عودتها تكون وفقا للترتيب المعاكس لفقدانها " .
لا شك في أن للدماغ دورا في حفظ وبعث الذكريات , ولكن
ربط الذاكرة بالدماغ وحده فيه مبالغة خاصة فيما يتعلق بأمراض الذاكرة
وفقدانها بشكل مرتب وحسب قوانين .
الذاكرة وظيفة نفسية لا ترتبط بالدماغ :
يذهب بعض الفلاسفة والعلماء إلى تفسير الذاكرة تفسيرا
روحيا لا ماديا وعلى رأس هؤلاء " برغسون " الذي انتقد النظرية المادية
وخاصة نظرية ريبو في تعلق الذاكرة بالدماغ حيث يرى أنه يحدث وأن تعود فجأة
الذكرى التي كنا نظن أنها أتلفت وهذا بفعل تأثير قوي على النفس فهل من
المعقول أن يحدث ذلك لو أنها كانت نتيجة إتلاف خلايا الدماغ ؟ كما انتقد
ريبو بشدة في الذاكرة المرضية حيث يقول : " أفلا يكون من الغريب حقا أن
يمس هذا المرض هذه الخلايا بالترتيب ؟ " .
وهكذا يخلص برغسون إلى أن ريبو قد اخلط بين نوعين من الذاكرة :
أ- الذاكرة العادة : وهي ذاكرة جسمية أو حركية وهي حركات مخزونة في الجسد تكونت نتيجة تكرارها .
ب- الذاكرة الروحية : وهي ذاكرة
بسيكولوجية شعورية أو لاشعورية ) وهي نفسية خالصة تولد تامة , تحفظ ذكريات
الماضي دفعة واحدة بصورة مستقلة عن الدماغ , فهي من طبيعتها ألا تتكرر .
فالذكرى تتردد بين الشعور و اللاشعور وما الدماغ إلا أداة استحضار وما
دامت الذكرى روحية فلا معنى للسؤال أين توجد ؟ وقولنا أنها موجودة في
الفكر يكون على سبيل المجاز فقط .
لا نشك في أن الذاكرة ترتبط بالنفس , وفي أن التمييز
بين الذاكرة الحركية والنفسية يزيد الموضوع وضوحا , لكن الفصل التام بين
ما هو عضوي وما هو نفسي فيه مبالغة , والتجربة تثبت استرجاع الذكرى يحتاج
إلى سند مادي ملائم . فالذكريات قد تبعثها حركات جسمية .
الذاكرة ليست وظيفة فردية ( فيزيولوجية أو بسيكولوجية ) بل نشاط جماعي :
يذهب بعض الفلاسفة إلى تجاوز التفسير المادي والتفسير
الروحي باعتبار الذاكرة وظيفة اجتماعية بحيث تتدخل المفاهيم الاجتماعية من
تفكير ولغة و عادات ...الخ . في عملية التذكر مما يجسد التعاون بين
الذاكرات . حيث يقول " هالفكس " في كتابه " الأطر الاجتماعية للذاكرة " :
" إن الماضي لا يحتفظ به , انه يعاد بناؤه انطلاقا من الحاضر , والذكرى
تكون قوية لما تنبعث من نقطة التقاء الأطر والنسيان هو نتيجة اختفاء هذه
الأطر " . هكذا تصبح الذاكرة نشاطا اجتماعيا وليس عملا فرديا , فالذاكرة
الحقة عنده هي الذاكرة الاجتماعية الناتجة عن التفاعل بين الأفراد .
إن الذاكرة باعتبارها صفة إنسانية هي مرتبطة هي مرتبطة
بنشاط الفرد في حياته اليومية وبذلك تتدخل فيها معطيات متشبعة منها الجانب
الجسمي ممثلا في دور الدماغ والجانب الروحي ممثلا في الحياة النفسية
بجانبيها الشعوري و اللاشعوري بالإضافة إلى العلاقات الاجتماعية للفرد
بأطرها ومفاهيمها الاجتماعية .
لموضوع الثاني :
نص السؤال : هل النسيان مرض ؟
إن
الحديث عن الذاكرة باعتبارها قدرة تمكن صاحبها من حفظ الماضي واسترجاعه
عند الضرورة من أجل التكيف , لا يعني أنها قدرة مطلقة تتحكم في التخزين
والاسترجاع في جميع الأحوال والظروف بل يحدث وأن تختل الذاكرة فيصعب عليها
حفظ الذكريات أحيانا , كما يصعب على صاحبها أحيانا أخرى استرجاع ما تم
حفظه فتصبح الذاكرة عاجزة عن أداء دورها على الرغم من الجهد الذي يبذله
الإنسان في سبيل ذلك و هو ما يعرف بالنسيان . فهل ظاهرة النسيان عند
الإنسان حالة مرضية أم حالة عادية تعيشها الذاكرة ؟ بمعنى آخر هل فقدان
الذكريات بشكل أو بآخر في نظر العلماء يعتبر مرضا ؟
النسيان مرض : إن الذاكرة
باعتبارها نفسية تعمل على حفظ الذكريات و استرجاعها عند الضرورة فإن كل
فقدان أو عجز في الاستحضار يعتبر حالة سلبية . ومن بين العلماء الذين يرون
أن النسيان مرض ريبو الذي فسر النسيان تفسيرا ماديا يرده إلى إصابة في
الدماغ , فأية إصابة في خلايا القشرة الدماغية يؤدي حتما إلى زوال
الذكريات المسجلة عليها , مما ينتج عنه فقدان الذكريات وهذا الفقدان قد
يكون كليا فيبدأ من الحوادث القريبة العهد ويمتد إلى الأفعال والإشارات ,
كما يمكن و أن يتماثل المريض إلى الشفاء فيسترجع ذاكرته فتعود الذكريات
وفقا للترتيب المعاكس لفقدانها , ومن بين الأمراض التي تصيب الذاكرة :
الأمنيزيا, الأفازيا .. ( راجع أمراض الذاكرة ) .
أما فرويد فقد اعتبر النسيان كبت في جانب اللاشعور ,
فالمريض لا ينسى كل الحوادث التي عاشها في الماضي وإنما ينسى بعض الحوادث
المؤلمة التي لا يرغب في تذكرها فهي التي تستقر في اللاشعور لأن الأنا
يعمل على إبعادها من ساحة الشعور . ونتيجة هذا التفسير فإن النسيان مرض
مهما كانت أسبابه , وهو يعيق نشاط الفرد .
لكن ليس كل نسيان مرض , فقد يكون النسيان شرطا لحياة
الذاكرة نفسها , إذ منه يكون نفسيا وتلقائيا لعدم الحاجة إليه دون كبت ولا
تلف لخلايا الدماغ .
النسيان حالة عادية : إن الذاكرة
لا تعني حفظ كل آثار الماضي ثم استعادتها جميعا , بل ينتقي الإنسان ما هو
ضروري وموافق لاهتماماته , ومن هنا يكون أمرا عاديا وطبيعيا أن ينسى إنسان
بعض آثار الماضي , ومن بين الفلاسفة الذين يرون أن النسيان حالة عادية "
برغسون " الذي اعتبر النسيان حالة طبيعية يعيشها الفرد إذ لا يتذكر من
الماضي إلا ما كانت له علاقة بالواقع الذي يعيش فيه , إذ لا يلتفت الإنسان
إلى الماضي إلا لحاجة في التكيف , إذ حاول برغسون إثبات أن الحوادث
السابقة لا تمحى , وأن الذكريات المنسية لا تتلف أبدا . ولهذا انتقد
برغسون ريبو بشدة في الذاكرة المرضية .
كما أن بعض علماء النفس الحديث يرجعون ظاهرة النسيان
إلى بعض العوامل كعامل الترك والضمور فاختفاء بعض الذكريات يكون نتيجة
تركنا لها نظرا لعدم احتياجاتنا إليها , فالإنسان يتذكر ما يلائمه وينفعه
ويفيده , فالتذكر اختيار , وبناء على ما سبق يكون النسيان ظاهرة عادية
تعيشها الذاكرة لا حالة سلبية .
لكن لا يمكن اعتبار كل نسيان حالة عادية , فقد ينسى
الإنسان بعض الحوادث التي هو في أمس الحاجة إليها ولا يمكن اعتبار ذلك إلا
حالة سلبية تعيق الإنسان في نشاطه .
النسيان من طبيعة الذاكرة :
إن الإنسان الذي يشتكي من زوال المعلومات والآثار
الماضية والذي يأسف عن عدم قدرته في استرجاع بعض الذكريات الجميلة , فيصف
ذاكرته بالخائنة هو الإنسان الذي يشعر بحاجة في نسيان ما تم اكتسابه من
معارف و خبرات ماضية حتى يفسح المجال لذاكرته في تحصيل علوم جديدة , وهو
الذي يشعر برحمة النسيان في تجاوزه لآثار الذكريات المؤلمة والحقد و
الكراهية التي تعتري الحياة الاجتماعية للناس , وهكذا لا يعتبر النسيان
حالة مرضية وسلبية دائما , كما لا يعتبر حالة عادية وطبيعية دائما .
فالذاكرة السليمة ليست تلك الذاكرة التي يصيبها النسيان
و إنما الذاكرة التي تنتقي موضوعاتها فتحتفظ بما هو ضروري لها وتطرح
الباقي جانبا فتكسب قدرة جديدة على الحفظ والاسترجاع .
إن النسيان ظاهرة تفترضها طبيعة الذاكرة فهو شرط من
شروط توازنها وسلامتها , والحكم على النسيان بأنه نقيض الذاكرة حكم ساذج
فالنسيان ليس نفيا للذاكرة و لا نقيضا لها في جميع الأحوال , فلولا
النسيان لما استطاع الإنسان أن يتكيف مع المواقف الجديدة وهذا لا يعني أن
النسيان حالة إيجابية دائما بل قد يكون سلبيا ومعيقا لصاحبه متى كان مرضيا
المحور الرابع عشر : الذكاء والتخيل .
نص السؤال : هل الذكاء هدية الآباء للأبناء ؟
يولد
الإنسان مجهزا بوسائل وأدوات تمكنه من تجاوز الصعوبات و العوائق التي
تعترضه في حياته , فالبغريزة وهي قدرة فطرية لديه يتمكن من القيام بسلوكات
مختلفة تنتهي إلى إشباع حاجاته ومطالبه , كما يأخذ الإنسان من المجتمع
أدوات أخرى تمكنه من تجاوز صعوبات وعوائق من طراز آخر , فالبعادة وهي قدرة
مكتسبة لديه يتمكن من مواجهة صعوبات الحياة اليومية التي تنتهي بتحقيق
أغراضه العلمية والعملية , غير أن هناك من مطالب وعوائق تتجاوز عفوية
الغريزة وتتحدى آلية العادة وتحتاج إلى قدرة عقلية بارعة تمكن صاحبها من
القيام بعمليات التفكير العليا ومن ابتكار حلول جديدة لمشاكل طارئة وهذه
القدرة هي الذكاء , فهل الذكاء يعود إلى تأثير العوامل الوراثية البيئية ؟
أو بمعنى آخر هل الذكاء نرثه عن الآباء أم ننتظر سخاء المجتمع ؟
الذكاء يعود إلى تأثير العوامل الوراثية ( الذكاء فطري ) :
يذهب بعض العلماء وخاصة علماء الوراثة إلى أن الصفات
الوراثية هي التي تحدد مصير الإنسان من الناحية العقلية والجسمية فالوراثة
هي التي تشكل الهيكل النفسي من غرائز وميول وطباع فيكون هذا عاطفي وذاك
غضبي , كما تشكل الهيكل الذهني وسائر القدرات العقلية فيكون هذا ذكي و ذاك
غبي , كما تشمل القدرات الجسمية أيضا فتحدد القوي والضعيف . وهذا ما أكد
عليه علماء الوراثة أمثال " مندل و مورغان "
بالتوفيق والنجاح