بسم الله الرحمان الرحيم والصلاة والسلام على أشرف المرسلين سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم أما بعد نواصل الحديث عن مقاصد الحج في الحلقة الثالثة :
9 . ومن مقاصد الحج من خلال الوقوف بعرفة هو محاسبة النفس والتفكر لأن التفكر في الإسلام عبادة ويجعل عقل الإنسان يتفتح و يزيد يقينه بوجوب عبادة الله و الإيمان بوحدانيته وبأن روحه يزيد شعورها بالراحة و الاطمئنان والسكينة وهناك آيات قرآنية تدل على ذلك ومنها قول الله عز وجل في سورة الأعراف الآية 185 :
" أَوَلَمْ يَنظُرُواْ فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا خَلَقَ اللّهُ مِن شَيْءٍ وَأَنْ عَسَى أَن يَكُونَ قَدِ اقْتَرَبَ أَجَلُهُمْ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ ".
وهناك آية أخرى في سورة آل عمران رقم 190 حيث يقول المولى عز وجل ذو الجلال و الإكرام :" إنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لِّأُوْلِي الألْبَابِ ".
فمن خلال الآيات نفهم أن الله يطلب أصحاب العقول النيرة من أولي الألباب التأمل والنظر في ملكوت السماوات و الأرض ولأن يبصروا في مخلوقاته و اختلاف الليل والنهار حتى تصل إلى حقيقة بديهية أن الله هو الخالق و البارئ و المصور لا إله إلا هو ملك الناس و إله الناس ورب الناس لا شريك له و وقفة عرفة تساعد على التفكر وتوحي بذلك وتجعل إيمان المؤمن يزيد درجات و يقين ولأن الوقوف بعرفة يذكرنا بيوم الحساب و يوم القيامة لأن يوم عرفة يقف الملايين من الناس أي حشد كبير وهذا ما يجعل المسلم يتذكر يوم القيامة تعج بالخلائق وتكون حشود أعظم و أعظم مما في عرفة لكن عرفة توحي لك بأن عليك أن تقوم بالتفكير مليا في حياة الدنيا و حياة الآخرة و كيف عليك أن تقوم بالاستعداد المسبق كمسلم سوف يحاسب يوم الميعاد لأن يوم القيامة سوف تجد كل الخلق منذ خلق آدم إلى يوم الدين ويوم عرفة يجعلك تعرف أنك لست وحدك وأنك مطالب بأن تعرف ربك وهو نفس قصد الحجاج هو معرفة الله وعبادته وطلب أن يتجاوز عن سيئاتك و الثواب على الحسنات و الدخول إلى الجنة .
10 ـ ومن مقاصد الحج من خلال الوقوف بعرفة هو طلب المغفرة لأن في هذا اليوم يغفر الله حتى الكبائر لذا فهو يوم مبارك يمحو الله الكبائر وهذا لا يعني أن الصغائر لا قيمة لها بل إن هناك من له صغائر فليطلب أن يتخلص منها و يغفر الله له فكما يوم عرفة تمحو الكبائر تمحو أيضا الصغائر.لهذا في يوم عرفة له مزايا لدعوتك للسعي لطلب المغفرة سواء من الصغائر أو الكبائر لهذا جعلك تقف في عرفة لتتعرف على نفسك و تتأمل في ذنوبك و آثامك و سيئاتك و مخالفاتك الشرعية وتطلب العفو و المغفرة وتطلب الرحمة في يوم عرفة و في كل أيام عمرك .وتقف في عرفة حتى لا تغتر بنفسك وحتى لا تقول أنا كامل الأوصاف ومثالي وليست لي ذنوب بل مسلم قد أخطأ وقد لا أخطأ و أصيب و لا أصيب فإذا أصبت حمدت الله وطلبت الثبات على الدين و إذا أخطأت أطلب المغفرة و لا أصر على المعاصي لهذا أيها المسلم عندما تقف في عرفة وأنت تريد من الله التواب التوبة من المعاصي و الندم على ما اقترفته من كبائر أو صغائر يجب أن تكون لك العزيمة على عدم العودة إليها بإرادة مؤمن صادق وتطلب من الله الرحيم الرحمان الرحمة ومن الله الغفور الغفار المغفرة وأن يغفر لك ذنوبك دقها وعظيمها .
11 ـ ومن مقاصد الحج من خلال الوقوف بعرفة هو توطيد العلاقة مع الله وتمتين الصلة بالله عز وجل و التمسك بحبل الله لأن عندما تتوافد جموع الحجيج إلى صعيد عرفات يباهي الله بالحجاج أمام الملائكة عندما يكثر المتوافدين على صعيد عرفة والحديث الذي ورد في صحيح مسلم في كتاب الحج باب فضل الحج والعمرة رقم 1348 يؤكد مباهاة الله بالحجاج فعن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : "ما من يوم أكثر من أن يعتق الله فيه عبدًا من النار من يوم عرفة، وإنه ليدنو ثم يباهي بهم الملائكة، فيقول: ما أراد هؤلاء؟".
فمن خلال الحديث أن المقاصد الحج هو الشعور بدنو اله منا وبمباهاته لنا وبأن الملائكة تحفنا وبأننا في عالم روحاني عظيم مفعم بالإيمان .
12 ـ ومن مقاصد الحج من خلال الوقوف بعرفة هو معرفة قيمة الآية القرآنية التي نزلت فيه حيث يقول الله عز وجل في سورة المائدة الآية 02 :
" ٱلْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِى وَرَضِيتُ لَكُمُ ٱلأسْلاَمَ دِينا "
فمن خلال الآية على الحاج الواقف بعرفة أن يشعر بالعزة والفخر و السعادة و الآمان أنه من أهل الإسلام و أن دينه الإسلام ويشعر بهذه النعمة العظيمة وبرضاء الله و أنه له دينا كاملا غير منقوص بل تام وشامل سواء في كل مجالاته اليومية سواء حياته البيولوجية أو التجارية أو الإجتماعية أو النفسية أو الإقتصادية أو التشريعية القانونية أو السياسية وغيرها من المجالات .