التفاعلات بين المكونات الثلاثة
تتفاعل المكونات الجسدية و الإدراكية و السلوكية للقلق مع بعضها البعض . يبدا شعور القلق بإحساس جسدي (كارتجاف اليدين) ، الذي يثير بدوره فكرة أو عدة أفكار مقلقة
( كقولك مثلاً : "إن لاحظ الناس ارتجاف يدي، سيظنون أنني غريب الأطوار" ) كما يبدأ لديك أيضاً شعور بالقلق أيضاً من خلال تصرفات مقلقة (كمغادرة الحفلة بعد مرور 15 دقيقة على التواجد فيها)
لكن العملية قد تبدأ بفكرة . على سبيل المثال ، إذا كنت تفكر في أن جمهورك لا يستمتع على الأرجح بالعرض الذي تقدمه ، فقد تثير هذه الفكرة بعض ردود الأفعال الجسدية كالتعرض أو تسارع نبضات القلب . وقد تثير هذه الأعراض المنبهة أفكاراً مقلقة أكثر حدة ، و قد تقرر في النهاية أن تتفادى الحالة برمتها .
تبدأ الدورة بكاملها أيضاً بتفادي الوضع المثير للخوف ، أو بنوع من سلوك وقائي . و على الرغم من أن هذه التصرفات فعالة على صعيد تخفيف مشاعر القلق على المدى القصير ، فهي غالباً ما تساعد في إحياء شعور القلق على المدى الطويل و ذلك من خلال منعك من أن تتعلم أنه كان بالإمكان فهم هذا الظرف بصورة أفضل مما كنت تتوقع . و الواقع أنك كلما تجنبت التواجد في وضع غير مريح ، يصعب عليك التأقلم مع ذلك الوضع لا حقاً .
(اسأل نفسك فقط ، "ما هو أصعب يوم بالنسبة إليك للتأقلم في جو العمل ؟ " و الإجابة عند العديد من الناس هي يوم الإثنين.)
كما سبق أن ذكرنا في المقدمة ، سوف تجد أنه من الضروري الاحتفاظ بدفتر يوميات أثناء تنفيذ الخطط العملية الواردة في هذا الكتاب.
فإذا استخدمت دفتر يوميات، سيكون من السهل عليك أكثر أن تنجزمعظم التمارين و تبقيها منظمة.
من هم الأشخاص الذين ييعانون من القلق الجتماعي ؟
يعاني الجميع تقريباً بين الحين و الآخر من بعض القلق في المناسبات
الاجتماعية . و في إحدى مونولوجاته علق الممثل الهزلي "جيري سينفلد " قائلاً : "وفقاً لمعظم الدراسات ، يخاف الناس في المرتبة الأولى من التحدث أمام الناس . و يخاف الناس في المرتبة الثانية من الموت. لاحظ أن الموت يحل في المرتبة الثانية! و هذا يعني بالنسبة إلى الشخص العادي أنه إذا اضطر إلى حضور مأتم، فقد يفضل أن يكون داخل التابوت على أن يشارك في المتأتم!" يبقى استنتاج " سينفلد " موضع شك، لكن من الواضح أن الخجل و القلق الاجتماعي هما شعوران عالميان تقربياً .
على سبيل المثال ، بعد أن أجرى الطبيب النفسي "فيليب زيمباردو" و زملاؤه سلسة من الإحصاءات ، تبين أن 40 % من الأشخاص وصفوا خجلهم بالمزمن ، إي أنه أصبح يسبب لهم مشكلة . و من نسبة الـ 60% الباقية ، يقول معظم الناس إنهم يخجلون في ظروف معينة ، أو إنهم كانوا يعانون من الخجل سابقاً . و الواقع أن 5% فقط من الناس قالوا إنهم لا يشعرون بالخجل أبداً .
و في بحث أجري في "مركز الأبحاث و علاج القلق" ، ظهر أن الأعراض الجسدية للقلق الاجتماعي مشتركة لدى السكان العاديين . وفي دراسة أجريناها ، أخبر معظم الناس أنهم يعانون من وقت إلى آخر من أعراض جسدية للقلق في المناسبات الاجتماعية . و من الأعراض الأكثر شيوعاً الشعور بالرهبة ، و التوتر ، و احمرار الوجه ، و مواجهة صعوبة في التعبير بشكل واضح ، و تسارع نبضات القلب ، و التأتأة , و الإحساس بوجود شيئ عالق في الحنجرة ، و التعرق ، و الارتجاف ، و الميل إلى الابتسام أو الضحك أو عدم التحكم في الكلام أو التكلم بطريقة غير ملائمة .
هل يشكل الخجل و القلق الاجتماعي مشكلة على الدوام ؟
في معظم الأوقات،تنحصر النتيجة الوحيدة الناجمة عن الشعور بالقلق الاجتماعي بالانزعاج المؤقت الذي يعاني منه الفرد أثناء المناسبة التي يوجد فيها . و في العديد من الحالات ، لا يلاحظ الآخرون قلقك ، كما أن الأعراض لا تتداخل مع وظيفة الفرد . وفي حال لاحظ الآخرون قلق شخص ما ، فإن ردة فعلهم لا تكون قاسية .
و الواقع أن حالات ضئيلة من الخجل و القلق الاجتماعي قد تعبتر صفة إيجابية ، فالخجل أحياناً قد يعتبر دليل تواضع أو أحد السمات الواقعية التي تعد في غالب الأحيان طريفة و مرغوباً فيها .
و الواقع أن عدم الشعور بالقلق الاجتماعي بشكل كافي قد يشكل مشكلة بالنسبة إلى بعض الأشخاص . كلنا نعرف أشخاصاً نتمنى لو كانوا يهتمون أكثر بما يقوله الآخرون عنهم . و يعتبر معظمنا أن الشعور بالقليل من الخجل والقلق الاجتماعي هو صفة مفيدة . فإن كنت لا تهتم أبداً برأي الآخرين فيك، فقد تقوم على الأرجح بأمور تسبب لك المتاعب . فقد تقول دائماً كل ما يخطر في بالك ، من دون أن تأخذ بالاعتبار تأثير كلامك على الآخرين . و قد تتأخر على العمل ، و تقدم عروضاً من دون تحضير و تكشف معلومات يفضل إبقاؤها شخصية و سرعان ما يبدأ الآخرون بإظهار ردود فعل سلبية تنتج عنها عواقب غير محمودة . إن بعض القق الاجتماعي يحميك من القيام بأمور قد تتسبب بنتائج اجتماعية وخيمة .
متى يعتبر الخجل و القلق الاجتماعي مشكلة ؟
يصبح القلق الاجتماعي مشكلة حين يتكرر بشكل متواتر و بصورة حادة ، إلى درجة ينزعج فيها الشخص من مستوى القلق ، و يجد صعوبة في العمل ، و يعجز عن إنجاز أهداف مهمة في الحياة . فالبائع مثلاً الذي يشعر بالقلق و يغلق متجره حين يتوجب عليه التحدث إلى زبائن محتملين قد يجد على الأرجح أن قلقه يتعارض مع إمكانيته في تحصيل مدخول جيد .
و الأمر سيان بالنسبة إلى رجل يرغب في التقديم على وظيفة ما و لكنه يحجم عن ذلك خوفاً من المقابلة التي تجرى عادة قبل التوظيف .... و على الأرجح أن هذا الرجل سيشعر بالبلادة و ضعف العزيمة بسبب قلقه . وفي هاتين الحالتين، من الواضح أن القلق الاجتماعي يسبب مشكلة .
و حين يصبح القلق الاجتماعي مشكلة خطيرة ، يطلق عليه المتخصصون بالصحة العقلية اسم الرهاب الاجتماعي أو اضطراب القلق الاجتماعي و هو شكل حاد من أشكال القلق الاجتماعي يسبب انزعاجاً ملحوظاً أو يؤثر سلبا ً على العمل اليومي . قد يكون للرهاب الاجتماعي تأثير حاد على مجالات عديدة و مختلفة من طريقة العيش ، بما في ذلك ، العلاقات الشخصية ، و التربية ، والعمل ، و الحياة الاجتماعية ، و الهوايات ، و غيرها من مجالات الحياة .
و رغم ظهرو بعض الاختلاف بين دراسات عديدة أجريت حول نسبة انتشار الرهاب الاجتماعي، إلا أن تقديرنا الافضل ارتكز على دراسة أجراها باحثون كنديون ، أظهرت أن الرهاب الاجتماعي ينتشر تقريباً من بين كل 15 شخصاً يعاني من الرهاب الاجتماعي النساء و الرجال معاً ، من مختلف الثقافات ، غير أن كل شخص يظهر قلقه بطريقة مختلفة .