مما يثبته تاريخ الاجتماع البشري أن التعصب الديني، هو وقبيله التعصب المذهبي، إذا باضا وفرخا في مجتمع ما، فإنه لا يلبث أن ينفلت من عقاله ليضع الجميع تحت عقابيله التي لا تبقي ولا تذر.
ومما استفاض من أخبار الملل والنحل أن المتعصبين لها كانوا مرتهنين إلى أدبياتها ومقاصدهالا ينفكون عنها حين الاستشكال مع رؤى ومذاهب خصومهم.
كان الفيلسوف الإنجليزي توماس هوبز( 1588 1679م) يبرر لتنظيره للملكية المطلقة، بأن الإنسان ذئب لأخيه الإنسان. ولربما جاز لنا أن نزعم أن الذئبية تجلت أشد ما يكون التجلي في التاريخ الصراعي الديني والمذهبي بين أهل الملل والنحل والمذاهب.
الدين نزل رحمة للعالمين، لكن التعصب الناتج من القراءات التأويلية المغرضة، حمله ليكون شعارا لذئبية الإنسان تجاه أخيه الإنسان، ولجعله عرضة لغرائزه المنفلتة من عقالاتها .
والقراءات غير الراشدة، والمستبطنة للتأويلات المغرضة لما يخص العلاقة بين الناس وربهم، أشد فتنة من القتل. وإذْ تقاتل أهل الأديان المختلفة، فلقد قاتل أهل الدين الواحد بعضهم بعضا على تأويله، ربما بأشد مما تقاتل عليه أهل الأديان فيما بينهم.
والراصد لتاريخ التعصب الديني سيجد أن ضحاياه أو جلهم على الأقل، لا يقعون عادة في مرمى نار التعصب، فيفقدون حيواتهم، أو جزءا منها، إلا بعد تحريض من رجال الدين الذين يؤججون عاطفة العامة، فيؤلبونها ضد من استهدفوهم، فلا يكاد يفرغ رجل الدين من خطبته/تحريضه، إلا وتندفع الجموع الهادرة إلى الضحية لتمزقها إربا إربا، وهي راضية هانئة قانعة بأنها تنفذ إرادة الرب، كما أوهمها بذلك رجال الدين!
ضحايا التعصب الديني والمذهبي كثيرون وقصصهم تملأ الأسفار، وهم موزعون على كافة الملل والنحل تقريبا.
ولو أخذنا نتفاً من تلك القصص، لاحتجنا إلى أيام وليال وقرطاس وأحبار كثيرة، لكنني رأيت اليوم أن آتيَ على قصة إحدى ضحاياه، ممن لم يمنع مضطهديها ضعفُها ورقتُها كونها أنثى، من أن يسحلوها في شوارع صخرية خشنة وهي عارية، ثم يرموها طعمة للنيران. والتهمة التي سيقت بسببها، وهي ذات التهمة التي سيقت لسلفها ولخلفها من بعد: المروق من "الدين"، والركون إلى أعدائه.
يتبع............................