![]() |
|
قسم التاريخ، التراجم و الحضارة الاسلامية تعرض فيه تاريخ الأمم السابقة ( قصص الأنبياء ) و تاريخ أمتنا من عهد الرسول صلى الله عليه و سلم ... الوقوف على الحضارة الإسلامية، و كذا تراجم الدعاة، المشائخ و العلماء |
في حال وجود أي مواضيع أو ردود
مُخالفة من قبل الأعضاء، يُرجى الإبلاغ عنها فورًا باستخدام أيقونة
( تقرير عن مشاركة سيئة )، و الموجودة أسفل كل مشاركة .
آخر المواضيع |
|
لا تتردد في الدخول للتعرف على نبّيك و شفيعك محمد صلى الله عليه و سلم
![]() |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
![]() |
رقم المشاركة : 1 | ||||
|
![]() هذا الموضوع باذن الله عزوجل سيكون مرآة وواجهة لسرد بعض من الجوانب في حياة النبي صلى الله عليه و سلم أتمنى ان ينال اعجابكن و أسأل لله لي و لكن ان يجمعنا به في الجنة و هو راض عنا
|
||||
![]() |
![]() |
رقم المشاركة : 2 | |||
|
![]() مولد النبّي -رضاعته-طفولته-شبابه و.. كل مُسلمٍ منّا قد يتساءل عن حياة أعظم خلقٍ للبشرية سيد ولد آدم النبّي محمـد من حيث كُنيته و نَسبه و وِلادته و طُفولته و صِفاته و أَخلاقه و زَواجه و شَبابه و زَوجاته و أَبنائه و غَزواته و...و ذلك لكي نفتخر بأصله و نقتدي به فنتبع سيرته بإذن اللـه خـــاتم الأنبيـــاء هو محـــمد بن عبـــد اللـــه بن عبــد المُطلـــب بن هـــاشم بن قُصــي بن كِـــلاب بن مُــــرّة بن كَعــــب بن لُــــؤي بن غَــــالب بن فِـــــهر بن مَالــك بن النَظـــَر بن كِنــانة بن خُزيمــة بن مُدركـــة بن اليــاس بن مَضــر بن عَدنـان بن أََدد بن مَــقوم بن نَاحــور بن تَــارخ بن َيعــرُب بن يَشجــب بن نـَـابت بن إسمــــاعيل بن إبراهيــــم عليهما السلام . فبذلك جعل اللـهنسبه يسري في كل أرجاء الجزيرة العربية حتى يُخلدونَه و يتشاركون نسبه ، فخصّ اللـه كل بلدٍ بخاصية تتوارث فيها النبّي ، فجدّه كِنانـــة من اليـــمن و جدّته هـــاجر من مصـــر و جدّه هـــاشم دُفِنَ بغـــزّة و أحفـــاذه عاشوا بين الأردن و العراق و المغـــرب العــربي و هو عاش بالخليــــــج العربي و مُرضعتــه أم أيمـــن من الســـودان و مُرضعتـــه حليــمة السعديـــة من البـــادية و أخوال أبيـــه من المدينـــة المنــورة و أهل الشـــام قال عليهم النبّي أنتم في رباطٍ إلى يوم الديــن . و بالتالي سَرى و تَوالد نَسلُ الرسول إلى مَشارِق الأرضِ و مَغاربها ليكون فيهم نَسبًا و نَبيًّا رسولاَ . وقال﴿وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنْ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ فَمِنْهُمْ مَنْ هَدَى اللَّهُ وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلالَةُ ﴾ . فقد اصطفى اللـه محمد على سائر خلقه فأخرجه من رُبوعِ مكــة ، فبذلك اصطفى قُريــش على العرب و اصطفى بني هاشم من قريش و اصطفى عبد المُطلب من بني هاشم و اصطفى عبد الله من عبد المطلب ليبعث خيــر الأنام رسولاً منهم و فيهم ، و يقول الرسول في ذلك ![]() فجدّه هو عبد المطلـــب سّيد قومه الذي شهد حادثة الفيل و الذي تصدى لأبرهة الحبشي عندما دخل مكة بفِيَله ليُحطِّم الكعبة الشريفة فأتاه عبد المطلب و قال له إنّ للكعبة ربٌّ سيحميها فسَخِرَ منه أبرهة و تجرأ على الكعبة ليُهدِّمها فتلقاه ربّ الكعبة بطير أبابيلَ و أنزل فيه سورة بأكملها و هي سورة الفيل في قوله ﴿أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ (1) أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ (2) وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْرًا أَبَابِيلَ (3) تَرْمِيهِمْ بِحِجَارَةٍ مِنْ سِجِّيلٍ (4) فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ (5) ﴾ . فلم يكن عبد المطلب شُجاعًا فحسب بل كان كريمًا في قومهِ و كان يذبح لهم الذبائح في كلّ مَوسم ما يُقارب الألف جمل كما كان مَسؤولاً عن السِقاية ، و قد كان لعبد المطلب ابنا وحيدًا اسمه الحارث . و ذات مرّة بينما كان عبد المطلب نائمًا إذ به يرى في المنام رجلاً يقول له احفر المصونة ،فقال له عبد المطلب و ما المصونة ؟، غير أنه استيقظ من منامه و لم يُجَبْ ،فآتاه الرجل مرّة ثانية في منامه و قال له احفر طيبة ،فقال عبد المطلب و ما طيبة ؟ فاستيقظ أيضًا و لم يُجَبْ ، ثم آتاه الرجل مرّة ثالثة في المنام و قال له احفر زمزم،فقال عبد المطلب و أين أجدها ؟ فقال له الرجل بين الفرث و الدم حيث تجد الغُراب المُعلى ينكث في الأرض،و يقصد بذلك المكان الذي كان يذبح فيه عبد المطلب ذبائحه ،فاستيقظ عبد المطلب و انطلق إلى المكان الذي دَلَّه عليه الرجل في المنام فوجد غُرابًا له ريشة بيضاء ينكث في الأرض بين الفرث و الدم فَفَرِح عبد المطلب لأنه أيقن أن منامه قد صدق،فسارع إلى قومه ليبشرهم بما رآى في المنام و اليقظة معًا ثم طلب منهم مُساعدتهم له في الحفر لإخراج ماء زمزم فاستهزأ به قومه ووصفوه بالهذيان ،فتركهم عبد المطلب و أخذ ابنه الحارث و باشرَا بالحفر للتنقيب على بئر زمزم فأخذ كلُّ من يمرُّ به يصخر منه و يضحك عليه فلم يُعرهم عبد المطلب أي اهتمام وواصل حفره و تنقيبه حتى انفجرت الأرض بالماء فرآى القوم ذلك فاندهشوا و ظنوا للوهلة الأولى أنه بئر عادي و ليتأكدوا من ظنهم أحضروا رجلا من اليمن كان قد شَرِب من بئر زمزم قبل أن تتضاربا عليه قبيلتي جُرهم و خُزاعة من أكثر من 40 سنة ، فلمّاشَرِب الرجل من الماء أكَّدَّ لهم أنه ماء زمزم ، فصَدق أخيرا عبد المطلب و فَرِح فرحًا شديدًا بالبئر إلاّ أنّ فرَحَه لم يَدُم لأنّ القبيلة طالبته بالمُقاسمة كون البئر يخص جدّهم إسماعيل إلاّ أنّ عبد المطلب أبى ذلك و قال لهم أنا الذي حفرتها وحدي و لأُقاتلنَّكَم عليها ، فقالت له قُريش و اللات لنقتُلنَّكَ يا عبد المطلب و ليس لك من الولد غير الحارث تستقوي به ،فقال لهم عبد المطلب أاستضعفتموني لأني لم أنجب غير الحارث ؟؟فنَذْرٌ عليَّ يا قريش لإنْ رزقني الله بعشرٍ من الأولاد لأذبحنَّ واحدا منهم له ، ووقتها تدخّل نذير بن الصمّا لفكِّ النزاع بين أهل قريش و عبد المطلب وقال لهم لقد ظلمتم الرجل ، ثم عرض عليهم الاحتكام إلى كاهنة بالشام فكان الأمر كذلك. فخرج عبد المطلب و بعض رجال قُريش للقاء الكاهنة بالشام و في طريقهم إليها نَفَذَ منهم الماء و المؤونة فأشار عليهم أحدهم أن يقومَ كلَّ واحد منهم بحفر قبره حتى إذا مات لا يُحَمِّلُهم عَنَاءَ الحفر فقَبِل الجميع بهذه الفكرة و حَفر كل واحد منهم قبرًا يَؤوي إليه في الليل لينامَ به حتى إن أدركه الموت مات في قبره ، فنام الجميع و كان عددهم حوالي 23 رجلاً ، و بينما هم نائمون انفجرت المياه من قبر عبد المطلب فدُهِش الرجال من الواقعة ثم قالوا لعبد المطلب هذه حُجَّتُكَ علينا و زمزم لك ، فرجعوا جميعا إلى مكة و خََلُوا سبيل عبد المطلب في البئر . و بعدها تزوج عبد المطلب مرّة أخرى و أنجب عشرة أولاد ، فأراد أن يُوفي بنذره و يذبح أحد أبنائه ، فنَهَرته قُريش و طلبت منه أن يتَمَهل حتى يَشِّبوا و يُصبحوا رجالاً ، فزاد عدد الأولاد و أصبحواثلاثة عشرولدًا ، وقتها قرَّر عبد المطلب أن يذبح أحد أولاده فاقترع بأسمائهم و أتت القُرعة باسم آخر أولاده و أحبِّهم إلى قلبه عبد الله، فلم تََتَقبل قريش نتيجة القُرعة و طلبوا منه أن يُعيدها مرّة أخرى ، فأعادها عبد المطلب عَشرُ مرات أخرى و في العشر مرات كانت تظهر باسم عبد الله. فنهت قُريش عبد المطلب عن ذيحِ ابنه تخوفًا من أن تُصبِحَ هذه العادة سُنّة من بعده فيصبح كلّ من يُرزق بعشر أولاد يذبح واحدا منهم ،ثم أشاروا عليه أن يقصد كاهنة الشام لتُشير عليه ، ففعل ذلك و أشارت عليه الكاهنة أن يضرب بالسِهام على عبد الله وعلى عشرٍ من الإبل فإذا خرج السهم بعبد الله يزيد عشرا أخرى و هكذا ، فكان ذلك فآتى السهم بعبد الله في أول مرّةٍ فزاد الإبل و أعادها عبد المطلب عدّة مرات و كان السهم يخرج في عبد الله حتى بلغ عدد الإبل المائة ، فرمى عبد المطلب السَهمَ فآتى في عبد الله ، ففرح عبد المطلب فرحًا عارمًا و أقسم فقال و الات لن أكُفَ حتى تخرج السِهام بعبد الله عشرُ مرات فكان ذلك و جاءت السِهام بالإبل عَشرُ مرات ، فَفرِحَ و نَحَرَ النُوقَ و نجا عبد الله من الذبح ، و بالتالي تتكرر هُنا قصة الذَبح و الفِداء من سيّدنا إسماعيل إلى والد النبّي ، و قد قال النبّي (( أنا ابن الذبيحين )) و قَصَد بذلك أباه عبد الله و جدّه إسماعيل . و بفرحة عبد المطلب العَارمة بنجاة ابنه عبد الله أراد أن يُتِّمَ عليه فرحته فقرَّر أن يذهب إلى بني زُهرة و يأخذ معه ابنه عبد الله ليزوّجه من بناتها فرحةً به ، و قبل ذلك التقى عبد الله برقيقة أخت ورقة بن نوفل فقالت له يا عبد الله ألك في أن تتزوجني لليلة واحدة و يكن لك بها وزنك ذهبًا ، فقال لها عبد الله أنظريني حتى أنتهي من سفرتي مع أبي إلى بني زُهرة ، ووقتها لم يكن عبد الله يعلم بنّية والده في تزويجه بإمرة من نِساء بني زُهرة . فخرجَا معًا قاصدين بني زُهرة فزوّج عبد المطلب ابنه لآمنة بنت وهب و تزوج هو أيضًا بابنة خالتها ، فوقع البناء ببيت العروستان على حسب عاداتهم و مَكثَا عند بني زُهرة سَبعُ ليال ، و بعدها رجع عبد المطلب و ابنه عبد الله و زوجتيهما إلى مكة . و بعد عدّة أيام التقى عبد الله مُجددًا برقيقة فنظر إليها فإذ بها تُشيحُ بوجهها عنه فأخذ يطوف من حولها فشاحت بوجهها عنه أيضًا ، فقال لها وَيحك يا امرأة ألم تعرضي عليَّ الزواج بالأمس القريب ؟ فما بك تُشحين بوجهك عني وما الذي قد غيّر رأيكِ ؟ فقالت له كًنت أرى في وَجهك وَميضٌ من نُور و قد كُنت أُمَّني نفسي أن أفوز به غير أني لست أراه في وجهك هذا اليوم و ما أراه إلاّ قد ذهب إلى بنت وهب ، فاندهش عبد الله و رجع إلى بيته و إلى آمنة و مَكث معها ما يُقارب سِتة أشهر ثم خرج في تجارةٍ و قصد بعدها أخواله في المدينة فمرض و مات على اثر مرضه فدُفِنَ هناك . ووقتها كانت السيّدة آمنة في شهرها السادس من الحمل بالنّبي ، و تقول عن حملها به أنها لم تجد فيه أيُّ شيء يُذكر و تقول أنّه عند ولادته وُلد و هو واضع يده على الأرض رافعًا رأسه إلى السماء . و في يوم مَولده كان جدّه عبد المطلب جالسًا في الكعبة مع ابنه أبي لهب فأتتهما جارية أبو لهب و قالت لهما أبشرا فقد وُلد لعبد الله صبي ، ففرح عبد المطلب و قال لها أأنت صادقة ؟ فأجابته بنعم ، فقال لها أبو لهب إذا صدقتي بما أخبرتنا به فأنت حُرّة ، فانطلق حينها بسرعة البرق ليتحرى الأمر و عندما قام من مَقعدِه تدحرج من هَرولته لرؤيته جنس المولود و عندما وصل إلى بيت آمنة وجدها حقًا قد ولدت ولدا فَفرِحَ به فرحًا شديدًا و أَعتَق جاريته ثويبة . و قد وُلد النبّي يوم الاثنين ليكون بذلك يوم الاثنين يوم بُزوغ فجر محمـــد المُشرق بأنوار الإسلام كيف لا وقد أشرقت شمس مكـــة لتُشرق على ظِلالها الدنـــيا أجمع بإطلالتـــه. فقد هَلََّ أخيرًا اليوم المشهود الذي تَرقَبته و تترقبه يهود مكة بفارغ الصبر لتعرف النبّي المُختار من قِبَلِ الله الذي قد حَلَّ زمانه و بَزغَ نجمه في السماء ، هذا ما جعل اليهود يَترصدُونَ أوضاع مكة و يتقَصُونَ أخبارَ مَواليدها . فقد قَطََنَ أحد أحبار اليهود صومعةً بجبال مكة ليستعلم عن أخباره و قد كان ينزل كل يوم اثنين إلى مكة ليسأل عن مَواليدهم فيقول لهم يا أهل الحَرَمْ هل وُلِد فيكم مولود الليلة ؟ ، فإذ وُلد يومها مَولود طَلب منهم أن يَصِفُوه له لأنّه قد تَدارس أوصاف نبّي آخر الزمان من التوراة و بالتالي بات اليهود يَعرفون النبّي أكثر ممّا يَعرفُونَ أولادهم . فكان اليهودي ينزل إلى مكة كل ليلة اثنين لدرايته بأنّ نبّي أخر الزمان سَيولد يومَ الاثنين ، و في الليلة التي وُلِد فيها النبّي نزل اليهودي إلى مكة و قال لهم أَوُلِد لكم مَولود ؟ فقالوا له نعم فقد وُلد لنا خمسة عشر مولودًا ، فنظر اليهودي إلى المواليد و قال لهم لقد وُلد الليلة وليد لم يُخرجوه أهله ؟ فقالوا له نعم فقد وُلد لعبد المطلب ولدًا ، فقال لهم ألعبد المطلب ولد ؟ فقالوا له لا بل هو ولد وَلدِه عبد الله الذي مات ، فقال لهم أفِيكم أن تُخرجوه لي ؟ فآتى عبد المطلب و قال له إنّ من عَاداتنا بقريش لا نخُرج مواليدنا قبل اليوم السابع فإذا أردت رُؤيته فاقصد الدار و انظر إليه ، فذهب اليهودي إلى بيت آمنة فرأى المولود و نظر بين كَتفيه فشهق شهقة و أُغشي عليه فتفقدوه فوجدوه ميتًا ، فحملوه إلى صومعته فوجدوا صاحبه فأخبروه بما حصل له فأغمي عليه هو أيضًا من وَقْعِ الخبر عليه و عندما أفاق سألوه عن سبب الإغماء ،فقال لهم يا لضيعة بني يهود فلقد خرجت الُنبّوة من بني إسحاق بولادة نبّي آخر الزمان . و قد وُلد النبّي بشُروق شمس يوم الاثنينالثاني عشر من ربيع الأوّل الموافق ل 20 أفريل 570 ، فدخل الرسول بذلك الدنيا يوم الاثنين فأضاء منها و لها و معها كل شيء ، و قد سُميّ النبّيبمحمـدمن قِبل جدّه عبد المطلب و قد اختار له هذا الاسم تيَمُنًا به و بشأنه الذي تَنبأه له ، و قال للجميع أردت أن يحمده الله في السماء وخلقه في الأرض.و قد كان شائعًا في قُريش أنّها تقوم بإرسال أولادها إلى البادية ليُرضعونهم و في اعتقادهم أنّ مكة بيئتها مُغلقة و الأولاد لا ينطلقون كِفاية لذلك من عاداتها تقوم بإرسالهم ليَسترضعوا في البادية حتى يتميّزوا و ينفتح تفكيرهم و تَقوى بُنيتهم ، فكانت قبيلة بني سعــد هي القبيلة المرضعة لقُريش على أجر زهيد غير أنّ القرشين كانوا يُغرِقون المُرضعات بالهدايا كلٌّ على حسب نسبه . و بما أنّ النبّي كان يتيمًا فكل مُرضعات بني سعد كانت تَتجَنب و تتَحاشى و تتَغاضى النظر عن أخذه لأنّّهنَّ لَسنَ ضامناتٍ أن تَصِلَهُنَّ هدايا من قِبَل جدّه أو أُمّه ، و كذا حليمة السعدية أبت هي الأخرى أخذه و ترددت كثيرا في أخذه . و تقول حليمة السعديةفي ذلك قَدِمنا مكة و ما مِن امرأة من بني سعد عُرض عليها محمد فتأباه ، فقد كان يتيمًا و كُنّا نقول ما عسانا نصنع بأمّه و جدّه! حتى لم يبقى من صُحيباتي امرأة إلاّ و أخذت رضيعًا إلاّ أنا فأبيت أن أرجع إلى بني سعد دون أطفال فذهبت و أخذته ، فقال لي زوجي ما أراك إلاّ قد أخذتي نسمة مُباركة ، فما إن حملته حتى أقْبَلَ على ثديي يرضع فرضع فإذا بابني أحمله بيدي الأخرى يُقبل على ثديي الأخرى يرضعها ، و لمّا كُنا بالطريق رضعمحمـدفرضع ابني بعده ، فقال لي زوجي ألم أقل لك أنّنا قد أخذنا نسمة مباركة ؟ . و تقول حليمة السعدية لقد كانت ديار بني سعد في تلك الأيّام صحراء جرداء نرعى بالغنم فلا نجد أيّ لبنٍ في الغنم فلما قَدِمنا و معنامحمـدأصبحت الغنم تعود مملوءة باللبن فباتت بني سعد كلها تُرسل أغنامها وراء أغنامي لترتاعَ . و تقول عن النبّي أنّه كان يَشُبُّ شبابَ الصبيّ الذي يَشُبُّهُ في شهر هو في يوم ،و الذي يشبّه الصبيُّ في سنة يشبّه هو في شهر. و هكذا بقي النبّي وَليدًا ببني سعد حتى حان مَوعد إرجاعه إلى أمّه ، فأخذته حليمةإلى أمّه إلاّ أنّها أبت تركه معها فتوسلت آمنة أن تُخليه عندها فقبلت آمنة و أرجعت السيّدة حليمةالنبّي معها ، غير أنّه بعدها حدث للنبّي أمرٌ عجيب أخاف حليمةفأرجعته إلى أمِّه ، فتعجبت آمنة من أمر حليمة و رُجوعِها إليها بمحمدبعدما كانت تترجاها فيأن تُبقيَهُ معها فسألتها آمنة عن السبب الحقيقي لإرجاعها له ، فقالت لها ما أرجعته إلاّ لأنّه قد بلغ الفِطام، فقالت لها آمنة أصدقيني القول يا حليمة ، فقالت لها حليمةلقد حدثلمحمـد أمرٌ عجيب فقد كان يلعب مع ابني عبد الله فإذ بابني يجري إليَّ ووجهه أصفر فقال لي أدركي أخي القُرشي فقد أخذاه رَجلانِ و شقّا بطنه و قتلاه ، فسارعنا إليه أنا وزوجي الحارث لنراه فوجدناه وراء الخيمة و قَميصه مَشقُوق و مُبلل بالدماء فقلنا له ما بك؟ فقال لنا جاءني رجلانِ بِيض الوجوه بِيض الثياب حثام عِراض فأخذاني و أضجعاني ووقف أحدهما عند رأسي ووقف الأخر عند صدري ، فقال الذي عند رأسي أهَُو هُو ؟ فقال الآخر نعم هُوَ ، فقال أهو الذي أنبأنا فيه ربّنا؟ فقال الآخر نعم هو الذي أنبأنا به رّبنا ، فقال الذي عند صدري أما من علامة ؟ فنظر بين كتفيََ و قال الذي عند صَدري أنظر لتلك الشامة أليست هي ؟ فقال نعم هي ،ثم قال إذن على بركة ربنا، فشقا صدري و أخرجا قطعةً و شقاها و أخرجا منها قِطعةً سوداء و ألقاها إلى جِواري و قال أحدهما للآخر ذاك حظُّ الشيطان منك و قتلانِ بماءِ و ثلج و برد ثمّ أعادا ما أخرجاه من صدري و أغلاقاه و انصرفا و قالا لي سلام عليكم يوم البعث. فقالت آمنة ألهذا رددته إليّ يا حليمة ؟فلعلك قد خشيتي على ولدي هذا الشيطان ؟فسكتت حليمة فقالت آمنة لا و الله إنّ وَلدي هذا من المُباركين في الأرض فلمّا حملت به رأيت نُورا و لمّا ولدته خرج مني نُورا كأنمّا أضاء بين الأرض و السماء . و بهذا تنقضي حياةُ النبّي في ديار بني سعــد عند مُرضعته حليمة السعديةبعد حادثة شقِّ الصدر ليرجع أخيرا إلى أحضان أمّه آمنة ، و بالرغم من ذلك إلاّ أنّ النبّي بَقِيَ وَفيًّا لأمّه حليمة ، فبعد انقضاء الأيّام و السُنونْ و عند فتح مكة و النبّي في الخامسة و الخمسين من عُمره أتته امرأة عجوز و هي تبتسم له فلمّا عَرِفَ أنّها مُرضعته حليمة فَرِحَ جدّا لرُؤيتها و قال لها أمي أمي و نزع عَباءته و فَرشها لها و قال للصحابة أتركوني مع أمّي ،فهذا هو وَفاءُ النبّي الذي حمَلَهُ لمُرضعته حليمة و نَفسُ الوفاء حمله أيضًا لمُرضعته بركة أم أيمن، فقد كانت بركة جارية لدى أمّه آمنــة و قد أرضعت هي أيضًا النبّي و سَهِرَتْ على تربيته مع أمّه آمنة ، و قد كان النبّي يُحبّها حبًّا عظيمًا و إن مرّت أياّم قليلة لم يتسنى له فيها رُؤيته ذهب إلى صاحبه أبو بكرو قال لهتلك هي أمّي بعد أمّي فقُم بنا نزُرْ البقيّة الباقية من أهلي ،فلمّا مات عنها زوجها قبل الهجرة قال النبّيللصحابة من أراد أن يتزوج امرأة من أهل الجنّة فليتزوج أم أيمن ، رغم أنّ سِنّها وقتها كان فوق الخمسين سنة و كانت شديدة السَواد ذميمة لعثاء اللسان ، فقام زيد بن الحارثة و قالللنّبي هل أخطبها منك يا رسول الله ؟ فقال له النبّي بل من ابنها أيمن ، فأبى أيمن إلاّ أن يجعل النبي وصيًّا عليها ، فخطبها زيدمن الرسولو تزوجها وولدت له أُسامة فكان أسامة حِبُّّّّّّّّّّّّّّ و ابن حبِّ و حبيبة رسول اللهزيدو بركة التي كانت ثاني امرأة تُبشر بالجنّة بعد أمّنا خديجة . فقد تربى النبّي على يدي أمّه بركة و أمّه آمنة التي توافها اللهبعد عُمرٍ قصير من عودة النبّي إلى مكة ، فقد أرادت السيّدة آمنة زيارةَ قَبرِ زوجها عبد الله ، فسافرت و معها النبّي إلى المدينة قاصدةً بيت أخوال زوجها لكي يرى النبّي قبر أبيه ، و يقول النبّي في ذلك خَرجت مع أمّي و أم أيمن إلى بني النجار ووقفت على عتم بني النجار و أشارت لي أمّي عن بيت هو قبر أبي و لعبت مع الغِلمان من أخوالي و سَبحت في البئر و شربت منه ، و قد مَرضَت أمه آمنة بديار أخوال أبيه. و تقول ابنة الزرانق أنّها شهدت مرض آمنة بنت وهبببني النجار لما جاءتبمحمدطِفلا و عمره ستة سنوات ، فتحكي فتقول مَرضت آمنة مَرضًا شديدًا حتى رأينا فيها صُفرة الموت ، فأرسلنا إلى ولدها محمد و كان مع الغِلمان خارج البيت فجاء ووقف على رأس أمّه فأخذت تنظر إليه و ينظر إليها و هو يبكي و يمسح بيده على وجهها ، فأخذت يده الصغيرة و قبّلتها و قالت له يا بُنيّ كل حيٍّ ميّت و كل حبيب مُفارق و قد تركت في الدنيا خلقًا مُباركًا ، ثمّ نظرت إلى أخوال عبد الله و بركة و قالت لها أرجعيه إلى جدّه و أقرئيه مني السلام ، فتمايل النبّي على أمّه فأخذت تقبّله ثمّ أخذته إلى صَدرها و ضمّته إليها حتى ماتت ، فأخذواالنبّي من تحت يديها . فشاءت الأقدار أن تموت آمنة قبل أن تصل إلى مكة ، فدفنتها أم أيمنبالأبواء ،و بعدها رجعت بالنبّي إلى جدّه عبد المطلب و هو ذو السِتِ سنوات ، فينتقل النبّي من حُضن أمّه إلى حُضن جدّه ، فيرعاه جدّه و يحُبّه ، فقد كان يأخذه معه إلى جَلسـاتِ كِبار قُريش فيسرد له عباءته و يُجلسه بها إلى جِواره فلم يكن يلعب مع الصِبية من سنِّه و إنما كان يُجالس الكبار و يسمع حواراتهم بالرغم من أنّه كان مَحظورٌ الإتيان بالصِبيّة ، غير أنّ جدّه عبد المطلب كان يأخذه معه و يقول لهم إنّ ابني هذا سيكون له شأن عظيم ، فبقي النبّي في كَنَفِ جدّهسنتين فقط لأنّه مات عنه هو أيضًا و هو ذو الثَمانِ سنوات ، و قبل موته أوصى به جدّه إلى عمّه شقيق والده من الأب و الأم أبي طالب ، فأتمنه أبو طالب و أعَاله مع أبنائه العشرة و بقي عنده من سنِ الثَمانِ سنوات إلى خمس و عشرون سنة ، و في هذه الآونة بدأ تجهيز الرسول من محمــد إلى نبّي آخر الزمان ففُقْرُهُ و نسبه العريق جَعلاه يتوسط الفقراء و الأغنياء فيحسن التعامل معهم . و ذات يوم قرّر النبّي أن يعمل فقصد عمّه أبو طالب و طلب منه أن يسمح له بالعمل فآبى أبو طالب الفكرة إلاّ أن النبّي أسّرَّ على عمّه و ألحّ عليه فقَبِل أبو طالب أخيرًا و تركه يعمل ،فرعى النبّي غنَمَ قُريش على قراطيط مَعدودات ، و بالتالي في هذا السّن من الثامنة إلى الخامسة عشرة تعلّم النبّي كيف يرعى الغنم و حِكمة اللهفي ذلك تَعلُّمه الحِلْم و الصبر و بتجميعه للأغنام عند تفرُقها تعلّم كيف سيجمع بين الناس . و في الخامسة عشرة من عمره تعرضت قُريش إلى اعتداء فاندلعت حرب الفُجّار بالأشهر الحُرُمْ ، فشارك فيها النبّي و تعَلّم منها استعمال السيف و الضرب بالنبل و كذا عمليتي الكَّرِ و الفَّرِ ، كما تعلم فكرة السـلام بحلف الفُضول و هُدنَة قُريش و بالتالي اقتبس الرسول من فكرتي الحرب و السلام و انتهجهما كنظريَّاتٍ و تجارب في إعداده للنبوّة و تخطيطاته لتبليغ رسالته. و في الخامسة و العشرين من عُمره غيّر الرسول اتجاه نظَرِه و دَخَل التجارة من بابها الواسع فتعرّف على طِينة الناس و طِباعهم و طُبوعهم و بالتالي أحسن التعامل معهم ،فكانت له رحلة الشام فتعرف فيها على الروم و ثقافاتهم و رحلة اليمن فتعرف فيها على الفُرس و ثقافاتهم و بذلك اكتسب المُرونة و اختبر التعايش مع مُختلف البيئات ،ثمّ آتته الرحلة الكُبرى و هي تجارته للسيّدة خديجة بنت خُوليدأين عُرِفَ بأمانته و صِدقه و كرمه و أخلاقه الكريمة كيف لا !و هو لم يعبد يومًا صَنمًا و لم يذق للخمر طُعمًا . |
|||
![]() |
![]() |
رقم المشاركة : 3 | |||
|
![]() الرسول المُبارك بوصفٍ شامل
يُروَى أنّ الرسول وأبا بكرومَولاه ودليلُهُما خرجوا من مكة ومرّوا على خيمة امرأةٍ عجوز تسمى أم معبد ، فقد كانت تجلس ُقربَ الخيمة تسقي وتطعم، فسألوها لحماً وتمراً ليشتروا منها فلم يَجِدوا عندها شيئاً. فنظر النبّي إلى شاة في جانب الخيمة و سأل أم معبد و قال ما هذه الشاة يا أم معبد؟ فقالت شاة خَلَّفها الجُهد والضُعف عن الغنم، فقال رسول اللههل بها من لبن؟ فقالت بأبي أنت وأمي إن رأيت بها حَليباً فاحلبها، فدعا النبّي الشاة ومسح بيده ضرعها، وسمى الله ثم دعا لأم معبد في شاتها حتى فتحت الشاة رجليها ودرت ، فدعا بإناء كبير وحلب فيه حتى امتلأ، ثم سقى المرأة حتى رويت وسقى أصحابه حتى رووا ، ثم شرب آخرهم. ثم حَلب في الإناء مرّة ثانية حتى ملأ الإناء، ثم تركه عندها وارتحلوا عنها. وبعدها أتى زوج المرأة أبو معبد و هو يسوق عنزاً يتمايلن من الضُعف فرأى اللبن، فقال لزوجته من أين لك هذا اللبن يا أم معبد والشاة عازب ولا حلوب في البيت! فقالت لا والله لقد مرّ بنا رجل مُباركٌ من حاله كذا وكذا، فقال أبو معبد صِفيه لي يا أم معبد فقالت رأيت رَجلاً ظاهر الوضاءة، أبلج الوجه مُشرق الوجه، لم تعبه نحلة نحول الجسم ولم تزر به صقلة ليس بناحلٍ ولا سمين، وسيمٌ قسيم حسن وضيء،و في عينيه دعج سواد وفي أشفاره وطف طويل شعر العين، وفي صوته صحل بحة وحسن وفي عنقه سطع طول ،وفي لحيته كثاثة كثرة شعر، و أزج أقرن حاجباه طويلان ومقوسان ومتصلان ، إن صمت فعليه الوقار، وإن تكلم سما وعلاه البهاء، أجمل الناس وأبهاهم من بعيد، وأجلاهم وأحسنهم من قريب، حلو المنطق، فصل لا تذر ولا هذر كلامه بين وسط ليس بالقليل ولا بالكثير، كأن منطقه خرزات نظم يتحدرن، ربعة ليس بالطويل البائن ولا بالقصير، لا يأس من طول، ولا تقتحمه عين من قصر، فهو أنضر الثلاثة منظراً، وأحسنهم قدراً، له رفقاء يحفون به، إن قال أنصتوا لقوله، وإن أمر تبادروا لأمره، محشود محفود عنده جماعة من أصحابه يطيعونه، لا عابس ولا مفند غير عابس الوجه، وكلامه خالٍ من الخرافة، فقال أبو معبد هو والله صاحب قريش الذي ذُكر لنا من أمره ما ذُكِر بمكة . وعن جابر بن سمرة قال رأيت رسول الله في ليلة إضحيان، وعليه حلة حمراء ، فجعلت أنظر إلى رسول الله وإلى القمر، فإذا هو عندي أحسن من القمر). (إضحيان هي الليلة المقمرة من أولها إلى آخرها). و أحسن ما قيل في وصف الرسولوأبيض يستسقى الغمام بوجهه ثمال اليتامى عصمة للأرامل. (ثمال: مطعم، عصمة: مانع من ظلمهم) |
|||
![]() |
![]() |
رقم المشاركة : 4 | |||
|
![]() غار حـــــــراء و أوّل أسبوع للبعثة فكان بذلك غار حِراء نُقطة التقـاء السمـاء بالأرض و نُقطة التقـاء نبّي السماء جبريلبنبّي الأرض محمد ، فكانت هي نُقطة بُزوغ فَجرِ الإسلام و فَجرِ محمـد على الأمة جمعـاء. فنزل النبّي من الغار مُرتَعدَا و يتصَبَّبُ عَرَقًا ، فقصد بيته و هو يجري و قد أصابته الحُمَّى، فقال لخديجة زَملوني زملوني دَثروني دثروني ،فقالت له خديجة ما بالك يا ابن العمّ ؟فأجابها الرسول وقال لقد خشيت على نفسي يا خديجة و قصّ لها ما جرى معه ، فقالت له خديجةكلاَّ و الله لا يُخزيك الله أبدًا فإنّك لتَصلُ الرحم و تحمل الكَّلَّ الضعيف و تُكسب المعدوم و تُقرئ الضيف و تُعين على نوائب الحق ، فهدأ النبّي بعدما سَمع كلام خديجة التي ثبتته و ذكَّرته في أخلاقه الحسنة و شاركته في اهتماماته و قاسمته ضِيقَهُ ،كيف لا وقد قال عنها الرسول أكمل النِساء عقلاً خديجة بنت خويلد ، فبِكلام خديجة اطمئن النبّي فقرّرت خديجة أخذه إلى أعلم رجلٍ بأمور الدين و مَبلغُ التوراة و الإنجيل ، و قد كان هذا الرجل ابن عمّها ورقة بن نَوفل فدخلا النبّي و خديجة على ورقة فسلمَا عليه ثم قالت له يا ابن العمّ اسمع منه ، فحكى له الرسول ما جرى معه فسمع له ورقة بانتباه فكان أحيانًا يبتسم له و أحيانًا أخرى ينبَهِر ، ثم قال للنبّي يا محمد إنّك لنبّي آخر الزمان و لقد آتاك الناموس الذي آتى موسى و إنّ قومك سيكذبونك و يُؤذونك و يُخرجونك ، فليتني أكن جذعًا إذ يُخرجك قومك ،فقال له النبّي أمُخرجيّا هم؟ فقال له ورقة نعم فلم يأتي رجلٌ بمثل ما أُوتيتَ إلاّ عُودي و إن يُدركني يومك لأنصُرنّك نصرًا مؤزرا ، فسكت النبّي و خرج مع خديجة فأوقفها ورقة و قال لها ثبّتيه ، إلاّ أنّه بعد أيّام قليلة يموت ورقة بن نوفل و يقول الرسولورقة بن نوفل يُبعث يوم القيامة أُمّة و يقصد بذلك ميزان حسناته المملوء .فمَرّ أسبوع و لم يظهر الملَكْ من جديد حتى يستوعب الرسول فِكرة النُبوّة و تبليغ الرسالة ، فبدأ النبّي يُفكر في الملَكْ و يشتاق له ، و بعد مرور أسبوع من الانتظار نزلالملًكمرّة أخرى على كُرسيٍ بين السماء و الأرض و هو يملآ السماء ، فقال للنبّي يا محمـد أنت رسول الله و أنا جبريل مُرسل من السماء ، ثم أخذ جبريلالنبّي و خرج به إلى الصحراء فضرب بجناحيه في الأرض فانشق نبعٌ من الماء فعلّمه كيفية الوضوء للصلاة ، ثم قال له يا محمد افْعَل كما أَفعَل ركعتين في الصباح و ركعتين في المساء ، فأوّل عِبادة تعلّمها النبّي من جبريل هي الصـلاة لمكانتها عند اللهكيف لا وقد قال عنها النبّي((الصلاة عبادة )) و قال أيضا: ((رأس عمود الإسلام الصلاة))و قال كذلك : ((مِفتاح الجنّة الصلاة )) و ((نور المؤمن الصلاة )) ، و قد سُئِل النبّي عن أفضل الأعمال و أرفعها درجةً ! فقال (( الصلاة على وقتها )). ثم نزل جبريل على النبّيبثلاث سورٍ بعد سورة العلـق و هم المزمـل فالمدثـرو الفاتحـة أي علـم فطاقـة روحيـة و عبادة ثم تحرك على أساس المنهـج ، فانتقى النبّي نِقَاطًا بَناَءة رَسَم على إثرها طريقه الصحيح و ثبّت عليه مُخطّطه المتين في تبليغ رسالته العالميّة مُستعينًا في ذلك باللهجَلّ جلاله و عَظُم سُلطانه . و بعد ذلك توقف الوحيُّ و لم ينزل على الرسول مُدّة شهرين ،فتأثّر النبّي و خاف و ظنّ أنّه قد أخطأ في مًوضعٍ ما فاستبدله الله أو استغنى عنه،وقتها نزل عليه جبريل بسورة الضُحى ليُشيد بقيام الليل و يقول الرسول عن قيام الليل لعبد الله بن عمر نِعم العبد أنت يا عبد الله لو كنت تقوم الليل ، فلم يَبرَحْ عبد الله القِيام من يومها ، و قال النبّي أيضا لأبي ذر الغفاري و هو يُشيد بقيام الليل يا أبا ذرإذا أردت سفرًا ألا تُعد له العدّة ؟فقال أبو ذر نعم يا رسول الله، فقال الرسولفكيف بسفر يوم القيامة فأحكِمْ السفينة فإنّ البحر عميق و أكثر الزاد فإنّ الطريق طويل ،فقال أبو ذر و ما أفعل يا رسول الله؟ ، فقال الرسولصُمْ يومًا شديد الحرِّ ليوم النُشور و قُمْ ليلة في ظُلمة لظلمة القُبور و حُج حجةً لعظائم الأمور . و قد كان الرسول يدعو الناس بالنّهار و يقوم الليل بالليل حتى تتورمُ قَدماه و هو المغفور له و الموعود بالجنّة فكم ليلةً قد قُمناَها نحن ! إن لم أقل كم من ركعة صليناها في جوف الليل نستغفر الله و نُناجيه و مَصائرنا مُعلقة بين الجنّة و النار بحبلٍ أرقُّ من الشَعرة و أحدُّ من السَيف ؟ ! فمِن هنا بدأ الرسولرسالته الدعويّة و اختار أوّل دُفعة من المتميّزين ذوي الأخلاق الحسنة و الناجحين في حياتهم و هم زوجته السيّدةخديحة و صاحبه أبو بكر و ابن عمّه علّي بن أبي طالب ، فقام الإسلام بذلك على ثلاثة أنفار رجـل و امـرأة و طفـل ليبلغ الإسلام عَناَنَ السماء و يتَخطى كل الحُدود و يَصير الثلاثة أنفار أمّـة بأكملـها . |
|||
![]() |
![]() |
رقم المشاركة : 5 | |||
|
![]() أوّل ثـلاث سنــوات للبعثــة بُعِثَ النبّي في قومه و اختاره الله نبّيًا للأمّة جمعاء ، فقام الإسلام في بادئ الأمر على رجلٍ و امرأة و طفلٍ صغير ، فيحكي أشعث بن قيس فيقول أتيت مكة في تِجارة لي مع العبّاسعمّ النبّي فرأيت محمد يُصلي و من ورائه رجل و امرأة و طفل فسألت العباس عن الرجل و من معه و ما يفعلونه ، فقال لي الرجل ابن أخي محمد و يزعم أنّه نبّي آخر الزمان و الرجل من ورائه صاحبه أبو بكر و المرأة زوجته خديجة و الطفل ابن أخي الآخر علّي و هم يُصَلُون غير أنّك إذا أردت أن تُكلّمه أخُذك إليه ،فقال له أشعث لا دعنا في تِجارتنا ، و بعد مِضِّيِ عِشرينَ سنة رجع أشعث إلى مكة بعد فَتحِها فأسلم و بكى بُكاءًا شديدًا ،فقال له النبّي لمِاَ تبكي يا أشعث و الإسلام يزيد يومًا بعد يوم ؟ فقال له أشعث لستُ أبكي لذلك يا رسول الله و إنّما أتتني الفرصة أن أُسلم قَبْلاً و أكون رابع أربعة غير أني ضيعت فُرصتي و أَبَيتُ أن أسمع منك ، فيا ليتني قد فعلتها يومها . فهكذا بَدَأ الإسلام معرجل و امرأة وطِفل ليُصبح الثلاثة بعدها عشرة ، فيأتي أبوبكربستة رجالعثمان بن عفان _ طلحة بن عبيد الله _ الزبير بن العوام _ سعد بن أبي وقاص _ أبو عبيدة الجراح و عبد الرحمن بن عوف و تكون هذه الأسماء أوّل الأسماء إسلامًا و تبشيًرا بالجنّة . و بعد خمسة أشهر زاد عددهم و بلغ خمس و أربعين نفرًا بين رجلٍ و امرأة مُتباين سِنُّهم بين الصغير و الكبير و مُتباين نًسبهم بين الغنّي و الفقير و مُتباينة أجناسهم بين ستة عشرة قبيلة ، و بعد ذلك أصبح الخمسة و أربعينمائة و كل هذا و قريش لا تعلم بالأمر لأنّ النبّي انتهج في دعوته أُسُسًا قويّة و خُطَطًا فَعالة جعلته يتوغّل في قريش سِرًّا . ثم انتقل النبّي إلى الخُطوة الثانية و هي إعلان الإسلام في عَشِيرته ، فأقام النبّي وَليمةً جمع فيها آل عبد المطلب برِجالها و نِساءها و بلغ عدد الحاضرين فيها خَمسٌ و أربعين بمن فيهم عمّه أبو لهب الذي قام من مَقعده و قال للنبّي اسمع يا محمـد و اعلم أنّه ليس لنا في العرب طاقة و إنّك إن بقيت على ما أنت عليه لوقفت العرب و قريش على مُعاداة قومك و إني لا أعرف من العرب من آتى على قومه بِشًرْ كما أتيت أنت على قومك ،ثم نظر للجمع و قال لهم خُذوه على يده و على لسانه و أكتموا على هذا الفمّ قبل أن تُعاديكم العرب ، فسكت النبّي لحظة ثم قال للجمع إذا أردتم الانصراف فلكم ذلك ، فانصرف الجميع وفَشِل النبّي ربّما أي نعم في مُحاولته الأولى إلاّ أنَّ هذا الفشل كُلِّلَ بالنجاح بسبب إسراره و صبره و سعيه ، فكرّر النبّي المُحاولة و أقام وليمةً أخرى جمع فيها ثلاثين نفرًا من عشيرته و هذه المرّة أيضًا لم يستثني أبا لهب من الحضور بل دعاه أيضًا على غِرَارِ ما فعله معه في المرّة السابقة ،و لكن في هذه المرّة كان النبّي هو السبّاقُ إلى الحديث و أوّلُ المُتكلمين فقال للجمع الحمد لله أحمده و أستعينه و أؤمن به و أتوكل عليه و أشهد أن لا إله إلاّ الله وحده لا شريك له، ثم قال والله لو كَذبتُ على الناس جميعًا لما كذبت عليكم و لو غًررتُ على الناس جميعا ما غررتكم ،والله الذي لا إله غيره إني رسول الله إليكم خاصةً و إلى الناس عامةً و والله لا تموتون كما تَنامون و لتُبعثونَ كما تستيقضُون و لا تُحاسَبون على ما تفعلون و إنها لجنّةٌ أبدا ؟ أو نارٌ أبدا ؟ ثم قال يا بني هاشم أنقضوا أنفسكم من النار ...يا بني عبد المطلب أنقضوا أنفسكم من النار ..يا عباس عم الرسول أنقض نفسك من الناّر فإني لا أملك لكم من الله شيئا ، ثم نظر إلى ابنته فاطمةو قال لها يا فاطمة بنت محمداسأليني من مالي ما شئتِ لكني لا أملك لك من الله شيئا ، فسكت الجميع ووضعوا عُينوهم في الأرض بمن فيهم عمّه العباس و حمزة غير أنّ مُربيه بعد أمّه و جدّه أبا طالب وقف وقال للنبّي امضِ بما أُمِرت به و إني أُحيطك و أمْنعُك ما بقيت ، فغضب أبو لهبلمساندة أبي طالب للنبّي و قال له إنّ هذه لهي السوءة فخذوه على يده ، فردّ عليه أبو طالب و قال و الله لأمنعنّه ما بقيت ، فسكت الجمع كلّه بعد كلام أبي طالب لأنّهم فهِمُوا من رَدّة فعله أنّه سيحمي محـمد ما حيا ، فانتهز النبّي فُرصة كسب عمّه إلى صفّه و قال لعشيرته فمن منكم يُؤمن بما جئت به ؟ !، فسكت الجميع و قال أبو طالب أمّا أنا فعلى دين أبي عبد المطلب و سائر أجدادي ، فنهض علّي و عمره ثلاثة عشرة سنة و قال للنبّي أنا معك أَتَبِعُك و أسير معك ، فضحك عليه القوم لصِغَرِ سنّه ، فابتسم له النبّي و قال له ضع يدك في يدي فشدّ النبّي على يد علّي و ضرب عليها . و بعدها نفّذَّ النبّي الخُطوة المُوالية و هي إعلان الإسلام و الجَهْرُ بدعوته في قُريش ، فاختار النبّي جبل الصَفَا نُقطة انطلاق دعوته في قُريش و لأوّل مرّة عَلَنًا ، فصعد النبّي الجبل ثمّ نادى على قُريش فقال يا بني عبد منَاف ..يا بني عًدِّي ..يا بني فِهر ..يا بني عبد المطلب ...أرأيتم إن أخبرتكم أنّ وراء هذا الجبل جيشًا ضخمًا جاء ليَغِيرَ عليكم أكنتم مُصًدّقيا ؟ فقالوا له نعم فما جربنا عليك كًذِبًا ، فقال لهم النبّي((إني نذير لكم بين يدي عذاب شديد))، فقاطعه عمّه أبو لهب و قال له تبًّا لك سائر اليوم ألهذا جمعتنا ؟، فنزل النبّي من على الجبل ، فنزلت سورة المسد في أبي لهب لأنّه كان أوّل من تجرأ على النبّي و اجترأ عليه و قال له تبًّا لك ، و كل هذا إلاّ أنّ النبّي لم يتَكِل و لم يتواكل بل أسَّرَّ على دعوته و توكّل على الحيّ الذي لا يموت ، فحمّسَ الناس على الإسلام ووعدهم بالجنّة فقال لهم يا معشر قُريش قولوا لا إله إلاّ الله تملكوا بها العرب و العجم ، قولوا لا إله إلاّ الله تدخلوا بها الجنّة ، فتعرضت قُريشللنبّي و آذته بشَتى الطُرق و عذّبته بمختلف الأساليب و أعنف الوسائل ، فانتهجت قُريش أسوأ أسلوب و هو أُسلوب الأذِية المعنويـة ، فشَكَّكُوا في صِدقِ رسالته و في سلامة عقله فقالوا عليه مجنون و ساحر و كاهن و حرّضُوا عليه الأطفال ليَسخروا منه ، فسَمِعَ الوليد بن المُغيرة بالأمر فأتى أهل قُريش و قال لهم يا أهل قريش ما عرِفناه مجنون و سمعنا الكثير من الشُعَّارْ و لم نسمع مثلما سمعنا منه و رأينا السحرة و الكهنة و لم نرى أبدًا مثلما رأينا منه ، فقالوا له يا أبا الوليد فماذا ترى أنت فيه ؟، فقال إنّ لكلامه حلاوة و إنّ عليه لطلاوة و إنّ أعلاه لَمُثمر و إنّه يُعلى و لا يُعلى عليه ، فقالوا له أ اتبعت دينه ؟ فقال لا ، فقالوا له إذن قلْ عنه إنّه ساحر و يُفرقُ بين المرء و زوجه و بين المرء و آبيه . وهكذا واصلت قُريش أذِيَّتَها للرسول طيلة الثلاث سنوات الأولى للبعثة لتمتد في تعذيبها له و تتجاوزه إلى ثاني ثلاث سنوات من بعثته . |
|||
![]() |
![]() |
رقم المشاركة : 6 | |||
|
![]() ثــاني ثـلاث سنـوات من البعثـة
لقد امتدت أذيّة النبّي إلى ثاني ثلاث سنوات من بعثته ، فتفنَّنُوا في تعذيبه و انتهجوا في ذلك كلَّ السُبُل و مُختلف الأساليب ، فقامت زوجة أبي لهب أمّ جميل بتأليب قُريش عليه و رَمتهُ بالشَوكِ و الحِجارة خاصةً لمّا سمَِعت أنّ القرآنقد نزل فيها ، فذهبت أم جميل إلى الكعبة تترقب و صول النبّي لتَرجُمَهُ بالحجارة فوجدت أبا بكر فصاحت به قائلة أين صاحبك؟ ووقتها كان النبّي أمامها إلاّ أنّ الله أعمى بَصرَها فلم ترَهُ ،فسألت أبا بكر عن مكانه فسكت و لم يُجبها ، فقالت له يا أبا بكر لقد بلغني أنَّ صاحبك قد هَجاني فلو رأيته لأضربّنه بهذا الحجر و إن كان هو شاعر فأنا أيضا شاعرة ، ثم قالت في النبّيمُذَّمَّمْ عصينا و أمرهُ أبَّيْنا و دينه قَلَيْنا و رَحَلَت ، فاتفقت سائر قريش على مُناداته مًذَّمم كلّما مرّ بهم ، فتوجع الصحابةلهذا الأمر ، فقال لهمالنبّي دَعُوهم فإنّما يَشتمون مُذّمَّمَا و أنا لست إلاّبمحمدَا . و مرّة كان الرسول يطوف بالكعبة فتجمعت قريش حوله و أطلقوا فيه النُكت و صَخِرُوا منه و ضَحِكُوا عليه فاقترب منهمالنبّي و قال لهم أتعرفون يا معشر قريش إن لم تنتهوا فقد جِئتُكم بالذبح ، فتوقفوا و قالوا له امضِ يا أبا القاسمفما عرِفناك إلاّ حليمَا. ثم أطلقوا عليه الإشاعات و قالوا عليه أبْتَرْ لأنّ أولاده الذُكور كانوا يموتون فإن مات ماتت معه رسالته ،كما طلَّقَ أبو لهبابنيه من ابنتي الرسول ، ثم تجرأت قريش أكثر فأكثر على النبّي و امتد بهم الأمر إلى استعمال التعذيب البـدني ، فقام عُقبة بن أبي مُعيط بنزع عِباءته ليخنِقََ بها الرسول و هو يُصلي ، فسقط النبّي على رُكبتيه فبكت ابنته فاطمة الزهراءفمسح النبّي دُمُوعَها و قال لها لا تبكي يا بُنيّتي فإنَّ الله ناصرٌ أباكِ ، و مرّة أتى بأمعاء جمل ميّت ورماها على ظهر النبّي . كما كذَّبَهُ أبو جهل و استهزأ به فقد قال له يا محمد أتريد أن أشهد لك عند ربّك أنّك قد بلغت الرسالة ؟ ! فلو رأيت أنّك صادق لصدقتك و لكنّك كذاب ، فنظر النبّي إليه ثم ذهب و تركه ، فقال أبو جهل في نفسه و الله لإني أعلم أنّك صادق و لكنّك من آل عبد المطلب ، ثم توعده و أقسم بالات و العُزة على أن يضع يديه على رأسه ، فترصده يومًا و بينما النبّي يُصلي باغتهليفعلها و لكن سُرعان ما تراجع إلى الوراء و صرخَ لأنّه رأى أنّ بينه و بين النبّي خندقًا من نار كلما اقترب منه زاد لهيبه و كاد أن يحرقه . و ذات مرّة دخلأعرابّي الكعبة و هو حزين لأنّ أبا جهل سَلَبه ماله عُنوّة ، فأشارت عليه قريش أن يذهب إلى محمد إن أراد استرجاع ماله حتى تستمتع قريش بالصُخرية عليه ، فذهب الرجل إلى النبّي و قصّ عليه قصته فقال له النبّي تعال معي و أنا سأسترد لك مالك ، فذهبا معًا إلى أبي جهل ، فقال الرسول لأبي جهل هل سلبته ماله ؟فردّ أبو جهل نعم ، فقال له الرسول رُدَ عليه ماله ،فسارع أبو جهل و أرجع مال الأعرابي ، فرآه نفرٌ من قومه فقالوا له لقد جَبُنت يا أبا جهل أمام محمد و ما رأيناك ذليلاً قبل اليوم فرد عليهم و قال لا تصخروا مني يا قوم فقد رأيت وراء محمدثُعبانٌ برأسين فلو لم أرد عليه ماله لإلتهمني. و مرّة بينما كان النبّيبالكعبة تجمّعَ حوله عشرة أنفار من قريش فأخذوا يصخَرُون منه ثم عمَدُوا إليه يضربونه فأقبل عليهم أبا بكر و دفعهم عن الرسول و قال لهم أتضربون رجلاً يقول لا إله ألاّ الله !فتركوا النبّي و انقضوا على أبي بكر فأبرحوه ضربًا و ضربه عقبة بن أبي معيط بالنعل على وجهه فأُغشيَ عليه ، فأتت قبيلته و أخذوه إلى بيته و توعدوا عقبة بالقتل إذا وقع له شيء ، كما أوصوْا أمّه أن تسهر عليه و تُطعمَه و تُشربَه و لا تدعه يخرج من البيت ،و بعد ثلاثة أيّام استيقظ أبو بكر فسأل عن حالِ النبّي فقالت له أمّه أتركنا في حالك أنت ، فأبى أبو بكر أن يأكل أو يشرب حتى يطمئن بنفسه عن النبّي ،فأتت فاطمة و طمأنته على حال النبّي فقال لها أبو بكر و الله لن آكل و لن أشرب حتى أطمئن عليه بنفسي، فحملوه إلى بيت النبّي فلمّا رآه النبّي احتضنه ، فقال له أبو بكر لا تقلق عليّ يا رسول الله فليس بي شيء يُذكر. فهذه المواقـف تُعدُّ عيّنة قليلة من المواقف الكثيرة و العسيرة التي تعرضَ لها النبّي في بداية دعوته و بالرغم من مُعاناته المَريرة إلاّ أنّه لم يَمَلْ و لم يَكَلْ بل ثبتَ و ازداد قوّةَ يومًا بعد يوم ، فواجه قومه و ضحَّى بنفسه و بيومه من أجلنا و من أجل غَدٍ مُشْرق لا مَحَالة سَتَسْطعُ فيه شمس الإسلام الغابرة لتُضيء ليس فقط على أشراف مكة بل على أشراف البشريّة و الدُنيا جمعاء . |
|||
![]() |
![]() |
رقم المشاركة : 7 | |||
|
![]() المفــــــــــاوضات غير أنّ أهل قريش لم يَسأمُوا من مُحاولاتهم و لم يعتبروا من خَيبَاتِهم المتتالية و المتوالية بل عَمَدُوا إلى النبّي و اقترحوا عليه أن يعبد آلهتهم يومَا فيعبدون إلهه يوما ، فتلا النبّيقوله﴿ قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ * لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ * وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ * وَلَا أَنَا عَابِدٌ مَا عَبَدْتُمْ * وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ * لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينْ﴾و كل ذلك ولم يَسأموا بل طَلبوا منه أن يَطرُدَ الفقراء من أصحابه حتى يتبعوه فأبىالنبّي و تلا عليهمقوله﴿ وَلاَ تَطْرُدِ ٱلَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِٱلْغَدَاةِ وَٱلْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ﴾ باشتداد الإيذاء على الرسول قرّرَ أن يجمع المسلمين ليرفع رُوحَهم المعنويّة و يُوَسع مَدَارِكَهُم الفِكرية و يُقَوّي إيمانهم و يزيد في إِخائهم فاختار دار الأرقـم لتكون همزة وصل بينه و بين الصحابة، واختار النبّي الأرقم على غِرارِ بقيّة الصحابة بالرغم من صِغَرِ سنّه بسبب الموقع الاستراتيجي الفعّال لمنزله الذي يتوسط قبيلته فتُجَنِّبُهم بذلك تَعَرُضات قريش لهم لمخافتها من قبيلته . هذا ما جعل قريش تُغيّر أسلوبها الذي باء بالفشل في آخر المطاف لتَتَبَنى فِكرةَ اللُّجوء إلى مُفاوضاتٍ مَفَادُها الإغراءات و المُسَاومًات. فاختارت قريش وفدًا يتكلم باسمها ضَمَّ أبا جهل و أبا سفيان و شَيبة بن الربيعة و وائل بن العاص و عُتيبة بن الربيعة و الوليد بن المُغيرة و البُختري بن هِشام،فاتفق الوفد على الذهاب إلى سيّد بني هاشمأبي طالب عمّ النبّي ،فقصدوه و قالوا له يا أبا طالب كُفََ عنّا ابن أخيك فقد سَبَّ آلهتنا و عَابَ ديننا فإمّا أن تكفه عناّ أو أن تُخلي بيننا و بينه ، فقال لهم أبو طالب سأرى في الأمر ، فذهبوا و لم يُحرّك أبو طالب شيئًا في الأمر ، فرجع إليه الوفد مرّة ثانية و قالوا له يا أبا طالب جِئناك بعُمارة بن الوليد بن المغيرة و هذا الفتى أفضل فِتيان قريش نسبًا و جمالاً و عقلاً فخُذه و اتخذه ولدًا لك و سَلِمْ لنا ابن أخيك الذي سبَّ آلهتنا و عابَ دين أبائك لنَقتلُه ، فقال لهم أبو طالب و الله يا قوم ما أنصفتموني حقي تُعطوني ابنكم لأغذيه و أربيه لكم و أعطيكم ابني لتقتلوه ؟ !و الله ما يكون هذا أبدا فافعلوا ما شِئتم ،فذهبوا غير أنّهم رَجعوا إليه مرّة ثالثة و الحِقدُ و الغِلُّ و الشَرُّ مالئ عيونهم فقالوا له يا أبا طالب إنّ لك شرفَا و نسبَا بيننا و إنّ ابن أخيك مازال يُؤذينا و لن نَصبِرَ عليه بعد اليوم فإمّا أن تَكُفَه عنّا اليوم أو لنُحاربنّك و نُحاربه حتى يهلك أحد الطرفين ، فسكت أبو طالب و كانت هذه أوّل مرّة يجُترأ فيها على آل عبد المطلب و على آل بني هاشم ، فنادى أبوطالب على ابنه عقيل و قال له اذهب و أأتني بمحمد ، فأتى النبّي و جلس إلى عمِّه فحكى له عمُّه ما دار بينه و بين وفد قريش ، ثم قال له يا ابن أخي أَبقِ على نَفسك و أبقِ عليَّ و لا تُحمّلني من الأمر ما لا أُطيق ، فقال له النبّي و الله يا عَمْ لو وضعوا الشمس بيميني و القمر بيساري على أن أترك هذا الأمر ما تركته حتى يُظهره الله أو أموت في سبيله ، فبكى حِينها النبيّ ثم خرج من عند عمِّه ، فنادى أبو طالب على ابنه عقيل مرّة أخرى و قال له رُدَّ عَليََّ محمد ، فرجع النبّي إلى عمّه ، فقال له عمّه يا ابن أخي قُل و افعل ما شِئت و أنا معك و لن أتركك أبدا ،وقتها استرد النبّي ثِقته و أمَلُه بعمّه الذي أحاطه بحمايته و أعلنها بين القوم فأطلق شِعرًا يُعلن فيه عن مَوقفه ووقوفه إلى صف محمد فقال : و الله لن يصلوا إليك بجمعهم حتى أُوَسَّد في التراب دفينا فاصدع بأمرك فليس عليك عضاضة و قَرْ بذلك عيونًا و أبشر . فانتشر الشِعْرُ في رُبوع مكة و بَلغ قريش ردّ أبو طالب من خِلال شِعره ، فقرّروا الذهاب إلى محمد و مُحادثته وَجهًا لوجه فاختاروا عُتبة بن الربيعة مُمَثلا لهم ، فقصد عتبةالرسول فوجده عند الكعبة ، فقال له يا ابن أخي إنّ نعلم أنّ لك نسبٌ عظيم بيننا و نعلم أنّك جِئْت قومك بأمر عظيم لم يُؤتى به أحد من قبل فقد فرقت شملنا و جمعنا و فرّقت بين الرجل و ابنه و إني عارضٌ عليك أمورًا فانظر فيها فلعلّك قد تقبل بعضها ، فإن كُنت تُريد مالاً جمعنا لك من أموالنا حتى تُصبح أغنانا و إن كُنت تريد جاهًا سَودناك علينا فلا نقطع أمرًا إلاّ أعلمناك به و إن كُنت تُريد مُلكًا مَلَكنَاكَ علينا و جعلناك مَلِكًا على مكة و إن كان هذا الذي يحدث لك شيئا من الجِّن رأينا لك الطِّب و بذلنا لك فيه أموالنا حتى تُشفى و إن كنت تريد أن تتزوج امرأة جميلة زوجناك أجمل نساء قريش ، فاستمع النبّي لكلام عُتبة بكل انتباه و عندما انتهى من كَلامه قال له أفرغت يا أبا الوليد ؟ فأجاب بنعم ، فقال له النبّي فهل تسمع مني؟ ! ،فأجاب أبو الوليد بنعم ، فتلا النبّي قوله ﴿حم * تَنْزِيلٌ مِنَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ * بَشِيرًا وَنَذِيرًا فَأَعْرَضَ أَكْثَرُهُمْ فَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ * وَقَالُوا قُلُوبُنَا فِي أَكِنَّةٍ مِمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ وَفِي آذَانِنَا وَقْرٌ وَمِنْ بَيْنِنَا وَبَيْنِكَ حِجَابٌ فَاعْمَلْ إِنَّنَا عَامِلُونَ * قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ وَاسْتَغْفِرُوهُ وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ * الَّذِينَ لَا يُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ * إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍقُلْ أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَنْدَادًا ذَلِكَ رَبُّ الْعَالَمِينَ * وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِنْ فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاءً لِلسَّائِلِينَ * ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ اِئْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ * فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ وَأَوْحَى فِي كُلِّ سَمَاءٍ أَمْرَهَا وَزَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَحِفْظًا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِفَإِنْ أَعْرَضُوا فَقُلْ أَنْذَرْتُكُمْ صَاعِقَةً مِثْلَ صَاعِقَةِ عَادٍ وَثَمُودَ * إِذْ جَاءَتْهُمُ الرُّسُلُ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ قَالُوا لَوْ شَاءَ رَبُّنَا لَأَنْزَلَ مَلَائِكَةً فَإِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ﴾ ، فقاطع أبو الوليد النبّي ووضع يده على فمِه و قال له أُناَشِدُك بصلة الرحم أن تَسكُتَ يا محمد. فرجع عتبة إلى قريش فتلقاه القوم بلهفة و قالوا له ما وراءك يا أبا الوليد ؟ فقال لهم ورائي أني سمعت منه كلامًا لم أسمع مثله قطُّّّّّّّّّّّّّ من قبل و و الله ما هو الشِعْر و ما هو السِحْر و واللهإنّ له حَلاوة و عليه لطَلاوة و إنّ عُلوّه لمثمر و إنه يَعلو و لا يُعلى عليه ، نفس الكلمات التي أجاب بها قريش يوم قالوا عن الرسول مجنون و شاعر ، ثم قال لهم يا معشر قريش أطيعوني اليوم و اعصوني بعدها خَلُّو بين الرجل و بين ما يريد فو الله إنّ له لأمر عظيم و إنّكم إن تركتموه للعرب تخلصتم منه إذا هُزم و إن انتصر على العرب فمُلكه هو مُلككم و عِزّه هو عِزّكم ، فقالوا له لقد سَحركَ محمد يا أبا الوليد ، فقال هذا رأيي و افعلوا ما شِئتم . فاتفق الوفد السُباعي لسادة قريش أن يَقصدُوا النبّي سَوّيةً ليُقدِّموا له عَرضهم ، فردّ عليهم النبّي قائلا ما جِئتكم لآخُذَ أموالكم و ما جِئتُكم لأكون مَلِكًِا عليكم و ما جِئتكم للرئاسة إلاّ أنّني رسول من ربّ العالمين فإن قبلتم بما جِئتكم به فهذا حظَُّكم من الدنيا و إن أبيتم أصبر حتى يحكم الله بيني و بينكم، فردوا عليه و قالوا له يا محمد أأنت خيرٌ أم أبوك؟ أأنت خيرٌ أم عبد المطلب ؟ فإن كُنتَ تزعم أنّك خيرٌ منهم فأخبرنا كي نقول للناس ، فلم يرد عليهم النبّي و انصرف عنهم . ثم طلبوا منه أن يُفجِّرَ لهم الجزيرة العربية أنهارًا و يَبعثَ أحدًا من أجدادهم ليُؤكد لهم أنّه حقًا نبّي حتى يُصدّقوه ، إلاّ أنَّ النبّي أبَى ذلك و قال لهم ما أنا لأسأل ربّي ذلك .
ثم طلبوا منه مُعجزةً فأيَّد الله نبّيه بمعجزة ِشق القمر بعدما دعا الرسول ربّه و قال يا رب إذا رأيتَ أن تُريهم آية فأرهم ما تُحب ، فانشق القمر أمام أهل قريش فذُهِلوا ثم قالوا له لقد سَحَرتَ أعيننا يا محمد و قال له أبو جهل أتركه لنا ثلاث أو سبعُ ليالٍ حتى نأتي الكُهَانَ و نرى من هذا السِحر إن كان بمكة فقط أو تَعَدَّاها إلى خارج مكة ، فسألوا أهل اليمن و العراق و الشام إذا انشق القمر عِندهم أيضا ،فقالوا لهم نعم فقد رأينا عَجَبًا و انشق القمر إلى نِصفين . و بالرغم من هذه المُعجزة التي كانت صَاعقة و ضربة قاضية قد وجهها الله لأهل قـريش إلاّ أنّهم لم يُؤمنوا و بَقُوا على كُفرهم ، و لكن هذا لم يُحَرِّك في النبّي سَاكنًا ولم يستسلم بل استمرّ في دعوته إلى اللهو كان على قومه كالريح المُرسلة حليمًـا بهم يَغدوه الحِرص و الإسرار على إنقاضهم من النار . |
|||
![]() |
![]() |
رقم المشاركة : 8 | |||
|
![]() اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد . اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد |
|||
![]() |
![]() |
رقم المشاركة : 9 | |||
|
![]() ايذاء الصحابة بعد الفشل الذريع الذي حَققتهُ قريش في إِسكاتِ النبّي و كَفِهِ عن دَعوته و الجَهر بها قَررت أن تنتهج أُسلوبًا جديدًا غير أنّ أنظارها هذه المرّة تَوجهت إلى الفِئة المُستضعفة من أصحاب النبّي ،فانقضت عليهم و مَارست فيهم مُختلف أنواع التعذيب و أشَدُّها حتى يتخلوا عن محمد و يتركوا دِينه ، إلاّ أنّ هذه المُحاولة باءت أيضًا بالفَشل في آخر المَطاف و أدركت قريش و أيقنت أخيرًا أنّ أصحاب محمد هُم نِعم الأصحاب و نِعم حَاملي رايةَ الإسلام ، فمنهم من صَبر على الأذيّة و مِنهم من هَلَكَ بها . و مِن هؤلاء الصحابة الذين صَبروا على أذيّة قريش سُميّة بنت الخياط و زوجها ياسر اللذان عُذّبَا من قِبَل قريش أشدّ عَذاب ، و بالرغم من ذلك لم يَستكينا و لم يَستسلما بل صَبرا حتى لاقا ربّهما ، فقُتلت سميّة و ضُربت بالرُمح في مَكان عِفّتها فانتزعت قريش منها حَياتها غَصبًا إلاّ أنّها هي أيضَا انتزعت لقب أوّل شَهيدةِ في الإسلام و قُتّل زوجها ياسر أيضًا و كلّ هذا قد جرى أمام مَرأًى من ابنيهما عمّار . و عُذِّب بِلال أيضًا و عُرّضَ جِلده للحرِّ و جَعلوا الحِجارة من على فوقه ،فصبرَ هو أيضَا لأذِّيتهم . و صَبر ابن مسعودأيضًا على أذيّة قريش ، فقد كان يذهب كلّ يومإلى الكعبة ليتلوَ سورةالرحمن فتكاَلبت عليه قريش بالضَرب ، فقال لهم و الله سوف أُعِيدها غدًافأعادها3 مرات، فسمع بهالرسولفقال له أتقدر أن تتحمَّلَ ضربهم لك ؟ هوّن عليك يا ابن مسعود ،فردَّ عليه و قال والله يا رسول الله ما هَانوا عليّ مِثلما هانوا عليَّ اليوم و هُميضربونني . أو كَما صَبرَ الزُبير بن العوامعلى أذيّة عَمّه الذي كان يُدخلهفي حَصيرةٍ بها دُخان حتى أصابه مرضٌ صدري . أو كَما صَبرَ سعد بن أبي وقاصذلكالذي هَدّدته أمّه بأن لا تأكل أو تشرب حتى يترك الإسلام فإن ماتت عُيِّر بها ، فقاللها و الله يا أمّي لو خَرجت نَفسكِ نَفَس ٌبعد نَفَسٍ على أن أترك ديني ما تركته فأكلت. أو كما صَبرَ حُبَابْذلك الذي عُذِّب أشدّ عَذاب فنزعوا عنه ثِيابه ونيّموه علىالجمر حتى ذابت شَحمه . وقد صَبر مُصعب بن عُمير أيضًا عندما تأذى ايذاءاً شديدًا . و في وسط كل هذا الإيذاء الشديد استَرقَ أبو سفيان و أبو جهل و الأخمس تِلاوةَ النبّي في بيته كلّ يومٍ ، فأعجبهم إلاّ أنّهم لم يعترفوا له بالنبوّة . وقد نَصرَ الله رَسوله في وسط هذا الإيذاء فأسلم عمّه حمزة، أمّا إسلامحمزةفقد بدأ تدريجيًا من وقتِ ما أتته الجارية و قالت له يا أبا عمارة أتكون مُنهمِكًا فيالصيد و لا تدري بما يُفعل بابن أخيك ؟ ! فقال لها و ما يُفعل به ! فقالت له لقد سُبَّ ابنأخيك ، فسارع حمزةإلىالكعبة فرأى التفاف أهل قريش على محمدو هُم يُحاولون ضََربَه ،فقال لهم أتضربونه و تَشتمونه وأنا على دِينه ؟ ! فرد أبو أميّة عليهووصف النبّيبالكَذَاب فوخزه حمزةبقوسِه و قال له رُدَّها عليَّ إن استطعت، و بعدها تفطن حمزة أنه قد تَورَط بنطقه للشهادة فدعاه الرسولللإسلام فأسلم . و زاد اللهنَصرَ نبيّه و دينه بإسلامعمر بن الخطاب ،أمّا إسلامعمر بن الخطابفقد كان مُختلفَا لأنّه كان شَديدُ الغِلظة على الرسول ، و قد كان يعمل علىإبعاد كل أصحاب محمد منه حتى يُقلّلَ بذلك من أتباعه ، و في إحدى المرات رأىجاريتهتُصلي فأخذ يَضربها و هي تُقاوم ضربه لها حتى تَعِبَ منها ، فقالت له انظر كيف أتعبك الله و قوّاني ، و مرّة ذهب إلىالمَخمرةفوجدها مُغلقة فقال في نفسه سأذهب إلىالكعبة ، فوجد الرسوليطوف بها و هو يتلو سورة الحاقة فقالعمرفي نفسه يا تُرى ما ذايقرأ محمد ؟ !فاقترب منه و أخذ يسمع منه فتعجب مِمَّا سمع ! وقال في نفسه لأضُّنّه قولكَاهنفتلاالرسولقوله ﴿وَ مَا هُوَ بِقَوْلِ كَاهِنْ ﴾ ، فاستغرب عمر لرّدالنبّي ثم قال لإنّه قولشاعر،فرد النبّي و تلا قوله﴿وَ مَا هُوَ بِقْوْلِ شَاعِرْ﴾فمن دَهشَة عمر قال في نفسه و ما هو؟ فتلا النبّيقوله﴿إنَّمَا هُوَوَحْيٌ يُوْحَى﴾، فارتعب عمر وقال في نفسه كيف سَمِعني محمد و أنا لم أنطق بأيِّ كَلمة ! و يومها تسَلَّلَ بعض وَقْعِ الإسلام فيقلب عمر ، و مَرّة كان عائدًا فالتقى امرأةً راحلة بحوائجها و هي تَصيح فقال لها ما بك ياأمَّة ؟ فقالت له إنّي أفّرُ بديني مِنكم ، فقال أ أخرجكِ أحدٌ من أرضك ؟ فاستغربت المرأةاهتمام عمر بها فسارعت إلى زوجها و قالت له أبشر يا رجل إني أرىعمر بن الخطابعلى أُهبة الإسلام ، فقاللها لا تَحلُمي يا امرأة فلن يُسلم عمر حتى يُسلم حِمارالخطاب . وفي أحد الأيّام قرّر عمر أن َيقتل النبّي فخرج من بيته و هو عازمٌ على قَتله فلاقاه رجلٌ فيالطريق وقال له لما العَجلة يا عمر ؟ فقال عمر إلى محمد لأقتله ،فقال له الرجل مُحاولاًإبطاءه ، قبل أن تقتلَ محمد اذهب و اقتلأختكفهي أيضًا قد صبأت ، فتوجه عمر إليها مُباشرةً و الشرّ يُدمِي عينيه وعندما وصل بيتها فتح له زوجها الباب ، فقال له عمر لقد سمعت أنّك قد صبأت فهل هذاصحيح ؟ فأجابه نعم لقد أسلمت ، فشدّهُ عمر من ثيابه فأتت أخته و قالت له أرأيت أنَّ الحقّ فيدينك ؟ فضربها عمر فأعادت عليه السؤال و هي ثابتة فلمح في يديها صحيفة فحاول أنينتزعها منها فصَدّته و قالت له اذهب و اغتسل و عُد إليَّ فأعطيك الصَحيفة لتقرأها ، فذهب عمر و اغتسل فأعطته أخته فاطمة الصحيفة التي كانت تتضمن سورة طه فقرأها عمر و بكى ثم ركض إلىبيت الأرقمليُلاقي الرسول ، ووقتها كانبلالعلى الباب ولما سمع الصحابة صَوتَ عمر من على الباب ارتعشوا فقال لهمحمزةاثبتوا ، ثم دخل عمر فمسكه الرسول وهزَّهُ و قال له أمَا آن لك أن تُسلم يا ابن الخطاب ؟ فقال عمر إني أشهد أن ّ لا إلهإلاّ الله و أنّ محمدا رسول الله فاشتد التكبيرمن شِدّة فَرحةِ الصحابةبإسلام عمر ، ثمقال عمريا رسول الله ألسنَا على الحقّ و هُم على الباطل فلما لا نخرج إليهم؟ فقال لهالرسوليا عمر إنكالفاروقالذي يُفرّقُ الله به بين الخير و الشرّ . فخرج الجميع من البيت مُتجهين إلى الكعبة وهُم على رأس صفين صَفٌ يعتليهحمزةو صف يعتليهعمر. فتعالتِ التكبيراتحول الكعبة حتى تهوّلت قريش . و وقتها أراد عمر أنيَعرف الجميع بإسلامه فقصد بيتأبا الحكمو قال له يا أبا الحكم ألا تعلم بأني قد أسلمت ؟ فقال أبو الحكم اذهبفلقد أفسدت عليّ يومي ، ثم توجه إلى دارأبي سفيانو قال له نفس القول ، إلا ّ أنّ عمر أراد يومها أن ينَالالقليل ممّّا ناله أصحاب الرسول عند إسلامهم ، فذهب إلىأبيجميلو هو أكبر ناقل أخبار بمكة و أخبره أنه قد أسلم و ألحّعليه أن يَكتُم الخبر ، فأخبر أبو جميل الجميع بإسلام عمر فأخذوا يَضربونه و هو يضربهمإلى أن أجهدوه من الضرب فسحب رجلاً منهم و وضع يديه على عينه و قال لهم إن اقتربتممني فَقَصْتُ عينيه، فتركوه يذهب إلى عائلته التي قام بجمع أفرادها و قال لهم لقد أسلمتاليوم و عليكم أن تُسلموا جميعا ، فقال له ابنهعبد اللهلقد أسلمت منذسنةيا أبي ،فقال له عمر وَيْحَكَ أ أسلمت من سنة و تركت أباك يضيع! . و قد صَبر صحابةٌ كُثرٌ على أذيّة قريش لهم ، و هذه عيّنة مُتواضعة من كَمٍ هائل من الصحابة الذين عُذّبوا أشدّ عذاب من قِبل قريش لِيُوصلوا لنا الإسلام على أكملِ وجه . و هذا الإيذاء الذي تَلاقَاهُ النّبي و الصحابة جعله يُفكر في استبعادهم من مكة ، فاختار لهم الله أرضَ الحبشة لِيَرسُوا عليها من هَولِ إيذاء قريش لهم . |
|||
![]() |
![]() |
رقم المشاركة : 10 | |||
|
![]() مسرةالحبشة و موقف النجشي بعد اشتداد الخِناق على المُسلمين في مكة أمَرَهُم النبّي بالهِجرة إلىالحبشةللاستعانة بمَلِكِهمالنجشيفهاجرت أوّلدُفعة ضمّت حوالي ثمانية عشرة نفر، ثم التحقت بهم الدُفعة الثانية و قَاربت الدُفعتين مع بعضهما المائة فكان في المُهاجرين كلٌ منجعفر بن أبي طالب - عُثمان بنعفان و زوجتة رُقيّة - أم حبيبة وزوجها عبيد الله - سودة بنت زمعة وزوجها السَكران – عبد الرحمان بن عوف و الزبير بن العوامو كَثيرون غيرهم ودامت مُّدة مُكوثِ بعضهمخمسة عشر سنة. و عندما وصل المسلمون إلى الحبشة أرسلت قريشعُمرو بن العاصليَتَعَقَبهم و يُفسد عليهممَطلَبَهُم لكونه صديق المَلِكِ النجشي فقال له عمرو يا أيّها الملك هؤلاء الغِلمان السُفهاء تركوا بِلادنا و آباءهم و أمَّهَاتهم يَبكُونَ لفِراقهم و فارقوا ديِننا و لم يدخلوا في دِينك و قد أرسلني آباءهم و أمّهاتهم لأردَّهم إليهم و هُم أدرى ، فقالت حاشية المَلِكْ لقد صَدقَ ، ثم قال يا أيّها المَلِكْ رُدهم إلى بِلادهم ، فأبى النجشي إلاّ أن يسمع منهم وأمر بإحضار الصحابة أمام مَرأى عمرو بن العاص و سائر حاشيته . فحضر الصحابة فقال لهم النجشي لقد بلغني أنّكم قد تركتم آباءكم و دِينكم و لم تتبِّعوا دِيني فما الذي قد جاء بكم إلى بِلادي و ما هذا الدِّين الذي قد اتبعتموه ؟ !فتَقدم جعفر بن أبي طالبثلاث خُطواتمن النجشي وقال له يا أيّها المَلِك كُنّا قوم جاهلية نعبد الأصنام و نأكل الميتة ونُسييءُ الجِوار ونقطعالأرحام و يأكل القوّي منّا الضعيف فكُنا على ذلك حتى جاء فينا رجلٌ منّا نَعرف نَسبه وصِدقه و عَفافه و أمَانته فأمرنا بصِدق الحديث و أداء الأمانة و صِلة الأرحام وحُسنالجِوار و نَهانا عن الفواحش وقولِ الزور و أكلِ مال اليتيم فعدى علينا قَومنا فظلمونا وعذّبونا و قهرونا و ضيّقوا علينا ، فقال لنا نبّينامحمداخرجوا إلى أرضالحبشةفإن بها مَلِك لا يُظلم عنده أحد فخرجنا إلى أرضِكَ واخترناك على من سِواك ورجََونا على أن لا نُظلم عندك . فقال له النجشي أ عندك شيء مِّمّا جاء به نبيّك تقرأه عليّ ؟ فقال جعفر نعم القرآن ، فقال له النجشي اقرأ ، فاختار جعفر سورة مريم التي نزلت على النبّي قبل هِجرة الصحابة إلى الحبشة حتى يتعرفوا على المسيحيّة . فتلا جعفر قوله ﴿وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَرْيَمَ إِذِ انْتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِهَا مَكَانًا شَرْقِيًّا (16) فَاتَّخَذَتْ مِنْ دُونِهِمْ حِجَابًا فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِيًّا (17) قَالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَنِ مِنْكَ إِنْ كُنْتَ تَقِيًّا (18) قَالَ إِنَّمَا أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لِأَهَبَ لَكِ غُلَامًا زَكِيًّا (19) قَالَتْ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ وَلَمْ أَكُ بَغِيًّا (20) قَالَ كَذَلِكِ قَالَ رَبُّكِ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَلِنَجْعَلَهُ آَيَةً لِلنَّاسِ وَرَحْمَةً مِنَّا وَكَانَ أَمْرًا مَقْضِيًّا ﴾ فتأثر النجشي و بكى فبكت حاشيته أيضا ،ثم قال لجعفر و الله إنّ الذي قُلتَ و الذي جاء به المسيح ليَخرُج من مِشكاة واحدة فاذهبوا و عِيشوا بأرضي سالمينَ و لن أُسِلِّمكم أبدًا،ثم نظر لعمرو بن العاص و قال له انطلق فلن أسَلّمهم لك أبدَا. فاشتد غضبُ عمرو بن العاص و ذهب إلى عبد الله بن الربيعة و قال له و الله لأَعُدَّنَّ للنجشي غدَا لأقُلِّبَه عليهم فكفَّه عبد الله عن الذهاب و قال له لا تفعل فإنّ لهم أرحامٌ عندنا فلا تُضيعها ، غير أنّ عمرو بن العاص أسَّرّ على العودة . فرجع إلى النجشي في ثان يومٍ و قال له أيّها المَلِّك إنّهم يقولون في المسيح قولاً عظيمَا ، فقال النجشي و ما يقولون ؟ فقال عمرو لا أستطيع أن أتفَوَّهَ به في حضرتك ، فأمر النجشي أن يأتوه بالصحابة مرّة أخرى . و لمَّا دخلوا عليه قال لجعفر لقد بلغني أنّ نبيّكم يقول في المسيح قولاً عظيما ً؟ ! فعَزَمَ جعفر الصِدق و قال للملك إنّا نقول فيه أنه عبد الله و رسوله وكَلِمته ألقاها إلى مريم ، فاقترب الملك من جعفرو رَسَم خطًّا بعصاه و قال له ما خَرج عيسى عن هذا الخط ، فاذهبوا و عِيشوا في أرضي و من سَبَّكم فقد غَرِم و من سَبّكم فقد غَرِم و من سَبَّكم فقد غَرِمْ ولن تتأذوا في بلدي و والله أن أترك جَبلاً من ذهب أحبُّ إليّ من أن يُؤذى أحدٌ منكم ، ثم التفت إلى عمرو و قال له يا عمرو خُذ هَداياك فو الله لا أقبل الرَشوة في مُلكٍ قد ملّكني فيه الله . فاستقر المُهاجرون في الحبشة و عاشوا فيها بأمانٍ و اقتسموا مع أهلها الحِرفَ ، فعلّمتهمأم سلمةصُنعَ الملابسالجِلدية و باعوها لهم بأثمان رخيصة حتى يغرسوا في قلوبهم مَحبّتهم و هكذا عاشوا بكلمَحبّة إلى أن وقعت معركة مع النجشي ، فجهز النجشي سُفُنًا للمسلمين المُهاجرين و أوصاهمبالبَقاء فيها حتى يُدرِكوا النصر ، فانتصر النجشي في معركته وفرح المسلمونكثيرًا ، و تقول أم سلمة أنّهم لم يفرحوا أشدّ من فَرحتهم بانتصار النجشي إلاّ يوم لِقاءالرسول. ثم عاد بعض المُهاجرون المسلمون إلىمكةعندما سَمِعوا أن أهل قريشنطقوا بالشَهادة من شدَّةِ إعجازهم و لكنَّ عَودتهم لم تَكن صَائبة لأنّ قريش انبهرت أمَام تِلاوة النبّي ّ ، فسجدت قريش إلاّ أنّها اكتشفت فيما بعد أنّهم قد وقعوا في مَحضُور محمد و لكي يخرجوا من وَرطتهم أطلقوا إشاعة أنّ محمدَا قد ذكر آلهتهم بالخير ، كأنّما قال فيهم تلك غرانيق العُلا و إنّ شفاعتهنّ لتُرتجى فكَذِبُوا بذلك على النبّي ليُبرؤوا ضُعفهم . فتعرض المُهاجرون من الحبشة إلى مكة إلى أذيّة قُسوى من قبل أهلقريش فكان الصحابيعثمان ابن مضغونفي كَنَفِالوليد بن المُغيرةإلاّ أنّه أبى أن يتأذى الصحابة و هو لا ، فذهب عثمان إلى الوليد و قالله فُكَّني من جِوارك ، فقال الوليد أوجدت أعظم من جِواري ؟ ! فقال عثمان نعم فقال الوليد من؟فردّ عليه عثمان و قال جِوارُ الله أعظم. فذهب عثمان إلى الكعبة فوجد شاعرًا يُطلق الشِعرَ و هو مَعروفعِندهم أنّه ممنوع مُقاطعة الشاعر فقال له عثمان في الأولى صدقتَ و في الثانية قال لهكذبتَ لأنّ نعيمَ الجنّة لا يَفنى ،فانقض عليه أهل مكة فأبرحوه ضربًا حتى أصبحت عينيه تسيلبالدِماء ،فقال و الله لعيني السليمة مُشتاقة لما أصابَ أختها و هذا في جِوار الله ، فسمعالرسول بما حدث فذهب إليه و أخذ يَنفُث على عينه حتى برأت . فكانعثمان بن مَضغون عيّنةً من الذين تأذوا في مكة بعد عودتِهم من الحبشة أين كانوا مُطمئنينَ و مُكرّمينَتحت رِعاية النجشي ، ذلك المَك الذي فرح كثيرًا لمّا وصله خِطاب من الرسول يُخبره فيه بانتصاره في غزوةبَدر، فنزل النجشي من على العرش و وضع الخِطابَ على رأسه و سجد لله و قبّلَ الخِطابْو أسْلَمَ ، لكنّه مات بعدها بوقت قصير و لما سَمع الرسول بموته قال للصحابة قوموا صَلُواصَلاة جنازة الغائب على رجلٍ صالحٍ فلقد مات أصلحُ عبد أحبّ الله ، فصلى الصحابة عليه صلاة الغائب . |
|||
![]() |
![]() |
رقم المشاركة : 11 | |||
|
![]() شعـــــــب بني طالــــــــب بعد فَشلِ كل وَسائل قريش التي انتهجتها للتَخلُص من النبّي لم يَعُد في حَوزَتها سِوى حَلٍّ أخير لعلَّه يُوفي بالغرض و يُخلصها من محمد للأبد، و بات في نظر قريش أنّ قَتلُ النبّي هو الحلُّ الأمثل ، فحاولت قتله بشتى الطُرق و تجاوزت مُحاولاتها في قتله السَبعَ مرّات غير أنّ كلَّ مُحاولاتها باءت بالفَشل ، و على غِرار هذه المُحاولات مُحاولةٌ تَسرّبَ فيها الخبر إلى أبي بكر الصّديقالذي لم يتردد في إخبار أبي طالب بالأمر ، هذا ما جعل أبو طالب يأتي بشبابِ بني هاشم و يُعطيَ كُلّ واحد منهم حديدةً صَارمة و جعلهم يُخفونها بين مَلابسهم حتى إذا أضمر أحدهم الشرّ لمحمد أخرجوا له الحديدة . و في اليوم الموالي أخذ أبو طالبالنبّي مِنْ يده و دخل به إلى الحَرَمْ أين تواجد القُريشيون و شبابَ بني هاشم ، فقال لهم يا معشر قريش أتعلمون ما هَممتُ به ؟ فأجابوه و ما كان ؟ فنادى أبو طالب على الشَباب و قال لهم يا شباب بني هاشم قوموا ، فإذ بكلّ شاب منهم يقوم و بيده حديدة فقال لهم و الله لو قُتِل محمد لقاتلناكم ، ثم أخذ الشباب و خرج ،فانكسرت بذلك قريش أمام أبي طالب أسوأ انكسار . ثمّ وَضع أبو طالب نِظامًا جديدًا بعشيرته، فجمع شَعْبَ بني طالب في مِساحةِ واحدة حتى إذا حاول أحدُهم الإطاحة بالرسول لأذيّته كانوا له بالمِرصاد . فضَمِنَ أبو طالب بذلك الحِماية للنبّي ، هذا ما جعل قريش تُفكر في مُحاصرة شعب بني طالب و تَعزِله عن كلِّ العرب و تُجرّدهُم من كلّ حقوقهم في البيعِ و الشراءِ و الزَواج ، فمنعت قريش كلّ التعاملات مع آل بني طالب و بني هاشم من كلِّ الجِهات و جعلت كلَّ القبائل تُقِرُّ بذلك و أشْهدتهم عل كِتابة صحيفةِ تَعاهدٍ بينهم علَّقُوها داخل الكعبة . فخرج كلّ آلأبي طالبمن بني عبد المُطلب و بني هاشم المسلمين منهم و الغير المسلمين إلى الجبال و لم يُشهَد أنّ أحدًا منهم قد عَدَلَ عنرأيه أو خرج عن قومه فاتحد الكلُّ لمدةثلاثة سنواتو هُم مَحْرومُونَ من الطعام و الشراب ، فمن شِدّة جُوعهم أكلوا ورق الشجر حتى أصبحت مُخرجَاتُهم كما يَبْعُرُ البعير و تقيحت أفواههم من العطش فهدّدتهم قريش و حفزتهم مِرارًا و تِكرارً كي يتركوا محمد و يتبرؤوا منه إلاّ أنّهم ثبتوا و صَبروا على كل أنواع الأذى فتحملوه . و يقولسعد بن أبي وقاصفي ذلك لقد مرّت علينا ليلةٌ من الليالي كانت جدُّ مُظلمة و بينما أنا أتبول سمعتُ طأطأةً لبولي ففرحت و تيمَّمتُها فإذ هي بجلدة شحم فوضعتها في النار وأكلتها فلم أستطع مَضغها فشربت عليها الماء وبَقيتُ عليهاثلاثةُ أيّاملم يدخل في جَوفي شيء . و يقولالنبّيأنّه لم يأكل مُدّة ثلاثينَ يومًاإلاّ ما يَضعهبلالتحت إبطِه ، فتخيّل كيف تكون رائحة الطعام مع العرق . وبالرغم مِن كلِّ هذا ثبَتَأبو طالبو كلُّعشيرتهوحرصوا على سَلامةِ النبّيفجعلوه يُغيّر كلّ يومٍ مَبِيتَهحتى لا يُخادعونه ويقتلونه و كل هذا و هُم صَابرون ، و لم تحدث أيُّ مُعجزةٍ تُنقضهم مِمَّا هُمعليه ، فحتى أمّناالسيّدة خديجةصَبرت مِثلها مِثل البقيّة و بالرغم من أنّ الأكل كان يَصِلُها إلا ّ أنّها رفضتأن تأكل و البقية لا، و قد خُيّرت على البقاء ببيتها مُعززة مُكرمة إلاّ أنّها أبت إلاّ أن تُقاسِم النّبي مُعاناته و هي بالواحد و الستين من عُمرها . و يقولالهِشام بن عَمْرْ في ذلكأنّه كان يحمل لهم الطعامعلى البعير و كان دائما يقوم بتدوير البعير على مكان العشيرة حتى تحفظ الطريق ، فعلمتقريشبأمره فقالوا له لما تفعلهذا أأنت مُسلم ؟ فقال لهم لا إلاّ أنّي أصل رحمي ، فقالوا له لا تفعلها ثانية !فقاللهم حسنًا لن أكرِّرها أبدًا ، فأعادها مّرة ثانية فضربوه ضربًا شديًدا فعَاودها مرّة ثالثةًفضربوه ضربًا مُبرحًا ، فقال لهمأبوسفيانلما تضربونه إنه رجل يصل رحمه فلاتُفسدوا علينا كلَّ أخلاقنا . ثم نزل جبريل بآيات تُثبت النبّيفي قوله ﴿ اِصْبِرْ فَإنَّ العَاقِبَةَ لِلْمُتَقِينْ﴾، فصبر النبّي و سائر عشيرته لمّدة ثلاث سنوات مِنَ السنة السادسة إلى السنة التاسعة من بعثته . و يقول الرسول أنّه كان يُصليفي الكعبة فرآهعمر بن عفصةفقال له من أنت ؟ فقال له الرسولأنا نبيٌّ مُرسَل من الله ، فقال و بما أرسلك ؟فقال الرسول أمرني ربّيبصلة الرحم و بكسر الأصنام ، فقال الرجلو من معك ؟ فقال الرسولحرٌّوعبدفأشار إلىأبي بكر الصّديقوبلالفتأثرعمر بن عفصةلرُؤية أبي بكر و بِلالمعًا وهُما مُتحدان فقال إنّي مُتَبِعُكَ ، فقال له الرسول إنّك الآن لا تستطيع الاحتمال فعُد إلى بلدكو اصبر و إن سمعت أنّي قد ظهرت ووَصَلتكم أنبائي فأتني . فمضى عمر بن عفصةإلى أهله و بلده وثبت على دين محمدخمسة عشرةسنةحتىسمع أنّه قد ظهر فذهب إليه و قال له أتتذكرني يا رسول الله ؟ ، فقال الرسولإنّك عمر بن عفصة ،فبكى عمر لأنّ النبّي قد تَعرّف عليه بعد كلِّ هذه السنوات فحضَنَهُ . أمّا أبوالبُحتريومُصعببن علي و هِشام بن عمر لم يُعجبهم ما كانيصير في الشعب وقالوا مُنذ متى صِرنا نأكل و أهلنا في الشعب من بني هاشم يموتون جوعًا و أقسموا على أن لا يحدثَ ذلك بعدها و اتفقوا على تمزيق تلك الصحيفة النَكراء ، و عندما وصلوا إلى الكعبة وَجدوا أسياد قريش مُجتمعين حولها فقال مُصعب هذه الصحيفة لظالمة و قال هشام و لابد من أن تُمزق فقال أبو البحتري إنّ أمرها لظالم ، فرد عليهم أبو سفيان و قال لهم إنّ هذا الأمر لقد دُبر بليل . ووقتها نزل جبريل على النبّي و أخبره أن اللهقد سَلَّطَ الأَرَضَة على الصحيفة فأكلت كلَّ ما فيها إلاّ كلمة باسمك اللّهم فأخبر النبّي عمّه أبا طالب بأمر الصحيفة ، فتوجه أبو طالب إلى الكعبة ليُخبرهم فوجدهم مُجتمعين و الثلاثة يُحاولون أن يدخلوا الكعبة ليُمزقوا الصحيفة ، فنادى أبو طالب عليهم و قال لهم إنّ ابن أخي قد أخبره ربّه أنّه سلَّط الأرضَة على الصحيفة و إنّ ابن أخي لم يَكذُبني قَطّ فادخلوا و تحققوا من الأمر فإن كان صحيحًا ما قاله ما عليكم إلاّ أن تُمزّقوا تلك الصحيفة . فدخلوا ووجدوا الصحيفة حقًا قد أكَلتهاالأرَضَةو هي أصغر مخلوقات الله و لم يتبقى في الصحيفة إلاّ كَلمةباسمك اللهم. و هكذاانهزمت قريشو كان لهم أنيَسجدُوا لربّ الأرَضَة و يُنهُوا الحِصارَ علىشَعْبِ بني طالب و بني هاشمالذين صَبروا لله فكفأهم الله خيرَ مُكافأة. |
|||
![]() |
![]() |
رقم المشاركة : 12 | |||
|
![]() مذمــــة الطـائف بعد وفاة عمِّالرسولأبو طالبفَقَدَ الرسولالحِماية خارج البيت و بوفاة زوجتهخديجةفَقَدَ الحِماية داخل البيت فمَوتُهما أثّر على النبّي و سُمي عامه العاشر من البعثة بعام الحُزن لحزنه الشديد عليهما . فقد ماتا حبيبي الرسول غير أنّ حبيب الله الأعلى وولِّيُّه حيّ لا يموت ، فلجأ النبّي لرّبه ليُواسيَهُ فنزل قوله﴿وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا﴾ ،فقرر النبّيوقتها أن يقصد القبائل لمُساندته ، فاختار النبّيالطائفو أخذ معهزيد بن الحارثفقط حتى لا تكتشف قريش سَفَرهفتحملا الرسول و زيدمَشَقَة السفر على أقدامهم لمسافةٍ قاربت المائة كم ،وعند وُصولهما للطائف تَنهد النبّي و قَصَد زُعماء الطائفالثلاثةليُحاول إقناعهم بنبّوته ،فقال له الأول أمَا وجد الله من هُو خيرٌ منك لِيُرسله ؟ ! أمّاالثانيفقال له إمّا أن تكوننبيّا حقًا فأنت أعظم من أن أتكلم معك و إمّا أن تكون كذاب فأنت أدنى من أن أتكلم معك ،أمّاالثالثفقال له و الله لووجدتك مُتعلق بأسطال الكعبة تُقسِمُ على أنّك نبّي لما صدقتك، فقال لهم النبّي إنْ أبيتم الإسلامَ و الحِماية فلا تخبرواقريشأني قد لجأت إليكم ، فقالواله لا و الله لنُخبرنَّهم و سنقول لهم أنّ محمدَا قد جاء يستعين بنا عليكم و رفضناه و لسوف يَسبقُك الخبر إلىقريشقبل أن تصلمكة،فقال النبّي إن أبَيتم حِمايتي فاتركوني أذهب ، فقالوا له لا حتى تُرمَى بالحِجارة ، فنادوا على السُفهاء و الأطفال ليُقابلوه بالطُوب و الحجارة فضربوه وزيديحتضنه و يُحاول مَنْعَوُصولَ الحِجارة إليه فأصبحت رجليه كلّها دم ، فأخذ الرسول يبحث عن مكانٍ يأوي إليه فوجد بُستانا فدخله ثم رفعه يديه إلى السماء يدعو ربّه و يقولاللّهمإني أشكو إليك ضُعف قوتي و قِلّة حيلتي و هواني على الناس ...أنت رب العالمين – أنت ربُُّ المستضعفين و أنت ربي ، إلى من تكلني إلى بعيد يتهجّمُني أو إلى عدو مَلّكته أمريفان لم يكن بك غضب عليّ فلا أُبالي...أعوذ بنور وجهك الذي أشرقت له الظُلمات و صَلُح عليه أمرُ الدنيا و الآخرة أن ينزل بي غضبك أو يًحِلّ عليّ سخطك ... لك العتبى حتى ترضى و لا حول و لا قوة إلاّ بك . وبعد أن أكمل النبّيدعاءه أتاه طِفلٌ صغير عمرهعَشرُ سنواتو اسمهعدّاسو هو منالنوا بالعراقيعمل في بستان شيبا و عُتبة بني الربيعة فأعطوه عنبًا ليعطيه للرسول ، فأخذ الرسول العنبَ من عدّاسو أراد أن ينتهز فُرصةَ وجوده للتأثير عليه لعلّه يهديه. فأخذ الرسول عِنبةً و قالبسم اللهبصوتٍ مُرتفع حتى يسمعه عدّاس ،فقال عدّاس إنّ هذه الكلمة لا يقولها أهل هذه البلدة ؟ فقال النبّي ما اسمك؟ فأجاب الطفل و قال عدّاس ، فقال النبّي و من أي البلاد أنت يا عداس ؟ فأجاب من ذي نوا ،فقال النبّي من بلد الرجل الصالحيونس بن مَتة ،فقال عداس آ تعرفه ؟ فقال النبّي ذلك أخي كان نبّي و أنا نبّيٌ مثله، فانكب عدّاس على رِجلي النبّي يُقبِّلُها ، فهكذا نجح النبّي و لو بإسلام طفلٍ صغير . ثم عادالنبّيإلى مكة و في طريق عودته و بينما هو مارٌ بقريةالشعائثنزل جبريلعلى النبّي ومعه مَلَكُ الجبال،فقالجبريلللنبّييا محمد إنّ الله سَمِعَ مَقُولةَ قومك لك و سمع مَقولتكَ للقوم فأرسل معي مَلَكَ الجبال فاسأله ما شِئت ؟ فقال مَلَكُ الجبال أُأمر يا رسول اللهفلو طلبت لأُطبِقَ عليهم الأخشبين، فقال له الرسول لا تفعل فلعلّه يخرج من أصلابهم من فيه خير ، فقال مَلَكُ الجِبال صَدَقَ من سمّاك الرءوف الرحيم . فيومها جبر اللهنبيَّهمرّتينمرّةً بعدّاس و مرّةًبمَلَك ِالجبال ، و أكمل جَبرَهُ له بإسلام طائفةٍ من الجِنّ ، فبينما كان النبّي يقوم الليل مرّت به طائفةٌ من الجنّ فسمعوه يتلو القرآن فنادوا على أصحابهم و أسلموا بين يديه . و يقول الله في ذلك﴿ قالُوا يَا قَوْمَنَا إِنَّا سَمِعْنَا كِتَابًا أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ وَإِلَى طَرِيقٍ مُسْتَقِيمٍ (30) يَا قَوْمَنَا أَجِيبُوا دَاعِيَ اللَّهِ وَآَمِنُوا بِهِ يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُجِرْكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ ﴾،كأنّ الله يقول لنبيّه حتى و إن عاداك و تخلى عنك الناس أجمع سأوجِدُ لك مُختلف كائناتي لتؤمن بك . ثم أكمل النبّي طَريقه إلى مكة و عندما وصلوا إليها سأل زيدٌ النبّي عن كيفية الدُخولِ إليها و القوم يعلمون بما جرى معهم في الطائف ، فقال له النبّي يا زيد إنّ الله جاعلٌ لما ترى فرجًا و مخرجَا و إنّ الله ناصرٌ دينه و ناصرٌ نبيّه . ثم أرسل النبّيزيد إلى ثلاثةِ قبائل يَطلبُ منهم الحِماية لكنّهم رفضوا ذلك ، فأرسله إلى مَطعم بن عدي و طلب منه الحِماية فقبل مَطعم و أَلبس أولاده الدُروعَ و نادى في قريش و أعلَمَهم أنّه يحمي محمد ، فقال له أبو سفيان أمتبعٌ له أو مُجير ؟ فقال مَطعم بل مُجير ، فقبلت قريش بإجارته له ، فدخل النبّي وطاف بالكعبة ثم دخل بيته و هكذا انتهت رِحلة النبّيللطائف . |
|||
![]() |
![]() |
رقم المشاركة : 13 | |||
|
![]() الاسراء و المعراج إنّ اللهلم يتخلى عنحبيبهمحمد بعد وفاة زوجته السيّدةخديجةو عمّهأبو طالباللّذان كانا له الرَكيزةفخديجةكانت ِنِعمَ الزوجة و أساس البيت و قُوّته ، أمّاأبو طالبفكان نعِم العمّ و حاميه وناصره و داعمه في مكة ، فبعد موتهما ِلمن يلجأ ؟ فقد َفقد أمان البيت و أمان مكة فمن يُجيره منقريشبعد موتهما إلاّاللـهالذي عوّضه بأعظم ليلةو أعظم رِحلةٍ و هيالإسراء و المعراج، كأنّ اللـهيُخبر نبيّه أنّه حتى و ان تجرأ عليك أهلُ الأرض و أذوك سأسخِرُ لك أهل السماء ليقدِّرُوك و يُعوضُوك . فأرسل اللهلنبيّّهالبُراقحتى يأخذه منمكةإلىفلسطينبسرعة الريح . ويحكي النبّي عن رِحلة الإسراء و المعراج فيقول جاءني جبريل و أنا نائمٌ ، فإذ به يقول لي قُمْ يا محمد فقمت مِن فراشي ثم ذهبت إلى الكعبة وطُفتُ بها ، ثم أخبرني جبريل أنّه سيأخذني إلى السماء . فأحضر جبريلالبُراق و هي دابة بيضاء فوق الحِمار و دون البغل تضع حافرها عند مُنتهى طرفها من شِدّة سرعتها ، فركبنا عليها و انطلقنا إلى فلسطين بسُرعة البرق و عند وصولنا إلى المسجد الأقصى أَهْبط جبريل البراق أمام حائط المسجد و ربطه أمامه . ثم دخل جبريلو النبّيإلى المسجد فوجداه مليء ليس به مَوضعُ قدم ، فتعجب النبّي و سأل جبريل عمن يكونون ؟ فقال له جبريل هؤلاء سائر الأنبياء من بداية آدم إلى عيسي و قد جاؤوا كلّهم لاستقبالك . فوقف النبّي في الصفِّ للصلاة معهم فقال له جبريل تَقَدَم يا محمد لتُصلي بهم ، فصلى النبّيبالأنبياء جميعًا رغم وجُوده بالأقصى و من عادة صَلاةِ الجماعة أن يُصلي صاحب البيت بالجماعة ، و هنا صَلى النبّي هو بالأنبياء ، و كأنّ اللـهيُخبر نبيه أنّه صاحب البيت و مُوكلٌ به . و بعد فراغ النبّي من الصلاة أخذه جبريل و أعطاه كوبين ، كوبٌ به لبن و كوبٌ به شراب ، فاختار النبّي كوبَ اللبن و شَرِبَ منه ففرح جبريللاختيار النبّي لكوب اللبن و قال له لقد هُديتَ و هُديتْ أمّتك و لو اخترت كُوبَ الخمر لغَويتَ و غَوَتْ أمّتك . ثم خرج جبريلبالنبّي ليُعرِّجَ به من صخرة المِعراج إلى السمواتالسبع، فطرق جبريلأبواب السماء فقال له الملََكُ المُوكل بها من ؟ فردّ جبريل و قال جبريل، فقال له المَلَكُ و من معك ؟ فقال معي محمد ، فقال المَلَكُ أهو نبّيٌ مُرسَل ؟ فقال جبريل نعم ، فَفَتحَ لهما الأبواب و دخلا إلى السماء الأولى فرأى النبّي سَوادًا عظيمَا و رأى رَجُلاَ يلتفت على يمينه فيضحك ثم يلتفت علىيساره فيبكي ، فسأل النبّيجبريل عن الرجل و عن بُكائه و ضِحكه ، فقال له جبريل هذا أبوكآدمو هذا السَوادُ هو أمّته وهو يبكي على ذُريته التي تدخل النار ويضحك لذريّته التي تدخل الجنة و إنّ ذُريّته التيتدخل الجنة أكثرها من أمّتك يا محمد ، ففرح النبّي و اقترب من آدم فسَلَّمَ عليه فقالله آدم أهلا بالولد الصالح و النبّي الصالح ، ثم مَرّ النبّيبالسماءالثانيةفالتقى بالنبيَّينعيسىو يحيا عليهما السلام، ثم صَعِد إلىالسماءالثالثةفوجد سيّدنايوسف، ثم صَعِدإلى السماءالرابعةفالتقيسيّدناإدريس،و بالسماءالخامسةوجد سيّدناهارون، ثمأخذه جبريل إلى السماءالسادسةفالتقي سيّدناموسى ، و أخيرًا وصل النبّي إلى السماءالسابعةفوجد سيّدناإبراهيمو هو مُثني ظهرهللبيت المعمور و هو مثل الكعبة تمامًا و موقعه فوق الكعبة تمامًا تطوف حوله الملائكةكلّ يومٍ حوالي 70000 ملاكو لن يعودوا إليه حتى يوم القيامة . فقال سيّدنا إبراهيمللنبّي مرحبًا بالابن الصالح و الأخ الصالح ، ثم قال له يا محمد أقرئ أمّتك منّي السلام و قُل لهم إنّ الجنة طيبة التُربة عَذبة الماء و إنّ غِراسها سبحان الله و الحمد لله و الله أكبر و لا اله إلا الله . ويحكي النبّيفيقول أنّه يَومَها رأى أهلالنار و رأى بجانبهم لحمةً طيبةً و لحمةً نتنًة فيأكلون النتنة و يتركون الطيبة ، فقال النبّي من هؤلاء يا جبريل ؟ فقال جبريلهؤلاء الزُناة و هُم يتركون الحلال و يستلذونالحرام ، و رأى يومها أيضَا أناسًا تُفتح أفواههم و تُوضع داخلها كُرات من نار فسألالنبّي عمن يكونون ؟ فقال جبريلأنّهم آكلون أموال اليتامى ، كما رأى أيضَا أناسًا لهمأظافر من نُحاس يخدشون بها وُجوههم و أجسامهم فقال النبّي من هؤلاء يا جبريل ؟ فقال جبريل إنّهم النَّماَّمون و المَغتابون يا محمد. و رأى أيضَا الجنة و أهلها وسمَِعها تقول أين سُكاني فلقد تزينت لهم و كَثُر حريري و كَثُر مائي و كَثُر زرعي و كثرت أشجاري ، فهي لَبِنةٌ من ذهب و لَبِنةٌ من فِضة مِلاطُها المسك و حَصباؤها اللؤلؤ و سقفها عرش الرحمن و غِراسها سبحان الله و الحمد لله و الله أكبر و لا اله إلا الله، و يومَها شمّ النبّي رائحةً طيبةًجدًّا فقال رائحة من هذه يا جبريل ؟ فقال جبريل هذه رائحة مَاشطةُبنت فرعونفقال النبّي و من تكون ؟ فقالجبريلكانت امرأة مؤمنة بسيدناموسىو قد كانت تمشط لبنت فرعون و مرّة سقط منها المِشط و عندما التقطته قالت بسم الله فقالت البنت أتقصدين أبي؟ فقالت الماشطة ربّي و ربّك و ربّأبوك اللـه ، فسارعت البنت إلى أبيها و أوشت بها ، فقال فرعون أوا لها أبناء ؟ فقالت نعم ،فأمر بجلبها و جلب أبنائهاالأربعة،كما أمر باشعال بقرةِ من نُحاس و أخذ يسألها ألك ربُّ ِسواي ؟ فقالتربّي و ربّك اللـه ، فرمى بابنهاالأولفي النار ، ثم سألها نفس السؤال فأجابت بنفس الجواب فرمى بابنهاالثاني، ثم هكذا معالثالث ،أمّاالرابعفكان رضيعًا و لكنّها ثبتت و أجابتهبكل قوة أن ربّها و ربّه هو اللـه فرمى بها و برضيعها ، فهذه صاحبة الرائحة الطيبة التيفرح النبّي كثيرًا بها ،كما فَرح أيضًا بأناسٍ كثيرين غيرها رآهم في الجنّة . ثم عَمَلَ على تخفيفالصلاة منخمسين ركعةًإلىخمسِركعاتفي اليوم ، و يقول النبّي في ذلك التقيت موسى في السماء السادسة فقال لي ماذا فَرض عليك ربّكَ يا محمد ؟ فقلت له خمسين صلاةَ ،فقال لي إني جربتُ بني إسرائيل فارجع إلى ربّك و اسأله التخفيف ، فرجع النبّي إلى اللـهو سأله التخفيف . فقال له الله وضعنا عنك شِطرها ، فعاد النبّي إلى موسى و أخبره ،فقال له موسى ارجع إلى ربّك و اسأله التخفيف ، فرجع النبّي إلى اللـه و سأله التخفيف فقال له اللـه وضعنا عنك رُبعها ،فعاد النبّي إلى موسى و أخبره ، فقال له موسى ارجع إلى ربّك و اسأله التخفيف، فرجع النبّي إلى اللـهمرّة ثالثة و سأله التخفيف فقال له اللـه لا يُبدل القول لدي هي خمسةٌ في العدد خمسونَ في الأجر و الحسنةُ بعشرِ أمثالها ، فعاد النبّي إلى موسى و أخبره ، فقال له موسى ارجع إلى ربّك و اسأله التخفيف ،فقال له النبّي لقد استحيت من ربّي . فيثبت عدد الصلوات و يكون خمسة صلواتِ باليوم ، فكان فضل التخفيف للنبّي على البشرية جمعاء. ثم وصل النبّي إلى مكانٍ سَمِع فيه صوت الأقلام و رأىنهر الكوثرو حَلاوتَهُ و أطرافهالذهبية و رأى صاحب أدنىعباد الله مَنزلةً في الجنةذلك الذي يسير في مُلكه ألف سنةٍ لا يقطعه، أمّا أعلى عباد الله مَنزلةً ذلك الذي ينظر إلى اللـهبالغَداةِ و العِشي. و يومها تعدىالنبّيكلَّ الأبعاد فوصل حتى إلىسـِدرة المُـنتهىأي سقف النِهاية و لم يتعداه مُنتهى الخلائق في وُصولهالأنّه آخر الأنبياء و أحبّهم إلى اللـه و إلينا ، فاللّهم أسألك له الوسيلة و المكانةالرفيعة في الجنة و شُربة ماء من يديه الكريمتين يا رب . فهذه هي مُجمل رِحلة النّبي بين الإسراء و المعراج ، و بعد أن أتممهما رَجَعَا جبريل والنبّي بالبُراق إلى مكة فوجد النبّي فِراشه على حاله و وِسادته دافئة كما تركها قبل خروجه ، ففكّر إن كان سيُخبر قريش بالأمر أم يكتم القصة . و في الصباح بينما النبّي بمكة مَرّ به أبو جهل فأخبره بالأمر ، فقال له أبو جهل يا محمد إذا جمعت لك القوم أتخبرهم بما أخبرتني ؟ فقال له النبّي نعم ، فجمع له الناس من حوله فاندهشوا ووصفوه بالهذيان ، ثم قال له أبو دُجانة صِفْ لنا المسجد الأقصى إذن وقد كان يعرف المسجد الأقصى لأنّه قد زاره قَبلاً ، فوصفه له النبّي و انطبق وصفُه لوَصْفِ المسجد الأقصى . ثم سألوه إن كان قد مرَّ بقافلة ما في طريقه ، فقال لهم نعم و قد ظلَّ لهم بعير فدَلَلْتُهم عليه ، و قافلة بني فلان ستجدونها بالبيضاء إذا أصبحتم و لقد كُسِرت لهم بعير و قد كان لهم إناء به ماء فشربته ، و لما رجعت القافلة سألوها فصَدق النبّي في كلِّ ما قاله و صدّقَهُ أبو بكر الصديق أوّل ما سمع بالأمر لذلك سُميّ بالصديق . فقد كانت هذه الرحلة عِزَةٌ و مَعَّزَّةً للنبّي بين أهل الأرض و السماء . |
|||
![]() |
![]() |
رقم المشاركة : 14 | |||
|
![]() التخطيـــــط للهجــــرة و في آخر يوم من الحجّ من سنة 11 للبعثة قَابَلَ النبّي سِتة شُبّان من الخزرج أسعد بن زرارة وعوف بن الحارث ويعرف بابن عفراء، وهم من بني النجار، ورافع بن مالك بن العجلان وعامر بن عبد حارثة وهما من بني زريق، وقطبة بن عامر بن حديدة من بني سلمة، وعقبة بن عامر بن نابىء من بني غنم، وجابر بن عبد الله بن رباب من بني عبيدة، يترأسهم شاب اسمه أسعد بن زرارة من بني النّجار ، فالتقى النبّي بهم عند الحلَاَّق فقال لهم أ أنتم من بني يهود ؟ فقالوا له لا ، فقال لهم أتجلسون معي لأكَلِّمَكُم ؟ فقالوا له قُلْ، فقال لهم النبّي إنِّي رسول الله إليكم و دَعَاهم للإسلام ، فنظر الشُبّان لبعضهم و قالوا لبعضهم البعض هذا هو الرجل الذي كانت تَتَوعدُنا به بنو يهود! فلنسبقهم إذن إليه ،ثم قالوا للنبّي لقد جِئْناك و ما من قوم بينهم من العداوة أكثر ممّا بيننا و لعلّ الله سيُصلحُ بك ما بيننا غير أنّنا سنذهب و نعود إليك بعد سنة و ذلك لكي يُحضِرُوا معهم نفرًا من الأَوْس ، فقال لهم النبّي نعم لكُم ذلك فالتقوني في هذا المكان بالعقبة العام القادم . و في العام الموالي رجع الشُبّان الستة ليُلاقوا النبّي في نفس المكان غير أنّ عددهم زاد هذه المرّة و أصبحوا إثني عشر ،ثمانية منهم من الخزرج و ستة منهم من الأوس بمن فيهم أسعد بن زرارة _ سعد بن الربيع _ سعد بن خيثمة _ المنذر بن عمرو - سعد بن عبادة _ عبد الله بن رواحة _ البراء بن معرور _ أبو الهيثم بن التيهان _أسيد بن حضير _عبد الله بن عمرو بن حرام _ عبادة بن الصامت و رافع بن مالك بن عجلان . ،فَفَرِح النبّي بهم ثم قال لهم أتُبايعونني على أن لا تُشركوا بالله شيئًا و لا تسرقوا و لا تزنوا و لا تقتلوا أولادكم و لا تأتوا ببهتانٍ و لا تعصوني في معروف ، فقالوا له قَبِلنا يا رسول الله و عاهدوه ، ثمّ رجعوا إلى المدينة المنورة فأرسل الرسول معهم مُصعب بن عُميْر ليُعينَهُم هو أيضًا على الدعوة ، ففتَح أسعد بن زرارة بيته للدعوة إلى الإسلام لتبليغ رسالة النبّي و نشرها بالمدينة فتوافد عليهم الناس و أسلم الكثير بين يديهم ، فسمع بهم سَعد بن مُعاذ فأنكر عليهم هذا الفِعل غير أنّه استحى أن يذهب إليهم ليَكُفّهُم لأنّ أسعد بن زرارة ابن خالته فأرسل إليهم أُسيد بن حُضير ، فذهب إليهم أُسيد فرآه أسعدفأخبر مُصعب ليَستَعِد للِقائِه فكلّم أُسيدمُصعب و هو حاملٌ حربتَهُ و قال له من أنت و ما الذي جاء بك إلى بلادنا ؟ فردّ عليه مُصعب و قال له هل لك في أن تسمع مني فان أعجبك فهو خير و إن لم يعجبك تركت لك المكان ، فأنصت أُسيدلمصعب ثم استوى و ألقى حِربته و قال لمُصعب ماذا تفعلون لتدخلوا هذا الدِين؟ فقال له مُصعب تغتسِل و تُنظف ثِيابك و تشهد أن لا اله إلا الله و أنّ محمدا رسول الله ففعل أُسيد ذلك و أسلم و لَقِيَ النبّي يوم بيعة العقبة و كان من بين الاثني عشر رجلاً ، و قد أراد أُسَيد أن يجعل سعد بن مُعاذ يُسلم لأنه سيّدُ قومه و إن أسلم هو ستُسلم سائر قبيلته ، فذهب أُسيدلسعد و قال له يا سعد إني أخشى على ابن خالتك أسعد بن زرارة لأن بعض الناس يُريدون قتله ليحَقِّرُوكَ به، فذهب سعدإلى أسعد فوجد مُصعب يدعو الناس فجلس و سَمِعَ منه فأعجبه و أسلم هو أيضًا ، ثم رجع إلى قومه و قال لهم يا قوم ما رأيكم بي؟ فقالوا له أنت سيِّدنا ،فقال لهم و ما رأيي فيكم؟ فقالوا له أفضلنا رأيًا ، فقال لهم فإنّ الكلام مع رجالكم و نسائكم عليّ حرام حتى تُؤمنوا بالله وحده ،فأسلموا جميعا و بالتالي أسلمت قبيلة بني شهل كلها استجابة لسعد بن معاذ. و هكذا بدأ انتشار الإسلامبالمدينة المنوّرة بفضل أسعد بن زرارة و سعد بن مُعاذ و أُسيد بن حُضير و مُصعب بن عُميرو الأنصار و قبل هذا و ذاك بفضل اللهو دعوة نبِّيه الرسول . و بعدها هاجر النبّي إلى المدينة و مات أسعد بن زرارة بعد سنة من هِجرة النبّي و مات مُصعب بن عُمير بعد سنتين من هِجرة النبّي و مات سعد بن مُعاذ بعد ثلاثة سنواتمن هِجرة النبّي ، كأنّ اللهيُعلّمنا بذلك أنّهم قد أدوا ما عليهم في تبليغ رسالة النبّي بين الناس و لا بد من تَلَقِيهم فورًا مُكافئتهم ألا و هي الجنّة . و يقول النبّي عن سعد بن مُعاذ أنّه أَسْلَمَ و عُمره ثلاثين سنة و استُشهد و عمره سبعة و ثلاثين سنة و عند مَوتِه اهتز له عرش الرحمن و شَهِد جنازته سبعين ألف مَلَكْ حبًُّا و كَرامةً له من الله ، فسبعُ سنوات إسلام فقط اهتز له عرش الرحمن من صنائعه للإسلام! فما فعلناه نحن طيلة مُدّة إسلامنا و قد عَمَّرْنا بإسلامنا أكثر منه بكثير ، فأتُراه قد يهتز لنا لن أقول عرش الرحمن طبعًا لا أحلم ؟ ! غير أني سأقول رجلٌ أو امرأة...إن لم أقلْ طفلٌ!..أو قد أصمُتْ و أُقِّرْ بأنّه لن يكون هُناك أحد ..!!! . فا للهم أعّنا على تبليغ رِسالة نبيِّك في أمتّه و في العالم أجمع و أعّنا على نُصرة الإسلام و أعزَّهُ بنا و اجعلنا نَسيرُ على خُطى الحبيب النبّي فنتَبعَِ رَكَْبَ سعد بن معاذ يارب العلميـن
|
|||
![]() |
![]() |
رقم المشاركة : 15 | |||
|
![]() بيعــــــــة العقبــــــة لقد نجح الرسول بفضل الأُسُسْ و القواعد التي انتهجها في دَعوتِه للقبائل المُجاورة لقُريش ، فقد أزهرت أخيرًا تخطيطاتُه للهِجرة و أثمرت على إِثرها بيعة العقبة الأولى لِيَحينَ قِطافُ الثِمّار بعقد بيعة العقبة الثانية ، فيكون بذلك البَيْعُ كَبير و الرِبحُ وَفِير كيف لا و السِلعة سِلعةُ الله و الغَلَّّّّة غلّةُ النبّي و أصحابه تَعلُوها يَدُ الله فوق أيديهم . فبعدما كان عدد المُبايعين في بيعة العقبة الأولى سنة 11 للبعثة اثني عشر أصبح مُبايعي العقبة الثانية خمس و سبعون نفرًا سنة 12 للبعثة بمن فيهم ثلاثة و سبعين رجلا و امرأتان . و تحدث النبّي عن أَثَرِ بيعة العقبة الثانية فقال قبل أن أقَابلَ الأنصار التقيتُ بمُصعب بن عُمير فسألته عمّا جرى معه و هو في رِحَالهِم ، فقال لي معي وَفدٌ يضم خمس و سبعين نفرًا بمن فيهم امرأتين و قد أخبرني أيضًا عن بعض الجوانب في المدينة . و بعد ذلك أتى إلى النبّي قائد الوفد البَراء بن مَعرُور و الشاعر سعد بن مالك فسلَّمَا على الرسول فاستبشر النبّي خيرًا و حدّدَ لهم مَوعِدُ اللِّقاء بهم ، فاختار آخر يوم بالحجّ كيومٍ للّقاء و اختار مُنتصف الليل كساعةللّقاء و اختار العقبة كمكانٍ للِّقاء ، فحدث اللِّقاء مثلمّا حدّده النبّي و اجتمع بالوفد عند العقبة و معه عمّه العبّاس الذي تولى أمره بعد وفاة عمّه أبي طالب . فجلسوا جميعا و فتح العبّاس الاجتماع فقال لهم يا معشر الأَوْسِ و الخَزْرَج قد عَلِمنا بحضُورِكم اليوم و اعلموا أنّنا نحن بنو هاشم نحمي محمـد فان كُنتم تَرغبون أن يأتيكُم فتُعاهدونَه على حِمايته و إلاّ فنحن قادرون على حمايته ، فقالوا له لقد سمِعنا مقالتك يا عبّاس فتكلم أنت يا رسول الله و اطلب لنفسك و لربّك ، فتلا النبّي القرآن و حمد اللهو أثنى عليه و رَغّبَهُم في الإسلام ،ثم قال لهم أتبايعونني على السَمْعِ و الطَاعة و على الإِنفاق في العُسر و اليُسر و على الأَمر بالمعروف و النَهي عن الُمنكر و على أن لا تأخذكم في الله لومة لاَئِم و على أن تمنعوني كما تمنعون نِساءكم و أولادكم ؟ ! فقالوا له ما لنا إن فعلنا ذلك ؟ فنظر النبّي إليهم و قال لهم الجنّة فسكتوا ، فقام البراءُ بن مَعرُور و قال للرسول أُمدُد يدك يا رسول الله فنحن أهل الحرب وَرِثناها كَابِرْ عن كابر عن كابر و لك ما أردت و سنحميك كما نحمي أبناءنا ، ثم قام أبو الهيثم ابن تيمان و قال للنبّي يا رسول الله إنّا بيننا و بين اليهود علاقات حميمة و إنَّ بقدومك قد نقطعها فهل إذا أظهرك الله عُدْتَ إلى قومك و نكون نحن قد قطعنا حبائِلَنا مع اليهود؟ ! فابتسم له النبّي و قال بل الدَّمْ الدَّم و الهَدْيْ الهَدْيْ ، و قصد بقوله الدم و الهدي أنّه لن يحول بينه و بينهم إلاّ القتل و القبر ، ثم قال لهم أنا مِنكم و إليكُم أساندُ من ساندتم و أحاربُ من حَاربتُم ، ثم قام أسعد بن زرارة و قال للوفد أنظروا على ما تُبايعون الرجل إنّكم تُبايعونه على مُحاربة العرب و العجم و الأبيض و الأسود فان كُنتم ستخذلونه فاتركوه من الآن ! فقالوا له بل رَبِحَ البيع لا نُقِيلُ و لا نَستَقِيل ، فقال لهم النبّي ألا إنّ سِلعَةَ الله لغالية فهل مِن مُشَمِّرْ للجنّة ؟ فتقاتل القوم على مَسْكِ يد النبّي كلٌ منهم يظنُّ أنه من سيُبايع الرسول أوّلا سيدخل الجنّة أوّلا ، فبايعهم الرسول ثم قال لهم أَخرِجُوا لي اثني عشر نقيبًا ، فانتخب الجمع و اختاروا 12 نقيبا تسعة منهم من الخزرج و ثلاثة من الأَوس ، فقال لهم النبّي أنتم كُفَلاءُ على قومكم و أنا كَفيلٌ على قومي حتى آتيكم ، ووقتها صَرخَ رجلٌ من على الجبل و قال يا معشر قريش أدركوا محمد و الصِّبَاءْ فإنّ محمد قد اجتمع على حَربِكم ، فقام العبّاس بن فضلةو قال للنبّي دعنا يا رسول الله نَمِيلُ على أهل مِنَنْ بأسيافنا الليلة ، فقال له النبّي نحن لا نُؤمَرُ بذلك أبدًا و طلب منهم الرُجوع إلى رِحالهم و النومَ مع قومهم و أمَرهُم بترك مكة في الصباح الباكر ، فكان ذلك و مِثلما أشارَ النبّي فقد تركوا مكة في الصباح الباكر إلاّ اثنين منهم سعد بن عُبادة و المُنذر بن عَمْرْ قد تخلفوا عن البقيّة و تأخروا قليلا فمسكتهُم قريش ، فسمع بهما العبّاس فأتاهما و سَألهما إن كانا يعرفان أحدا من أهل مكة ليُساعدهم ،فقالا له نعم إنّ لنا مع أبي سفيان تِجارة فأشار عليهما أن يَصرُخا باسمة ليجيرَهُما ، ففعلا ذلك فأطلقتهما قريش و عادا إلى يثرب . و بعدها جمعَ النبّي الصحابة و قال لهم إنّ الله جعل لكم بلدًا خيًرا من بَلدِكُم هذا و أهلا خيرًا من أهلكم بيثرب فحثّهُم على الهِجرة إليها ، فخرج الصحابة من مكة إمّا خِلسةً و إمّا عَلَنًا جِهَارًا لا يخافون في ذلك لومَةَ لائِمْ كما فعل عمر بن الخطاب يوم خُروجه نادى في قُريش و قال لهم من أن أراد أن تثكُلَه أمُّه أو تُرمّل زوجته أو يُيَتَّمَ أولاده فليلقني غدا و أنا خارجٌ من مكة إلى المدينة ، فلم يتجرأ أحد على الخروج في إثره و التصَدِي له . و هكذا أمرَ الرسول جميع المسلمين بالهِجرة إلى يثرب فخرجوا جميعًا من مكة مُتجِهين إلى المدينة لِتُصبِحَ المدينة بذلك طَوْقَ نجاتِهم من أهل مكة و سَفينَةَ الإسلام التي عَبَرَ عليها المسلمين ليرسُوا في الأخير على ضِفَافِ كلّ رُبوعِ المَعمُورَةِ . |
|||
![]() |
![]() |
الكلمات الدلالية (Tags) |
للتعرف, الدخول, تتردد, نبّيك |
|
|
المشاركات المنشورة تعبر عن وجهة نظر صاحبها فقط، ولا تُعبّر بأي شكل من الأشكال عن وجهة نظر إدارة المنتدى
المنتدى غير مسؤول عن أي إتفاق تجاري بين الأعضاء... فعلى الجميع تحمّل المسؤولية
Powered by vBulletin .Copyright آ© 2018 vBulletin Solutions, Inc