البسملة1
شرع من قبلنا
ولعل الراجح في المسألة : أن شرع من قبلنا شرع لنا إذا لم يأت في شرعنا خلافه.
والدليل على ذلك قوله تبارك وتعالى: {أُوْلَـئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ قُل لاَّ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرَى لِلْعَالَمِينَ }الأنعام90.
بشرط أن يكون هذا مما ذكره الله جل وعلا أو رسوله صلى الله عليه وسلم، عمن قبلنا ولم يأت في شرعنا ما يخالفه ولم يأت في سياق يدل على رده.
وهذا الدليل نافع جداً في تقرير الاستدلال بما أخبرنا الله جل وعلا ورسوله صلى الله عليه وسلم عن من قبلنا في سياق لا يدل على الرد، ولم يأت في شرعنا خلافه.
قال الشاطبي رحمه الله في الموافقات (4/159 – 161) باختصار: "كُلُّ حِكَايَةٍ وَقَعَتْ فِي الْقُرْآنِ؛ فَلَا يَخْلُو أَنْ يَقَعَ قَبْلَهَا أَوْ بَعْدَهَا - وَهُوَ الْأَكْثَرُ - رَدٌّ لَهَا، أَوْ لَا ؛فَإِنْ وَقَعَ رَدٌّ؛ فَلَا إِشْكَالَ فِي بُطْلَانِ ذَلِكَ الْمَحْكِيِّ وَكَذِبِهِ.
وَإِنْ لَمْ يَقَعْ مَعَهَا رَدٌّ؛ فَذَلِكَ دَلِيلُ صِحَّةِ الْمَحْكِيِّ وَصِدْقِهِ.
أَمَّا الْأَوَّلُ فَظَاهِرٌ، وَلَا يَحْتَاجُ إِلَى بُرْهَانٍ،
وَمَنْ قَرَأَ الْقُرْآنَ وَأَحْضَرَهُ فِي ذِهْنِهِ عَرَفَ هَذَا بِيُسْرٍ.
وَأَمَّا الثَّانِي؛ فَظَاهِرٌ أَيْضًا، وَلَكِنَّ الدَّلِيلَ عَلَى صِحَّتِهِ مِنْ نَفْسِ الْحِكَايَةِ وَإِقْرَارِهَا، فَإِنَّ الْقُرْآنَ سُمِّيَ فُرْقَانًا، وَهُدًى، وَبُرْهَانًا، وَبَيَانًا، وَتِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ، وَهُوَ حُجَّةُ اللَّهِ عَلَى الْخَلْقِ عَلَى الْجُمْلَةِ وَالتَّفْصِيلِ وَالْإِطْلَاقِ وَالْعُمُومِ، وَهَذَا الْمَعْنَى يَأْبَى أَنْ يُحْكَى فِيهِ مَا لَيْسَ بِحَقٍّ ثُمَّ لَا يُنَبَّهُ عَلَيْهِ.
وَأَيْضًا؛ فَإِنَّ جَمِيعَ مَا يُحْكَى فِيهِ مِنْ شَرَائِعِ الْأَوَّلِينَ وَأَحْكَامِهِمْ، وَلَمْ يُنَبَّهْ عَلَى إِفْسَادِهِمْ وَافْتِرَائِهِمْ فِيهِ؛ فَهُوَ حَقٌّ يُجْعَلُ عُمْدَةً عِنْدَ طَائِفَةٍ فِي شَرِيعَتِنَا، وَيَمْنَعُهُ قَوْمٌ، لَا مِنْ جِهَةِ قَدْحٍ فِيهِ، وَلَكِنْ مِنْ جِهَةِ أَمْرٍ خَارِجٍ عَنْ ذَلِكَ؛ فَقَدِ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ حَقٌّ وَصِدْقٌ كَشَرِيعَتِنَا، وَلَا يَفْتَرِقُ مَا بَيْنَهُمَا إِلَّا بِحُكْمِ النَّسْخِ فَقَطْ، وَلَوْ نَبَّهَ عَلَى أَمْرٍ فِيهِ لَكَانَ فِي حُكْمِ التَّنْبِيهِ عَلَى الْأَوَّلِ؛ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلامَ اللَّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِنْ بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ﴾ الْآيَةَ [الْبَقَرَةِ: 75] .
وَمِنْ أَمْثِلَةِ هَذَا الْقِسْمِ جَمِيعُ مَا حُكِيَ عَنِ الْمُتَقَدِّمِينَ مِنَ الْأُمَمِ السَّالِفَةِ مِمَّا كَانَ حَقًّا؛ كَحِكَايَتِهِ عَنِ الْأَنْبِيَاءِ وَالْأَوْلِيَاءِ، وَمِنْهُ قِصَّةُ ذِي الْقَرْنَيْنِ، وَقِصَّةُ الْخَضِرِ مَعَ مُوسَى, عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَقِصَّةُ أَصْحَابِ الْكَهْفِ، وَأَشْبَاهُ ذَلِكَ."اهـ
قلت: وكذا الحال في أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم فما قصه علينا وأخبرنا به عن حال من قبلنا ولم يأت ما يرده أو يبطله فهو حق وشرع لنا!
والمقصود : أن شرع من قبلنا الذي أخبرنا الله جل وعلا به في كتابه أو أخبرنا به رسوله صلى الله عليه وسلم ولم يأت ما يدل على رده أو نسخه فإن تقريره دليل شرعيته لنا. فآل الأمر في أنه شرع لنا إلى تقرير الله جل وعلا وتقرير الرسول صلى الله عليه وسلم، والله الموفق.
----------------------------------------
سائل : "شيخنا نفع الله بكم، الشاطبي رحمه الله قال "وَمِنْ أَمْثِلَةِ هَذَا الْقِسْمِ جَمِيعُ مَا حُكِيَ عَنِ الْمُتَقَدِّمِينَ مِنَ الْأُمَمِ السَّالِفَةِ مِمَّا كَانَ حَقًّا؛ كَحِكَايَتِهِ عَنِ الْأَنْبِيَاءِ وَالْأَوْلِيَاءِ، وَمِنْهُ قِصَّةُ ذِي الْقَرْنَيْنِ، وَقِصَّةُ الْخَضِرِ مَعَ مُوسَى، عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَقِصَّةُ أَصْحَابِ الْكَهْفِ، وَأَشْبَاهُ ذَلِكَ."اهـ" لكن هل هناك عبادات ثبتت عن الأمم التي سبقتنا ولم يأمرنا بها الله لكن يجوز لنا فعلها ... هناك مثلا صيام داود و قيامه أباحه الرسول و حث عليه لكن هناك أشياء لم يأمرنا النبي بفعلها و يجوز إتيانها؟
الجواب : القاعدة مقيدة بأن يكون الشرع الوارد عمن قبلنا جاء في القرآن والسنة لوقوع التحريف في الكتب المنزلة قبل الإسلام، وهذا ألمح إليه الشاطبي، ولذلك نبهت أنا إلى أن حقيقة هذه القاعدة هو العمل بتقرير الشارع لما ذكره من شرع من قبلنا، فآلت المسألة إلى العمل بما قام الدليل على أنه شرعه لنا.