وأنا أقرأ حسرة العلماء على ظاهرة موت النحل المفاجئ colony collapse disorder، انتابني شعور غريب، تدلّت إثره ضحكة شجية.. لسخرية المحاكاة ليس إلا!
مخلوق نندب فراقه، وآخر نندب بقاءه! مخلوق ندلله كي يعيش ، واخر نسمّه ولا يموت...
بين طنين تطربنا أنغامه، وآخر يزعجنا أزيزه... بين مخلوق يتقيأ العسل وآخر يتغذى على الروث... بين كائن لسعته المؤلمة دواء، وآخر قُبلتهُ الناعمة وباء.. بين هذا وذاك يكمن الفرق!
والفرق ليس في النوع، فالنحلة والذبابة كلتاهما حشرة، لكن الفرق كل الفرق يكمن في جوهر الاثر! إنه ذكاء المخلوقات.. بل إنها مَلَكة الانتقاء...
ذكاؤنا وغباء الذباب سواء : اعتقدنا أن الضجيج سلاحا فأكثرنا الكلام والصراخ، واعتقدنا أن الكثرة قوة فتكاثرنا وتناسلنا... لنكتظ في قمامة! ومن كثرة الزحام رفعنا السيوف -ليس لأعادينا- بل لنقطّع أشلاءنا بحثا عن جرعة هواء.. فلم نجد غير رائحة القمامة...
طاقتنا كطاقة الذباب كبيرة جدا وحركتنا مفعمة بالنشاط لكنها عشوائية ولا تتعدى "حدود" تلك القمامة!
نموت باصطدامات الزحام، بالأوبئة والأمراض... بالغُصص نموت، نغرق حين نفرّ من القمامة لتلتهمنا أمعاء البحر وتعطسَ جثثنا المحيطات.. نموت مطاردين... مثل الذباب!
النحل مخلوق كريم، كائن نبيل، جعل من وجوده سمفونية حب وجمال... شهدُه ترنيمة عشاق، تاجُ وصفِ واكسيرُ دَلال.. رُؤاه تحكي بديع الأكوان وربيع الألوان، أنفاسه تعبق مسك الخزامى وأريج الزهور وخلاصة العطور.. أجنُحُه لامست شُمّ الجبال وعانقت فسيح الجنان وتبرّكت بغابات الزيتون...
نحن معجزة الشعوب؟؟ لم نكتب حرفا، لم نصنع دبّابة، لم نخترع دواءا، لم نبن وطنا... لا يشبه القمامة!
إن المعجزة في الموهبة، وأي موهبة نمتلك؟؟ ان كان التكاثر في القمامة موهبة... فمبرحبا في مملكة الذباب!