رد الشيخ أحمد حماني رحمه الله على متولي الشعراوي
الحمدُ لله ربِّ العَالمين، والصَّلاَةُ وَالسَّلام عَلَى مَنْ أرْسَلَهُ اللهُ رَحمةً للعَالمين، وَعَلَى آلِه وَصَحْبِه وَإخْوَانِهِ إَلَى يَوْمِ الدِّينِ، أمَّا بَعْد:
فَهَذَا رَدٌّ صَريحٌ و غَيْرَةٌ عَظِيمَةٌ عَلَى دَعْوَةِ التَوْحِيدِ مِنْ رَجُلٍ تشَرَّبَ قَلبهُ هَذِهِ الدَعوة المُبَاركة، يُبَيِّنُ لنَا حَالَ أَحَدَ رُمُوزِ التَّصَوفِ فِي مِصْرَ وَ هُو مُحَمَّد مَتْوَلي الشّعراويّ الّذي أَحْدَثَ مَا أَحْدَثَ فِي بَلَدِنَا الجَزَائِر وَ فِي عُقُولِ أَبْنَائِهَا، وَ هُو الشّيخُ الفَقِيهُ: أَحْمَد حمّاني (ت: 1419هـ-1998م)؛ تلميذ الإمام العلامة ابن باديس والعلاّمة مبارك الميليّ رحمهما الله تعالى؛ و رئيس المجلس الإسلاميّ الأعلى في الجزائر من سنة (1972م) إلى سنة (1989م)، رحمهُ الله رحمةً واسعةً.
وهذا الردُّ جاء ضمن جوابِ الشيخ على سؤالٍ وجه إليهِ بعنوان: ( حُكم ما يصنعه الناّس عادةً أو تقليداً في المقابر) من طرف محمد .ت.ز.(بسكرة) بتاريخِ ( 15/01/1980م)، والجواب كان مطولاً لذا أكتفي بذكرِ الشاهد من الموضوع و الله تعالى الموفق.
قال الشيخ أحمد حماني رحمه الله بعد أن أورد حديث: «اللّهُمَّ لا تَجْعَلْ قَبْرِي وَثَنًا يُعْبَدُ»([1]):
(...ورغم هذا النّهي الصّريح، وهذا التّحذير الشّديد فإنّ بعضَ المسلمين لم يَنتهُوا، واتّبعوا سَنَن اليهود وسُنّتهم، وقلّدوا أهل الكتاب في طريقتهم، فاتّخذوا قُبُور (أوليائهم) مساجد، وشَدُّوا الرِّحَالَ إليها، وطَافُوا بها وتَمَسَّحُوا عليها، ومِنهم مَن يَدْعُوا سَاكِنِيهَا –مِن دُونِ اللهِ أو مَعَ اللهِ- لِجَلْبِ نَفْعٍ أو دَفْعِ ضَرٍّ، وربّما كانت خشيتُه منهم أكبر في نفوسهم مِن خشية الله، وحُبّهم إيّاه كحبّهم الله، ولا حول ولاّ قوّةَ إلاّ بالله، ﴿والّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا للهِ﴾[البقرة:165]، وليسَ هذا الأمر قريبَ العَهْدِ بَلْ هو قديمٌ، وليسَ خاصًّا بقومٍ بل عَمَّ بلاد الإسلام. قال الشّوكاني رحمه الله:
« كَم قَد سَرَى من تشييد أبنية القبور وتحسينها من مفاسد يَبكي لها الإسلام ، منها اعتقادُ الجَهَلة لها كاعتقاد الكفار للأصنام ، وعَظُمَ ذلك فظنُّوا أنها قادرة على جلب النفع ودفع الضُّرِّ، فجعلوها مَقْصِدًا لطلب قضاء الحوائج، وملجأ لنجاح المطالب ، وسألوا منها ما يسأله العبادُ من ربهم ، وشَدُّوا إليها الرِّحال ، وتَّمسَّحوا بها واستغاثوا ، وبالجُملة إنّهم لم يَدَعُوا شيئًا ممّا كانت الجاهليّة تفعله بالأصنام إلاّ فعلوه...
ومع هذا المنكر الشّنيع والكفر الفظيع، لا تَجِدُ مَن يَغْضَبُ للهِ، ويَغَارُ حميَّةً للدِّينِ الحَنِيف، لا عالمًا ولا متعلّمًا ولا أميرًا، ولا وزيرًا ولا ملِكًا. وقد توارد إلينا من الأخبار ما لا يشك معه أن كثيرا من هؤلاء القُبوريين - أو أكثرهم - إذا توجهت عليه يمين من جهة خصمه حلف بالله فاجرا ، فإذا قيل له بعد ذلك : احلف بشيخك ومعتقدك ، الولي الفلاني ، تلعثم وتلكَّأ وأبى واعترف بالحق. وهذا من أبين الأدلة الدَّالة على أن شركهم قد بلغ فوق شرك من قال: إنه تعالى ثاني اثنين أو ثالثُ ثلاثة »([2]).
وما ذكره الشّوكانيّ معروفٌ مُشَاهَدٌ - منذ أجيال- في كلِّ بلاد المسلمين وما رواه مِن تَقَاعُسِ العُلماء والمتعلّمِين والأمراء والوزراء دون الواقع بكثير، فإنّ الفتنة الكبرى والبلاء الأعظم جاء المسلمين مِن مُشَارَكَةِ بعضِ العُلماء في الحجّ إلى هذه القبور ودُعَاءِ أصحابها، واعتقادهم في «الأولياء» مِن سَاكِنِيهَا، فَيَوْمَ أن زُرتُ «القاهرة» في أواخر السّبعينات وصادف إقامة «مولد سيدي أحمد البدويّ» «والحجّ إليه» فذكرت الصّحف أنّ عدد «الحُجَّاج» زاد على مليونين اثنين، وكان في طليعتهم شيخ الجامع الأزهر، ووزير الأوقاف «الشّؤون الدّينيّة» وكلاهُما مِن أشهر علماء الأزهر، والثّاني مكثَ في الجزائر بضع سنواتٍ، وأَحْيَا فِيهَا ما كانت قَضَتْ عليهِ الحركة الإصلاحيّة ودعوة عبد الحميد بن باديس و«جمعيّة العلماء المسلمين» قبلَ حَظْرِ نشاطِ نظامِها وعملِها كمنظَّمة.
فمسؤوليّة العلماء أعظمُ من مسؤوليّة الحكّام والأمراء والوزراء، ذلكَ أنّ العامَّةَ قد لا تُفتنُ بهم ولا تتّخذهم قدوةً في الدِّين، وإِن كانَ مِن أَوْكَدِ واجباتهم حمايةُ وصيانةُ المسلمين في أموالهم وأرواحهم وأنفسهم ودينهم ودنياهم. على أنَّ كثيراً مِن علماء المسلمين –أزهريين و غير أزهريين، قدماء و مُحْدَثين- أدَّوا واجبهم ، و أحيوا سنّة نبيِّهم، و بَصَّروا المسلمين بما جاء به دينهم، و حذَّروهم من البِدع و الضلالات و مِن فتنة القبور و المشاهد ، و على رأس هؤلاء، شيخ الإسلام ابن تيمية و تلميذه ابن قَيِّم الجوزية ، و أبو إسحاق الشاطبي، و ابن عبد الوهاب، و الشوكاني...).
ثم قال في آخرِ الجواب: «(ملاحَظة: ... كما يُلاحَظُ أيضًا أنّ بعضَ عُلماء الأزهر وهو –الشّيخ- الشّعراويّ بَثَّ أثناءَ زيارتِهِ للجزائر كثيرًا مِن الضَّلالات، منها تقديسُ القبُور، والخُضُوع للقُبوريِّين، وقد تَوَلَّى مِن بعدُ الوزارةَ لشُؤُونِ الدِّين في مِصر، فلم يَحْذِفْ مَا يَقَعُ في المَوَالِيدِ القُبُوريَّة، بلْ ذَهَبَ وزَارَهَا وعَظَّمَهَا)([3])
======
[1] : أخرجه مالك في الموطأ مرسلا عن عطاء بن يسار ، كتاب قصر الصلاة في السفر ، باب جامع الصلاة ، رقم (424) ط- الرسالة ناشرون. قال ابن عبد البر في التمهيد (5/41) : ( لا خلاف عن مالك في إرسال هذا الحديث على ما رواه يحي سواء، و هو حديث غريب ، أعني قوله : «اللّهُمَّ لا تَجْعَلْ قَبْرِي وَثَنًا يُعْبَدُ» و لا يكاد يوجد.
زعم أبو بكر البزار ، أنَّ مالكاً لم يتابعه أحد على هذا الحديث، إلا عمر بن محمد، عن زيد بن أسلم.قال: و ليس بمحفوظ عن النبي صلى الله عليه و سلم من وجهٍ من الوجوه، إلا من هذا الوجه، لا إسناد له غيره؛إلا أن عمر بن محمد أسنده عن أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه و سلم ، و عمر بن محمد ثقة، روى عنه الثوري و جماعة).
و قد وصله ابن عبد البر في التمهيد (5/43) من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه.
[2] : نيل الأوطار (4/102) بواسطة فتاوى الشيخ أحمد حماني.
[3] : فتاوى الشّيخ أحمد حمّانيّ: استشارت شرعيّة ومباحث فقهيّة (88/2-89-90).طبعة عالم المعرفة - الجزائر-.
من منتديات التصفية والتربية السلفية