السلام عليكم ورحمة الله
فوائد من زاد المعاد
قال ابن القيم في زاد المعاد في هدي خير العباد:
فصل في هديه ﷺ في خطبه
خطب صلى الله عليه وسلم على الأرض ، وعلى المنبر ، وعلى البعير ، وعلى الناقة . وكان إذا خطب احمرت عيناه وعلا صوته واشتد غضبه ، حتى كأنه منذر جيش يقول : ( صبحكم ومساكم ) ويقول : ( بعثت أنا والساعة كهاتين ، ويقرن بين أصبعيه السبابة والوسطى ، ويقول : أما بعد فإن خير الحديث كتاب الله ، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم ، وشر الأمور محدثاتها ، وكل بدعة ضلالة )
وكان لا يخطب خطبة إلا افتتحها بحمد الله . وأما قول كثير من الفقهاء : إنه يفتتح خطبة الاستسقاء بالاستغفار ، وخطبة العيدين بالتكبير فليس معهم فيه سنة عن النبي صلى الله عليه وسلم البتة ، وسنته تقتضي خلافه ، وهو افتتاح جميع الخطب بالحمد لله ، وهو أحد الوجوه الثلاثة لأصحاب أحمد ، وهو اختيار شيخنا قدس الله سره .
وكان يخطب قائما ، وفي مراسيل عطاء وغيره ( أنه كان صلى الله عليه وسلم إذا صعد المنبر أقبل بوجهه على الناس ثم قال : السلام عليكم ) قال الشعبي : وكان أبو بكر وعمر يفعلان ذلك . وكان يختم خطبته بالاستغفار ، وكان كثيرا يخطب بالقرآن . وفي صحيح مسلم عن ( أم هشام بنت حارثة قالت : ما أخذت ق والقرآن المجيد إلا عن لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرؤها كل يوم جمعة على المنبر إذا خطب الناس ) ، وذكر أبو داود عن ابن مسعود ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا تشهد قال : الحمد لله نستعينه ونستغفره ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ، من يهد الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلا الله ، وأن محمدا عبده ورسوله أرسله بالحق بشيرا ونذيرا بين يدي الساعة ، من يطع الله ورسوله فقد رشد ، ومن يعصهما فإنه لا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئا ) وقال أبو داود عن ( يونس ، أنه سأل ابن شهاب عن تشهد رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الجمعة فذكر نحو هذا ، إلا أنه قال : ومن يعصهما فقد غوى )
قال ابن شهاب : ( وبلغنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول إذا خطب : كل ما هو آت قريب ، لا بعد لما هو آت ، ولا يعجل الله لعجلة أحد ، ولا يخف لأمر الناس ، ما شاء الله لا ما شاء الناس ، يريد الله شيئا ويريد الناس شيئا ، ما شاء الله كان ولو كره الناس ، ولا مبعد لما قرب الله ، ولا مقرب لما بعد الله ، ولا يكون شيء إلا بإذن الله )
وكان مدار خطبه على حمد الله والثناء عليه بآلائه وأوصاف كماله ومحامده ، وتعليم قواعد الإسلام ، وذكر الجنة والنار والمعاد ، والأمر بتقوى الله ، وتبيين موارد غضبه ومواقع رضاه ، فعلى هذا كان مدار خطبه .
( وكان يقول في خطبه : أيها الناس إنكم لن تطيقوا - أو لن تفعلوا - كل ما أمرتم به ، ولكن سددوا وأبشروا )
وكان يخطب في كل وقت بما تقتضيه حاجة المخاطبين ومصلحتهم ، ولم يكن يخطب خطبة إلا افتتحها بحمد الله ، ويتشهد فيها بكلمتي الشهادة ، ويذكر فيها نفسه باسمه العلم .
وثبت عنه أنه قال : ( كل خطبة ليس فيها تشهد فهي كاليد الجذماء )