بسم الله الرحمن الرحيم
بعد عصر الصحابة فشا الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم والخطأ في رواية الأحاديث،
فكانت الحاجة ماسة لمعرفة أحوال الرواة؛ صوناً للسنة النبوية أن يخالطها ما ليس منها.
حمل أئمة الحديث على عاتقهم هذه المهمة الخطيرة، فسبروا رجال الحديث وفتشوا أحوالهم في مهنية
عالية وورع عظيم، وبذلوا في سبيل ذلك جهوداً شاقة ومضنية، كان ثمرتها نشوء علم من أعظم علوم الحديث
وأكثرها غوراً وأشدها مراساً وهو علم الجرح والتعديل.
ظل هذا العلم حارساً أميناً للسنة النبوية ينافح عنها ويذود عنها سهام المبطلين، يتناقله العلماء خلفاً عن سلف،
حتى اقتحم هذا العلم الشريف في زمننا الغثائي أقوام سفهاء الأحلام، يترزقون بالإسلام ويتكسبون به، تفننوا
في تطويع هذا العلم وفق أهوائهم، فتمسحوا به، وأخذوا منه قشره دون اللباب، ثم انطلقوا مسعورين ينهشون
لحوم علماء الأمة وعبادها ويفتكون بأعراضهم تحت ذريعة العلم المجني عليه (علم الجرح والتعديل).
لم ينكب الإسلام في تاريخه الحديث بمثل ما نكب بهذه الفئة التي فاح نتنها حتى أزكم الأنوف، وخدعت بشعاراتها
البراقة وظواهرها اللامعة عن باطنها القاتم شرذمة قليلة من الناس، وكان من مظاهر هذه الفتنة العمياء سيل عريض من
فتاوى وكتب التكفير والتبديع والسباب والشتام، ونشر الفوضى والاضطراب في ساحة الدعوة الإسلامية.