للشيخ محفوظ ولد بن الوالد (أبو حفص الموريطاني)
دماؤكم جسر إلى النصر أحمر *** وبوابة منها إلى الخلد يُعبر
دماؤكم إعصار عزم وهمة *** ونار على أعدائنا تتسعر
بها النفس من أوهامها قد تحررت *** وسوف بها الأقصى غدا يتحرر
سقيتم فلسطين الزكي من الدما *** فلم تبخلو كلا ولم تتأخروا
فلله أجساد هناك تناثرت *** تشع ضياء كالضحى حين يسفر
ألا أيها الأطفال أنتم رجالها *** وكم من صغير السن بالفعل يكبر
رجولتكم أطفال الأقصى حقيقة *** وبعض رجولات الرجال مزور
حجارتكم هزت عروشا وأظهرت *** حقائق ما كانت لنا سوف تظهر
أيا رفقاء الدرب يا من تحرروا *** من الأرض والدنيا فشدوا وكبروا
أتيتم وأمر المسلمين مضيع *** خليفتهم في دينه يتنصر
على صدره يجثو صليب بحجمه *** وفي حكمه للناس يبغي ويجهر
أتيتم ولا تاريخ لا شيء عندنا *** وأوضاعنا في بعضها تتعثر
فهذي بلادي للنصارى مباحة *** عقول بنينا لليهود تجير
هوياتنا أوطاننا كل ما لنا *** عناويننا أسماؤنا تتغير
من المسجد الأقصى المبارك حوله *** إلى الكعبة الغرا التي هي أكبر
من المسجد الأقصى إلى كل مسجد *** فإن جيوش الكفر تنهى وتأمر
فماذا على من بالحكومات كلها *** وحكامها أمسى يثور ويكفر
فأيقظتم التاريخ بعد رقاده *** فعاد إلى أمجاده يتذكر
فهذا صلاح الدين يحمل سيفه *** تسيل دماء الكفر منه وتقطر
فعادت لنا حطين بعد غيابها *** وعادت إلى الأذهان بدر وخيبر
و ذي أمة الإسلام جاش ضميرها *** قد انتفضت تسعى تثور وتثأر
وإخوانكم في الشرق شدوا سروجهم *** و كابل شدت والنجائب ضمر
و نجد بها هب الشباب مجاهدا *** وفي عدن هبوا و شدوا ودمروا
مدمرة يخشى أولوا البأس بأسها *** تزيدك رعبا حين ترسو وتبحر
تشق عباب البحر يحدو مسيرها *** غرور وزهو واقتدار مزور
إلى حتفها تسعى حثيثا بظلفها *** بوهم كبير كاذب تتدثر
إلى زورق يلهو به الموج يختفي *** مع الموج حينا ثم يبدو ويظهر
تداعبه الأمواج في كل خفة *** ورب خفيف منه يخشى ويحذر
فلما التقى الجمعان جمع محمد *** شهيدان باسم الله هبوا وكبروا
وجمع من الكفار جيش يقودهم *** بحقد صليبي المنابع قيصر
و دارت رحى الحرب التي لم تكن سوى *** ثواني رعب بل أقل وأقصر
وكان مع النصر المحقق موعد *** فلم يتقدم لا ولم يتأخروا
فطارت رؤوس الكفر في كل وجهة *** وأشلاؤها من حولها تتبعثر
فلو شهدت عيناك من ذاك منظرا *** تقر به أو أسعد القلب منظر
فهل سمع التاريخ عن مثل صحبنا *** وهل أبصرت عيناه أو سوف تبصر
وقفتم وما للموت شك لواقف *** وحطمتم الأوهام والوهم يكسر
شفيتم صدور المؤمنين وأمة *** على عتبات الكفر تسبى وتنحر
لمستم أمانينا فصارت حقائقا *** ومثل أمانينا يعز ويندر
رفعتم لدين الله أرفع راية *** شعاركم التوحيد والله أكبر
أقول لمن يبكي من الحزن مشفقا *** عليكم بدمع العين والعين تمطر
أحق بهذا الدمع من عاش عمره *** ذليلا بكأس الذل يصحو ويسكر
على هامش الأحداث عاشوا حياتهم *** كأن لم يكن عرف ولا كان منكر
ومن أخلدوا للأرض و استسلموا لها *** على هؤلاء الحزن أولى وأجدر
فبعض من الأحياء في القبر ميت *** وبعض من الأموات حي يكبر
يظنكم الجهال متم وأنتم *** زوارقكم في الله ترسو وتبحر
كفى ذكركم أن المحامد والعلى *** إذا ما ذكرتم كلها سوف تذكر
رفاقكم من بعدكم لم تلن لهم *** قناة ولا سيف ولا لان خنجر
يخوضون بحر الموت لا يرهبونه *** ومن لا يخاف الموت لا شيء يذعر
يميتون غيظا خصمهم كل لحظة *** مرارا وشر الموت ما يتكرر
سبيلهم وعر وصعب سلوكه *** وفيه الضحايا والعقابيل تكثر
سبيل لإحدى الحسنيين سبيلهم *** سبيلهم فتح ونصر مؤزر
أو الموت دون الدين والعرض والحمى *** ومن مات يسعى للمكارم يعذر
أهالي فلسطين احتسوا أكؤس الشجى *** وجرح حجاز فيك ما عاد يضمر
أتقعد لا الحكام ذادوا عن الحمى *** كبيرهم للكفر يسعى وينصر
أتقعد لا التجار أدوا زكاتهم *** لتجهيز جيش بالصناديد يزخر
أتقعد لا الأبطال رصوا صفوفهم *** ولا القدس من أيدي المغيرين حرروا
أتقعد لا الأشبال داووا جراحهم *** ولا جثث الأطفال لفوا ودثروا
فأين بنو الإسلام إذ حمي الوغى *** فهلا استجابوا للإله وشمروا
وليس بنو الإسلام إلا نجائبا *** لفقدك أضنتها المصيبة ضمر
ولكنهم رغم الجراح يقينهم *** بعودة أمجاد الخلافة يكبر
وأن حلول الخائنين جميعها *** هباء على درب الجهاد يبعثر
وقد أقسموا بالله أن جهادهم *** سيمضي ولو كسرى تحدى وقيصر