تكتم النصيرية على عقيدتهم :
( يا مفضل : لقد أعطيت فضلاً كثيراً ، وتعلمت علماً باطناً فعليك بكتمان سر الله ، ولا تطلع عليه إلا و لياً مخلصاً ، فإن أفشيته إلى أعدائنا فقد أعنت على قتل نفسك )(1) .
( وأوصيك يا أخي و نفسي بكتمان سر الله تعالى ، و باطن مكنونه ، إلا من أخوانك الموحدين المقرين بمعرفة علي الأعلى )(2) .
( ولقد كشفت لك في هذه الجوابات ما لم يكن يجب كشفه ، إلا من لسان إلى أذن ... لمن يوثق به ... وهو عندك أمانة ... ولا توقف عليه أحداً )(3) .
النصيرية من أشد الفرق في الكتمان على معتقداتهم , وتعتبر ديانتهم سراً من الأسرار العميقة , ولا يجوز إفشاءها لغيرهم , ومن يفشي شيئا من عقيدتهم جزاءه القتل في أسوأ صورة له نصيرياً كان أو غير نصيري لأنه أفشى سر العلي الأعلى.
وحينما أفشى سليمان الأضني النصيري من ولاية أضنة التركية , وهو من أبناء مشائخ النصيرية عقائدهم بعد أن دخل في الديانة النصرانية , بتأثير من بعض المنصرين الأمريكيين , وجاء إلى اللاذقية وكتب كتابه الخطير المسمى بـالباكورة السليمانية في كشف أسرار الديانة النصيرية , والذي كشف فيه الكثير من أسرار العقيدة النصيرية , وطبع المنصرون الأمريكيون الكتاب في بيروت سنة 1863م , بعد أن أقام هذا المسكين باللاذقية مدة من الزمن وهو على النصرانية , أخذ أقاربه يراسلونه ويحببون إليه العودة إليهم , مستعملين في ذلك كل وسائل التودد والمجاملة والمحبة , حتى أمن جانبهم , وعاد إلى وطنه الأصلي و إلى أقربائه النصيرية , وهناك قتلوه بشر قتلة , حيث قتلوه حرقاً في الساحة العامة . ثم حاول الشيعة النصيرية بعد حرقه بكل جهد وعزم على إحتواء هذا الكتاب الذي فضحهم , حتى إختفى تدريجياً ولا توجد منه الآن نسخة واحدة , وهكذا فإنهم يترصدون لكل من يذكر عنهم شيئا أو يشير إلى عقائدهم الخبيثة الباطنية التي تنضح وثنية وشركاً , ولا يملكون من وسائل الدفاع والرد غير التصفية الجسدية الجبانة لعلمهم بأن مذهبهم قائم على عورات لا تحتمل النقاش وعرض الأدلة، فهي أقنعة واهية سرعان ما يظهر ما وراءها وينكشف، ومن هنا فإنهم ليسوا على استعداد لأي بحث ومناظرة.
حتى أن ظهور ( الإله ) في الظهورات البشرية المختلفة لم يكن معروفا لكل الناس ، لأنه سر الأسرار ، فلم يعرف هذه الحقيقة و هذه الظهورات إلا الذين اصطفاهم الله لمعرفته : } لأن المعنى - أي الله - أسر ذاته عن العالم المنكوس ، وأوجب أن يعبد سرا ، ويعرف سرا في كيفيته و ظهوره بالبشرية {(5) . فهناك صعب و مستصعب ، } فالصعب هو الإقرار بالصورة المرئية ، والمستصعب الإذعان لها بالعبودية ، و كلا الأمرين سر مستتر ، فمن عرفه و أذاعه على الجهال هتك سر الله {(6) .
فالستر هي صفة أهل الباطن ، أي أهل النور و القدرة ، أما أهل الظاهر فهم أهل الظلام و الظلمة ... (7) .
لذا فالستر و الكتمان أصل هام من أصول عقيدتهم ، ويعتبرون الكتمان جزء من الميثاق الذي أخذه الله على النبيين ، و يروي المفضل الجعفي عن جعفر الصادق ، أن قوله تعالى : (( و إذ أخذنا من النبيين ميثاقهم و منك و من نوح و ابراهيم و موسى و عيسى ابن مريم وأخذنا منهم ميثاقا غليظا ))] سورة الأحزاب الآية 7 [ ، فالله تعالى - عما يزعمون - قد أدخل الكتمان في الميثاق الذي أخذه على الأنبياء و الأوصياء ، وقال لهم : استرو ذلك واكتموه ، لما علم ما في قلوب الأعداء .... (8) .
حتى أن اليهود والنصارى - كما يزعمون - لما أقروا بالمعنوية - أي الألوهية - لعلي ، قالوا : يامولانا نقيم على أدياننا ، فقال : اعبدوا الله في خوالص ضمائركم لأنكم في خفية و استتار ، أخفى الله فيها نفسه وستر علمه .... (9) .
وهذا السر- في نظرهم – لا تستطيع الجبال حمله لعظمته و شرفه ، فهو الترياق الشافي لمن حفظه أي حفظ السر و صانه – ودان به واتقاه ، والسم القاتل لمن كشفه إلى غير أهله و فشاه ، لأنه سر احتجاب علي في النور أي الشمس ... (10) .
والذي يفشي السر إلى الجهلة ، أودع المعرفة عند غير أهلها ، فكأنه علق الدر في أرقاب الخنازير ... (11) .
والمنتجب العاني يعرض هذه السرية في بعض أبياته فيقول :
وسر يقلقل صم الجبا ل و يفجر من صخرها أعينا
عجائبه كثرة لا تعد فطوبى لطرف إليها رنا
و فيه جواهر للمبصرين بألباب أهل الوفا تجتبى
وفي طي أسرار أهل الحفا ظ تصان و من عندهم تقتنى
وفي قعره درر لا وصو ل إليهن إلا بطول من هنا
و نمسك من بعد هذا المقال حذارا و نقطعه من هنا
لكي لا تلوح معاني الكلام فيظهر ضد علي سرنا (12)
و النصيرية المعاصرون ، وبعد أن ظهرت بعض هذه العقائد السرية تحاول أن تبرر هذه بقولها : ( إن علوم أهل البيت كانت غير معلومة عند عوام المسلمين ، و أن بعض الأحكام لم يعلمها إلا الخواص )(13) .
الهوامش :
1-كتاب الهفت و الاظلة، ص 126 .
2-كتاب الهفت و الاظلة، ص 78 .
3-انظر ( خمس رسائل و أجوبتها ) لمؤلف مجهول ، ص 64 – 65 ، ضمن مجموعة رسائل حققها و نشرها المستشرق الألماني شتروطمان .
4-طائفة النصيرية لسليمان الحلبي .
5-كتاب الصراط / الجعفي - مخطوط ورقة 159 ب .
6-كتاب الأصيغر / للحراني - مخطوط ورقة 7 أ .
7-المصدر السابق ورقة 179 أ .
8-الهفت و الأظلة / الجعفي - ص 46 .
9-كتاب الأصيغر / للحراني - مخطوط ورقة 126 ب ، وهذه الحادثة ليس لها أصل تاريخي .
10-كتاب تعليم الديانة النصيرية - مخطوط - ، ورقة 17 أ / ومخطوط 1450 عربي ورقة 32 أ .
11-مخطوط 1450 عربي ورقة 34 أ .
12-فن المنتجب العاني و عرفانه / ص 51 -52 .
13-تاريخ العلويين / محمد أمين غالب الطويل ص 249 .