قالَ الحافظ أبُو نُعيم الأصبهانيّ (ت: 430هـ) -رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى- في كتابه"حلية الأولياء": «حدَّثنا حبيب بن الحسن، قالَ: حدَّثنا محمَّد بن إبراهيم بن بطَّال، قالَ: حدَّثنا زياد بن يحيى، قالَ: حدَّثنا حاتم بن وردان، قالَ: حدَّثنا أيّوب، عن أبي قلابة -رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى-، قالَ: "ما أماتَ العِلْم إلاَّ القصَّاص؛ يُجالس الرَّجل الرَّجل القاص سنةً فلا يتعلَّق منه بشيء، ويجلس إلى العلم فلا يقوم حتَّى يتعلَّق منه بشيء"».اهـ.
([«حلية الأولياء» (1/339)])
=====
وسُئِلَ معالي الشَّيخ الدُّكتور صالح بن فوزان بن عبد الله الفوزان (عضو هيئة كبار العُلماء) -حَفِظَهُ اللهُ تَعَالَىٰ-: هل إيراد القصص أيًّا كانت علىٰ سبيل الدَّعوة من منهج السَّلف الصَّالح؟ أم يقتصر الإنسان على القصص الَّتي وردت في الكتاب والسُّنَّة فقط ؟
فأجابَ بقوله: نعم؛ يقتصر الإنسان علىٰ ما ورد في القُرآن مِن قصص الأُمم السَّابقة، وما ورد في السُّنَّة عن الرَّسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في القصص عن الأُمم السَّابقة من أجل الموعظة والاعتبار، وما عدا هٰذا لا يشتغل به ما لم يثبت في الكتاب والسُّنَّة ؛ لا يشتغل نفسه ، ويشتغل السَّامعين ([1]).اهـ.
([«الإجابات المهمَّة في المشاكل المدلهمَّة» / (1/183) / جمع وإعداد: محمَّد بن فهد الحصين/ 1425هـ])
=====
وكما سُئِلَ فضيلة الشَّيخ العلَّامة عُبيد بن عبد الله الجابري -حَفِظَهُ اللهُ تَعَالَىٰ-: ما هو توجيهكم في مَنْ يكثر من القصص ويبحث عن الغرائب ليجذبالنَّاس؟
فقالَ -حَفِظَهُ اللهُ تَعَالَىٰ-:هٰذا ليس علىٰ سُنَّة؛ هٰذا جاهل، وأناأحذِّر مِنْ هٰذا الصِّنف مِن النَّاس، لأنَّهم ليسَ لديهم إلَّا هذه القَصص،فليسوا أهلًا لِتعليم النَّاس دين اللهعلى وفق الكتاب والسُّنَّة، وسيرة السَّلف الصَّالح.اهـ.
من محاضرة بعنوان:
([«الجمع بين الخوف والرَّجاء» / ألقاها الشَّيخ ضمن: "اللِّقاءات السَّلفية القطريَّة" /
في ليلة الثلاثاء 5 جمادى الأولى 1431هـ])
======
وسُئِلَ أيضًا فضيلة الشَّيخ العلَّامة/ زيد بن مُحمَّد المدخليّ -حَفِظَهُ اللهُ تَعَالَىٰ-: فضيلة الشَّيخ! يقوم بعض الوعَّاظ في المساجد وبعض طلبة العلم في المدارس بسرد قصص على الحاضرين بحجَّة أنَّها مِن أساليب الدَّعوة والتَّربية الإسلاميَّة، والسُّؤال هو هل فعلهم متفق مع أسلوب الدَّعوة إلى الله والتَّربية الإسلاميَّة للنَّاشئة أم مختلف؟ وجِّهونا مأجورين.
فقالَ-حَفِظَهُ اللهُ تَعَالَىٰ-: اِعلم أيُّها السَّائل! -وفَّقك الله للفقه في الدِّين-، أنَّ الواجب على الواعظ والمربي للنَّاشئة من أبناء المسلمين أن يكونا من ذوي العلم الشَّرعي، ومن أهل القدرة على كيفية الاستدلال بالنُّصوص من الكتاب والسُّنَّة وأقوال أهل العلم الثَّابتة عنهم بنقل الثِّقة عن الثِّقة، إذ بذلك يستفيد المجتمع بكافة أفراده صغارًا وكبارًا، لأنَّ ما في القرآن والسُّنة من البيان للحلال والحرام والأدب والسُّلوك والتَّرغيب والتَّرهيب وحسن القصص وضرب الأمثال فيه كفاية لمن يعقل ويتذكر، وكذلك في أقوال علماء السَّلف وأتباعهم توجيه سديد وتربية للنُّفوس ذات أثر طيِّب لاستنادهم في جمع العلم ونشره على الوحيين الكريمين بالفهم الصَّحيح، وإذ كان الأمر كذلك فلا داعي في الموعظة وتربية النَّاشئة إلى قصّ قصص قد لا يكون لها أساس من الصِّحة؛ كقصة الثُّعبان مع من مات وهو تارك للصَّلاة ونحوها من كل أسلوب فيه مخالفة لأسلوب الكتاب والسُّنة بفهم سلف هذه الأمَّة، والحمد لله الَّذي أنزل علينا أحسن الحديث، وقصَّ علينا أحسن القصص، وضرب لنا أوضح الأمثال، ونوَّع لنا المواعظ بأعلى الأساليب وأقربِها للفهم في كتابه الكريم وسنَّة نبيِّه الأمين -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِين-، بحيث لا نحتاج معهما إلى غيرهما من أساليب النَّاس واجتهاداتِهم في البحث عن القصص المخيفة الغريبة الَّتِي لَمْ تثبت لا في الكتاب ولا في السُّنة؛ ولَم تنقل عمن يوثق بعلمهم من سلف الأمَّة، فالحذر الحذر من فكر الاستحسان الَّذي فيه مخالفة لصحيح السُّنة، ومحكمات القرآن فإنَّهُ لا بركة فيه، ولا اعتماد عليه، ولا حاجة إليه مدى الأزمان، فافهم رعاك الله الكريم المنان، صاحب الفضل العظيم والجود والإحسان.اهـ.
([ «العقد المنضد الجديد» / باب: "العقيدة والسُّلوك" / الفتوىٰ رقم: (61)])
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــ
[1]قالَ الإمام مالك -رَحِمَهُ اللهُ-: «إنِّي لأكره هٰذه القصص في المساجد، ولا أرىٰ أنْ يجلس إليهم؛ وإنَّ القصص لبدعة؛ وليس عليهم أنْ يستقبلوه كالخطيب».اهـ انظر رسالة: "المذكر والتَّذكير والذِّكر" للإمام الحافظ أبي بكر أحمد الشيباني، بتحقيق: خالد الرَّدادي، ط: المنار.