الجواب عن أهم أدلة المخالفين - منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب

العودة   منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب > منتديات الدين الإسلامي الحنيف > قسم العقيدة و التوحيد

قسم العقيدة و التوحيد تعرض فيه مواضيع الإيمان و التوحيد على منهج أهل السنة و الجماعة ...

في حال وجود أي مواضيع أو ردود مُخالفة من قبل الأعضاء، يُرجى الإبلاغ عنها فورًا باستخدام أيقونة تقرير عن مشاركة سيئة ( تقرير عن مشاركة سيئة )، و الموجودة أسفل كل مشاركة .

آخر المواضيع

الجواب عن أهم أدلة المخالفين

 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 2011-05-14, 09:39   رقم المشاركة : 1
معلومات العضو
ابو الحارث مهدي
عضو مميّز
 
الصورة الرمزية ابو الحارث مهدي
 

 

 
الأوسمة
وسام أفضل قصيدة المرتبة  الثانية 
إحصائية العضو










B9 الجواب عن أهم أدلة المخالفين

الجواب عن أهم أدلة المخالفين الذين يكفرون الحكام بغير ما أنزل الله


من غير تفصيل



وهي أربعة عشر دليلاً




الدليل الأول


قول الله تعالى : ﴿ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ[ المائدة 44 ] .

فإن قيل : إن الحاكم بغير ما أنزل الله كافر بنص الآية .

فالجواب : أن الكفر هنا هو الكفر الأصغر لا الأكبر ، وبرهان ذلك ثلاثة أمور :

1. إجماع أهل السنة على أن الآية ليست على ظاهرها ، وقد تقدم ( ص 24 ) .
2. تفسير ابن عباس رضي الله عنهما ، وقد تقدم ( ص 42 ) .
3. تفسير بعض التابعين([1]) ( = أصحاب ابن عباس رضي الله عنه ورحمهم ) ، وقد تقدم
( ص 41 ) ، ولا يعلم لهم مخالف من عصرهم .

ثم إن قيل : الأصل عند الإطلاق انصراف الكفر للكفر الأكبر .

فالجواب : أن هذا الإيراد لا ثمرة منه ؛ لأنه جاء ما يجعل المراد بالكفر في الآية : الكفر الأصغر ، وهو تفسير ابن عباس وبعض أصحابه .

ثم إن قيل : قد استقرأ ابن تيمية رحمه الله لفظ ( الكفر ) المعرَّف بـ ( أل ) فوجدأنه
لا يأتي إلا أريد به الكفر الأكبر ، فقال : « والكفر المعرَّف : ينصرف إلى الكفر المعروف ، وهو المخرج عن الملة » ( « شرح العمدة » ، قسم الصلاة ص 82 ) .

فالجواب : أن استقراءه رحمه الله جاء على المصدر ( الكفر ) بينما جاءت الآية باسم الفاعل( الكافر ) وفرق بينهما ؛ إذ المصدر يدل على الفعل وحده ، أما اسم الفاعل فهو دال على الفعل وعلى من قام بالفعل ( = الفاعل ) .
لذلك فقد جعل ابنُ تيمية – نفسه – القولَ بأن المراد بالكفر في الآية هو الكفر الأصغر ؛ قولاً لبعض أئمة السنة ، بل لعامة السلف ، وتقدم كلامه ( ص 44 ) .

قال ابن عثيمين رحمه الله : « مِن سوء الفهم قول مَن نسب لشيخ الإسلام ابن تيمية أنه قال ( إذا أُطلق الكفر فإنما يراد به كفر أكبر ) ؛ مستدلاً بهذا القول على التكفير بآية


(وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ [ المائدة 44 ] ! مع أنه ليس في الآية أن هذا هو ( الكفر ) ! وأما القول الصحيح عن شيخ الإسلام فهو تفريقه رحمه الله بين ( الكفر ) المعرَّف بـ ( أل ) و ( كفر ) مُنكّراً . فأما الوصفُ فيصلح أن نقول فيه ( هؤلاء كافرون ) أو ( هؤلاء الكافرون ) بناءً على ما اتصفوا به من الكفر الذي لا يخرج من الملة ، ففرْق بين

أن يوصف الفعل وأن يوصف الفاعل »
( فتنة التكفير ص 25 ، حاشية 1 ) .




الدليل الثاني


قوله تعـالى : ﴿ فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا[ النساء 65 ] .

فإن قيل : إن الله نفى الإيمان عمن لم يحكّم الشريعة ، وهذا يقتضي الكفر .

فالجواب : أن المنفي هو كمال الإيمان لا أصله ( = لا كله ) ، فالآية تحكم بنقص الإيمان لا بزواله .

وبيان ذلك : أن نفي الإيمان جاء في الشريعة وأريد به نفي الكمال لا نفي الأصل .

ومن أمثلة ذلك : قوله صلى الله عليه وسلم :« لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه » ( البخاري 13 ، مسلم 168 ) . و قوله صلى الله عليه وسلم : « والله لا يؤمن ، والله لا يؤمن ، والله لا يؤمن » . قيل : ومن يا رسول الله ؟ قال : « الذي لا يأمن جاره


بوائقه »
( البخاري 6016 ) .

* أقول : فإذا عرفت أن نفي الإيمان يأتي في الشريعة ويراد به نفي الكمال ، وعرفت
أن هذا الاحتمال يوجب التأنّي في التكفير بهذه الآية ؛ فاعلم أنه جاء ما يصرف الإيمان المنفي في الآية من الأصل إلى الكمال ، ومن هذه الصوارف صارفان اثنان :



الصارف الأول : أن نفي الإيمان في الآية جاء في حق ثلاثة :

1. من لم يحكّم الرسول صلى الله عليه وسلم .
2. من وجد في نفسه شيئاً على حكم الرسول صلى الله عليه وسلم .
3. من لم يسلّم بحكم الرسول صلى الله عليه وسلم .

* أقول : فمن جعل المنفي هو أصل الإيمان ( = كله ! ) لزمه أن يكفر هؤلاء الثلاثة ، مع أنه جاء ما يدل على عدم كفر الثاني والثالث ، ومن هذه الأدلة دليلان ظاهران :

أما أولهما فما قال أنس بن مالك رضي الله عنه : لـمّا فُتحت مكة قسم الغنائم في قريش ، فقالت الأنصار : إن هذا لهو العجب ! إن سيوفنا تقطر من دمائهم ، وإن غنائمنا ترد عليهم ! فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فجمعهم ، فقال : « ما الذي بلغني عنكم ؟ » . قالوا : « هو الذي بلغك » ، وكانوا لا يكذبون . قال : « أما ترضون أن يرجع الناس بالدنيا إلى بيوتهم ، وترجعون برسول الله إلى بيوتكم ؟ لو سلك الناس وادياً أو شِعْباً وسلكت الأنصار وادياً أو شعباً ؛ لسلكتُ وادي الأنصار أو شعب الأنصار »
( البخاري 3778 ، مسلم 2437 ) . قـالوا : « يا رسـول الله ؛ قد رضينا »
( البخاري 4331 ، مسلم 2438 ) .. فرضي الله عن الأنصار وعن جميع أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وأرضاهم ، فما أبرهم وأصدق إيمانهم وأحبهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم .

وأما ثانيهما فحديث عائشة رضي الله عنها : أن أزواج النبي صلى الله عليه وسلم جئنه يناشدنه العدلَ في بنت أبي قحافة ( = عائشة رضي الله عنها ) ( البخاري 2581 ، مسلم 6240 ) .. فرضي الله عن زوجات النبي صلى الله عليه وسلم وأرضاهن .

* أقول : فإن كان المنفي عن الثاني والثالث هو الكمال ؛ فلا بد أن يكون كذلك في حق الأول ، وإن كان الثاني والثالث لا يكفران ؛ فالأول كذلك سواء بسواء ؛ لأن الوعيد الوارد في حقهم واحد .

وإنْ قارنتَ هذا بقول ابن تيمية رحمه الله : « وهذه الآية مما يحتج بها الخوارج على تكفير ولاة الأمر الذين لا يحكمون بما أنزل الله » ( منهاج السنة 5/131 ) فقد تجلّى لك الأمر .

الصارف الثاني وفيه مبحث دقيق : أن الآية نزلت في رجل أنصاري بدري ، والبدريون محفوظون من الوقوع في الكفر الأكبر ، وذلك أنه جرت بين الزبير وذاك الرجل رضي الله عنهما خصومة ، فقضى النبي صلى الله عليه وسلم بقضاء أغضب الأنصاري فقال : أنْ كان ابن عمّتك ؟! ( أخرج القصة البخاري : 2359 ، 2362 ، 2708 ، 4585 ، ومسلم 6065 ، وأبو داود 3637 ، والترمذي 1363 ، والنسائي 5431 ) .

فانظر كيف غضب ذلك البدري رضي الله عنه ولم يقع منه التسليم الكامل بقضاء النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك الأمر ؟

قال ابن باز رحمه الله تعليقاً على قول الله تعالى : ﴿ فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا[ النساء 65 ] :
« فمن زعم أنه يجوز الحكم بغيرها [ أي : الشريعة ]
، أو قال : ( إنه يجوز أن يتحاكم الناس إلى الآباء ) ، أو : ( إلى الأجداد ) ، أو : ( إلى القوانين الوضعية التي وضعها الرجال ) ، سواء كانت شرقية أو غربية ، فمن زعم أن هذا يجوز فإن الإيمان منتف عنه ، ويكون بذلك كافراً كفراً أكبر ... أما الذي يرى أن الواجب تحكيم شرع الله ، وأنه

لا يجوز تحكيم القوانين ولا غيرها مما يخالف شرع الله ، ولكنه قد يحكم بغير ما أنزل الله لهوى في نفسه ضد المحكوم عليه ، أو لرشوة ، أو لأمور سياسية ، أو ما أشبه ذلك من الأسباب ، وهو يعلم أنه ظالم ومخطئ ومخالف للشرع ؛ فهذا يكون ناقص الإيمان ، وقد انتفى في حقه كمال الإيمان وهو بذلك كافر كفراً أصغر ، وظالم ظلماً أصغر ، وفاسق فسقاً أصغر » ( الفتاوى 6/249 ) .

بل قال ابن تيمية رحمه الله : « كل ما نفاه الله ورسوله من مسمى أسماء الأمور الواجبة كاسم الإيمان والإسلام والدين والصلاة والصيام والطهارة والحج وغير ذلك فإنما يكون لترك واجب من ذلك المسمى ، ومن هذا قوله تعالى : ﴿فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا[ النساء 65 ] فلما نفى الإيمان حتى توجد هذه الغاية ؛ دل على أن هذه الغاية فرض على الناس ، فمن تركها كان من أهل الوعيد لم يكن قد أتى بالإيمان الواجب الذي وُعِد أهله بدخول الجنة بلا عذاب » ( الفتاوى 7/37 ) .

وقالرحمه الله : « فما جاء من نفي الأعمال في الكتاب والسنة فإنما هو لانتفاء بعض واجباته كقوله تعالى ﴿ فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا[ النساء 65 ] » ( الفتاوى 22/530 ) .

فإن قيل : فما الدليل على حفظ الله لأهل بدر من الوقوع في الكفر ؟

فالجواب : أن الله تعالى قد أوجب لهم الجنة ، كما في قصة حاطب رضي الله عنه إذ قال النبي صلى الله عليه وسلم في حقهم :« لعل الله اطلع عليهم فقال : اعملوا ما شئتم فقد أوجبت لكم الجنة » ( البخاري 6939 ) .

* أقول : فمن لم يقل بخصوصيتهم وحفظ الله لهم من الوقوع فيما يخرج من ملة الإسلام ؛ فقد أوجب تعارض الحديث مع قول الله تعالى : ﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ [ النساء 48 ، 116 ] ، وذلك أن الكفر والشرك الأكبرين لا يغفران ، وأن الله أوجب لأهل بدر الجنة .

فإن قيل : ألا يحتمل أن يقع أحد من أهل بدر في الكفر لكنه يُوفّق للتوبة من ذلك الكفر فيموت على التوبة فيدخل الجنة ، فلا تتعارض النصوص ؟

فالجواب من وجهين :

1. أن الله قد غفر لأهل بدر ، ولم يُقيِّد ذلك الغفران بالتوبة ، والواجب إعمال هذه الفضيلة في حقهم على إطلاقها وعدم تقييد ما أطلقه الله تعالى .

2. ولو قيل بهذا لعطّلنا تلك الفضيلة ! ولما كان لشهودهم بدراً مزية ! وذلك أن أهل العلم متفقون على أن جميع الذنوب – حتى الكفر – تغفر بالتوبة . ولو كان ذنب أهل بدر مغفوراً لهم إذا تابوا منه ! لما كان لذلك الفضل ما يميّزهم عن غيرهم .

وأختم هذا المبحث بقول ابن تيمية رحمه الله :« قوله لأهل بدر ونحوهم : ( اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم ) : إن حُمِل على الصغائر ، أو على المغفرة مع التوبة : لم يكن فرق بينهم وبين غيرهم ، فكما لا يجوز حمل الحديث على الكفر لما قد عُلم أن الكفر لا يغفر إلا بالتوبة ؛ لا يجوز حمله على مجرد الصغائر المكفَّرة باجتناب الكبائر » ( الفتاوى7/490 ) .

فإن قيل : إن الآية تنفي الإيمان عمن لم يتحاكم إلى الشريعة ولا يلزم من ثبوت هذا الحكم أن يكفر ذلك الصحابي لأن الحكم على المعيَّن له شروط وموانع .

فالجواب : أن هذا الصحابي المعيَّن له تميّز على غيره بأن النص قد نزل فيه ولا وجه لتفسير الآية بدون النظر فيمن نزلت ، فمع أن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب إلا أنه لا خلاف في دخول من نزل فيه النصُّ دخولاً أوَّلياً .

قال ابن تيمية رحمه الله : « والآية التي لها سبب معين ؛ إن كانت أمراً أو نهياً فهي متناولة لذلك الشخص ولغيره ممن كان بمنزلته ، وإن كانت خبراً بمدح أو ذم فهي متناولة لذلك الشخص وغيره ممن كان بمنزلته أيضاً » ( الفتاوى 13/339 ) .

وقال ابن القيم رحمه الله : « فلا يخرج محلُّ السبب عن الحكم ، ويتعلق بغيره » ( زاد المعاد 5/317 ) .

بل قد نقل الزركشي رحمه الله حكاية بعضهم الإجماع على ذلك فقال : « فإن محلَّ السبب لا يجوز إخراجه بالاجتهاد بالإجماع كما حكاه القاضي أبو بكر في مختصر التقريب ؛ لأن دخول السبب قطعي » ( البرهان 1/117 ) .


الدليل الثالث


قولـه تعــالى :﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آَمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلَالًا بَعِيدًا[ النساء 60 ] .

فإن قيل : إن من تحاكم إلى غير الشريعة فقد كفر ؛ لأن الله قد حكم عليه بالنفاق .

فالجواب من وجهين :

الوجه الأول : صحيح أن الآية جاءت في شأن المنافقين ، لكن معناها محتمل لأمرين :

1. أن إيمانهم صار مزعوماً ( = أنهم صاروا منافقين ) لكونهم أرادوا الحكم بالطاغوت ، وهذا ما يتمسك به المخالف .

2. أن من صــفات أهـل الإيمان المزعـوم ( = المنافـقين ) أنهم يريدون التحـاكم للطاغـوت ، ومشـابهة المؤمـن للمنافـقين في صـفة من صـفاتهم كالكـذب -
لا توجب الكفر ، فعلى هذا ؛ فإن من حكم بغير ما أنزل الله فقد شابه المنافقين
في صفة من صفاتهم ، وهذا لا يوجب لهم الكفر إلا بدليل آخر .

* أقول : وإذا ورد الاحتمال في أمر بين كونه مكفراً أو غير مكفر ؛ لم يُكفَّر به ؛ لأن التكفير لا يقوم على أمر محتمل ، بل لا يبنى إلا على اليقين ، فوجب الاحتياط فيه ،
لا سيما وأنه لم يدل دليل على أن الحكم عليهم بالنفاق إنما جاء بسبب تحاكمهم
لغير الله .

الوجه الثاني : أن إرادة هؤلاء ليست إرادة مطلقة ، بل هي إرادة خاصة فيها ما ينافي الكفر به ، ومن لم يعتقد وجوب الكفر بالطاغوت فلا شك في كفره الكفر الأكبر.

قال الطبري رحمه الله : «﴿ أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آَمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلَالًا بَعِيدًا[ النساء 60 ]يعني بذلك جل ثناؤه:"ألم تر"، يا محمد، بقلبك، فتعلم = إلى الذين يزعمون أنهم صدقوا بما أنزل إليك من الكتاب، وإلى الذين يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل من قلبك من الكتب، يريدون أن يتحاكموا في خصومتهم إلى الطاغوت = يعني إلى: من يعظمونه، ويصدرون عن قوله، ويرضون بحكمه من دون حكم الله، ﴿وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِيقول : وقد أمرهم أن يكذبوا بما جاءهم به الطاغوت الذي يتحاكمون إليه فتركوا أمر الله واتبعوا أمر الشيطان » .. ( تفسيره 5/96 ) .


الدليل الرابع


قولـه تعــالى : ﴿وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ[ الأنعام 121 ] .

فإن قيل : إن من أطاع غير الله فيما يخالف أمر الله فقد أشرك .

فالجواب من وجهين :

1. أن ظاهر الآية يوهم بأن كل طاعة شرك ، وهذا غير مراد ، بل لم يقل به أحد ، فـ :

2. الطاعة المرادة – هنا – هي الطاعة في التحليل والتحريم ؛ يعني أنه يوافقهم فيعتقد حلَّ الحرام وحرمة الحلال ، قال عبد اللطيف بن عبد الرحمن بن حسن رحمهم الله :
« وتأمل قولـه تعـالى : ﴿


وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ[ الأنعام 121 ] ؛ كيف حكم على أن من أطاع أولياء الشيطان في تحليل ما حرم الله أنه مشرك » .. ( عيون الرسائل 1/251 ) .



الدليل الخامس


قوله تعالى : ﴿ أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ وَلَوْلَا كَلِمَةُ الْفَصْلِ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ [ الشورى 21 ] .

فإن قيل : إن الحاكم بغير ما أنزل الله مشارك لله تعالى في حكمه فهو كافر .

فالجواب : أن الآية لا تدل إلا على كفر المبدِّل ، وذلك أنها كفَّرت من جمع بين وصفين :

1. التشريع .. ﴿ أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ .
2. والنِّسبة للدِّين .. ﴿ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ .

* أقول : وهذا هو المسمى بالتبديل وتقدم أنه كفر بالإجماع ( ص 20 ) .



الدليل السادس


قوله تعالى : ﴿مَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَدًا[ الكهف 26 ] .

فإن قيل : إن الحاكم بغير ما أنزل الله قد جعل نفسه مشاركاً لله في حكمه فهو كافر .

فالجواب من وجهين:

1. لا يُسلّم بأن الحاكم بغير ما أنزل الله مشارك لله في حكمه في كل الحالات ؛ وذلك أنه إذا نسب ما جاء به للدّين ( = المبدل ) أو اعتقد أنه يجوز له أن يحكم بغير
ما أنزل الله ( = المستحل ) ؛ فهو مشارك لله في حكمه ، أما من عداهما فلا يدخل
في هذه الآية .

2. أن من خالف في هذا وأخذ الآية على عمومها لزمه التكفير بكل صور الحكم بغير ما أنزل الله ؛ على أنها مشاركة الله في حكمه ، وإجماع أهل السنة على عدم كفر الجائر ( ص 21 ) كاف في رد هذا الفهم .


الدليل السابع


قوله تعالى : ﴿ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ[ الأنعام 57 ، يوسف 40 ، 67 ] .

فإن قيل : إن من وضع أحكاماً من عنده فقد نازع الله في أمر خاص به فهو كافر .

فالجواب من ثلاثة أوجه :

1. لا يُسلّم بأن الحاكم بغير ما أنزل الله يكون منازعاً لله تعالى في الحكم بمجرد فعله من دون أن يدّعي لنفسه الحقَّ في ذلك .

2. من خالف هذا لزمه تكفير الجائر الذي أجمع أهل السنة على عدم كفره ( ص 21 ) .

3. ومن خالف في هذا لزمه – كذلك – تكفير المصور الذي أجمع أهل السنة على عدم كفره ( انظر ص 29 ) .


الدليل الثامن


قوله تعالى : ﴿ اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ[ التوبة 31 ] .

فإن قيل : إن أهل الكتاب لـمّا أطاعوا علماءهم وعبَّادهم في حكمهم بغير ما أنزل الله وصفهم الله بأنهم اتخذوهم أرباباً من دون الله ؛ فهذا الاتخاذ شرك .

فالجواب : أن طاعة الأحبار والرهبان لا تخرج عن حالتين :

1. طاعتهم في اعتقاد حل ما حرم الله وحرمة ما أحل الله ؛ وهذا كفر مخرج من الملة
بلا خلاف .

2. طاعتهم في معصية الله بدون اعتقاد حل ما حرم الله ولا حرمة ما أحل الله ؛ وهذا ليس بكفر قطعاً ؛ لأنه لا دليل على التكفير به ، كما يلزم منه تكفير أهل الذنوب الذين أطاعوا أهواءهم أو من دعوهم لمقارفة الذنوب ، ويلزم منه تكفير من اتفق أهل السنة على عدم كفره ؛ كالذي أطاع الزوجة والولد في معصية الله .

قال ابن تيمية رحمه الله :« وهؤلاء الذين اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أرباباً حيث أطاعـوهم في تحليـل ما حـرم الله وتحـريم مـا أحـل الله يكونـون على وجهـين :
أحدهما : أن يعلموا أنهم بدَّلوا دين الله فيتبعونهم على التبديل ؛ فيعتقدون تحليل ما حرم الله وتحريم ما أحل الله اتباعاً لرؤسائهم مع علمهم أنهم خالفوا دين الرسل ؛ فهذا كفر ... والثاني : أن يكون اعتقادهم وإيمانهم بتحريم الحلال وتحليل الحرام([2]) ثابتاً ؛ لكنهم أطاعوهم في معصية الله كما يفعله أهل المعاصي التي يُعتقد أنها معاص ؛ فهؤلاء لهم حكم أمثالهم من أهل الذنوب » ..


( الفتاوى 7/70 ) .



الدليل التاسع


قوله تعالى : ﴿ وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ[ الشورى 10 ] .

فإن قيل : إن من تحاكم لغير الله فقد خالف ما أمر الله عز وجل .

فالجواب : أن الآية تدل على وجوب التحاكم إلى الشريعة ؛ وهذا ما لا اختلاف فيه ، كما لا اختلاف في أن هؤلاء المحكّمين غير ما أنزل الله آثمون وواقعون في ذنب عظيم ؛ لكنْ ليس في الآية دلالة على التكفير .


الدليل العاشر


قوله تعالى : ﴿ أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ[ المائدة 50 ] .

فإن قيل : إن الله وصف الحكم بغير الشريعة بأنه حكم الجاهلية ؛ وهذا يعني أنه كفر .

فالجواب : إن إضافة الشيء إلى الجاهلية ، أو وصفه بأنه من أعمال أهل الجاهلية ؛
لا يلزم منها الكفر .

وبرهان ذلك : أن الرسول الله صلى الله عليه وسلم قال لأبي ذر رضي الله عنه لـمّا عيّر رجلاً: « إنك امرؤ فيك جاهلية » .. ( البخاري 30 ، مسلم 4289 ) . كما وصف أموراً – اتفق أهل السنة على عدم التكفير بها – بأنها من أعمال الجاهلية ، منها : الطعن في الأنساب ، والنياحة على الميت .. ( مسلم 2157 ) .

* أقول : فمن قال بالتلازم بين : النسبة للجاهلية والكفر ؛ لزمه التكفير بما اتفق أهل السنة على عدم التكفير به ؛ وهو : تعيير المسلم ، والطعن في الأنساب ، والنياحة .

قال أبو عبيد القاسم بن سلام رحمه الله : « ألا تسمع قوله : ﴿ أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ[ المائدة 50 ] ؟ تأويله عند أهل التفسير : أن من حكم بغير ما أنزل الله وهو على ملة الإسلام كان بذلك الحكم كأهل الجاهلية ، إنما هو أن أهل الجاهلية كذلك كانوا يحكمون ، وهكذا قوله : ( ثلاث من أمر الجاهلية : الطعن في الأنساب ، والنياحة ، والأنواء ) ... ليس وجوه هذه الآثار كلها – من الذنوب – أن راكبها يكون جاهلاً ! ولا كافراً ! ولا منافقاً ! ... ولكن معناها : أنها تتبيَّن من أفعال الكفار ، محرّمة منهي عنها في الكتاب والسنة » .. ( الإيمان ص90 ) .

وقال البخاري رحمه الله : « باب : المعاصي من أمر الجاهلية ، ولا يكفر صاحبها
بارتكابها ؛ إلا الشرك ، لقول النبي صلى الله عليه وسلم : « إنك امرؤ فيك جاهلية » وقول الله تعالى : ﴿


إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ [ النساء 48 ، 116 ] » .. ( « صحيحه » قبل الحديث رقم 30 ) .


الدليل الحادي عشر


سـبب نزول قـوله تعـالى : «﴿ أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آَمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلَالًا بَعِيدًا [ النساء 60 ] ، قال الشعبي رحمه الله :كان بين رجل من المنافقين ورجل من اليهود خصومة ، فقال اليهودي : نتحاكم إلى محمد صلى الله عليه وسلم ، لأنه عرف أنه لا يأخذ الرشوة . وقال المنافق : نتحاكم إلى اليهود ، لعلمه أنهم يأخذون الرشوة ، فاتفقا أن يأتيا كاهناً في جهينة فيتحاكما إليه فنزلت الآية ( الواحدي في « أسباب النزول » ص 119 ) .

فإن قيل : إن الله حكم عليهم بالنفاق لتحاكمهم إلى الكاهن .

فالجواب من وجهين :

1. أن هذا الحديث ضعيف ؛ لأن الشعبي رحمه الله من التابعين فهو مرسل .

2. لو صح الحديث ؛ فإن الآية نزلت في شأن منافق ، وتحقّق صفة من صفات المنافقين في مسلملا يلزم منه وصفه بالنفاق الأكبر ؛ إلا أن يدل دليل آخر على أن الوصف بالنفاق إنما جاء لأجل هذه الصفة ( = التحاكم لغير الله ) .


الدليل الثاني عشر


سبب نزول آخر ، وهو : أن رجلين اختصما فقال أحدهما : نترافع إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، وقال الآخر إلى كعب بن الأشرف ، ثم ترافعا إلى عمر ، فذكر له أحدهما
القصة ، فقال للذي لم يرض برسول الله صلى الله عليه وسلم : أكذلك ؟ قال : نعم . فضربه بالسيف ، فقتله .. ( الواحدي في « أسباب النزول » ص 119 ) .

والجواب : أنه من طريق الكلبي عن أبي صالح باذام عن ابن عباس به ، ففيه أربع علل :
1. ( محمد بن السائب الكلبي ) متروك ؛ تركه يحيى بن سعيد وابن مهدي رحمهما الله ، بل قال أبو حاتم رحمه الله : « الناس مجمعون على ترك حديثه » .. ( انظر تهذيب الكمال 6/318 – 319/5825 ) .

2. ( باذام ) ضعيف ؛ ضعفه البخاري ، و ابن حجر رحمهما الله . بل قال ابن عدي رحمه الله : « ولم أعلم أحداً من المتقدمين رضيه » .. ( انظر ميزان الإعتدال 2/3/1123 ، تقريب التهذيب ص 163 ، الكامل 2/258/300 ) .

3. الانقطاع بين باذام وابن عباسرضي الله عنهما ؛ قال ابن حبان رحمه الله : « يحدّث عن ابن عباس ولم يسمع منه » .. ( انظر تهذيب التهذيب 1/211 ) .

4. مرويات الكلبي عن باذام ليست بشيء ؛ قال يحيى بن معين رحمه الله عن باذام : « إذا روى عنه الكلبي ؛ فليس بشيء » .. ( انظر تهذيب الكمال 1/326/625 ) .



الدليل الثالث عشر


سبب نزول آخر ، وهو قول ابن عباس رضي الله عنه : كان أبو برزة الأسلمي كاهناً يقضي بين اليهود فيما يتنافرون إليه ، فتنافر إليه أناس من المسلمين ، فأنزل الله تعالى :
«﴿
أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آَمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلَالًا بَعِيدًا[ النساء 60 ]الآيـة .. ( الواحـدي في « أسـباب النـزول » ص 118 ، الطبراني في « الكبير » 12045 ) .


قال الهيثمـي رحمه الله : « رجالـه رجـال الصـحيح » .. ( مجمع الزوائد 7/6/10934 ) .

وقال ابن حجر رحمه الله : « بسند جيد » .. ( الإصابة 7/32 ، عند ترجمة أبي بردة الأسلمي رضي الله عنه ) .

فإن قيل : إن الله تعالى نسبهم إلى النفاق لأنهم تحاكموا إلى الكاهن .

فالجواب من وجهين :

1. أن سياق الآيات يدل على أنهم منافقون ، فالآية تذكر صفة من صفاتهم ، ولا دلالة فيالآية ولا في سبب النزول على أن تحاكمهم هو السبب في الحكم عليهم بالنفاق ، فمن فعل كفعلهم كان مشابهاً لهم ، ومن شابه المنافقين في صفة لم يلزم منه أن يكون منافقاً النفاق الأكبر المخرج من الملة.
2. أن إرادة هؤلاء النفر إرادة مكفرة ، وهي الإرادة المنافية للكفر بالطاغوت ، وقد تقدم ( ص 61 ) .



الدليل الرابع عشر


قال ابن كثير رحمه الله مُعلِّقاً على بعض ما في كتاب التتار ( = الياسا = الياسق )
من أحكام : « وفي ذلك كله مخالفة لشرائع الله المنزلة على عباده الأنبياء عليهم الصلاة والسلام ، فمن ترك الشرعَ المحكم المنزّل على محمد بن عبد الله خاتم الأنبياء وتحاكم إلى غيره من الشرائع المنسوخة كفر . فكيف بمن تحاكم إلى الياسا وقدمها عليه ؟ من فعل ذلك كفر بإجماع المسلمين » .. ( البداية والنهاية 13/128 ، حوادث سنة 624 هـ ) .

فإن قيل : فهذا فيه الإجماع على كفر من ترك الشريعة وتحاكم لغيرها .

فالجواب : أن هذا الإجماع إنما هو في حق أحد رجلين :

1. من استحل الحكم بغير ما أنزل الله .
2. من فضل حكم غير الله على حكم الله .

* أقول : ولا نزاع في كفر المستحل ( ص 11 ) والمفضل ( ص 18 ) .

وبرهان ذلك : أن ابن كثير رحمه الله إنما حكى الإجماع على كفر التتار ومن فعل كفعلهم ، والحالةُ التي وقعوا فيها مكفرة بلا خلاف ، وبيان ذلك من وجهين :

الوجه الأول : أنهم استحلوا الحكم بغير ما أنزل الله .

قال ابن تيمية رحمه الله : « يجعلون دين الإسلام كدين اليهود والنصارى ، وأن هذه كلها طرق إلى الله بمنزلة المذاهب الأربعة عند المسلمين ، ثم منهم من يُرجّح دين اليهود
أو دين النصارى ، ومنهم من يرجّح دين المسلمين » ..


( الفتاوى 28/523 ) .

الوجه الثاني : أنهم فضلوا حكم غير الله على حكم الله .

قال ابن كثير رحمه الله عن كتابهم – والذي يحتوي على الأحكام التي وضعها لهم جنكيز خان – : « وهو عبارة عن كتاب مجموع من أحكام قد اقتبسها من شرائع شتى من اليهودية والنصرانية والملة الإسلامية ، وفيها كثير من الأحكام أخذها من مجرد نظره وهواه ، فصارت في بنيه شرعاً متبعاً ، يقدمونها على الحكم بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ، فمن فعل ذلك منهم فهو كافر يجب قتاله حتى يرجع إلى حكم الله ورسوله فلا يُحكِّم سواه في قليل ولا كثير » .. ( تفسيره 2/88 ، المائدة 50 ) .

* أقول : ومن تأمل هذا وقال به ؛ فقد اتفق عنده كلام ابن كثير رحمه الله مع كلام أئمة السنة في نقلهم الإجماع الثابت المتقرر في المستحل والمفضل .

ثم إنه لو كان في ترك الشريعة والتحاكم لغيرها من دون استحلال أو تفضيل إجماع
– كما يقول البعض – لرأيت العلماء يتناقلونه ويقررونه سواء منهم من عاصر ابن كثير رحمه الله أو من تقدمه ، أو حتى من جاء بعده . كيف وقد حكوا الإجماع على خلافه ؟! وهو : الإجماع على عدم كفر الجائر ، وقد تقدم ( ص 21 ) .



([1]) قال ابن تيمية عن تفاسير التابعين رحمهم الله : « إذا أجمعوا على الشيء فلا يُرتاب في كونه حجة ، فإن اختلفوا فلا يكون قول بعضهم حجة على بعض ولا على من بعدهم ويُرجَع في ذلك إلى لغة القرآن أو السنة أو عموم لغة العرب أو أقوال الصحابة في ذلك » ( الفتاوى 13/370 ) .

وقال رحمه الله : « من عدل عن مذاهب الصحابة والتابعين وتفسيرهم إلى ما يخالف ذلك : كان مخطئاً في ذلك ، بل مبتدعاً وإن كان مجتهداً مغفوراً له خطؤه » ( الفتاوى 13/361 ) .

([2]) كذا ! ولعل العبارة مقلوبة ، وصوابها : ( أن يكون اعتقادهم وإيمانهم بتحريم الحرام وتحليل الحلال ثابتاً ) .








 


قديم 2011-05-19, 08:14   رقم المشاركة : 2
معلومات العضو
NEWFEL..
عضو فضي
 
الصورة الرمزية NEWFEL..
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي










قديم 2013-08-12, 16:39   رقم المشاركة : 3
معلومات العضو
سميرالجزائري
عضو مميّز
 
الصورة الرمزية سميرالجزائري
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

جزاك الله خيرا للرفع










قديم 2013-08-12, 20:07   رقم المشاركة : 4
معلومات العضو
أبو عبد الرحمن الجزائري
عضو مميّز
 
الصورة الرمزية أبو عبد الرحمن الجزائري
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

جزاك الله خيرا










 

الكلمات الدلالية (Tags)
مجلة, المخالفين, الجواب


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

الساعة الآن 04:45

المشاركات المنشورة تعبر عن وجهة نظر صاحبها فقط، ولا تُعبّر بأي شكل من الأشكال عن وجهة نظر إدارة المنتدى
المنتدى غير مسؤول عن أي إتفاق تجاري بين الأعضاء... فعلى الجميع تحمّل المسؤولية


2006-2024 © www.djelfa.info جميع الحقوق محفوظة - الجلفة إنفو (خ. ب. س)

Powered by vBulletin .Copyright آ© 2018 vBulletin Solutions, Inc