتَلَقَّى ذَلِكَ عَنْهُمْ مَنْ تَلَقَّاهُ وَشَاعَ عِنْدَ بَعْضِ الْمُسْلِمِينَ أَنَّهُ إسْحَاقُ.
ونقتصر على بعض الأدلة في إثبات كون إسماعيل الذبيح
1- الآيات في سورة الصافات{ رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلَامٍ حَلِيمٍ فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلَاءُ الْمُبِينُ وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ سَلَامٌ عَلَى إِبْرَاهِيمَ كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ وَبَشَّرْنَاهُ بِإِسْحَاقَ نَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ وَبَارَكْنَا عَلَيْهِ وَعَلَى إِسْحَاقَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِمَا مُحْسِنٌ وَظَالِمٌ لِنَفْسِهِ مُبِينٌ }
وبيَّن شيخ الإسلام- رحمه الله- الشاهد من الآيات أَنَّهُ بَشَّرَهُ بِالذَّبِيحِ وَذَكَرَ قِصَّتَهُ أَوَّلًا فَلَمَّا اسْتَوْفَى ذَلِكَ قَالَ: {وَبَشَّرْنَاهُ بِإِسْحَاقَ نَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ} {وَبَارَكْنَا عَلَيْهِ وَعَلَى إسْحَاقَ} فَبَيَّنَ أَنَّهُمَا بِشَارَتَانِ: بِشَارَةٌ بِالذَّبِيحِ وَبِشَارَةٌ ثَانِيَةٌ بِإِسْحَاقِ وَهَذَا بَيِّنٌ.
قال : ثُمَّ لَمَّا ذَكَرَ الْبِشَارَتَيْنِ جَمِيعًا: الْبِشَارَةُ بِالذَّبِيحِ وَالْبِشَارَةُ بِإِسْحَاقِ بَعْده كَانَ هَذَا مِنْ الْأَدِلَّةِ عَلَى أَنَّ إسْحَاقَ لَيْسَ هُوَ الذَّبِيحَ.
2-أَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ قِصَّةَ الذَّبِيحِ فِي الْقُرْآنِ إلَّا فِي هَذَا الْمَوْضِعِ وَفِي سَائِرِ الْمَوَاضِعِ يَذْكُرُ الْبِشَارَةَ بِإِسْحَاقِ خَاصَّةً كَمَا فِي سُورَةِ هُودٍ: مِنْ قَوْله تَعَالَى {وَامْرَأَتُهُ قَائِمَةٌ فَضَحِكَتْ فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِنْ وَرَاءِ إسْحَاقَ يَعْقُوبَ} فَلَوْ كَانَ الذَّبِيحُ إسْحَاقَ لَكَانَ خَلْفًا لِلْوَعْدِ فِي يَعْقُوبَ.
3- إسماعيل وأمه هاجر هُمَا اللَّذَانِ كَانَا بِمَكَّةَ دُونَ إِسْحَاقَ وَأُمِّهِ .
قال شيخ الإسلام :وَلَمْ يَنْقُلْ أَحَدٌ أَنَّ إسْحَاقَ ذَهَبَ إلَى مَكَّةَ لَا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَلَا غَيْرِهِمْ .
وهذا ما اختاره ابن القيم يراجع زاد المعاد (1/ 71) .
(وإسماعيل بن إبراهيم خليل الرحمن عليه أفضل الصلاة و السلام) إسماعيل بن إبراهيم ـ عليهما السلام ـ وإسماعيل بن إبراهيم بن آزر كما قال تعالى :{ وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ آَزَرَ أَتَتَّخِذُ أَصْنَامًا آَلِهَةً }[الأنعام:74] الآية نص في المسألة .
ومن قال : آزر عم إبراهيم ـ عليه السلام ـ أو رجلٌ آخرفقد خالف ظاهر الدليل .
***************************
و قد اختُلف في كم أب بينهما على أقوال :فأكثر ما قيل أربعون أباً ، و أقل ما قيل سبعة آباء ، و قيل : تسعة ، و قيل : خمسة عشر ، ثم اختلف في أسمائهم .
و قد كره بعض السلف و الأئمة الانتساب إلى ما بعد عدنان ، ويحكى عن مالك بن أنس الأصبحي الإمام رحمه الله أنه كره ذلك .
***************************
(و قد اختلف في كم أب بينهما على أقوال) في كم أب بين عدنان وإسماعيل ـ عليه السلام ـ على أقوال.
(فأكثر ما قيل أربعون أباً ، و أقل ما قيل سبعة آباء ، و قيل : تسعة ، و قيل : خمسة عشر ، ثم اختلف في أسمائهم) .
يعني الخلاف من وجهين من حيث العدد، ومن حيث الأسماء.
(و قد كره بعض السلف و الأئمة الانتساب إلى ما بعد عدنان) نعم، لا ينبغي الانتساب إلى ما فوق عدنان؛ لأن هذا مختلف فيه.
(ويُحكى عن مالك بن أنس الأصبحي الإمام رحمه الله أنه كره ذلك) مالك بن أنس أبوعبدالله (الأصبحي) من أصبح ، وأصبح من حمير، وحمير من اليمن ،فهذا الإمام هو من أهل اليمن ولكنه كان في مدينة رسول الله ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ ، ويلقب بـ (إمام دار الهجرة).
***************************
قال الإمام أبو عمر ابن عبد البر في كتاب الإنباه و الذي عليه أئمة هذا الشأن في نسب عدنان قالوا : عدنان بن أدد ، بن مقوم بن ناحور ، بن تيرح ، بن يعرب ، بن يشجب ، بن نابت ، بن إسماعيل ، بن إبراهيم خليل الرحمن ، بن تارح ـ و هو آزر ـ بن ناحور ، بن شاروخ ، بن راعو ، بن فالخ ، بن عيبر ، ابن شالخ ، بن أرفخشذ ، بن سام ، بن نوح بن لامك ، بن متوشلخ ، بن أخنوخ ـ و هو إدريس النبي عليه السلام فيما يزعمون ، و الله أعلم ، و هو أول بني آدم أعطي النبوة بعد آدم و شيث ، و أول من خط بالقلم ، بن يرد ، بن مهليل ، بن قينن ، بن يانش ، بن شيث ، بن آدم صلى الله عليه و سلم .
هكذا ذكره محمد بن إسحق بن يسار المدني صاحب السيرة النبوية ، و غيره من علماء النسب .
و قد نظم ذاك أبو العباس عبد الله بن محمد الناشي المعتزلي في قصيدة يمدح فيها رسول الله صلى الله عليه
و سلم .
وقد أوردها الإمام أبو عمر ، و شيخنا في تهذيبه ، و هي قصيدة بليغة أولها :
مدحت رسول الله أبغي بمدحه وفور حظوظي من كريم المآرب
مدحت امرءاً فاق المديح موحداً بأوصافه عن مبعد و مقارب
***************************
(قال الإمام أبو عمر بن عبد البر) يوسف بن عبدالله و كتابه( الإنباه على قبائل الرواة).
(أُدَد بن مقوم بن ناحور ، بن تيرح ، بن يعرب ، بن يشجب ، بن نابت ، بن إسماعيل ، بن إبراهيم خليل الرحمن ...بن نوح بن لامك ، بن متوشلخ ، بن أخنوخ ...) أسماء أعجمية.
ويذكر النحويون كابن هشام رحمه الله في شرح قطر الندى 313: أن جَمِيعَ أَسمَاء الْأَنْبِيَاء أَعْجَمِيَّة إِلَّا أَرْبَعَة مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَصَالح وَشُعَيْب وَهود صلوَات الله وَسَلَامه عَلَيْهِم أَجْمَعِينَ .
(وهو أول بني آدم) أي إدريس ـ عليه السلام ـ.
(أعطي النبوة بعد آدم و شيث ... بن شيث ، بن آدم) ظاهر العبارة أن شيث ولد آدم لصلبه وأنه هو وإدريس كانا ممن أُعطِي النبوة قبل نبي الله نوح ـ عليه السلام ـ وقد نبَّه الشيخ ابن عثيمين ـ رحمه الله تعالى ـ على هذه المسألة في شرح الأربعين النووية 45وقال: واعلم بأنك ستجد في بعض كتب التاريخ أن إدريس عليه الصلاة والسلام كان قبل نوح عليه السلام، وأن هناك بعضاً آخرين مثل شيث، كل هذا كذبٌ وليس بصحيح.
فإدريس بعد نوح قطعاً، وقد قال بعض العلماء: إن إدريس من الرسل في بني إسرائيل، لأنه دائماً يذكر في سياق قصصهم، لكن نعلم علم اليقين أنه ليس قبل نوح، والدليل قول الله تعالى: (إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنبيينَ مِنْ بَعْدِهِ) (النساء: الآية163) وقال الله عزّ وجل: (وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحاً وَإِبْرَاهِيمَ وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِمَا النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ) (الحديد: الآية26) فأرسلهم الله وهم القمة، وجعل في ذريتهما النبوة والكتاب، فمن زعم أن إدريس قبل نوح فقد كذب القرآن وعليه أن يتوب إلى الله من هذا الاعتقاد اهـ.
أما أبونا آدم ـ عليه السلام ـ فقد جاء فيه النص أنه نبي فقد سأل أبو ذر النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وقال :أو نبي كان آدم؟ قال: نعم، نبي مُكلَّم .
قال القاري في مرقاة المفاتيح : أَيْ: لَمْ يَكُنْ نَبِيًّا فَقَطْ، بَلْ كَانَ نَبِيًّا مُكَلَّمًا أُنْزِلَ عَلَيْهِ الصُّحُفُ اهـ
(و أول من خط بالقلم) أول أي إدريس ـ عليه السلام ـ، وهذا جاء في حديث ضعيف لا يثبت أن أول من خطَّ بالقلم إدريس ـ عليه السلام ـ رواه الحكيم الترمذي في كتابه نوادر الأُصول ، وضعَّفه الشيخ الألباني ـ رحمه الله تعالى ـ في ضعيف الجامع (2127).
والحكيم الترمذي استفدنا من الوالد الشيخ مقبل ـ رحمه الله تعالى ـ أنه صوفي لا يعتمد عليه.
(هكذا ذكره محمد بن إسحق بن يسار المدني صاحب السيرة النبوية ، و غيره من علماء النسب) ذكر هذا النسب ولكن ما فوق عدنان لا يحتاج له ؛ لأنه لا يثبت.
(و قد نظم ذاك أبو العباس عبد الله بن محمد) أي النسب النبوي.
(الناشي المعتزلي) المعتزلي نسبة إلى المعتزلة ، والمعتزلة من فرق الضلال والأهواء.
(و قد أوردها الإمام أبو عمر) أبو عمر يوسف بن عبدالله بن عبد البر ـ رحمه الله تعالى ـ أوردها في كتابه الإنباه على قبائل الرواة 21.
(و شيخنا في تهذيبه) أي الإمام المٍزِّي أبو الحجاج .
(في تهذيبه) تهذيب الكمال. فالإمام المٍزِّي ـ رحمه الله تعالى ـ من مشايخ ابن كثير ـ رحمه الله تعالى ـ ، وكان ابن كثير ـ رحمه الله تعالى ـ متزوجاً بابنة المِزِّي ـ رحمه الله تعالى ـ واسمها زينب.
***************************
فجميع قبائل العرب مجتمعون معه في عدنان ، ولهذا قال الله تعالى : " قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى " ، قال ابن عباس رضي الله عنهما : لم يكن بطن من قريش إلا و لرسول الله صلى الله عليه و سلم فيهم قرابة .
وهو صفوة الله منهم كما رواه مسلم في صحيحه " عن واثلة بن الأسقع رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : إن الله اختار كنانة من ولد إسماعيل ثم اختار من كنانة قريشاً ، ثم اختار من قريش بني هاشم ، ثم اختارني من بني هاشم)
***************************
(فجميع قبائل العرب مجتمعون معه في عدنان) أي تجتمع مع النبي ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ في عدنان .
وقول ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ (لم يكن بطن من قريش إلا و لرسول الله صلى الله عليه و سلم فيهم قرابة ) .
البطن: ما دون القبيلة وما فوق الفخذ كما في تحفة الأحوذي.
وأثر ابن عباس في صحيح البخاري ـ رحمه الله تعالى ـ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ قَوْلِهِ إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى فَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ قُرْبَى آلِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ عَجِلْتَ إِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَكُنْ بَطْنٌ مِنْ قُرَيْشٍ إِلَّا كَانَ لَهُ فِيهِمْ قَرَابَةٌ فَقَالَ إِلَّا أَنْ تَصِلُوا مَا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ مِنْ الْقَرَابَةِ).
سعيد بن جُبير ـ رحمه الله تعالى ـ وجماعة من المفسرين يفسرون الآية بأن المراد مودة ومحبة قرابة النبي ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ أي إلا أن تودوا قرابتي .
وابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ حَبر الأمة وتُرجمان القرآن الذي دعا له النبي ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ بقوله : اللَّهُمَّ فَقِّهْهُ فِي الدِّينِ وَعَلِّمْهُ التَّأْوِيلَ ) يرى أن المراد {قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى } أن النبي ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ يقول لا أسألكم عليه أجراً إلا أن تَوَدُّوني لقرابتي منكم وبهذا يقول ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ
قال الحافظ في فتح الباري تحت رقم (4818) وَالْحَاصِلُ أَنَّ سَعِيدَ بْنَ جُبَيْرٍ وَمَنْ وَافَقَهُ كَعَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ وَالسُّدِّيِّ وَعَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ فِيمَا أَخْرَجَهُ الطَّبَرِيُّ عَنْهُمْ حَمَلُوا الْآيَةَ عَلَى أَمْرِ الْمُخَاطَبِينَ بِأَنْ يُوَادِدُوا أَقَارِبَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسلم.
وابن عَبَّاسٍ حَمَلَهَا عَلَى أَنْ يُوَادِدُوا النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ أَجْلِ الْقَرَابَةِ الَّتِي بَيْنَهُمْ وَبَيْنَهُ .
فَعَلَى الْأَوَّلِ الْخِطَابُ عَامٌّ لِجَمِيعِ الْمُكَلَّفِينَ وَعَلَى الثَّانِي الْخِطَابُ خَاصٌّ بِقُرَيْشٍ وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ أَنَّ السُّورَةَ مَكِّيَّةٌ. اهـ المراد
وعلى القول الأول الذي فسره سعيد بن جبير ومن معه يكون الآية فيها فضل قرابة النبي ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ ، والحث على مودتهم ، واحترامهم، وأما على تفسير ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ فمعناها آخر .
وقد ثبت في الأدلة المتكاثرة احترام أهل البيت ، ومحبتهم ، وقد قال أبوبكر الصديق ـ رضي الله عنه ـ : وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَقَرَابَةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحَبُّ إِلَيَّ أَنْ أَصِلَ مِنْ قَرَابَتِي)أخرجه البخاري(3711)ومسلم (1759).
الشيعة يتهمون أهل السنة أنهم لا يحبون أهل البيت وهم كاذبون في ذلك ، فنحن نحب الصالحين منهم حباً شرعياً.
(وهو صفوة الله منهم) أي النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم خيار قريش .
قال الجوهري في الصحاح :صفوة الشيء خالصه.
(منهم) أي من قريش . فالنبي ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ خيرة قريش أي أفضلهم .
وحديث واثلة بن الأسقع رضي الله عنه فيه فضل نسب قريش ، ونسب بني هاشم ، وأن نسب بني هاشم أفضل.
فالنبي ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ وكذاسائر الأنبياء من أنساب رفيعة ، وقد قال هرقل لأبي سفيان (كَيْفَ نَسَبُهُ فِيكُمْ قُلْتُ هُوَ فِينَا ذُو نَسَبٍ) أي صاحب نسب .
و قال هرقل بعد ذلك (سَأَلْتُكَ عَنْ نَسَبِهِ فَذَكَرْتَ أَنَّهُ فِيكُمْ ذُو نَسَبٍ فَكَذَلِكَ الرُّسُلُ تُبْعَثُ فِي أَحساب قَوْمِهَا) والله أعلم.
وقد ذكروا حِكَماً في كون الرسُل تُبعث من أنساب رفيعة.
واقتصرالنووي رحمه الله في شرح صحيح مسلم في قصة هرقل على أمرين فقال:
قِيلَ الْحِكْمَةُ فِي ذَلِكَ أَنَّهُ أَبْعَدُ مِنَ انْتِحَالِهِ الْبَاطِلَ .
وَأَقْرَبُ إِلَى انْقِيَادِ النَّاسِ لَهُ اهـ.
فصاحب النسب الرفيع يؤثِّر فيه نسبه في المكارم والأخلاق والتحلي بالصدق.
ولأن صاحب النسب الرفيع ينقاد له الناسُ .
أيضاً هيبته في المجتمع إذا كان من نسب عالي فيكون له حماية بإذن الله من قتله والاعتداء عليه.
***************************
وكذلك بنو إسرائيل أنبياؤهم و غيرهم يجتمعون معه في إبراهيم الخليل عله الصلاة والسلام ، الذي جعل الله في ذريته النبوة و الكتاب ، وهكذا أمر الله سبحانه بني إسرائيل على لسان موسى عليه السلام ، و هو في التوراة كما ذكره غير واحد من العلماء ممن جمع بشارات الأنبياء به صلى الله عليه و سلم ، إن الله تعالى قال لهم ما معناه : ( سأقيم لكم من أولاد أخيكم نبياً كلكم يسمع له ، و أجعله عظيماً جداً ) .
***************************
(وكذلك بنو إسرائيل أنبياؤهم و غيرهم يجتمعون معه في إبراهيم الخليل عليه الصلاة والسلام) أي يجتمع نسبهم مع النبي ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـفي إبراهيم الخليل .
(الذي جعل الله في ذريته النبوة و الكتاب) كما في الآية { وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِ النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ }[العنكبوت:27] قال الحافظ ابن كثير في تفسير هذه الآية : هَذِهِ خِلْعَةٌ-أي جودة- سَنِيَّةٌ عَظِيمَةٌ مَعَ اتِّخَاذِ اللَّهِ إِيَّاهُ خَلِيلًا، وَجَعْلِهِ لِلنَّاسِ إِمَامًا أَنْ جَعَلَ فِي ذُرِّيَّتِهِ النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ، فَلَمْ يُوجَدْ نَبِيٌّ بَعْدَ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ إِلَّا وَهُوَ مِنْ سُلَالَتِهِ، فَجَمِيعُ أَنْبِيَاءِ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ سُلَالَةِ يَعْقُوبَ بْنِ إسحاق بن إِبْرَاهِيمَ، حَتَّى كَانَ آخِرُهُمْ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ، فَقَامَ فِي مَلَئِهِمْ مُبَشِّرًا بِالنَّبِيِّ الْعَرَبِيِّ الْقُرَشِيِّ الْهَاشِمِيِّ خَاتَمِ الرُّسُلِ عَلَى الْإِطْلَاقِ، وَسَيِّدِ وَلَدِ آدَمَ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، الَّذِي اصْطَفَاهُ اللَّهُ مِنْ صَمِيمِ الْعَرَبِ الْعَرْبَاءِ مِنْ سُلَالَةِ إِسْمَاعِيلَ بن إبراهيم عليهما السَّلَامُ، وَلَمْ يُوجَدْ نَبِيٌّ مِنْ سُلَالَةِ إِسْمَاعِيلَ سواه، عليه أفضل الصلاة والسلام اهـ.
ما أعظم بركة عِلْمِ هذا الإمام في أسطر يسيرة يذكر أنه لا يُوجَدْ نَبِيٌّ بَعْدَ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ إِلَّا وَهُوَ مِنْ سُلَالَتِهِ أخذا من الآية الكريمة .
وأن نبينا محمد مِنْ سُلَالَةِ إِسْمَاعِيلَ بن إبراهيم عليهما السَّلَامُ، وَلَمْ يُوجَدْ نَبِيٌّ مِنْ سُلَالَةِ إِسْمَاعِيلَ سواه، عليه أفضل الصلاة والسلام .
(إن الله تعالى قال لهم ما معناه : (سأقيم لكم من أولاد أخيكم نبياً كلكم يسمع له ، و أجعله عظيماً جداً ).
من أولاد أخيكم يعني إسماعيل ـ عليه السلام ـ (نبياً) وهو نبينا محمد ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ
وهذا من الإسرائيليات التي لايعتمد عليها .
وقد ذكر شيخ الإسلام ـ رحمه الله تعالى ـ (أن ماجاءنا من الأخبار المتقدمة ماكان في شرعنا تصديقه نقبله ، وما كان في شرعنا تكذيبه نرده ، وما كان مسكوتاً عنه لا من هذا ولا من هذا نتوقف فيه) أو نحو هذا ذكره في كتابه مقدمة في أصول التفسير.
*************************
و لم يولد من بني إسماعيل أعظم من محمد صلى الله عليه و سلم ، بل لم يولد من بني آدم أحد و لا يولد إلى قيام الساعة أعظم منه صلى الله عليه و سلم ، فقد صح أنه قال : " أنا سيد ولد آدم و لا فخر ، آدم فمن دونه من الأنبياء تحت لوائي " و صح عنه أنه قال : " سأقوم مقاماً يرغب إلي الخلق كلهم حتى إبراهيم "..
و هذا هو المقام المحمود الذي وعده الله تعالى ، و هو الشفاعة العظمى التي يشفع في الخلائق كلهم ، ليريحهم الله بالفضل بينهم من مقام المحشر ، كما جاء مفسراً في الأحاديث الصحيحة عنه صلى الله عليه و سلم .
و أمه صلى الله عليه و سلم : آمنة بنت وهب بن عبد مناف بن زهرة بن كلاب بن مرة .
*******************************
(فقد صح أنه قال : " أنا سيد ولد آدم و لا فخر ، آدم فمن دونه من الأنبياء تحت لوائي ") الحديث في صحيح الجامع للشيخ الألباني ـ رحمه الله تعالى ـ (1468).
وفيه دليل على فضل النبي ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ على غيره من الأنبياء وغيرهم .
(و صح عنه أنه قال : سأقوم مقاماً يرغب إلي الخلق كلهم حتى إبراهيم ) وهذا قطعة من حديث عند الإمام مسلم (820) عن أُبي بن كعب ـ رضي الله عنه ـ
(و هذا هو المقام المحمود الذي وعده الله تعالى ، و هو الشفاعة العظمى التي يشفع في الخلائق كلهم ، ليريحهم الله بالفصل بينهم من مقام المحشر ، كما جاء مفسراً في الأحاديث الصحيحة عنه صلى الله عليه و سلم) .
وهذا أي المقام في قوله ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ : سأقوم مقاماً يرغب إلي الخلق كلهم حتى إبراهيم) .
وإليه الإشارة في قوله تعالى :{ وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا }[الإسراء:79]
المقام المحمود الذي يحمده عليه جميع الخلائق ما هو؟
هو الشفاعة العظمى فإن الناس في عرصات يوم القيامة تدنو الشمس من رؤوسهم ، ويقفون في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة فيبلغ بهم من الهم والكرب مالا يحتملون ولا يطيقون فيتشاورون فيقول بعضهم لبعض : ألا ترون من يشفع لنا ؟ ألا ترون ما قد حلَّ بنا ؟ فينتقلون من نبي إلى نبي ، وكل منهم يحيل الشفاعة إلى الآخر حتى تصل إلى النبي ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ فَيَقُولُونَ: يَا مُحَمَّدُ أَنْتَ رَسُولُ اللَّهِ وَخَاتِمُ الأَنْبِيَاءِ، وَقَدْ غَفَرَ اللَّهُ لَكَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ، اشْفَعْ لَنَا إِلَى رَبِّكَ أَلاَ تَرَى إِلَى مَا نَحْنُ فِيهِ، فَأَنْطَلِقُ فَآتِي تَحْتَ العَرْشِ، فَأَقَعُ سَاجِدًا لِرَبِّي عَزَّ وَجَلَّ، ثُمَّ يَفْتَحُ اللَّهُ عَلَيَّ مِنْ مَحَامِدِهِ وَحُسْنِ الثَّنَاءِ عَلَيْهِ شَيْئًا، لَمْ يَفْتَحْهُ عَلَى أَحَدٍ قَبْلِي، ثُمَّ يُقَالُ: يَا مُحَمَّدُ ارْفَعْ رَأْسَكَ سَلْ تُعْطَهْ، وَاشْفَعْ تُشَفَّعْ فَأَرْفَعُ رَأْسِي، فَأَقُولُ: أُمَّتِي يَا رَبِّ، أُمَّتِي يَا رَبِّ، أُمَّتِي يَا رَبِّ، فَيُقَالُ: يَا مُحَمَّدُ أَدْخِلْ مِنْ أُمَّتِكَ مَنْ لاَ حِسَابَ عَلَيْهِمْ مِنَ البَابِ الأَيْمَنِ مِنْ أَبْوَابِ الجَنَّةِ، وَهُمْ شُرَكَاءُ النَّاسِ فِيمَا سِوَى ذَلِكَ مِنَ الأَبْوَابِ، ثُمَّ قَالَ: وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، إِنَّ مَا بَيْنَ المِصْرَاعَيْنِ مِنْ مَصَارِيعِ الجَنَّةِ، كَمَا بَيْنَ مَكَّةَ وَحِمْيَرَ - أَوْ كَمَا بَيْنَ مَكَّةَ وَبُصْرَى - ") والحديث متفق عليه عن أبي هريرة.
و الشفاعة العظمى لا ينكرها أحد من الأمة الإسلامية ؛ لأنها لفصل القضاء هذا باتفاق بين أهل القبلة ثبوت الشفاعة العظمى.
(و أمه صلى الله عليه و سلم : آمنة) هذه أُمُّ النبي ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ
(بنت وهب بن عبد مناف بن زهرة بن كلاب بن مرة) ونسبها يلتقي مع النبي ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ في كلاب بن مرة وهو الجد الخامس.
وقد ماتت أم النبي ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ على الكفر ثبت في صحيح مسلم (976)عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: زَارَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَبْرَ أُمِّهِ، فَبَكَى وَأَبْكَى مَنْ حَوْلَهُ، فَقَالَ: «اسْتَأْذَنْتُ رَبِّي فِي أَنْ أَسْتَغْفِرَ لَهَا فَلَمْ يُؤْذَنْ لِي، وَاسْتَأْذَنْتُهُ فِي أَنْ أَزُورَ قَبْرَهَا فَأُذِنَ لِي، فَزُورُوا الْقُبُورَ فَإِنَّهَا تُذَكِّرُ الْمَوْتَ» .
بهذا نكون انتهينا من هذا الفصل ولله الحمد.
واستفدنا عدة مسائل نلخص ما تيسر من باب التيسير.
الأول: أن نسب النبي ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ إلى عدنان لا خلاف فيه وما فوق عدنان هذا مختلف فيه .
الثاني: أنه لاخلاف بين أهل النسب وغيرهم أن عدنان من ولد إسماعيل الذبيح.
الثالث: أن الذبيح هو إسماعيل ـ عليه السلام ـ على الصحيح.
الرابع: وجود الاختلاف فيما فوق عدنان في أمرين العدد والأسماء .
الخامس:أنه جاء أن أول من خط بالقلم إدريس ولا يصح هذا فالله أعلم مَن أول مَن خط بالقلم .
السادس:أنه تناقلت الكتب خبر أن شيث وإدريس كانا قبل نوح نبي الله والتنبيه على هذا .
السابع: أن جميع قبائل العرب تجتمع مع النبي ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ في عدنان.
الثامن: معنى قول الله عز وجل {قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى } وفسره ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ إلا أن تودوني بسبب قرابتي منكم.
التاسع: أن النبي ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ أفضل قريش وأفضل بني هاشم نسباً .
العاشر:أنه يجتمع نسب بني إسرائيل وأنبيائهم مع النبي صلى الله عليه وسلم في إبراهيم الخليل .
الحادي عشر: بيان المقام المحمود وأنه الشفاعة العظمى.
الأخير: أُمُّ النبي ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ آمنة ، وتلتقي في نسبها مع النبي ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ في كلاب بن مرة وأنها ماتت على الكفر.
والحمد لله ونسأل الله أن ينفعنا جميعاً وأن يحفظ لنا ديننا.
الكاتب أم عبدالله الوادعية