

طغت المادية .. فغابت القيم
العجب كل العجب من أناس يصمون الزمن بكل العيوب، وهم في الحقيقة من يسيئون للزمن بتصرفاتهم، وسلوكياتهم.
يقول الشاعر :
نعيب زماننا والعيب فينا
وما لزماننا عيب سوانا
فحياتنا على مر العصور والأزمان تتسم بسمات متفاوتة : فتارة تتسم بالعقلانية، وأخرى تتسم بالفوضى، وثالثة تتسم بالمادية، وهكذا.
إنني خلال هذا الموضوع سأركز على المادية الطاغية التي تتسم بها حياتنا هذه الأيام.
فقد طغت المادية في حياتنا إلى درجة ربما تدعو إلى الشعور بالإحباط، مع وجود بصيص من الأمل في الله أولا أن يرحمنا ويصلح لنا شؤوننا كلها، ثم الأمل في البعض الذين مازالوا يتسمون بالخير،
في ظل الوضع العام للحياة الذي أصبح مكسوا بالمادية حتى بلغ الأمر الذروة.
لقد أصبح الأخ بسبب المادية الطاغية لا يعرف أخاه إلا في المصالح، وأصبح كل شخص سواء كان مرتاحا ماديا أو من المطحونين في الأرض لا يبحث عن القيم والمباديء بقدر ما يبحث عن المصالح خاصة المادية منها.
إن طغيان المادية على الحياة غيب القيم، حيث غاب الصدق، وغابت الأمانة، وانتشر الفساد، وتفشى القتل، واستشرت السرقة، إلى درجة أصبح معها لا يلقي أحد السلام على أحد إلا من أجل المصلحة، والفائدة.
إنني أعلم تمام العلم بأن هناك من سيتهمني بالسوداوية والتشاؤم من خلال هذه النظرة وذلك الكلام، لكن الواقع ينبيء بالكثير وليس بالقليل مما ذكرته.
لقد أصبح الناس حتى في الأشهر الطيبة الكريمة مثل شهر رمضان لا يحتملون بعضهم، وأصبح الكثيرون ليس لديهم صبر أو تحمل، والكل يظن أن أخذ الحقوق لا يأتي إلا بالقوة، والصوت المرتفع، لدرجة أن البعض عند المرور بالسيارات في الشوارع مثلا لا يعطون الفرصة لبعضهم عند المرور في الشوارع الضيقة والمزدحمة، معتقدين أن التراجع بالسيارة للخلف قليلا لفض الزحام لا يجب إلا على الآخر، فيشتد العناد بين قادة السيارات فتحدث الأزمة، ويشتد الخناق.
مثال المرور السابق الذي يؤدي للعناد والتشدد في الرأي، قليل من كثير من أمور الحياة التي تسبب الأزمات المرورية وغيرها، وأعتقد أن السبب الرئيس في ذلك هو طغيان المادية على الناس، مما جعل أغلب القلوب صلبة قاسية، لا تراعي القيم والأخلاق، ولا تزن الأمور بموازينها الحقيقية.
أمور الحياة كثيرة ومعقدة ومتشعبة وتحتاج منا إلى التسهيل والتيسير، ولا تحتاج إلى التعقيد الناجم عن طغيان الفكر المادي البحت، الخالي من القيم والأخلاق التي تمثل طوق النجاة للبشرية جمعاء.
لا يعني طغيان المادية أنك ستأخذ أكثر مما كتب لك، ولا يعني التمسك بالبساطة أنك لن تأخذ أقل مما كتبه الله لك.