السلام عليكم
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيد الأولين والآخرين ، نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين .
أما بعد : فإن القرآن كلام الله تعالى ، أنزله على عبده ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم ليكون هدى ونورا للعالمين إلى يوم القيامة ، وقد أكرم الله صدر هذه الأمة بحفظه في الصدور ، والعمل به في جميع شئون الحياة ، والتحاكم إليه في القليل والكثير ، ولا يزال فضل الله سبحانه ينزل على بعض عباده ، فيعطون القرآن حقه من التعظيم والتكريم حسا ومعنى ، ولكن هناك طوائف كبيرة وأعدادا عظيمة ممن ينتسب إلى الإسلام حرمت من القيام بحق القرآن العظيم وما جاء عن الرسول صلى الله عليه وسلم ، وأخشى أن ينطبق على كثير منهم قوله تعالى : وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا إذ أصبح القرآن لدى كثير منهم مهجورا ، هجروا تلاوته ، وهجروا تدبره والعمل به فلا حول ولا قوة إلا بالله ، ولقد غفل كثير منهم عما يجب من التعظيم والتكريم لكلام رب العالمين .
ولقد عمت بلاد المسلمين المنشورات والصحف والمجلات وكثيرا ما تشتمل على آيات من القرآن الكريم في غلافها أو داخلها ، لكن قسما كبيرا من المسلمين حينما يقرؤون تلك الصحف يلقونها فتجمع مع القمائم وتوطأ بالأقدام ، بل قد يستعملها بعضهم لأغراض أخرى حتى تصيبها النجاسات والقاذورات ،
والله سبحانه وتعالى يقول في كتابه الكريم َ "إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ لا يَمَسُّهُ إِلا الْمُطَهَّرُونَ تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ "
والآية دليل على أنه لا يجوز مس القرآن إلا إذا كان المسلم على طهارة كما هو رأي الجمهور من أهل العلم ،
وفي حديث عمرو بن حزم الذي كتبه له رسول الله : " أن لا يمس القرآن إلا طاهر " . ويروى عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " لا تمس القرآن إلا وأنت طاهر " وروي عن سلمان رضي الله عنه أنه قال : ( لا يمس القرآن إلا المطهرون ) فقرأ القرآن ولم يمس المصحف حين لم يكن على وضوء . وعن سعد أنه أمر ابنه بالوضوء لمس المصحف .
فإذا كان هذا في مس القرآن العزيز ، فكيف بمن يضع الصحف التي تشتمل على آيات من القرآن العزيز سفرة لطعامه ثم يرمي بها في النفايات مع النجاسات والقاذورات ، لا شك أن هذا امتهان لكتاب الله العزيز وكلامه المبين .
فالواجب على كل مسلم ومسلمة أن يحافظوا على الصحف والكتب وغيرها ، مما فيه آيات قرآنية ، أو أحاديث نبوية أو كلام فيه ذكر الله أو بعض أسمائه سبحانه ، فيحفظها في مكان طاهر وإذا استغنى عنها دفنها في أرض طاهرة أو أحرقها ، ولا يجوز التساهل في ذلك حيث إن الكثير من الناس في غفلة عن هذا الأمر ، وقد يقع في المحذور جهلا منه بالحكم ، رأيت كتابة هذه الكلمة تذكيرا وبيانا لما يجب على المسلمين العمل به تجاه كتاب الله وأسمائه وصفاته وأحاديث رسوله صلى الله عليه وسلم ، وتحذيرا من الوقوع فيما يغضب الله ويتنافى مع مقام كلام رب العالمين .
والله سبحانه المسئول أن يوفقنا والمسلمين جميعا لما يحبه ويرضاه ، وأن يعيذنا جميعا من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا ، وأن يمنحنا جميعا تعظيم كتابه وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم والعمل بهما وصيانتهما عن كل ما يسيء إليهما من قول أو فعل ، إنه ولي ذلك والقادر عليه . وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم .
العلامة ابن باز...نشرت في مجلة البحوث الإسلامية ، العدد 6 ص 289 ، 290 .