جامعة الزيتونة اقدم جامعة اسلامية سنية في العالم قاطبة - منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب

العودة   منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب > منتديات الدين الإسلامي الحنيف > قسم التاريخ، التراجم و الحضارة الاسلامية

قسم التاريخ، التراجم و الحضارة الاسلامية تعرض فيه تاريخ الأمم السابقة ( قصص الأنبياء ) و تاريخ أمتنا من عهد الرسول صلى الله عليه و سلم ... الوقوف على الحضارة الإسلامية، و كذا تراجم الدعاة، المشائخ و العلماء

في حال وجود أي مواضيع أو ردود مُخالفة من قبل الأعضاء، يُرجى الإبلاغ عنها فورًا باستخدام أيقونة تقرير عن مشاركة سيئة ( تقرير عن مشاركة سيئة )، و الموجودة أسفل كل مشاركة .

آخر المواضيع

جامعة الزيتونة اقدم جامعة اسلامية سنية في العالم قاطبة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 2013-12-19, 22:09   رقم المشاركة : 1
معلومات العضو
adziri
عضو محترف
 
إحصائية العضو










M001 جامعة الزيتونة اقدم جامعة اسلامية سنية في العالم قاطبة


جامعة الزيتونة اقدم جامعة اسلامية سنية في العالم قاطبة

اهداء للاخ العزيز الاستاذ ابو الفداء الجلفي ولبقية الاعضاء الاحرار


يعد جامع الزيتونة أحد أقدم وأشهر المساجد في بلاد الإسلام كلّها حيث أسّسه عبيد اللّه بن الحبحاب سنة 116هـ(734م). ولا تعود شهرة جامع الزيتونة هذه إلى الدور الذي قام به كمسجد للصلاة والعيادة فحسب، بقدر ما تعود إلى الدور العلمي والثقافي الذي اضطلع به عبر العصور، منذ أوائل القرن الثاني الهجري، حيث اضطلع بتدريس العلوم الإسلامية بداية من سنة 120هـ -737م.
وبذلك يعتبر أقدم جامعة عربيّة إسلاميّة استمرت تؤدي دورها قرابة ثلاثة عشر قرنا متتالية دون انقطاع يذكر. فقد أكد المؤرخ حسن حسني عبد الوهّاب، هذه العراقة بقوله:" إنّ جامع الزيتونة هو أسبق المعاهد التعليميّة للعروبة مولدا وأقدمها في التاريخ عهدا".
وظلّ جامع الزيتونة باعتباره مؤسسة علم وعبادة مزدهرا إلى أواخر العهد الحفصي (
634هـ/981هـ- 1237م/1573م) حتّى أنّ العلامة عبد الرّحمان بن خلدون- الذي تتلمذ في جامع الزيتونة ودرّس به- اعتبره طليعة المؤسسات التعليميّة في المغرب الإسلامي خلال القرنين الرابع عشر والخامس عشر الميلاديين، حيث كان التعليم فيه يشمل التعليم الإسلامي الأدبي والديني والفلسفة وعامة العلوم العقليّة والرياضيّة وخصوصا الطب والفلك والرياضيّات. وعرف نظام التعليم بجامع الزيتونة- منذ أواخر العهد الحفصي- مرحلة طويلة من التراجع جرت خلالها محاولات عديدة لإصلاحه.
قام أحمد باي الأوّل بتنظيم التعليم بجامع الزيتونة بمقتضى الأمر المؤرّخ في نوفمبر 1842.
أصدر الوزير الأكبر المصلح خير الدين باشا الأمر المؤرخ في
27 جانفي 1876 الذي أعطى دفعا جديدا للتعليم الزيتوني، غير أن الأمر بقي حبرا على ورق بالنسبة إلى تدريس العلوم العصريّة التي أراد خير الدين إدخالها في برامج التعليم الزيتوني وذلك بسبب معارضة بعض كبار الشيوخ المحافظين.


حرصت السلطات الاستعماريّة - طوال فترة سيطرتها على تونس (1881-1956) - على فرض سياستها التربويّة على الزيتونة لتهميشها وإخماد صوتها، باعتبارها معقلا من معاقل المقاومة الثقافية ضدّ التسرّب الاستعماري والتأثير الفرنسي في البلاد.
ورغم ذلك ، تواصلت وتيرة المطالبة بإصلاح التعليم بالجامع الأعظم وقد صدرت مجموعة من التراتيب تلبية لمطالب الحركة الوطنيّة، أهمّها :

  • سبتمبر 1912: ترتيب جديد ينظّم التعليم الزيتوني ويقسّمه إلى ثلاث مراحل:
    - المرحلة الابتدائية: تنتهي بشهادة الأهلية.
    - المرحلة المتوسطة: تنتهي بشهادة التحصيل.
    - المرحلة العليا: تنتهي بشهادة العالميّة.

  • أفريل 1933 : تطوير برامج التعليم مع تغيير تسمية شهادة التطويع بالتحصيل في العلوم
  • أفريل 1951 : بعث الشعبة العصرية: إحداث شهادة التحصيل العصريّة في جزئين شبيهة بشهادة الباكالوريا.
    غير أنّ هذه الشعبة العصريّة الزيتونيّة أخذت في التراجع بشكل ملحوظ منذ السنة الدراسيّة
    1959/1960، تبعا لتوسّع نظام التعليم الثانوي الموحّد الذي بدأت الحكومة التونسيّة تنفّذ برامجه تدريجيا بداية من أكتوبر 1958

اثر حصول تونس على استقلالها الوطني، صدرت في شأن مؤسسة الجامع الأعظم الأوامر التالية:

  • 26 أفريل 1956: بعث الجامعة الزيتونيّة.
  • 30جوان 1958: الإعلان عن إصلاح التعليم العمومي وتوحيد برامجه، أصبحت بمقتضاه الفروع الزيتونيّة مدارس إعدادية مدمجة في صلب التعليم الثانوي العمومي. وبعد تأسيس الجامعة التونسية في31 مارس 1960، التي أصبحت تضم معاهد عليا وكليات عديدة، تمّ في 1 مارس 1961 بعث" الكليّة الزيتونيّة للشريعة وأصول الدين" (خلفا للجامعة الزيتونيّة) التي أصبحت إحدى مكونات الجامعة التونسيّة.
  • 27أكتوبر 1961: تمّ ضبط برامج الإجازة في الشريعة وأصول الدين.
  • 15فيفري 1980: تمّ ضبط مهام الكلّية الزيتونية للشريعة وأصول الدين وتنظيم الدراسة بها في المراحل الثلاث.









 


رد مع اقتباس
قديم 2013-12-19, 22:18   رقم المشاركة : 2
معلومات العضو
adziri
عضو محترف
 
إحصائية العضو










افتراضي

اعلام الزيتونة

احمد التيفاشي


هو أحمد بن يوسف بن أحمد ابن أبي بكر التيفاشي, نسبة إلى تيفاش شمالي قسطنطينة من القطر الجزائري. ولد بقفصة سنة 1184م, و تعلم بجامع الزيتونة ثم بالأزهر, تجول ببلاد الشرق العربي, ثم عاد إلى قفصة حيث تولى القضاء, ثم سافر من جديد إلى الشرق, ثم عاد إلى مصر و استقر نهائيا بالقاهرة إلى أن توفي سنة 1257م.
من مؤلفاته: فصل الخطاب (وهو موسوعة في أربعين كتابا) - الدرة الفائقة في محاسن الأفارقة - سجع الهديل في أخبار النيل نزهة الألباب فيما لا يوجد في كتاب...









رد مع اقتباس
قديم 2013-12-19, 22:20   رقم المشاركة : 3
معلومات العضو
adziri
عضو محترف
 
إحصائية العضو










افتراضي

الطاهر الحداد



ولد بتونس سنة 1899م. درس بالزّيتونة وتحصّل على شهادة التّطويع. أطرد سنة 1919م من امتحان شهادة الحقوق لآرائه ومواقفه التي كان يعتبرها المحافظون مناقضة للإسلام ، انضمّ إلى الحزب الدّستوري التّونسي فور تأسيسه سنة 1920م وساهم مع محمّد علي الحامّي(1894م-1928م) في بعث أوّل حركة عمّاليّة تونسيّة مستقلّة عن النّقابات الفرنسيّة. أصدر كتاب "العمّال التّونسيّون وظهور الحركة النّقابيّة" سنة 1927م وأصدر سنة 1930م كتــاب "امرأتنا في الشّريعة والمجتمع" فاضطهده شيوخ الزّيتونة والمحافظون والمغرضون، فاعتزل إلى أن توفّي في 07 ديسمبر 1935م. كماصدر له سنة1975م - عن الدّار العربيّة للكتاب - كتاب بعنوان " خواطر" .









رد مع اقتباس
قديم 2013-12-19, 22:24   رقم المشاركة : 4
معلومات العضو
adziri
عضو محترف
 
إحصائية العضو










افتراضي

محمد الطاهر ابن عاشور

ولد بتونس سنة 1296هـ/1879 في أسرة علميّة عريقة، تخرّج سنة 1896 من الزيتونة والتحق بسلك التدريس في هذا الجامع العريق. اختير للتدريس في المدرسة الصادقية سنة 1900 وكان لهذه التجربة بين الزيتونة ذات المنهج التقليدي والصادقية ذات التعليم العصري المتطور أثرها في حياته ، إذ فتحت وعيه على ضرورة ردم الهوة بين تيارين فكريين: تيار الأصالة الممثل في الزيتونة وتيار المعاصرة الممثل في الصادقية، ودون آراءه هذه في كتابه النفيس"اليس الصبح بقريب". عيّن الطاهر ابن عاشور نائبا أول لدى النظارة العلمية بجامع الزيتونة سنة 1907 فبدأ في تطبيق رؤيته الإصلاحية العلمية والتربوية وادخل بعض الإصلاحات على الناحية التعليمية. كما أختير في لجنة إصلاح التعليم الأولى بالزيتونة سنة 1910 وكذلك في لجنة الإصلاح الثانية سنة 1924 ثمّ اختير شيخا لجامع الزيتونة سنة 1932 ، فكان أول شيوخ الزيتونة الذين جمعوا بين هذا المنصب و منصب شيخ الإسلام المالكي، ولكنه لم يلبث أن استقال من المشيخة بعد سنة ونصف بسبب العراقيل التي وضعت أمام خططه لإصلاح الزيتونة ليعود إلى منصبه سنة 1945 وفي هذه المرة ادخل إصلاحات كبيرة في نظام التعليم الزيتوني فارتفع عدد الطلاب الزيتونيين وازداد عدد المعاهد التعليمية. وبعد استقلال تونس، أسندت إليه رئاسة الجامعة الزيتونية سنة 1956. واستمر نشاطه كعالم مصلح مجدد إلى أن توفي سنة 1973. من أهمّ آثاره "التحرير والتنوير"- "أصول الإنشاء والخطابة" - "موجز علم البلاغة"...









رد مع اقتباس
قديم 2013-12-19, 22:26   رقم المشاركة : 5
معلومات العضو
adziri
عضو محترف
 
إحصائية العضو










افتراضي

عبد العزيز الثعالبي



ولد بتونس سنة 1875م درس بالزّيتونة وغادرها سنة 1895م دون أن يتم دراسته، اهتم بالصّحافة فأسّس جريدة "سبيل الرّشاد" سنة 1895م ساهم في بعث جريدة "الحاضرة" وأشرف على جريدة "التّونسي" بالعربيّة، سافر إلى مصر سنة 1901م والتحق بالشّيخين محمّد عبده و رشيد رضا وتأثّر بدعوتهما في الإصلاح الدّيني والاجتماعي. ألّف سنة 1904م كتاب " روح القرآن" وطبع بالفرنسيّة فأثار ضجّة لدى الاستعماريين وسجن من أجله شهرين. نفي إثر حوادث الزلاج سنة 1912م إلى فرنسا ومنها انتقل إلى تركيا ثمّ الشّرق الأوسط وعاد إلى تونس سنة 1914م وألّف كتاب "تونس الشّهيدة". أسّس الحزب الدّستوري التّونسي سنة 1919م وأعلن عنه رسميّا في 03 جوان 1920. هاجر سنة 1923م إلى فرنسا وإيطاليا فالشّرقين الأدنى والأقصى. وعاد سنة 1937م وبعد خلافه مع بورقيبة اعتزل السّياسة إلى أن توفّي في 1أكتوبر 1944م. اهتمّ باللّغة العربيّة باعتبارها مقوّما أساسيّا للذّاتيّة الوطنيّة وخصّص فقرات عديدة من كتاب" تونس الشّهيدة " للدّفاع عنها والدّعوة إلى تعليمها ونشرها.









رد مع اقتباس
قديم 2013-12-19, 22:48   رقم المشاركة : 6
معلومات العضو
adziri
عضو محترف
 
إحصائية العضو










افتراضي


إعادة جامعة الزيتونة


يعتز التونسيون عبر تاريخهم الطويل بأن بلادهم احتضنت أقدم جامعة في العالم هي الجامعة الزيتونية التي بدأت فيها الدراسة منذ القرن الثاني للهجرة وهي بهذا الاعتبار أقدم جامعات العالم الإسلامي مشرقا ومغربا بما في ذلك الأزهر والقرويين وهي أقدم من السوربون واكسفورد وهارفارد.

واقترن اسم تونس في كتب المؤرخين وفي المحافل والمجامع باسم الزيتونة وغدت تونس وجامعها الأعظم المعمور قبلة طلاب العلم والمعرفة سواء من داخل البلاد أو خارجها من الأقطار المغربية والإفريقية. فمن جامع الزيتونة وطيلة أكثر من ثلاثة عشر قرنا تخرج الفقهاء والمفسرون والمحدثون واللغويون والأدباء والحكماء ممن تجاوزت شهرتهم محيط تونس الضيق لتصل إلى ابعد الافاق فتتردد آراؤهم في المحافل والمنتديات ويتداول العلماء تآليفهم واستنباطاتهم واجتهاداتهم في شتى فروع المعرفة والثقافة تشهد بذلك عشرات الآلاف من المخطوطات المنتشرة هنا وهناك في المكتبات الخاصة والعامة. ولا نبالغ أو نغالي عندما نقول إن الموروث الثقافي لهذه الديار التونسية يعود في كليته إلى جامع الزيتونة الذي انفرد طيلة القرون الماضية بمهمة التكوين والتخريج للأجيال المتعاقبة من أبناء تونس، وقد قام بهذا الدور أحسن قيام وتحقق لشعب تونس بفضل هذا الجامع الأعظم ما ينعم به إلى اليوم من وحدة دينية ومذهبية ولغوية.

وتوسع دور جامع الزيتونة عبر القرون المتوالية ليجعل من المساجد الأخرى الكبيرة في كل أرجاء تونس روافد له يتلقى فيها الطلاب المراحل الأولى من التعليم الزيتوني. وامتد هذا الإشعاع ففتحت لجامع الزيتونة فروع في اغلب مدن البلاد التونسية وحتى خارجها بالبلاد الجزائرية في قسنطينة وعنابة.

وبلغ طلاب جامع الزيتونة الآلاف في أخريات العهد الاستعماري. فكان هذا المعهد العتيد قلعة من قلاع العلم وحصنا من حصون الدين يتحدى مكائد الأعداء بما يخرجه من أجيال العلماء وبما يبثه في صفوف الأمة من معاني العزة والكرامة والاعتداد بالشخصية العربية الإسلامية.

لقد حفظ جامع الزيتونة للبلاد التونسية شخصيتها العربية الإسلامية وحماها من كل محاولات الطمس والتذويب والتغريب ودفع بما غرسه في النفوس بأبناء هذا الشعب لمقاومة المستعمر والانخراط في صفوف الحركة الوطنية. فكان الزيتونيون العمود الفقري للثورة التحريرية ووقود معركتها تشهد بذلك حوادث الزلاج والتجنيس و9 أفريل وبنزرت ورمادة وغيرها من مواقع البطولة والجهاد من اجل تحرير البلاد.

وكذلك كان شأن الزيتونيين الجزائريين ممن انضووا تحت لواء جمعية العلماء باعثة الشخصية العربية الإسلامية للشعب الجزائري الشقيق والمحافظة عليها فالشيخ المؤسس عبد الحميد بن باديس رحمه الله زيتوني أصيل وكذلك رفاقه وتلاميذه ممن يحتلون اليوم في الجزائر أعلى المراتب العلمية والإدارية والسياسية وحتى العسكرية تعلموا في الزيتونة أو في احد فرعيها بعنابة وقسنطينة وتشبعوا بالثقافة العربية الإسلامية ثم عادوا إلى بلادهم ليقوموا هناك بمهمة بناء الدولة الجزائرية بناءا يكون فيه للإسلام والغة العربية المكانة المرموقة.

وهؤلاء الزيتونيون الجزائريون لا يزالون يحفظون لتونس ولجامعها الأعظم كل معاني الاعتراف بالجميل ويقفون دائما في بلادهم موقف المناصر للتقارب والتعاون والتآخي مع شعب تونس وبلاد الزيتونة. وساءهم وساء كل مخلص من أبناء هذه البلاد ما ناله هذا المعلم العظيم من مصير فقد تقرر توحيد التعليم على اثر الاستقلال وتقرر تبعا لذلك تصفية التعليم الزيتوني بصفة تدريجية قضت أولا على فروع الجامع واستبدلتها بشعبة ثانوية معربة آلت هي أيضا إلى الزوال.

وانحصر التعليم الزيتوني لمدة وجيزة في المرحلة الجامعية في كليات ثلاثة: هي كلية الشريعة وكلية أصول الدين وكلية اللغة العربية وما لبثت هذه الجامعة أن أصبحت كلية في الجامعة التونسية هي كلية الشريعة وأصول الدين. ومرت هذه الكلية وخريجوها ومدرسوها بأحلك الظروف ذاقوا فيها ويلات السخرية والاستهانة بكفاءاتهم فكانوا يعتبرون مواطنين من درجة ثانية ذنبهم الوحيد انهم تخرجوا من جامع الزيتونة وكان ذلك كافيا لإغلاق الآفاق العلمية والوظيفية أمامهم وحتى من تحمل منهم مشاق الغربة في سبيل مواصلة دراساته العليا في الشرق والغرب ظلت زيتونيته تلازمه لا تنفك عنه وتتسبب له في مزيد التعقيدات والقيود.

وتعددت المبادرات والنداءات في مختلف المناسبات والاجتماعات وعلى صفحات الجرائد والمجلات من اجل طلب إعادة الاعتبار لهذا المعلم التاريخي العظيم ولكن لا حياة لمن تنادي ففي سنة 1970 وبمناسبة وقفة التأمل وتكوين لجنة عليا للحزب الاشتراكي الدستوري لمراجعة مختلف الاختيارات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والثقافية تقدم فضيلة الشيخ الوالد الحبيب المستاوي رحمه الله ببيان إلى هذه اللجنة ونشر في الإبان في العدد العاشر من السنة الثانية من مجلة جوهر الإسلام بتاريخ جوان 1970 تناول فيه عدة مواضيع وقدم فيه عدة مقترحات منها إعادة الإشعاع الروحي لتونس وإعادة الاعتبار للجامعة الزيتونية.

وأعاد هذا المقترح وزاده توضيحا وتجلية وبيانا في مؤتمر الحزب سنة 1971 بالمنستير ولاقى تجاوبا كبيرا من المؤتمرين على مختلف مستوياتهم مما تسبب بعد ذلك للشيخ رحمه الله في ابتلاءات وامتحانات تحملها بصبر ومصابرة إلى أن لاقى وجه ربه راضيا مرضيا.

لقد عوملت الكلية الزيتونية في الخارج دوما على اعتبار انها جامعة زيتونية لا تزال كما كانت دائما وعلى هذا الأساس حرصت الهيآت والمنظمات الإسلامية العالمية على دعوتها بهذه الصفة الجامعية على غرار جامعة الأزهر وجامعة القرويين وكنا كثيرا ما نحرص على عدم تصحيح خطئهم فلا نقول لهم إنها أصبحت مجرد كلية في الجامعة التونسية وكنا دائما نسلي النفس بأمل مراجعة هذا الخطأ التاريخي والديني الجسيم وكنا نتألم على الفرص التي تضيع على بلادنا عندما تتقدم الجامعات والمنظمات والجمعيات والمراكز الإسلامية في إفريقيا وأروبا وآسيا بطلب خريجين زيتونيين، لقد كنا نغبط مصر التي طورت الأزهر وجعلته جامعة عصرية في مختلف الاختصاصات واستطاعت أن تستجيب لطلبات الدول العربية الإسلامية والتي تعد بالآلاف فتوفر بذلك لمصر إشعاعا وحضورا وتأثيرا ثقافيا كما توفر للاقتصاد المصري عملة صعبة هو في اشد الحاجة إليها.

ولم تكن الكلية الزيتونية قادرة على إن تقوم بهذا الدور وتحقق لتونس هذا الإشعاع والحضور بل ما كانت تستطيع ان تحقق حتى الاكتفاء لبلادنا التونسية. لقد أريد لها ان تظل محدودة الإمكانيات، محدودة التطور والاستجابة للحاجيات حتى قال لنا ذات يوم في ملتقى إسلامي دولي كبير أحد كبار العلماء المصريين بعدما سمع ما سمع من أحد المتكلمين التونسيين: أما بقي في بلاد الزيتونة إلا هذا؟ وكان الصمت منا ابلغ وأمر جواب اجبنا به هذا السائل.

لقد انعكست على الكلية الزيتونية للشريعة وأصول الدين سلبيات تجلى ذلك في التعامل معها ومع أساتذتها وطلابها وخريجيها وبرامجها وكانت في بداية الاستقلال لا يتوجه إليها من الطلاب إلا بقايا حملة التحصيل ممن يباشرون الوظائف أو المهن مما اضطر سماحة الشيخ محمد الفاضل بن عاشور العميد الأسبق رحمه الله إلى فتح المجال لحملة شهادة الترشيح وجعل الدروس مسائية واذكر أن الطلبة المتفرغين إلى بداية السبعينات وقبل العمل بمبدإ التوجيه كانوا يعدون بالأصابع. وصادفت الكلية فترة صحوة في بداية الثمانينات تجاوز فيها عدد الموجهين إليها ثلاثة آلاف طالب وأصدرت فيها الحكومة بعد لأي قانون الدراسات العليا ونوقشت عديد الأطروحات لتونسيين وأجانب. وأعربت منظمة المؤتمر الإسلامي عن استعدادها لبناء مقر للكلية يليق بمكانتها التاريخية والدور الكبير الذي لعبته في خدمة الثقافة الإسلامية. كما أبدت بعض الجهات في السعودية استعدادها لبناء الكلية وتوسيع التعاون معها. وأصبحت الكلية تدعى لكل المؤتمرات واللقاءات والندوات التي تعقد داخل العالم الإسلامي وخارجه وكانت فترة انتعاشة كان يمكن ان تتطور فيها الكلية لتصبح جامعة ولكن ذلك كان مجرد أمل يدور في أذهان المخلصين ويتردد على ألسنتهم ولا يجد الجرأة والشجاعة والإقدام لتجسيمه من قبل من بأيديهم الأمور في ذلك الوقت. ومما لم يساعد على تحقيق هذا الأمل ما عاشته الكلية طيلة سنوات من صراعات واختلافات كان محورها كرسي العمادة.

إن المأمول في الجامعة الزيتونية أن تقوم بدورها على أحسن الوجوه في تونس وخارجها.

فهي في الداخل لها مهمة عظمى ينتظرها منها المجتمع التونسي بأسره ألا وهي مهمة التحصين للأجيال الناشئة والترشيد للصحوة الدينية المباركة وتجنيب البلاد الاهتزازات والاختلافات التي كادت ان تأتي على الأخضر واليابس لولا ألطاف الله. ولن تستطيع الجامعة الزيتونية أن تقوم بهذا الدور إلا إذا استجابت برامجها إلى مقومات الأصالة الصحيحة ومقتضيات العصر المتعددة وهي معان لا يمكن ان تغيب عن أذهان من يشرفون على هذه الجامعة بمختلف كلياتها ومعاهدها.

أما على المستوى الخارجي فإن الجامعة الزيتونية ستجعل من تونس منارة يهتدى بها المسلمون إلى سواء السبيل وذلك بالعدد من البعثات الطلابية خصوصا من البلاد الإفريقية التي ستقبل على الدراسة في بلادنا وقد كان قبل ذلك ييمم وجهه صوب المشرق العربي، كما أن خريجي هذه الجامعة الزيتونية مهما كثر عددهم فسيزداد الطلب عليهم من طرف الدول الشقيقة في المغرب وإفريقيا ومن طرف الجاليات المسلمة في كل مكان ومن طرف المنظمات الإسلامية العالمية التي تبحث عن الإطارات الكفأة التي تجمع بين التعمق في الثقافة الإسلامية، والتفتح على الثقافات واللغات الأجنبية وهذه المنظمات أعربت أكثر من مرة عن استعدادها لتمويل بعثات تونسية ترسل بها إلى إفريقيا وأروبا.

والدور الذي يمكن أن يلعبه خريجو الجامعة الزيتونية لا يتيسر لسواهم من خريجي الجامعات الإسلامية الأخرى فكل إفريقيا الغربية هي على عقيدة أهل تونس الأشعرية وعلى مذهب أهل تونس المالكي وهم هناك يقرأون القرآن بطباعته التونسية ويجدون في ذلك يسرا وسهولة: إنهم هناك يحفظون رسالة ابن أبي زيد القيرواني ويستحضرون أهمّ شروحها ويعتمدون مدونة سحنون وحدود ابن عرفة وتفسيره وأراء المازري وغيرهم من علماء تونس والزيتونة إنهم هناك يعرفون عن بعد أسماء بيرم وجعيط وابن عاشور أكثر مما يعرفهم شبابنا ومثقفونا.

إن الجامعة الزيتونية قادرة على أن تلعب هذا الدور الريادي الإشعاعي على أحسن الوجوه فترفع رأس تونس عاليا وتجلب لها مزيدا من الحب والتقدير والتعلق والولاء. إن الجامعة الزيتونية قادرة على تخريج جيل من العلماء الأعلام يذكرون بأسلافنا الذين تجاوزت شهرتهم حدود بلادنا التونسية الصغيرة.

والجامعة الزيتونية قادرة على استيعاب عشرات بل مئات بل آلافا من أبناء تونس وتكوينهم امتن تكوين ليكونوا بعد ذلك إطارات علمية ودينية عليا تحرص على التعاقد معها والاستفادة من خبراتها البلاد الشقيقة في المغرب والمشرق وفي إفريقيا وآسيا مما يمكن إن يحقق إضافة إلى المكاسب المادية الجمة مكاسب معنوية لسنا في غني عنها.









رد مع اقتباس
قديم 2013-12-19, 22:51   رقم المشاركة : 7
معلومات العضو
adziri
عضو محترف
 
إحصائية العضو










افتراضي

تصحيح لصاحب المقال الاصلي انه قال واخلط بين جامعة مختصة في علم الشرع نعم هي الاقدم في العالم باسره بدون منازع
ام العلم المجرد الدنيوي فان جامعة فاس بالمغرب هي اول جامعة في العالم
فسكان شمال افريقيا يعتزون بهذا ويفتخرون










رد مع اقتباس
قديم 2013-12-20, 19:34   رقم المشاركة : 8
معلومات العضو
adziri
عضو محترف
 
إحصائية العضو










افتراضي

دور الزيتونة في مجاهدة الإستعمار الفرنسي

لمّا كان جامع الزيتونة منهل العلوم والمعارف ومعقل العروبة وحامل أمجاد الإسلام الطارف منها والتليد فقد غرس في نفوس طلاّبه هذه الروح الأبيّة فاصطبغ خريجوه بصبغة الولاء لمجد العروبة والإسلام ومن هنا كانوا هم المشاعلَ النيّرة التي أضاءت طريق الجهاد ضدّ المستعمرالفرنسي البغيض. لقد كانت الزيتونة ممثلّة في شخص علمائها وأبنائها وخريجيها في الصفّ الأمامي على خطّ المواجهة مع العدوّ. إذ أجّج شعلةَ الجهاد ضدّ الفرنسيّين فور احتلالهم تونس عام 1881 مشايخ من أهل العلم والفضل والدين فقاد حركة المقاومة الشيخ محمد السنوسي حتى نفته السلطات الإستعماريّة إلى الخارج فحمل راية الجهاد من بعده الشيخ المكي عزوز وكان من مشايخ الزيتونة الثوريّين. وكان مصيره هوالآخرالإبعاد ومات في المنفى رحمه اللّه.



وكان نفي الشيخ محمد السنونسي إلى الخارج سببا في التقائه إبّان سفره إلى القاهرة بأعضاء " جمعيّة العروة الوثقى" . وعاد الشيخ السنونسي إلى تونس يبشر بمبادىء العروة الوثقى فصادفت تجاوبا كبيرا في أوساط علماء الزيتونة ورجال الحركة الإصلاحيّة كالشيخ سالم بوحاجب والشيخ محمد بيرم الخامس وطلاب الزيتونة. وكان المشايخ الثلاثة من العناصر المؤسّسين لجمعيّة العروة الوثقى بتونس وهم الذين أوعزوا للسيّد جمال الدين الأفغاني بفكرة إصدارمجلّة العروة الوثقى في باريس. ولما صدرت المجلّة كتب الشيخ محمد السنوسي إلى الشيخ محمد عبده خطابا مؤثرا يصف فيه حال الأمّة الإسلاميّة قائلا :" أمّة فؤادها عليل قد منيت أطوارها بالتبديل وتلاشت منها القوى وعظم بها الوجى فأصبحت رهينة آلام أوهت منها قوّة الإعتصام تطرق حدقاتها إلى نيل العزّ القديم مستكشفة ما شخص من ذلك الأديم لا تستطيع إليه نهوضا وقد رأت حبل اعتصامها به منقوضا فعزّ دواؤها وأحاط بها أعداؤها." 7 وكتب رحمه اللّه مستبشرا بصدور العدد الأول من العروة الوثقى سنة 1884 بباريس يقول:

لئن دجت الأحلاك بالغيهب الأبقى وضلّت حلوم بعد أن طُرقت طرقا

فقد وضح الصبح الذي بان عندما أُنيط جمالُ الدين بالعروة الوثقـــــى



وكان لزيارة الشيخ محمد عبده تونسَ سنة 1884والتقائه بعلماء الزيتونة أثربالغ في نفسه لما وجد عليه أعضاء جمعيّة العروة الوثقى التونسيين من اهتمام بمحنة احتلال تونس وما كانوا عليه من تحمّس لوحدة الأمّة العربيّة الإسلاميّة ونهضتها. واستمرت علاقتهم وطيدة بالجمعيّة في المشرق ومجلّة المنارالتي كان يصدرها الشيخ محمد رشيد رضى رحمه اللّه.



ولم يكن دورالمرحوم البشير صفر في مقاومة الإستعمار والثقافة الإستعماريّة ليقلّ عن دور المرحوم محمود قبادو فقد دعا إلى بعث الجمعيّة الخلدونيّة وإنشاء المدرسة الخلدونيّة لنشر العلوم الحديثة. وإحياء الروح الوطنيّة لمجابهة المستعمر والتصدّي لمظاهرالتغريب. فكانت الخلدونيّة مقصد طلاب العلوم العصريّة من كيمياء ورياضيات وعلوم وجغرافيا ولغات وكانت الغاية من بعث هذا المعهد العلمي لتتكامل معارفه العصريّة مع التعليم الزيتوني الأصيل من أجل تحقيق نهضة حقيقية للبلاد. وقد احتضنت الخلدونيّة فيما بعد المؤتمرالتأسيسي للاتحاد العام التونسي للشغل بزعامة المرحوم فرحات حشاد في 20 جانفي 1946. وكان أغلب قادة النقابات من رجال الزيتونة من بينهم الشيخ الفاضل بن عاشوررحمه اللّه ممّا يؤكّد دورالزيتونة في المجال الإجتماعي والدفاع عن حقوق العمال التونسيين التي تعمل السلطات الإستعماريّة على انتهاكها.8



وليس قيام الحزب الحرّ الدستوري في 15 جوان عام 1920 بقيادة الشيخ المجاهد عبد العزيز الثعالبي وإخوانه الذين كرعوا من حياض الزيتونة وارتضعوا منها لبان العزة والذود عن الشرف والكرامة إلاّ دليلا قاطعا على الدورالريادي للزيتونة في مقاومة الإستعماروشرف الدّفاع عن الحوزة وحماية البيضة. لقد كان رجال الزيتونة الأفذاذ من أبناء تونس البررة . ففي عام 1919م وإبّان انعقاد مؤتمر الصلح بباريس أبلغ الشيخ عبد العزيزالثعالبي المؤتمر مذكّرة طالب فيها باستقلال تونس مناديا بتطبيق مبادىء الرئيس الأمريكي " ولسن" الأربعة عشرة ومنها حقّ الشعوب في تقرير المصير؛ ونشر الشيخ كتابا جسّد فيه محنة تونس ووصفها كأصدق ما يكون الوصف بعنوان" تونس الشهيدة " فاعتقلت السلطات الإستعماريّة الشيخ الثعالبي في 28 ـ 7 ـ 1920 وجيء به من فرنسا إلى تونس يرسف في أغلال الحديد وألقوا به في غيابة السجن العسكري بتهمة التآمر على أمن الدولة.



كان لاعتقال الثعالبي هذا أثر بالغ في نفوس التونسيّين إذ تحركوا في مظاهرات عارمة وانطلقت الجماهيرالمتضامنة مع الشيخ والساخطة على المستعمر تدمّر كلّ شيء من المصالح الأجنبيّة الأمرالذي حمل السلطات الإستعماريّة على إخلاء سبيل الشيخ الثعالبي يوم1 ـ5 ـ 1921. فالتف التونسيّون حوله وتنادوا بواجب النضال ضدّ الإحتلال تحت لواء الحزب الحرّ الدستوري التونسي الذي ضمّ صفوة رجال تونس من أمثال المرحوم ومحي الدّين القليبي وغيره وكان انتخاب الشيخ الثعالبي رئيسا للحزب بالإجماع والأستاذ أحمد الصافي أمينا عامّا له. وأنشا الحزب في بث فروعه في طول البلاد وعرضها. لتجنيد التونسيّين ورص صفوفهم لمواجهة المستعمرالدخيل وتخليص البلاد من ربقة الإحتلال.



وكان الثعالبي داعية لوحدة الأمّة العربيّة الإسلاميّة ومقاومة كلّ دعوة للتجزئة والإنعزاليّة. ولمّا اشتدّت على السلطة الإستعماريّة قوّة الحركة الوطنيّة بزعامة الثعالبي قامت بنفيه خارج البلاد في 26 ـ 7 ـ 1923 فقصد المشرق وتجول في أقطاره المختلفة معرفا بالقضيّة التونسيّة. وأنتدبه ملك العراق لتدريس الفلسفة بجامعة آل البيت بالعراق. ثمّ تحوّل إلى مصر وزارفلسطين وتوطدت صلته بالمرحوم الشيخ أمين الحسيني واتفقا على النضال ضدّ الحركة الصهيونيّة والدعوة لعقد مؤتمرإسلاميّ بالقدس وانعقد هذا المؤتمر ـ رغم الصعوبات والمعارضة ـ من 7 إلى 17 ـ ديسمبر سنة1931م. وحضره الثعالبي وأُسندت إليه مهمّة عضويّة المكتب الدائم للمؤتمر. وتولى كذلك مسئوليّة لجنة الدعاية والنشر. وانبرى رحمه اللّه للدفاع عن قضايا الشعوب العربيّة والإسلاميّة ومكافحة الإستعمار الأوروبي من أجل تحريرأقطارالعالم العربي والإسلامي. حتى أصبح الشيخ الثعالبي من أبرز قادة النهضة الإسلاميّة الحديثة. 9



ومن منّا لا يذكرالشيخ العلامة محمّد الخضر حسين عالم الزيتونة الجليل؟! كان الشيخ محمد الخضر حسين ولد بواحة نفطة بالجريد من مناطق الجنوب التونسي. ودرس بجامع الزيتونة. ثمّ درّس به وتولّى خطّة القضاء بمدينة بنزرت بالشمال التونسي. وأسّس مجلّة " السعادة العظمى" التي أرّقت السلطات الإستعماريّة فقضت بمصادرتها. وخاض رحمه اللّه معركة الكفاح ضدّ المستعمرباللّسان والبيان وإيقاظ الجَنَان من أجل تحرير تونس. وبثّ في صدور الطلاب وجمهور الناس روح الجهاد ضدّ الإحتلال. الأمر الذي حمل السلطة الفرنسيّة على أن أصدرت عليه حكما بالإعدام ففرّ إلى الشام ثمّ تحول إلى مصر طالبا اللّجوء السياسي بهاعام 1922. وهناك استأنف رحمه اللّه كفاحه وأسّس" رابطة تعاون جاليات شمال افريقيا " كما أنشأ " جبهة الدفاع عن افريقيا الشماليّة " للنضال من أجل تحريرالمغرب العربي كلّه وكانت تلك الجبهة خنجرا في صدر الإستعمار الفرنسي. وقد بلغ ـ رحمه الله ـ من العلم والكفاءة أن تبوّأ عن جدارة مشيخة الأزهرالشريف ـ أنظر مقدّمة الناشرلكتابه تونس وجامع الزينونة. وقد كان لكثير من علماء الزيتونة وخريجيها وطلابها دورريادي في الحركة الوطنيّة شهد به الأعداء قبل الأصدقاء.









رد مع اقتباس
قديم 2013-12-20, 19:44   رقم المشاركة : 9
معلومات العضو
adziri
عضو محترف
 
إحصائية العضو










افتراضي

الحرب على جامع الزّيتونة في الحقبة العلمانية



بقلم الشيخ محمد الهادي الزمزمي





1- تأسيس جامع الزّيتونة


إنّ أول من ابتدأ بناء جامع الزّيتونة القائد العظيم (حسّان بن النّعمان) رضي اللّه عنه حين فتح تونس عام 79 هج ثم جاء من بعد ذلك عبيد اللّه ابن الحبحاب عام 114 هج وأتمّ بناء الجامع. ولمّا تولى زيادة اللّه بن الأغلب إمارة القيروان أضاف إلى الجامع مساحة كبيرة وأحدث به مباني ضخمة حتى أضحى الجامع تحفة معماريّة رائعة، مقاما على أساطين المرمر والرخام.




كيف انتشرت العلوم الإسلاميّة بالبلاد التّونسيّة:


انتدب الخليفة عمر بن عبد العزيز رضي اللّه عنه إبّان خلافته عشرة فقهاء من التّابعين وابتعثهم إلى إفريقية ـ تونس ـ ليعلّموا البربرـ سكانها الأصليّين ـ أحكام دينهم واللّسان العربيّ. وكان نقيبَ هذه البعثة العلميّة أبو عبد الرّحمن عبد اللّه الحبلي وكان من بين أعضائها أبو الجهم عبد الرّحمن أبو رافع التّنوحي وهو أوّل من ولي القضاء بالقيروان. ومنذ ذلك الوقت بدأت رحلات طلاب العلم إلى الشرق لتنهل من منابع العلوم والمعارف. ولقد كان من هؤلاء الراحلين في طلب العلم عبد الرّحمن بن زياد المعافريّ الذي عاد إلى القيروان بعلم غزير وأدب عال فتولّى قضاء القيروان. كما رحل جمع من الطّلاب إلى المشرق فلقوا مالك بن أنس رحمه اللّه وغيره من أئمّة العلم؛ فنهلوا منهم ورجعوا فقهاء؛ منهم علي بن زياد، وعبد اللّه بن غانم، وأسد بن الفرات ـ فاتح صقليّة ـ ثم كان سحنون الذي عاد مليء الوطاب فقها وعلما؛ نشره في البلاد فأخذ عنه أبو سعيد البرادعي، وحماس بن رمضان الهمذانيّ. وهكذا امتدت دوحة العلم على مرّ السنين وارفة يانعة تؤتى أكلها كلّ حين بإذن ربها فتوالت طبقات العلماء بالبلاد التّونسية تترى جيلا بعد جيل قرنا بعد قرن حتى امتاز كلّ قرن عما سبقه بجلّة العلماء وفطاحلتهم.؟




طبقات علماء الزيتونة على مرّ العصور


*ـ ففي القرن الثالث كانت طبقة سحنون والبرادعي وحماس الهمذانيّ والطّبيب النّطاسي بن الجزار.


*ـ القرن الرابع ومن أعلامه أبو العباس عبد اللّه بن إسحق، وأبو محمد بن أبي زيد صاحب كتاب النّوادر والزيادات على المدونة.


*ـ وفي القرن الخامس: عبد الحميد بن محمد الهروي المعروف بابن الصائغ، وأبو الحسن على بن محمد المعروف باللخميّ صاحب كتاب التّبصرة، والحسن بن رشيق القيرواني صاحب كتاب العمدة، وابن شرف صاحب الرسائل ومنها رسالة أعلام الكلام، وأبو إسحق إبراهيم الحصري صاحب كتاب زهر الآداب وابن خالته أبو الحسن علي الحصري صاحب القصيدة المشهورة ياليل الصبّ.


*ـ في القرن السادس: أبوعبد اللّه محمد بن علي المعروف بالمازريّ المعدود في مرتبة المجتهدين ومن مؤلفاته شرح كتاب البرهان للإمام الجويني وشرح كتاب التّلقين للقاضي عبد الوهاب .




*ـ القرن السابع ومن أعلامه أحمد بن أبى بكر المعروف بابن زيتون الذي رحل إلى الشرق وأخذ عن العزّ بن عبد السلام. ثم عاد إلى تونس وتقلد منصب قاضي القضاة وكان أوّل من درّس في تونس مصنفات الرازي. وفي هذا العهد أنشا أبو زكريا يحي دارا للكتب جمع بها نحو ستة وثلاثين ألف مجلد. وفي هذا القرن حلّ بتونس حامل لواء العربيّة بالأندلس علي بن موسى المعروف بابن عصفور. وأقام بها حتى توفي رحمه اللّه.


*ـ في القرن الثامن: محمد بن عبد السلام وهو معدود في مصاف المجتهدين، ومن مؤلفاته شرح جامع الأمهات لابن الحاجب. ومن أعلام هذا القرن أيضا ابن عرفة الورغمّي صاحب التّصانيف في الفقه والتّفسير والمنطق والأصول، والعلاّمة عبد الرّحمن بن خلدون صاحب كتاب المقدمة والتّاريخ وقد توفي رحمه اللّه بالقاهرة سنة 807 هج.


*ـ في القرن التّاسع محمد بن عمر الأبي؛ شارح المدوّنة وصحيح مسلم، وأبو القاسم البرزليّ صاحب الفتاوى. ويروى أنّ ابن عرفة عوتب على إرهاقه نفسَه في البحث والنّظر حتى ما يكاد ينام اللّيل فأجاب كيف أنام وأنا بين أسدين: الأبيّ بفهمه وعقله، والبرزليّ بحفظه ونقله. وفي هذا القرن أنشا الأمير أبو فارس عبد العزيز خزانة كتب في الجانب الشماليّ من جامع الزّيتونة وأودع فيها آلاف المجلدات.


*ـ القرن العاشر في هذا القرن تولّى إمارة تونس أبو عبد اللّه محمد الحفصيّ، وكان له عناية بالعلم فأنشا مكتبة بجامع الزّيتونة وهي معروفة بالمكتبة العبدلّية . وفي سنة سبعين من هذا القرن نكبت تونس بالإحتلال الإسبانيّ حيث عاث عسكرالإسبان في البلاد فسادا فأتلفوا الكتب حتى صارت ملقاة في الطّرقات تدوسها سنابك خيلهم. وكان هذا الإحتلال كارثة على العلم والحضارة بالبلاد التّونسيّة. يقول الوزيرالسّراج :" وقسمت المدينة ـ يعني تونس ـ مؤمن وكافر وأُهين المسجد الأعظم ونهبت خزائن الكتب الّتي كانت به وداستها الكفرة بالأرجل وألقيت تصانيف الدّين بالأزقّة تدوسها حوافر الخيل!! والرّجال؛ حتّى قيل إنّ أزقّة الطّيبيّين كانت كلّها مجلّدات ملقاة تحت الأرجل!!. وضربت النّواقيس وربطوا الخيل بالجامع الأعظم!! ونبش قبرالشيخ سيّدي محرز بن خلف فلم يجدوا به إلاّ الرّمل، وبالجملة فعلوا ما تفعله الأعادي بأعدائها وكانت كلّ دارمسلم يجاورها نصرانيّ." 2 حتى جاء الأتراك بقيادة سنان باشا رحمه اللّه وطردوا الإسبان من أرض تونس سنة 981هج وبهذا ارتبطت تونس بالحكم العثمانيّ .


*ـ القرن الحادي عشر: بحكم الإتصال القائم بين تونس والخلافة العثمانيّة حلّ بتونس بعض العلماء التّرك فانتشرت بسببهم العلوم وازدهرت من جديد الحركة العلميّة. نذكر من بين هؤلاء العلماء الشيخ (ملا أحمد) كان نابغة في الفقه والأصول والتّفسير والنّحو والبيان والمنطق فتخرج عليه جماعة من أعلام القرن الحادي عشر مثل الشيخ محمد العماد والشيخ أبو يحي الرصّاع وغيرهما وبهذا استأنفت الحركة العلمية ازدهارها .


*ـ في القرن الثاني عشر ظهر في هذا العهد أمراء اعتنوا بالحياة العلميّة والتّربويّة إذ بنى محمد بن مراد باي المتوفى سنة 1108 هج مدارس في نواحي مختلفة من البلاد؛ بالقيروان والكاف، وقابس وباجة والجريد. كما أنشا الأميرحسين بن علي مؤسس الدّولة الحسينيّة مدارس بالحاضرة والقيروان وسوسة وصفاقس.




ومن أعلام هذا القرن الشيخ محمد زيتونة والشيخ محمد الخضراوي والشيخ حمودة قتاتة ونجم الدّين المعروف بابن سعيد كما ظهر الشاعران علي الغراب الصفاقسيّ ومحمد الورغيّ .




نظام التّعليم في عهد البايات




ارتأى أمير تونس المشير أحمد باشا من أجل أن تكون للدولة التّونسيّة قوة ومنعة أنّه لا بد من النّهوض بالتّعليم فقام بإجراآت لإصلاح التّعليم بجامع الزّيتونة وأصدر في ذلك مرسوما سنة 1258هج وتلي هذا المرسوم في يوم مشهود ووضع في إطار وعلّق داخل باب الشفاء المعروف بجامع الزّيتونة. واقتضى هذا المرسوم انتخاب هيئة من العلماء تتركّب من 15 عالما من المالكيّة ومثلهم من الحنفيّة على أن تلقى الدّروس في كلّ يوم عدا يومي الخميس والجمعة، حيث يلقى في كلّ يوم درسان في أيّ فن من الفنون وفي أيّ وقت تيسر. وإذا فُقد أحد من المدرسين انتخب نظّار الجامع بدله أعلم الموجودين في ذلك العصر. وإذا اشتبه عليهم الحال فيمن يستحق ولاية التّدريس عقدوا مسابقة بين من يرغبون في إحرازها وتتولى مشيخة النّظّار تعيين الفائز منهم للتّدريس بمقتضى قرار ترسله إلى الباي الذى يصدر مرسوما بإقراره.




وفي عهد الأمير محمد الصادق باي ووزيره المصلح خير الدّين باشا أدخل على نظام التّعليم إجراءات جديدة في سبيل الإصلاح والتّهذيب والتّقويم. ولقد كان الوزير خير الدّين يتردّد بنفسه على الجامع ليشهد حلقات الدّروس. وفي سنة 1329هج عقدت الحكومة لجنة من كبار العلماء ورجال الدّولة للنظر فيما تستوجبه مناهج التّعليم من مزيد الإصلاح والإحكام فكانت أقسام التّعليم من ابتدائيّ وثانويّ وعالي كلّها بجامع الزّيتونة وفي سنة 1345 هج فصل التّعليم الإبتدائيّ عن المرحلتين السابقتين ليخصّص في جامع سيدي يوسف. ونبغ في ذلك العهد علماء أجلاّء في علوم الدّين والعربيّة من أمثال الشيخ معاوية، والشيخ الإنبابي، والشيخ أحمد بن أبي الضياف. وغيرهم كثير. ولقد كان لرجال الزيتونة وعلمائها دوركبيرفي النهضة والإصلاح وكان منهم المرحوم محمود قبادو رحمه اللّه.




الشيخ محمود قبادو رائد الإصلاح:




لا يخفى ما للشيخ المرحوم محمود قبادو(1815ـ 1871) ـ وكان من أبرزعلماء الزيتونة شاعرا ورائدا من رواد الإصلاح التونسيّين الأفذاذ ـ من أثرفي قيام النهضة العلميّة والثقافيّة بتونس لما كان عليه من الإحاطة العلميّة والثقافيّة والتربويّة. كان رحمه الله متجرّدا عن الحياة العادية تجرّدا تامّا تعلّق بطريقة الرياضة والمجاهدة والسياحة والخلوة وقف حياته على البحث والمعرفة فاستوعب مختلف العلوم والمعارف الفلسفيّة والرياضيّة والفلكيّة والطبيعيّة والأدبيّة والدينيّة والسياسيّة استيعابا عجيبا فألّف بينها وواءم بين مختلفاتها فكان بحق رائد إصلاح ومجدّدا وداعية نهضة الأمّة مع تمسّكه وارتباطه بالثقافة العربيّة الإسلاميّة وحرصه على إحياء موات الحضارة الإسلاميّة والنهوض بها. انتدبه الوزير المرحوم خير الدّين التونسي للتدريس بالمدرسة الحربيّة التي أنشأها المشير أحمد باي بباردو. وفور تولّي الشيخ قبادو مهمّة التدريس قام بترجمة الكتب المتخصّصة في الفنون العسكريّة والرياضيات والعلوم إلى اللّغة العربيّة. حيث كان يجيد لغات متعدّدة التركية والإيطاليّة والفرنسيّة.




ولم يكن سعيه في ترجمة هذه الكتب وتعريب هذه العلوم إلاّ بغرض أن ينقل رحمه اللّه سرّ النهضة الأوروبيّة لاعتقاده أن لتلك العلوم والمعارف الفضل في التفوق الغربي على البلاد الإسلاميّة. يقول رحمه اللّه: " إنّ العالم الإسلامي في حالة تأخروتدهور مع أنّ الإسلام كفيل بأن يكون المجتمع القائم على أصوله في حالة تخالف ما هو عليه الآن قينبغي أن يُعزى السبب في ذلك إلى أمر خارج عن جوهر الدّين كان موجودا عند المسلمين ففُقد وأنّ المقارنة تُظهرأنّ هذا الأمرإنّما هو العلوم الحكميّة فالمعرفة مطلوب دينيّ لذاته وهذه العلوم كانت مزدهرة عند المسلمين. وكان المسلمون لمّا كانت هذه العلوم رائجة فيهم سائرين متقدّمين ثمّ أضيعت هذه العلوم وتأخرت فهان المسلمون وتأخروا تبعا لذلك واقتبست أوروبا هذه العلوم على الإسلام بنسبة ما هجر هو هذه العلوم وأخذت هي. فلا سبيل حينئذ إلى أخذ الإسلام بحظّه من السعادة والنهضة إلاّ باستعادة نهضة هذه العلوم التي أضاعها ولا سبيل إلى ذلك إلاّ باقتباسها عن الأوروبيّين بالنقل والتعلّم." 3




وهكذا أدرك رحمه اللّه موطن الضعف في الأمّة الإسلاميّة وموطن القوّة عند أوروبا ورأى أنّه لا سبيل إلى نهضة العالم الإسلامي إلاّ بامتلاك هذه الأدوات العلميّة والمعرفيّة. ونذر نفسه رحمه اللّه لهذه الدعوة الإصلاحيّة؛ فلم تلبث أن آتت أكلها. فقد تخرّج على يديه من المدرسة الحربيّة ضبّاط كبارنذكر منهم الجنرال حسين والجنرال رستم؛ كما تخرّج على يد الشيخ قبادو تلاميذ نجباء من الزيتونة منهم الشيخ سالم بوحاجب ومحمد بيرم ومحمد السنوسي فالتقى رجال المجموعتين الحربيّة والزيتونيّة على مبدإ الإصلاح العلمي والسياسي والإجتماعي بإشراف الوزيرالمصلح خيرالدين التونسي رحمه اللّه. وأفضت تلك الحركة الإصلاحيّة إلى وضع دستورللبلاد التونسيّة ـ يعتبر أول دستورفي العالم العربي ـ وهو المعروف باسم (عهد الأمان ) وإقامة خط هاتفي بين تونس وأوروبا وتأسست المطبعة الرسميّة وجريدة الرائد الرسمي وتكوين المجلس التشريعي والمجالس البلديّة سنة1861. وإصلاح التعليم وتعصير الإدارات والمصالح الحكومية وتنظيمها4. ولقد استمرّت حركة الإصلاح يتزعمها علماء أفذاذ من رجال الزيتونة من أمثال العلامة الشيخ محمد الطاهر بن عاشورونجله الشيخ الفاضل رحمهما اللّه.




ذاك هو جامع الزيتونة وتلك ثماره اليانعة وأؤلئك رجاله الأفذاذ. لقد كان تاجا على هامة تونس تبوّأت به مقاما محمودا في دنيا العلوم والعرفان وازدهت به على باقي الأقطار والبلدان . حتّى قال الأستاذ البحاثة حسن حسني عبد الوهّاب :" كان جامع الزيتونة أسبق المعاهد التّعليميّة للعروبة مولدا وأقدمها في التّاريخ عهدا حمل مشعل الثّقافة العربيّة إثني عشر قرنا ونصف القرن بلا انقطاع ولا انفصال. تجرّد خلالها لدراسة العلوم وذلك منذ سنة ـ120ـ هج 737ـ م وظلّ على مرّ العصورمنارا وهّاجا للتّعليم والبحث والإستنباط. فتخرّج منه الفقيه واللغويّ والأديب وأصبح أكبر جامعة إسلاميّة عرفها المغرب بأسره وتفرّع من دوحة الزيتونة المباركة أغصان علم وفلسفة زانوا الثقافة البشريّة في المغرب والمشرق نكتفي بذكر أفذاذ منهم مثل الكيميائيّ المشهور" أحمد التيفاشي القفصي" أول من وضع موسوعة عربيّة شملت كلّ فنّ معروف و" عبد الرّحمن بن خلدون" و" محمّد بن عرفة الورغمّي" والرّحّالة " عبد اللّه التّيجاني" والشاعر" أبو القلسم الشّابي" 5.




لم يقتصر جامع الزّيتونة على أداء رسالته العلميّة والمعرفيّة بل قام كذلك بأداء رسالته الجهاديّة. يقول الأستاذ محّمد عثمان الحشائشي" ولم يكن جامع الزّيتونة معبدا دينيّا ومحجّة لطالب العلم بل كان معقلا لنضال المجاهدين الأبرار منذ تأسيسه المبارك على يد القائد الفاتح حسّان بن النّعمان وبنائه في عهد عبيد اللّه بن الحبحاب إلى يوم أن اندلعت شرارة الكفاح التّحريري ضدّ المستعمرالفرنسيّ . فمنه انطلقت عدّة انتفاضات هزّت البلاد التّونسيّة وبلغت أوجها في تطاحن التّرك والإسبان أيّام حكم الحفصيّين. ومنذ الأمس القريب خرجت منه مظاهرات عارمة واحتمى به المقاومون احتجاجا على الإضطهاد والعسف والتنكيل." 6




دور الزيتونة في مجاهدة الإستعمار الفرنسي




لمّا كان جامع الزيتونة منهل العلوم والمعارف ومعقل العروبة وحامل أمجاد الإسلام الطارف منها والتليد فقد غرس في نفوس طلاّبه هذه الروح الأبيّة فاصطبغ خريجوه بصبغة الولاء لمجد العروبة والإسلام ومن هنا كانوا هم المشاعلَ النيّرة التي أضاءت طريق الجهاد ضدّ المستعمرالفرنسي البغيض. لقد كانت الزيتونة ممثلّة في شخص علمائها وأبنائها وخريجيها في الصفّ الأمامي على خطّ المواجهة مع العدوّ. إذ أجّج شعلةَ الجهاد ضدّ الفرنسيّين فور احتلالهم تونس عام 1881 مشايخ من أهل العلم والفضل والدين فقاد حركة المقاومة الشيخ محمد السنوسي حتى نفته السلطات الإستعماريّة إلى الخارج فحمل راية الجهاد من بعده الشيخ المكي عزوز وكان من مشايخ الزيتونة الثوريّين. وكان مصيره هوالآخرالإبعاد ومات في المنفى رحمه اللّه.




وكان نفي الشيخ محمد السنونسي إلى الخارج سببا في التقائه إبّان سفره إلى القاهرة بأعضاء " جمعيّة العروة الوثقى" . وعاد الشيخ السنونسي إلى تونس يبشر بمبادىء العروة الوثقى فصادفت تجاوبا كبيرا في أوساط علماء الزيتونة ورجال الحركة الإصلاحيّة كالشيخ سالم بوحاجب والشيخ محمد بيرم الخامس وطلاب الزيتونة. وكان المشايخ الثلاثة من العناصر المؤسّسين لجمعيّة العروة الوثقى بتونس وهم الذين أوعزوا للسيّد جمال الدين الأفغاني بفكرة إصدارمجلّة العروة الوثقى في باريس. ولما صدرت المجلّة كتب الشيخ محمد السنوسي إلى الشيخ محمد عبده خطابا مؤثرا يصف فيه حال الأمّة الإسلاميّة قائلا :" أمّة فؤادها عليل قد منيت أطوارها بالتبديل وتلاشت منها القوى وعظم بها الوجى فأصبحت رهينة آلام أوهت منها قوّة الإعتصام تطرق حدقاتها إلى نيل العزّ القديم مستكشفة ما شخص من ذلك الأديم لا تستطيع إليه نهوضا وقد رأت حبل اعتصامها به منقوضا فعزّ دواؤها وأحاط بها أعداؤها." 7 وكتب رحمه اللّه مستبشرا بصدور العدد الأول من العروة الوثقى سنة 1884 بباريس يقول:


لئن دجت الأحلاك بالغيهب الأبقى وضلّت حلوم بعد أن طُرقت طرقا


فقد وضح الصبح الذي بان عندما أُنيط جمالُ الدين بالعروة الوثقـــــى




وكان لزيارة الشيخ محمد عبده تونسَ سنة 1884والتقائه بعلماء الزيتونة أثربالغ في نفسه لما وجد عليه أعضاء جمعيّة العروة الوثقى التونسيين من اهتمام بمحنة احتلال تونس وما كانوا عليه من تحمّس لوحدة الأمّة العربيّة الإسلاميّة ونهضتها. واستمرت علاقتهم وطيدة بالجمعيّة في المشرق ومجلّة المنارالتي كان يصدرها الشيخ محمد رشيد رضى رحمه اللّه.



ولم يكن دورالمرحوم البشير صفر في مقاومة الإستعمار والثقافة الإستعماريّة ليقلّ عن دور المرحوم محمود قبادو فقد دعا إلى بعث الجمعيّة الخلدونيّة وإنشاء المدرسة الخلدونيّة لنشر العلوم الحديثة. وإحياء الروح الوطنيّة لمجابهة المستعمر والتصدّي لمظاهرالتغريب. فكانت الخلدونيّة مقصد طلاب العلوم العصريّة من كيمياء ورياضيات وعلوم وجغرافيا ولغات وكانت الغاية من بعث هذا المعهد العلمي لتتكامل معارفه العصريّة مع التعليم الزيتوني الأصيل من أجل تحقيق نهضة حقيقية للبلاد. وقد احتضنت الخلدونيّة فيما بعد المؤتمرالتأسيسي للاتحاد العام التونسي للشغل بزعامة المرحوم فرحات حشاد في 20 جانفي 1946. وكان أغلب قادة النقابات من رجال الزيتونة من بينهم الشيخ الفاضل بن عاشوررحمه اللّه ممّا يؤكّد دورالزيتونة في المجال الإجتماعي والدفاع عن حقوق العمال التونسيين التي تعمل السلطات الإستعماريّة على انتهاكها.
وليس قيام الحزب الحرّ الدستوري في 15 جوان عام 1920 بقيادة الشيخ المجاهد عبد العزيز الثعالبي وإخوانه الذين كرعوا من حياض الزيتونة وارتضعوا منها لبان العزة والذود عن الشرف والكرامة إلاّ دليلا قاطعا على الدورالريادي للزيتونة في مقاومة الإستعماروشرف الدّفاع عن الحوزة وحماية البيضة. لقد كان رجال الزيتونة الأفذاذ من أبناء تونس البررة . ففي عام 1919م وإبّان انعقاد مؤتمر الصلح بباريس أبلغ الشيخ عبد العزيزالثعالبي المؤتمر مذكّرة طالب فيها باستقلال تونس مناديا بتطبيق مبادىء الرئيس الأمريكي " ولسن" الأربعة عشرة ومنها حقّ الشعوب في تقرير المصير؛ ونشر الشيخ كتابا جسّد فيه محنة تونس ووصفها كأصدق ما يكون الوصف بعنوان" تونس الشهيدة " فاعتقلت السلطات الإستعماريّة الشيخ الثعالبي في 28 ـ 7 ـ 1920 وجيء به من فرنسا إلى تونس يرسف في أغلال الحديد وألقوا به في غيابة السجن العسكري بتهمة التآمر على أمن الدولة.



كان لاعتقال الثعالبي هذا أثر بالغ في نفوس التونسيّين إذ تحركوا في مظاهرات عارمة وانطلقت الجماهيرالمتضامنة مع الشيخ والساخطة على المستعمر تدمّر كلّ شيء من المصالح الأجنبيّة الأمرالذي حمل السلطات الإستعماريّة على إخلاء سبيل الشيخ الثعالبي يوم1 ـ5 ـ 1921. فالتف التونسيّون حوله وتنادوا بواجب النضال ضدّ الإحتلال تحت لواء الحزب الحرّ الدستوري التونسي الذي ضمّ صفوة رجال تونس من أمثال المرحوم ومحي الدّين القليبي وغيره وكان انتخاب الشيخ الثعالبي رئيسا للحزب بالإجماع والأستاذ أحمد الصافي أمينا عامّا له. وأنشا الحزب في بث فروعه في طول البلاد وعرضها. لتجنيد التونسيّين ورص صفوفهم لمواجهة المستعمرالدخيل وتخليص البلاد من ربقة الإحتلال.



وكان الثعالبي داعية لوحدة الأمّة العربيّة الإسلاميّة ومقاومة كلّ دعوة للتجزئة والإنعزاليّة. ولمّا اشتدّت على السلطة الإستعماريّة قوّة الحركة الوطنيّة بزعامة الثعالبي قامت بنفيه خارج البلاد في 26 ـ 7 ـ 1923 فقصد المشرق وتجول في أقطاره المختلفة معرفا بالقضيّة التونسيّة. وأنتدبه ملك العراق لتدريس الفلسفة بجامعة آل البيت بالعراق. ثمّ تحوّل إلى مصر وزارفلسطين وتوطدت صلته بالمرحوم الشيخ أمين الحسيني واتفقا على النضال ضدّ الحركة الصهيونيّة والدعوة لعقد مؤتمرإسلاميّ بالقدس وانعقد هذا المؤتمر ـ رغم الصعوبات والمعارضة ـ من 7 إلى 17 ـ ديسمبر سنة1931م. وحضره الثعالبي وأُسندت إليه مهمّة عضويّة المكتب الدائم للمؤتمر. وتولى كذلك مسئوليّة لجنة الدعاية والنشر. وانبرى رحمه اللّه للدفاع عن قضايا الشعوب العربيّة والإسلاميّة ومكافحة الإستعمار الأوروبي من أجل تحريرأقطارالعالم العربي والإسلامي. حتى أصبح الشيخ الثعالبي من أبرز قادة النهضة الإسلاميّة الحديثة. 9



ومن منّا لا يذكرالشيخ العلامة محمّد الخضر حسين عالم الزيتونة الجليل؟! كان الشيخ محمد الخضر حسين ولد بواحة نفطة بالجريد من مناطق الجنوب التونسي. ودرس بجامع الزيتونة. ثمّ درّس به وتولّى خطّة القضاء بمدينة بنزرت بالشمال التونسي. وأسّس مجلّة " السعادة العظمى" التي أرّقت السلطات الإستعماريّة فقضت بمصادرتها. وخاض رحمه اللّه معركة الكفاح ضدّ المستعمرباللّسان والبيان وإيقاظ الجَنَان من أجل تحرير تونس. وبثّ في صدور الطلاب وجمهور الناس روح الجهاد ضدّ الإحتلال. الأمر الذي حمل السلطة الفرنسيّة على أن أصدرت عليه حكما بالإعدام ففرّ إلى الشام ثمّ تحول إلى مصر طالبا اللّجوء السياسي بهاعام 1922. وهناك استأنف رحمه اللّه كفاحه وأسّس" رابطة تعاون جاليات شمال افريقيا " كما أنشأ " جبهة الدفاع عن افريقيا الشماليّة " للنضال من أجل تحريرالمغرب العربي كلّه وكانت تلك الجبهة خنجرا في صدر الإستعمار الفرنسي. وقد بلغ ـ رحمه الله ـ من العلم والكفاءة أن تبوّأ عن جدارة مشيخة الأزهرالشريف ـ أنظر مقدّمة الناشرلكتابه تونس وجامع الزينونة. وقد كان لكثير من علماء الزيتونة وخريجيها وطلابها دورريادي في الحركة الوطنيّة شهد به الأعداء قبل الأصدقاء.









رد مع اقتباس
قديم 2013-12-20, 19:58   رقم المشاركة : 10
معلومات العضو
adziri
عضو محترف
 
إحصائية العضو










افتراضي


دور الزيتونة في مكافحة حركة التنصير







كان لعلماء الزيتونة موقف مشرّف ضدّ المؤتمرالأفخارستي الذي عقده القساوسة الأوروبيون بتونس تحت رعاية الكنيسة البابويّة بروما وبدعم من السلطات الفرنسيّة الإستعماريّة بمناسبة مرورخمسين عاما على احتلال فرنسا لتونس.







كان غرض المستعمر من عقد هذا المؤتمرإقناع التونسيّين بأنّ الإحتلال الفرنسي لتونس إنّما هو إجراء حضاري وعمل عظيم لصالح التونسيّين حيث جاء الفرنسيّون لتخليص تونس وأهلها من الهيمنة العربيّة الإسلاميّة!! وردّ تونس إلى حضيرتها الأصليّة ـ حسب زعمهم ـ وهي الحضارة المسيحيّة النصرانيّة الرومانيّة!!. ورغم ما أحيط به هذا المؤتمرمن إجرءات أمنيّة وإرهابيّة كبيرة فقد تصدّى علماء الزيتونة لردّ هذا الإفتراء الكاذب ودحض ذلك الزعم الخاطىء فانبروا بقيادة شيخ الإسلام بالديارالتونسيّة يومها الشيخ أحمد بيرم لتنفنيد هذه الأباطيل ودفع ذلك الإفك الممبين مؤكّدين على الصفة الإسلاميّة لتونس وشعبها متبرئين من كلّ نسب رومانيّ أو مسيحي لتونس وأبلغواالرئيس الفرنسي احتجاج التونسيّين على عقد هذا المؤتمر بتونس بوصفه اعتداء على هويتهم ودينهم. ونزلت شبيبة طلاب جامع الزيتونة وشبيبة المدرسة الصادقيّة وانطلقوا في مظاهرات عارمة احتجاجا على عقد هذا المؤتمر الكنسي بتونس.







كما كان للزيتونة بعلمائها الشرف في مواجهة حركة التجنيس التي سعت بواسطتها الحكومة الإستعماريّة في تذويب الهويّة العربيّة الإسلاميّة للتونسيين. فانبرى علماء الزيتونة لصدّ هذه الحركة الخبيثة وأصدروا الفتاوى الشرعيّة بتحريم التجنيس.







فقد ورد بالتقريرالرّسمي المحرّر في 29ـ4ـ 1933 الّذي وجّهه المقيم العام الفرنسي بتونس" منسرون" manceron إلى وزارة الخارجيّة الفرنساويّة بباريس " أنّه تبعا لاعتراض الوطنيّين التونسيّين على دفن المتجنّسين بالمقابر الإسلاميّة توجّهت السّلطات بسؤال إلى المجلس الشّرعي هذا نصّه" ـ إذا اعتنق شخص جنسيّة يختلف تشريعها عن أحكام الشريعة الإسلاميّة ثمّ حضر لدى القاضي ونطق بالشّهادتين وأعلن أنّه مسلم وأنّه لايعترف بغير الإسلام دينا هل يحقّ له طول حياته أن يتمتّع بنفس الحقوق والواجبات الّتي يتمتّع بها المسلمون وهل يحقّ له بعد وفاته أن يصلّى عليه صلاة الأموات أو أن يدفن في مقبرة المسلمين؟ والسّؤال بحدّ ذاته فيه إقراربأنّ المتجنّس مرتدّ وأنّ عليه إعلان الشهادة من جديد أمام القاضي الشرعي وإذا كنت إجابة الطرف الحنفي بالمجلس بثبوت الإسلام للمتجنّس إذا أدلى مجدّدا بالشّهادتين أمام القاضي وأقرّ بأنّه لايبتغي غير الإسلام دينا فإنّ أعضاء المجلس من الشّقّ المالكي اشترطوا على المتجنّس لثبوت إسلامه التخلّي عن الجنسية ؛ حيث جاء في التقرير








" لقد أضاف أعضاء المجلس الشّرعي من المالكيّين إلى الشهادتين شرطا آخر فأعلنوا أنّه يتعيّن على المتجنّس عند حضوره لدى القاضي لا فقط النّطق بالشهادتين بل أيضا التصريح بأنّه يتخلّى عن الجنسيّة الّتي اعتنقها وفي هذه الصورة يحقّ له أن يُدفن في مقابر المسلمين. وزاد أحد أعضاء المجلس من المالكيّين على ذلك قوله :" ينبغي أن تتمثّل توبة المتجنّس في الإقلاع عن الإمتيازات الّتي تحصّل عليها بموجب جنسيّته الجديدة." 10







ولقد كان لحركة صوت الطالب الزيتوني التي أسّسها جمع من طلاب الزيتونة وعلى رأسهم المرحوم عبد العزيز العكرمي والشيخ محمد البدوي أثر كبير في دعم الحركة الوطنيّة ومجابهة الإستعماروقد خاضت حركة صوت الطالب نضالا مريرا ضدّ القوات الإستعماريّة وقادت ضدّها مظاهرات طلابيّة عنيفة دامية واجه فيها الطلاب العزل الرصاص وسقط منهم شهداء أمثال الدهماني حمزة ومحمد المرزوقي وغيرهما رحمهم اللّه. 11







على أنّنا إذ نستعرض دورالزيتونة في مجاهدة الإستعمارلاننكرجهاد الوطنيّين المخلصين من غيرالزيتونيّين في مقاومة المستعمرولا نغمطهم حقهم وفضلهم؛ فإنّ ذلك عند اللّه في كتاب لا يضلّ ربي ولا ينسى. ولكنّا بصدد الحديث عن الزيتونة التي كانت بالأمس الدّرع الحامية لهويّة تونس وحضارتها والسلاح الفعال في الدّفاع عن كيانها واستقلالها وكان رجالها رواد النهضة والإصلاح؛ وحماة الهويّة وذادة الحمى ومؤجّجي حركة الجهاد المبارك ضدّ المستعمر البغيض فإذا حكام تونس السابق منهم واللاّحق يطعنون الزيتونة الطعنات النجلاء. ويسومون علماءها الخسف والهوان. وبدلا من أن يحظوالديهم بكلّ ما ينبغي من الإعزازوالتكريم كان جزاؤهم منهم جزاء سنّمار. وهل كانت نكبة الزيتونة إلاّ على أيديهم؟!










رد مع اقتباس
قديم 2013-12-20, 20:15   رقم المشاركة : 11
معلومات العضو
adziri
عضو محترف
 
إحصائية العضو










افتراضي

" لقد أضاف أعضاء المجلس الشّرعي من المالكيّين إلى الشهادتين شرطا آخر فأعلنوا أنّه يتعيّن على المتجنّس عند حضوره لدى القاضي لا فقط النّطق بالشهادتين بل أيضا التصريح بأنّه يتخلّى عن الجنسيّة الّتي اعتنقها وفي هذه الصورة يحقّ له أن يُدفن في مقابر المسلمين. وزاد أحد أعضاء المجلس من المالكيّين على ذلك قوله :" ينبغي أن تتمثّل توبة المتجنّس في الإقلاع عن الإمتيازات الّتي تحصّل عليها بموجب جنسيّته الجديدة." 10

__________
حبيت اعلق على هذه النقطة ويجب ان لا تمر مرور الكرام
للمرة المليون يبرهن الاشاعرة انهم جهابذة الامة في الاجتهاد واعطاء ارائهم في المسائل التي يجب التدخل فيها حتى لا يتعرض الدين والوطن للاختراق
هذا الاجتهاد يذكرني في قول الفاروق عمر رضي الله عنه
لست بالخب ولا الخب يخدعني
فمسالة دخول شخص لدين الامة الاسلام في حالة الامن والاستقرار والحرية
هي ليست نفسها دخلو شخص للاسلام في حالة الحرب والاحتلال
ولهذا اضاف رواد السنة والفكر الاسلامي على مر العصور الاشاعرة في الزيتونة ذلك الشرط
التخلي على الجنسية القديمة فنطق الشهادتين بالفم فقط هو ليس كافي
حتى لا يكون جاسوسا مزدوج الجنسية
فيتخلى على جنسيته الاولى وخاصة ان كانت فرنسية
وعند التخلي عليها يصبح تلقائيا ضذ الاستعمار الفرنسي ووجب المقاومة مع الشعب من الثانية والدقيقة الاولى للاسلامه
صراحة علمائنا الاشاعرة هاربين دائما
ولا نزكي على الله احدا









رد مع اقتباس
قديم 2013-12-20, 20:32   رقم المشاركة : 12
معلومات العضو
adziri
عضو محترف
 
إحصائية العضو










افتراضي

نكبة الزيتونة في العهد الجديد :







ذاك هو جامع الزّيتونة وتلك مآثره. ولكن ما حال جامع الزيتونة اليوم وما مصيره ومآله ؟! لقد أوصدت الحكومة السابقة أبواب العلم فيه فجعلته جامعة ـ بدعوى تطويره وتعصيره ـ والحقيقة إنّ ما حدث هو قضاء مبرم على نظام تعليميّ متكامل بمراحله الثلاث ارتبط به تاريخ البلاد. فجاء بورقيبة لتحجيمه أوّلا ثمّ تحطيمه بعد ذلك وهذا ما تمّ فعلا فكان لعمليّة التحجيم والتحطيم تلك أثرها البالغ في طمس معالم الدّين وعلوم الشريعة . وأضحت الكليّة الزيتونيّة في الستينات وأوائل السبعينات معقلا للحزب الحاكم!! ومطيّة لمن يريد الترقي العاجل في سلم الوظيف بإحرازالشهادة الزيتونيّة ـ الإجازة ـ التي لم تعد لها أيّة قيمة علميّة .







وجاء بن علي حاكم العهد الجديد بأمره الرئاسي عدد96ـ المؤرخ في 31 ـ ديسمبر 1987 يقضي بتقسيم الكلية الزيتونيّة للشريعة وأصول الدين إلى ثلاثة معاهد ـ معهد أصول الدين ـ معهد الشريعة ـ معهد الحضارة ـ ماهي ترى المهمّة الجليلة التي تقوم على إنجازها هذه المعاهد العلميّة الثلاثة ؟! لقد عملت الحكومة على تفتيت الزيتونة إلى هذه المعاهد بقصد بعثرتها وطمس كيانها حتى ما يبقى لها أثر بحيث يُغيّب إسم الزيتونة تدريجيّا فيفقد قيمته ووجوده ويندثر بفعل النسيان والتناسي تمهيدا لتذويبها وإماتتها إماتة بطيئة حتى لا يثيرذلك شعور النّاس. أمّا هذه المعاهد الثلاثة ـ ربائب الجامعة الزيتونيّة ـ فما هي إلاّ معامل لتخريج طوابير العاطلين والبطالين من حملة الشهادات الجامعيّة الشرعيّة بالخصوص حيث تضيّق عليهم الوزارة حقّ الإنتداب للتدريس. وهومسلك خبيث متعمّد من وزارة التعليم (الممركسة) لتزهيد الطلاب في الإلتحاق بهذه الجامعة حتى يهجرها الطلاّب وتمسي بعد سنتين أو ثلاث خاوية على عروشها وهو ما يكون ذريعة للوزارة في حلّها واستلحاقها بكلّية الآداب لتصبح قسما للّدراسات اللاهوتيّة ومقارنة الأديان!!







لقد التحق بالجامعة الزيتونيّة عام 1988 من الطلاب 1200 طالب ـ ولم تستوعب الوزارة من المجازين المتخرجين من هذه الجامعة في العام نفسه للتدريس في الثانويّات إلاّ عددا لا يتجاوز 150 طالب! وفي عام 1989 لم توجه الوزارة من الطلاب الجدد إليهاغير500 طالب ـ علما بأنّ التوجيه الجامعي في تونس تحكّمي إجباري تفرضه الوزارة على الطلاب باسم التوجيه الإلكتروني!! ـ







وفي سنة 1991 لم يدخل الجامعة الزيتونيّة إلاّ 220 طالب موزعين على المعاهد الثلاثة. كما عطّلت فيها الوزارة رسائل الماجستير والدكتوراه؛ الأمرالذي حمل الطّلاب والأساتذة الأكفّاء على مغادرة الجامعة للإلتحاق بالجامعات الغربيّة والشرقيّة!!







وهكذا يُجفف الينبوع الذي يمدّ هذه الجامعة ويغذيها بأفواج من الطلاب كلّ عام حتّى إذا نضب المعين وتوقف الطلاب أو أوقفوا وصُدّوا عن حقّ الإلتحاق بالزيتونة أُثيرت بعد ذلك قضيّةُ الإنفاق والتمويل وضرورة التحفيض من النفقات بما يوجب إدماج الزيتونة بكليّة الآداب. وقد يزيّنون إجراء الإستلحاق هذا ويصبغونه بصبغة التطويروالتحضيروالتعصير!! للزيتونة مواكبة للتطوروتأسّيا بالجامعات العالميّة ـ تستّرا منهم على المؤامرة المكشوفة لسحق الجامعة الزيتونيّة ـ وتراهم بعد أن يُجهزوا عليها(يحلفون باللّه إن أردنا إلاّ إحسانا وتوفيقا أولئك الّذين يعلم اللّه ما في قلوبهم) النساء62ـ63 وها هو شاهد الإثبات على تحضير المؤامرة سادن الإلحاد " أنس الشابي" ـ الولد العقوق للزيتونة ـ يكشف النقاب عن هذه المؤامرة وذلك الدّنس إذ يقول (في تقديرنا إنّ الخطأ يجب أن يعالج من الأساس لأنّ توجيه أعداد مهولة تفوق الحاجة من الطلبة لهذه الجامعة ـ يعني جامعة الزيتونة ـ يجب إن يعاد النّظر فيه على أساس القدرة على الإستيعاب فتوجيه 500 طالب هذه السنة يمثّل قنبلة موقوتة ستنفجر بعد أربع سنوات خصوصا إذا علمنا أنّ خرّيجي هذه المعاهد لا تخوّلهم شهائدهم أيّ عمل سوى التدريس أو الوعظ‍ ـ لكلّ هذا نرى أن يقع حصر عدد طلبة هذه الجامعة في حدود معقولة !! تمكّنها من أداء دورها من ناحية وتمكّن خرّيجيها من العمل بعد ذلك لأنّه لا يُعقل أن تصرف الدولة مئات الملايين فيبقى الخرّيجون بعد ذلك ويتكاثرعددهم سنة بعد سنة دون عمل أو شغل. ما معنى أن يوجّه لهذه الجامعة في السنة الماضية وهذه السنة 1700 طلاب سوف يطالبون بعد أربع سنوات بحقّهم في الشغل ؟! ترى هل وضع الموجّه في حسابه قدرة المجموعة الوطنيّة على تحمّل مصاريف دراسة هذا العدد المهول وطاقة استعابها!؟ " 12







هكذا تنكشف خيوط المؤامرة وهي ـ بعدُ قيد التنفيذ ـ إنّ قضية التوظيف وتشغيل الخرّيجين قضية عامّة تهمّ جميع الخرّيجين من كافّة الجامعات والكليّات ولا يقتصرالأمرعلى الشريعة وطلابها فزملاؤهم من الحقوق والآداب والعلوم الإنسانيّة والعلوم الموضوعية، والطبّ والتقنية والهندسة يتجوّلون اليوم بشهاداتهم في الطرقات. فهل قرّرت الحكومة تقليص عدد طلاب تلك الجامعات بهذه الذريعة ؟!







ولو سلّمنا ـ جدلاـ بصحّة عمليّة التقليص والحدّ من فرص الإلتحاق ـ لكان علينا أن نغلق الجامعات التونسيّة كلّها لسنين عديدة وأعوام مديدة حتّى نصرّف هذه الطوابيرالمتعطلة الواقفة على أبواب سوق التشغيل بمختلف اختصاصاتها!! فهل يقول بهذا عاقل!؟ أم أنّ هذا المنطق المعوجّ ينقلب سويّا إذا ما تعلّق الأمر بالجامعة الزيتونيّة لأنّ مجرّد وجودها ـ على ماهي عليه من الضعف والوهن ـ يؤرّق الطائفة اللاّدينيّة في الديارالتونسيّة فكان لا بدّ من الكيد لتصفيتها والإجهازعليها تحت ستار المصلحة الوطنيّة وحماية الثروة الوطنيّة!! والحقّ أنّ عطالة خرّيجي الشريعة مردّها إلى كون الوزارة تنفيذا منها لسياسة تجفيف المنابع13 قرّرت الإستغناء عن خرّيجي الشريعة وأوكلت مهّمّة تدريس المقرّرات التربويّة والدينيّة في الثانويّات إلى خّريجي كليات الآداب والعلوم الإنسانيّة من المراكسة والعلمانيّين!!







ذلك أنّ بوزارة التعليم هاجسا يؤرّقها من قضيّة التطرّف وإنّ طلاّب الشريعة في نظرها (مُجَرْثَمُون) بهذا الدّاء !! فلا يُؤمَن على سلامة الأجيال من غائلة التطرّف إلاّ المدرّسون العلمانيّون الّذين تخرّجهم جامعات الآداب وحتّى هؤلاء ففيهم إصابات كبيرة‍‍ !!







لذلك عمدت الحكومة إلى تركيب أجهزة صمّامات ـ لجان مختصّة للنّظر في الإنتدابات ـ في كلّ وزارة مرتبطة بوزارة الداخليّة لدراسة ملفّ كلّ منتدَب وفحصه فحصا دقيقا فلا يمكن انتدابه لأيّة وظيفة من الوظائف بما فيها التعليم إلاّ إذا تحقّقت سلامته من تهمة الصلاة وتأكّد لدى وزارة الداخليّة بواسطة تقاريرها السريّة أنّه ـ (مواطن صالح) ـ وآية صلاحه أن يكون تاركا للصلاة معروفا بشرب الخمر ومن روّاد المقاهي وعنصرا نشيط في هياكل حزب التجمّع الحاكم الخ..هكذا واللّه!!.. وبمقاييس أغرب من ذلك وأفظع تتمّ عمليّات الإنتداب للوظائف العامّة بما فيها وظيفة التعليم!! فشرط الكفاءة هنا لا اعتبار له أصلا. وإنّما يتمّ الإنتداب بشرط الولاء المطلق للسطة والحزب الحاكم وترك الصلوات وفعل المنكرات!!.







أما ربط التعليم بالتشغيل فهو خطيئة أخرى من خطايا الحكومة وما أكثر خطاياها. فهل كان التعليم أيام جامع الزيتونة الزاهرة محكوما بخصلة الطمع هذه الّتي أهانت العلم وأذلّت العلماء؟! فربطت العلم والتعلّم والتعليم بالشغيل؟! هذا الربط يعدّ أعظم جناية على العلم والعلماء والمتعلّمين على سواء فبسبب من هذه السياسة الخرقاء امتدّت طوابير العاطلين من أصحاب الكفاءة والعلم فما انتفعت بهم البلاد ولا العباد ولا أفادوا هم بعلمهم شيئا.







وهكذا أضحى خّريجو الزيتونة عاطلين لاحظ لهم في علم ولاعمل. فكما عطّلت الحكومة خريجي الشريعة الزيتونيّة عن الوظائف عطلت جامعة الزيتونة نفسها عن أداء رسالتها العلميّة لتحوّلها اصطبلا للعربدة والفسوق والعصيان وهذا البرهان







وزير الشئون الدينيّة يشرف على مباريات لطالبات الشريعة في السباحة بالبيكيني :







*ـ البرهان الأوّل: نشرت مجلّة المجتمع الخبر الآتي بيانه " أشرف علي الشابي وزير الشؤون الدينيّة في تونس على سباق في مسبح كليّة الشريعة في تونس وقد شاركت في المسابقة طالبات كليّة الشريعة في تونس وكنّ يرتدين البيكيني!! وبعد إعطائه لإشارة الإنطلاق لطالبات الشريعة اللاّتي يرتدين البيكيني في تونس علّق الوزيرعلى ذلك مبتهجا بقوله الآن تخلّصت الزيتونة من عقدتها!! 14 "







البرهان الثاني: نشرت مجلّة حقائق التونسية بركن في الكواليس الخبر التالي ـ تنشيط ثقافي ـ (أحيت الفنّاتة الصاعدة منيرة حمدي سهرة فنّيّة رائعة !! في رحاب معهد أصول الدين التّابع للجامعة الزيونيّة!! وفي نفس السياق وتلقيحا للطّلبة ضدّ التطرّف!! تمتّع الطّلبة بمشاهد الألعاب السحريّة للمنوّم المعناطيسي الشهير حمّادي بن جابلله الفرشيشي!!) 15



بمثل هذه المخازي يعيد حكام تونس في العهد الجديد الإعتبارلجامع الزيتونة‍‍ وللعروبة والإسلام!! ولا غرو فكلّ إناء بما فيه ينضح!!



إذا كان الغراب دليل قوم مرّ بهم على جيف الكلاب.







فهل يقبل بهذه المخازي امرؤ في قلبه مثقال ذرّة من دين أو ضمير؟! ونحن نجزم أنّ مثل هذا الصنيع القبيح لو وقع معشاره في الجامعة اليهوديّة بفلسطين المحتلّة لأفضى إلى سقوط الحكومة اليهوديّة أو إقالة الوزيرالذي يرتكب هذه الفظائع.







وأمّا في تونس العهد النكد فيُحوَّل حرمُ العلم الشرعي ـ الزيتونة التي لها من الحرمة ما للمساجد من الحرمة ـ بؤرة للفسق والفجوروكشف سوءات طالبات الشريعة ليتفرّج عليها وزيرالشؤون الدينيّة علي الشابي ومن معه من العمداء والأساتذة والطلاّب؟! فهل يسكت أهالي تونس وعلماؤها عن هذه القبائح التي تكاد السماوات يتفطّرن منها وتنشق الأرض وتخرّالجبال هدّا ؟!! فهل دمّر اللّه سبحانه بعض القرون الغابرة على قبائح أشنع من هذه؟! ألا تستنزل مثل هذه الفعال السخط من السماء؟! فماذا ينتظر أهالي تونس وخصوصا علماؤها ـ بسكوتهم عن هذه الدنايا ـ أن يصيبهم مثل ما أصاب قوم نوح أو قوم هود أو قوم صالح وما قوم لوط منكم ببعيد!!







لقد تعرّضت الزيتونة لسلسلة من المؤامرات التي حاكها حكّام العهد البائد أجهضت رحم تونس وعقّمتها عن إنجاب عالم واحد متخصّص في علوم الشريعة وقد كان الظنّ أن تنتهي سلسلة المؤامرات تلك بانتهاء حكم بورقيبة العدوّ الألــدّ للدين وجامع الزيتونة؛ وانعقدت الآمال على حكّام العهد الجديد بما رفعوا من شعار إعادة الإعتبار للزيتونة ورجالها ولكنّهم كانوا قد أضمروا شرّا وبيّتوا ضرّا واللّه يكتب ما يبيّتون. لقد أعلنوا عن فتح جامع الزيتونة من جديد بغرض قطع الطريق على العلماء الّذين كانوا عازمين على فتحه فاسْتَبَقَتْهم السلطةُ إلى ذلك بغاية الإلتفاف عليه وسحب البساط من تحت أقدام العلماء. كما كانت عمليّة الفتح إجراء دعائيّا سياسيّا لكسب الثقة والشرعيّة للتغطية على عمليّة الإستيلاء على الحكم.







فكان أن عمد حكام العهد الجديد على إظهار حسن النيّة وتلبية رغبة جامحة في قلوب التونسيّين جميعا ـ عدا العلمانيّين ـ لكسب التأييد الشعبي بتحقيق هذا المطلب العزيز في إعادة فتح جامع الزيتونة. ولكنّهم عندما أدركوا أنّ عمليّة الفتح تلك ستحيي من الزيتونة مواتها وتعيد إليها روحها ونشاطها فتنتعش علوم الدين وتخصب أرضه بعد محْل وتينع ثماره بعد قحْل فيوصل حبل الماضي بالحاضر بعد طول قطيعة وترجع تونس إلى حكم الشريعة. أدركت الحكومة خطر فتح الزيتونة على منهاجها اللاّديني لما رأت يوم افتتاحها من مشاهد الإستبشار في وجوه التونسيّين. فراغت إلى المكائد والدسائس لطعن الزيتونة من جديد الطعنة النجلاء؛ أجل! فقد عمدت السلطات ـ بما مردت عليه من الشرّ والكيد للدين وللزيتونة وعلمائها ـ عمدت إلى اقتراف أفعال خسيسة تُعَدُّ في نظر القانون من قبيل العمل الجنائي فاستولت على مقرّ الهيئة العلمية لجامع الزيتونة وحاصرت الجامع الأعظم بقوّلت البوليس مدججين بالسلاح والقنابل واعتقلت الطلاب وهدّدت العلماء.!!







ولعلّ البيان الذي أصدرته الهيئة العلميّة بجامع الزيتونة إثرعمليّة الإغتيال هذه التي نفذها حكام ما يسمّى العهد الجديد ‍ لجامع الزيتونة تميط اللّثام عن حقيقة وضع الجامع ومحنه الكثيرة الطّارف منها والتّالد وإليك البيان:







بسم اللّه الرحمن الرحيم







بيان حول التّمسك باستمرار التّعليم الأصليّ الزيتونيّ







( امتزجت الزّيتونة بتاريخ تونس، وحافظت على قيمها الإسلاميّة والعربيّة حتى أعطت طابعا قوميّا لتونس بتأثير إسلاميّ وعربيّ فامتدّ شعاعها العلميّ طوال القرون وتظافرت الدّول بتونس على الإلتفاف إلى هذا المعلم الثقافيّ العتيد عبر القرون فما مرت حقبة إلاّ وقد أخذ في الإزدهار رغم حالات الجزر والمدّ لكنّه لم يفقد قيمته ومهمّته..



وحين جاء الإستعمار الذي ابتلغ السيادة التّونسيّة بصورة جعلته ينوي أن تكون فرنسيّة لكنّه تعذرعليه ابتلاعها لأن تكون كما أراد، وشرق بجامع الزّيتونيّة فجعل محطّ نظره تضعيفه ليصبح أثرا بعد عين، ولكن الثقافة الزّيتونيّة أخذت في الإنتشار. وصعب على فرنسا القضاء عليه بل وقف رجاله وقفة الأبطال فاسترجع جامع الزّيتونة متابعة نهوضه حتى بلغ عدد طلبته أزيد من عشرة آلاف. 16



وجاء الإستقلال وعمّت البشرى بأنّ جامع الزّيتونة سيصبح عنوان التّعليم بتونس وأنّ التّعليم سيكون تعليما يحافظ على الأصالة الدّينيّة والعربيّة غير أن الأيّام طالعتنا في 15 رمضان 1376/28 أفريل 1956 بأن الزّيتونة تقلّصت وتقمّصت في عدد ضئيل لا يتجاوز 350 طالبا على أن تكون جامعة مختصّة بالتّعليم العالي وسمّيت الجامعة الزّيتونيّة وبه صارت ذات خمس كلّيات، وهي في هزال وحال لا تحسد عليها ومع ذلك لم تلفظ أنفاسها لما للزيتونة من أثر في نفوس التّونسيّين وغيرهم ولم يرض عنها المترصدون لزوالها فوقع السعي لأن تصبح كلّيّة بعد أن كانت جامعة وذلك في سنة 1380 هـ / 1961 مضمومة للجامعة التّونسيّة بمقتضى الأمر عدد 110.. في آخر أيّام الرئيس السّابق صارت معهدا تابعا لكلّية الآداب..



وعاد الأمل في جامع الزّيتونة للقيام بدوره كما كان في أيامه الزاهرة واستبشر الشعب التّونسيّ بأسره بإعادة الإعتبار إليه وذلك باستجابة سيادة الرئيس زين العابدين بن علي رئيس الجمهوريّة التّونسيّة للرغبة الشعبيّة التي طالما عبّر عنها الشعب في كثير من المواطن. وجاء في تصريح له تأكيدا لما أعلنه سابقا من الحفاظ على جامع الزّيتونة في ثوبه الثقافيّ في حفل إكرام المجلس الإسلاميّ الأعلى بقصرقرطاج في 1 ماي 1988:.



" وكانت الزّيتونة المنارة الهادية التي شعّ نورها شرقا وغربا فقصدها العلماء والطّلاب وتزودوا منها بما ينفع في الدّنيا والآخرة.



والمطلوب اليوم من العلماء والباحثين في شؤون الدّين السّير على هذا المنهج بعدما تهيأت الظروف الماديّة والأدبيّة المساعدة على ذلك بما تقرر من إعادة الإعتبار للدّين وشؤونه ومكانته في الدّولة والبلاد ولجامع الزّيتونة المعموروالجامعة الزّيتونيّة ومعاهدها" 17



انتعشت الآمال بهذه اللّفتة الرئاسيّة للزيتونة حيث وضحت أن إعادة الإعتبار شملت جامع الزّيتونة والجامعة الزّيتونيّة. فزال الحيف على الزّيتونة التي كادت تندثر بإضعافها فأصبحت مهزولة وحرم التّونسيّون من المكرع الصافي وكذلك غيرهم ممن اعتاد الإرتواء من هذا المنهل العذب، والمنهل العذب كثير الرواد.. ووراء إيصاد أبواب جامع الزّيتونة فيما سبق مقصد وهو إزالة العثرة في فرنسة البلاد التّونسيّة الرغبة الإستعماريّة التي أراد تحقيفها من أوصد أبوابه وأخلى رحابه كما جاء في تصريح لجريدة " لومند" في 20 مارس 1976، حين سئل الرئيس السّابق عن أهمّ منجزاته فأجاب أنها ثلاثة منها إلغاء التّعليم الزيتونيّ، وهو أعظم ما قدّم للدّولة الفرنسيّة..



أفاضت إعادة الإعتبار للزيتونية على نفوس التّونسيّين ما ملأ صدورهم غبطة وسرورا.. وابتدئ باستئناف التّعليم بجامع الزّيتونيّة يوم غرة رجب 1409، الموافق لـ 7 فيفري 1988 وانتظم بمناسبة العودة المباركة موكب حفل هرع إليه النّاس من كلّ صوب حتى غصّت بهم رحاب الجامع لأنّ استئناف الدّروس بالزّيتونة أمنية جاشت في الصدور وترقبها المجتمع التّونسيّ بفارغ الصبر..



وأشرف على هذا الحفل كاتب الدّولة للشؤون الدّينية السيد قاسم بوسنينة وألقى كلمة عبّر فيها بالخصوص عن الثناء والإرتياح البالغين لهذه البادرة المباركة الصادرة عن رئيس الجمهوريّة معززة ما له من إصلاحات وثني بكلمة الإمام الأول بجامع الزّيتونة..



وإنّ هذه اللّفتة لفتة ذات أبعاد وآثار في النّفوس لما للزيتونة من إكبار وتقدير، فهي الحصن الحصين للعربية والدّين..



ومنذ الإذن باستئناف الدّراسة انتظمت الدّروس فعاد للجامع عمرانه بحلقات العلم الزاخرة بالمعرفة والعلم الأصيل، فقد أبى إلاّ أن يعود إلى الإزدهار بعد الإقبار طوال ثلاثين سنة مرت على الشعب التّونسيّ أشد من سنيّ يوسف لأنّ سني العجاف من الثقافة الإسلاميّة أشد من عجاف سنيّ القحط من الإنبات.



وانضاف إلى الزّيتونة فرع الجامع اليوسفيّ للبنات كما جرى به العمل في سني الإزدهار قبل الإقبار، وكذلك امتدت فروعه في مدن الجمهورية .



وتولّت إدارةَ تسيير التّعليم هيئة علميّة متكونة من النّخبة العلماء يتراءسها فضيلة المغفور له الشيخ عمر العدّاسي الذي استأثر اللّه به في شهر رمضان سنة 1410، تغمده اللّه برحمته الواسعة وجازاه عن جهوده خير الجزاء، فإنه حرص أشدّ الحرص على إعلان الرغبة في إعادة الحياة للزيتونة..



واتّخذت الهيئة العلميّة مقرّا لها بمقصورة بالجامع التي كانت مقرّا للنّظارة العلميّة منذ سنة 1292 هـ أيّام تنظيم التّعليم الزيتونيّ بالتّرتيب الذي أشرف عليه الوزير المصلح خير الدّين..



وقد جهزته الحكومة بكلّ اللّوازم الإداريّة من مطبوعات وختم إداريّ الذي يحمل الكلمات التّالية: الوزارة الأولى/ كتابة الدّولة للشؤون الدّينيّة / الهيئة العلميّة بجامع الزّيتونة والهاتف، وفتح حساب جار..



واعترفت جميع المؤسسات الإجتماعيّة بالتّلاميذ المرسّمين بالتّعليم الزيتونيّ ممّا سمح لهم بالإشتراكات المدرسيّة للتّنقل على الحافلات وعلى السّكك الحديديّة..



واسترجعت الهيئة العلميّة مدرسة الجامع الجديد إحدى المدارس التّابعة لجامع الزّيتونيّة فخصّصت للمعوزين من الطّلبة بتوفير السّكن والمأكل مع إدخال إصلاحات عليها لتؤدّي مهمّتها على الوجه المطلوب..



انتظام التّعليم:



واستقر التّعليم برحاب الزّيتونة على الوجه الأكمل مثلما كان في عصره الزاهر فكانت النّتائج مرضية فانتهت السنة الدّراسيّة الأولى (88/1989) باختبارات النّقلة إلى السنة الثانية من المرحلة الأولى..



وسارت السّنة الثانية على استقامة ونشاط ودأب وانتظام، وانتهت هذه السنة الثانية باختبارات النّقلة إلى السنتين الثانية والثالثة، وكانت النّتائج مثلجة للصدور في أغلبها مما يبشر بانتعاش الثقافة الإسلاميّة المركزة على ما دونه السّلف الصّالح الذين أفنوا أعمارهم في الإستنباط والتّدوين مما هو اليوم في طريق الضياع..وهذا مافتح باب الإقبال علىالتّسجيل في الزّيتونة حفاظا على الإجازة لما وجدوه من عراقة تعليم في الزّيتونة التي نرجو لها الإيناع والإتساع..



موقف مستراب :



بدون أيّ سبب داع إلى الوقوف في وجه إعادة التّعليم الأصليّ فوجئت الهيئة العلميّة باقتحام مقرّ إدارتها المذكور بخلع أقفاله والإستيلاء عليه! وتجميد الحساب البنكيّ!! المأذون بفتحه ، صبيحة يوم الإثنين 29/7/1990 ويدلّ هذا الموقف المستراب إن دلّ على شيء أنه عود إلى إلغاء التّعليم الزيتونيّ كما وقع فجر الإستقلال للنيّة المبيتة كما تقدم..



ولما علمت الهيئة بالإقتحام على مقرها اتّصلت بالرئاسة التي أعادت الإعتبار!! للزيتونة وأبرقت لسيادة رئيس الجمهوريّة بتاريخ 1/8/1990 وأردفت البرقية بتقرير مفصّل لهذا الموقف المستراب المنبئ عن دخيلة في النّفوس تريد القضاء على الصحوة العلميّة بالزّيتونة بأبشع الطّرق التي لم يجر بها عرف ولاقانون ، وهي الإستيلاء والإغتصاب لمشروع قام على سوقه راغبة من سيادة الرئيس التّدخل الرئاسيّ !! لوقف هذا الإعتداء وإرجاع الأمر إلى نصابه.!!



وعلمت الهيئة عن طريق وسائل الإعلام أنه وقع تعيين هيئة غير الهيئة المباشرة!! على خلاف النّظم المتعارفة لتشرف على دروس ستلقى بجامع الزّيتونة تخصّ الوعظ والإرشاد!! لإلغاء ما شرع فيه منذ سنتين من تطبيق برامج التّعليم التي عطّلت منذ ثلاثين سنة، ذلك التّعطيل المؤسف وهو وصمة عار من ذلك العهد البغيض..



ولم تقف الهيئة العلميّة مكتوفة الأيدي، فشرعت في العمل الجادّ بمقتضى ما تتحمله من مسؤوليّة بعث التّعليم الزيتونيّ الأصليّ. فاستنكرت ما حدث بكلّ ما لديها من قوّة مشهّرة بالصّنيع الرّامي إلى الإعفاء على الثقافة الإسلاميّة، واللّغة العربيّة المناقض للرغبة الشعبيّة الإسلاميّة العربيّة وإلغاء ما نادى به سيادة رئيس الجمهوريّة بعدما تحقق على أيدي الهيئة العلميّة المخلصة لدينها ولسانها وقوميتها بما هو في مسيرة جادة عاملة على تدارك ما خلّفته سنو التّعطيل من أرزاء، وما نتج عنه من تسور على العلوم الإسلاميّة، ومحاربة للإسلام بأشكال شتّى تعمل للإندماج في وضعيّة أخرى منافية كلّ المنافاة للإسلام؛ الدّين الحنيف..



وتعلم الهيئة أن حصر دروس جامع الزّيتونة في بضع دروس بادّعاء أنها للوعظ والإرشاد أنّ دروس الوعظ والإرشاد حافظ عليها علماء الزّيتونة في الوقت العصيب سواء في جامع الزّيتونة أو في غيره من المساجد بالعاصمة أو غيرها..



وإنما المقصود بالتّعليم الذي قامت به الهيئة منذ سنتين هو تعليم مركّز على الأسس التي قامت عليها الجامعات الإسلامية مثل الأزهر بمصر والقرويّين بالمغرب وجامع الزّيتونة في عصوره المتطاولة رغم محاربة المستعمرين وأذنابهم ممن قام بإلغاء التّعليم الزيتونيّ متذرّعين بتوحيد التّعليم. ولا حجّة لهم في ذلك، فإنّ العالم يقوم على تنويع التّعليم إلى تعليم متوسّع الدّائرة، وتعليم يقام على العلوم الدّينيّة حفاظا عليها، لتبقى الأمّة متمسّكة بدينها، وهو قوام أمرها وإصلاح حالها، وإنقاذ لها من التّفكك والإنسياق في التّيه؛ مرض الأمم الوبيل المفضي إلى الموت الزؤام، إلى غير ذلك مما يتطلبه الإختصاص..



وتقف الهيئة العلميّة وقفة رجل واحد ومن معها لأجل أن تحافظ تونس البلد العريق المسلم في السّراء والضرّاء على إسلامها غير المشوب بما ينافيه، ولأن تحافظ على لسانها العربيّ الذي لا ترضى بغيره بديلا.



وما على الذين يريدون أن يطمسوا الحقيقة ويحاولوا تحويل الوجهة إلى أخرى غير صحيحة إلاّ أن يعلموا أن العلماء متمسّكون بما عاد للزيتونة المباركة التي حافظت وستحافظ على مهمّتها، ثابتة الخطوات في السير القويم على الصراط المستقيم، ولا ترضى بتبديل صبغته التي فطر النّاس عليها، وهي الإسلام الصحيح في أصوله ومبادئه إلى أن يرث اللّه الأرض ومن عليها وهو خير الوارثين..










رد مع اقتباس
قديم 2013-12-20, 20:41   رقم المشاركة : 13
معلومات العضو
adziri
عضو محترف
 
إحصائية العضو










Thumbs down

تاسفت كثيرا لما حدث في تلك الفترة
لما هو ملون بالاحمر
حرم جامعي اسلامي الاول في العالم باسره يحوله خونة ومجرمين الى وكر لسباحة والحفات العرات اكرمكم الله
ويستضفون فيه مغنيات وحفلات
خاصهم يزيدوا يحولوا مهرجان الفسوق والفجرو على الهواء الطلق في مهلكة ال سلول
مهرجان الجنادرية ويضعونه في ساحة جامعة الزيتونة









رد مع اقتباس
قديم 2013-12-20, 20:51   رقم المشاركة : 14
معلومات العضو
adziri
عضو محترف
 
إحصائية العضو










افتراضي

من مميزات الزّيتونة

:

لا يغني عن التّعليم المشار إليه في السّنتين الماضيتين بإشراف الهيئة التي أخذت على عاتقها إعادة الزّيتونة لسالف عهدها وماضي مجدها، لا يغني عنه غيره لأنه تعليم يعتمد التّركيز على أصول تربويّة متينة تحفظ للدين أسسه من منابعه الثرّة لتخرج فحول العلماء مثل الذين سبقوا فأصبحوا هداة ومنارات. فأحاطوا الدّين في كلّ ما جاء به على صورته المحجة البيضاء التي ترك النّاسَ عليها النّبيُ صلى اللّه عليه وسلّم، وبذلك حافظت تونس في الأيام الحالكة على قوميّتها مما جعلها لا تتنازل عن شيء من مقوماتها كما حدث أيام التّجنيس وغير ذلك مما أراده الإستعمار..



ثم إن التّعليم بجامع الزّيتونة الآن هو تعليم شامل، وتعليم الجامعة الزّيتونيّة تعليم جامعيّ. ثم إن الجامعة لا تحتضن إلاّ من أنهى تعليمه الثانوي بينما جامع الزّيتونة؛ الجامعة الحرّة يحتضن كلّ من أراد أن يتثقف كما جاء (أطلب العلم من المهد إلى الّلحد) ثم إنّ بعض المنتسبين للتعليم بالزّيتونة هم الآن في حال ضياع، وباحتضانها لهم تـثـقــفهم وتنير عقولهم فيخرجون من الظلمات إلى النّور. ثم إنها تحيد بهم من مهاوي انحدار الأخلاق إلى مكارمها، ومع ذلك لو بقوا بغير ثقافة لا رجاء لهم في شقّ طريقهم إلى الحياة، وطرقها كثيرة وأشرفها المهن الحرة، بذلك يدخلونها وهم مسلّحون بثقافة عالية تحفظهم ممّا يضر بهم. ولا يقف حجرعثرة في وجه التّعليم بجامع الزّيتونة سؤال: "ما هو مستقبلهم" ؟! وهو سؤال وارد على كلّ تعليم حيث يزيد عدد المتعلّمين على الوظائف. وهذا قصور في النّظرة إلى الحياة. فإنّ سبل العيش الحرة غير محدودة، وخير وأحسن أن يكون المتعلّقون بالعمل الحرّ من ذوي الدّين لنجاح أعمالهم لثفة النّاس فيهم، والأعظم من كلّ ذلك أنّ بعد السعادة الدّنيويّة السّعادة الأخرويّة، وتلك السّعادة القصوى..



تساؤلات:

تدور حول استئناف الدّروس تساؤلات منها من أين الإطارات؟! والحمد للّه أنّ الإطارات متوفرة. فحين أعلن عن إعادة الدّروس التفّ حول الهيئة العلميّة الكثير من الأساتذة الزيتونيّين وحتى غيرهم. فقاموا بواجبهم تطوعا مدفوعين بالحماس لأن تعود الزّيتونة إلى سالف عهدها النّضير. والبعض منهم يمدّ سير التّعليم بالمال لبعض الضروريّات حسب الإمكان، فهم كما بذلوا علمهم لازدهار التّعليم الإسلاميّ الذي زخرت به الزّيتونة، بذلوا مالهم حتى تصبح معلما من معالم الدّين الإسلاميّ كما كانت في عالمنا الماضي والحاضر، وتعفية لما جاءت به تلك الضربة. وحتى البعض الذين أمدتهم الهيئة العلميّة لم يكن أجرا عن التّعليم وإنما هو عبارة عن مقابل للمصاريف التي يتكبدها البعض وثقلت عليهم. والهيئة العلميّة لم تطلب من أيّ كان مساهمات في مصاريفها وإنما لو تبرع عليها الخيّرون بما لهم لا تأخذه إلا بعد تطبيق القانون على جمع التّبرعات. وقد فتحت الهيئة العلميّة بالإتفاق مع كتابة الدّولة للشؤون الدّينيّة حسابا بنكيّا. فهي لم تتجاوز القانون في كلّ خطواتها.



ولمّا كانت عودة التّعليم في رحاب جامع الزّيتونة أمنية لا تجول في نفوس التّونسيّين فحسب، بل هي أمنية العالم الإسلاميّ كلّه، دعا ذلك إخواننا في الكويت إلى دفع مساهمة أولى لإعانة ضعفاء الطّلبة وقد أعلمت كتابة الدّولة للشؤون الدّينيّة بذلك حسب تقرير مفصّل وصادقت عليه..



ولو علم المناوئون للتعليم الأصليّ المشروع فيه من قبل الهيئة العلميّة ما يكنّه المسلمون في شتّى البقاع لما أقدموا عليه من محاربة في مراوغة لا يرضى عنها راض من قانون وعرف وأخلاق فهذه الكويت على بعد الدّارمسافة ـ ِلأُخوّةٍ ـ سارعت إلى هذه المساهمة تلقائيّا.. وقد عبّر عن موقف الجزائر بعض السفراء التّونسيّين بالجزائر وأحد الوزراء السابقين بقوله: أية خسارة لحقت تونس بإلغاء التّعليم الزيتونيّ المتين المحافظ على الأصالة العلميّة بتونس؛ لمارأى من تطلع في شقيقتنا الجزائر إلى عودة التّعليم الزيتونيّ، ولا نكران أنّ الجامعة الزّيتونيّة لها إشعاع ملحوظ، ولكن لكلّ وجهة..



ولو علم المحاربون لإعادة التّعليم الزيتونيّ في رحاب جامع الزّيتونة أنّ الإعادة هي إقامة ركن من أركان الثقافة الإسلاميّة الأصليّة كالقرويّين بالمغرب والأزهر بمصر. فهذه المعاهد الثلاثة كانت منارات تشعّ على العالم الإسلاميّ حتى في سنيّ التّقهقر..



فهدم ركن من الأركان الثلاثة يحسّ به العالم الإسلاميّ ويراه بمثابة انحدار في إقامة اللّغة الفرنسيّة مقام العربيّة، وذلك ما نم عنه في محاربة للتعريب، وجعل اللغة الفرنسيّة أساس التّعليم في البلاد كما حدث في السبعين من هذا القرن الميلاديّ وما سبقه من إلغاء التّعليم من صنف ( أ ) ثم من صنف(ب) وبذلك ساد التّعليم من صنف ( ج ) ولسنا ندري ما هو مآل الإسلام والعربيّة في تونس العريقة فيهما؟!



ألا يخجلون، ألا يحسّون بوخز الضمير وخاصّة من الذين أنبتتهم الزّيتونة؟! وإنما تنكّروا لها وقضوا في ليلة من ليالي المؤامرة على ما أراده سيادة رئيس الجمهوريّة من إعادة الإعتبار لجامع الزّيتونة !! ـ الرغبة التّونسية ـ ونادى به كما تقدم، وإنّ ما أقدموا عليه من عمل سيحاسبهم عليه التّاريخ في الأمد القريب فضلا عن البعيد!!..

والهيئة العلميّة تستعدّ لافتتاح السنة الدّراسيّة الجديدة حسب البرنامج الأصليّ للتعليم بجامع الزّيتونة يوم الأحد الثامن عشر من ربيع الأول الموافق لـ 7/10/ 90. وتشكّلت لجنة تساند الهيئة العلميّة للدفاع عن هذه القضيّة غيرة على مهمة جامع الزّيتونة في ثقافته العريقة..



ثم إن وقفة الهيئة العلميّة ليست لها غاية إلاّ الحفاظ على الكنز الثمين، التّعليم الزيتونيّ الأصيل، ممّا لا غنى عنه حتى تصل مهمته إلى الأجيال المتعاقبة فلا ينقطع هذا الحبل الوثيق الذي يعتصم به النّاس في دينهم ولغتهم. فهم باذلون في سبيل ذلك الرخيص والغالي حتى لا تتلاعب به الأهواء مما لا يرضاه اللّه تعالى ورسوله صلى اللّه عليه وسلم. ونسأله سبحانه وتعالى أن يكون عونا لنا على المحافظة على الصّراط المستقيم وهو الهادي إلى سواء السبيل) .إهـ



بالأمس القريب امتدت يد بورقيبة الغادرة بخنجرها المسموم لتغتال جامع الزيتونة . فعطّل رسالته العلميّة وسام علماءه خطّتي خسف من تشريد وتنكيل وإهانة .‍‍ يقول باحث اجتماعيّ في بحث له بعنوان " الدّين والدّولة في تونس" محلّلا علاقة بورقيبة بالدّين :" ...إنّه لايتردّد في معاداة العلماء وهياكل الإفتاء والأحباس فحين يقبل الخطاب السياسيّ أن يحاور الدّين ـ وهو حوارمتناقض متردّد ـ فإنّه لا يقبل أن يتعامل إلاّمع الجانب اللّيّن المطواع فيه ، متنكرا له كلّ التّنكّرإذا ما حصل أيّ اصطدام أو اختلاف . وعلى خلاف الخطب السّياسّية العربية؛ فإنّ بورقيبة يسمّي العائلات الدّينيّة بأسمائها ويجاهر بعدائها فيذكر خصوصا بن عاشور وجعيّط ثمّ بن مراد، ويحرص حرصا شديدا على أن يشرك الشّعب في عدائها" 18



كان العهد البورقيبيّ عهد الأيّام النحسالت على الزيتونة وعلمائها، بل وعلى الدّين الإسلاميّ وشرائعه وشعائره عامّة. فيه ألغي التعليم الزيتونيّ، وفُصل العلماء من وظائفهم، وأودع بعضهم السّجون مثل الشيخ عبد الرحمن خليف إمام جامع عقبة بن نافع بالقيروان، كما نُزّل بعض منهم بالمارستان وهم أسوياء حتّى يبتلوا بجنون. أما الشيخ عبّاس والشيخ الزغواني وغيرهم فعزلوا في بيوتهم حتّى ماتوا كمدا رحمهم اللّه. لم يجد باقي المشايخ حيال هذا الوضع العصيب الذي آل إليه أمرهم بدّا من الهجرة، فهاجر الشيخ المرحوم محّمد الصّالح النّيفر إلى الجزائر. وانتقل الشيخ المرحوم عمر العدّاسي إلى ليبيا. وفي هذا الصّدد تقول جريدة الأيّام التونسيّة في نعي الشيخ العداسي: الشيخ عمر العدّاسي رئيس هيئة علماء الزيتونة في ذمّة اللّه ـ :" ولمّا تعطّلت الدّروس في جامع الزيتونة انتقل إلى التّدريس في الجامعة الإسلاميّة بالبيضاء بالجماهريّة العربيّة اللّيبية صحبة ثلّة من مشايخ الزيتونة والأزهر منهم الشيخ مختار البجاوي والشيخ الهادي حمّو والشيخ محمد أبو زهرة والشيخ محمد الزرقاء ويوسف القرضاوي وذلك طيلة12 سنة" 19



صحا جامع الزيتونة بعد ثلاثة عقود من أثر تلك الطّعنة البورقيبيّة الغادرة. ودبّت في أوصاله الحياة من جديد، فكان يوم إعادة افتتاح التعليم فيه يوما مشهودا. هبّ التونسيّون نساء ورجالا، شيبا وشبابا من كلّ فجّ عميق ليكرعوا من حياضه ويتفيّئوا الظلال في رياضه فينهلوا من معينه معارف الوحي والعلوم الأصيلة. وغمرت النّاسَ يومها فرحة عارمة لكون الزيتونة لم تمت، فكان عموم التونسيّين ـ ماخلا العلمانيّين والمراكسة ـ في يوم عرس بهيج. ولكنّ الفرحة لم تدم فما لبثت يد الغدرمن حكّام العهد الجديد أن امتدّت ـ للمرّة الثالثة ـ لاغتيال الزيتونة ـ كما رأينا آنفا ـ !! فحقّ لنا أن نتمثّل بقول شوقي رحمه اللّه في رثاء الخلافة وهو رثاء ينطبق على حال الزيتونة إذ يقول:



عادت أغاني العرس رجع نواح ونُعيتِ بين معــالم الأفــراح

كُفّنتِ في ليل الزفاف بثوبـــــــه ودفنتِ عند تبلّــج الإصبـاح

شُيّعْتِ من هلع بعَـبْـرة ضاحــك في كلّ ناحية وسكرة صـاح

ضجّتْ عليــــــــكِ مآذن ومنابر وبكت عليك ممالك ونــــواح

يا للــرّجـال لحـرّة مـــــــوءودة قـُـتـلت بغير جريرة وجُـنـاح

هتكوا بأيديهــم ملاءة فخرهـــم مُوشيّة بمواهب الفتّـــــــــــاح

بكت الصلاة وتلك فتنة عابث بالشرع عربيد القضاء وقــاح



تلك هي قصّة الزيتونة بماضيها وحاضرها، بحلوها ومرّها. طعنها بالأمس الإسبان ـ أعداء الملّة ـ واستباحوا حماها وسعوا في خرابها واغتيالها فداسوا بسنابك خيلهم كتبها وعلومها. ولكنّ اللّه سلّم؛ فلم تكن طعنتهم تلك قاتلة فاستعادت الزيتونة عافيتها، واستأنفت تؤتي أكلها كلّ حين بإذن ربّها. حتّى جاء الإسبان الجدد ـ هذه المرّة ـ من أبناء البلد بزعامة بورقيبة ليسدّدوا للزيتونة طعنة نجلاء؛ تحقيقا لأغراض المستعمر الهوجاء !! فكانت هذه أشدّ مضاضة من سالفتها. حتّى ظنّ النّاس أنّها ألحقت بالزيتونة الموت الزؤام.



ولكن الزيتونة بعد ثلاثين عاما انتفضت حيّة من جديد فكان إسبان عهد التّغيير العتيد في هذه المرّة الثالثة لها بالمرصاد؛ فعلوا بها أفاعيل العصابات وطعنوها بخائن الطعنات. فما أجدت هيئةَ العلماء النّداآتُ، ولا أغنتهم بالرّئيس الإستغاثاتُ. بل لقد أرسل سيادته قوّات البوليس مكلّبين فطوّقوا الجامع واعتقلوا الطلاّب وأحالوهم على المحاكم!! وأمّا العلماء فأخضعتهم السّلطات بالتّهديد والوعيد وأمرتهم بلزوم بيوتهم وإلاّ فالسّجن مثواهم. فانقلبوا إلى بيوتهم والحسرة تأكل قلوبهم والأسى يعتصر أفئدتهم حزانى على الزيتونة الموءودة حزن الثـكالى!! وهكذا أسدل السّتارعلى الزيتونة بعد وأدها للمرّة الثالثة‍‍‍‍‍ حيث كانت عمليّة الوأد الأولى على يد الإسبان وكانت الثانية على يد بورقيبة وهذه الثالثة على يد بن علي حامي حمى الدين!! وهكذا يرى سيادته إعادة الإعتبار للدين وللزيتونة !!

أضحت يبابا مقفرا لا ضحكة تعلو ولا شدو يرنّ سعيدا.



وهذه صحيفة الصدى التونسيّة لم تتورع عن وصم العلماء بوصمة الهزيمة أمام السّلطة فنشرت المقال التالي بعنوان (شيوخ الزّيتونة يرفعون الرّاية البيضاء)!! تقول: وأخيرا أُسدل الستارعن قضيّة شغلت جزءا من الرّأي العام بحكم أهميّتها من ناحية وارتباطها بمسألة حسّاسة من جهة أخرى : دروس دينيّة وجامع الزّيتونة وتاريخ قديم وأحداث معاصرة تداخلت كلّها لتفرزإشكالا تمحور حول رؤى مختلفة وهو كيف نعيد الإعتبار لجامع الزّيتونة ؟!هذا المعلم الدّينيّ الذي برزلفترة طويلة، شُدّت الرّحال إليه من الشرق والغرب الإسلاميّ لطلب العلم ولظروف متعددة ومتشعّبة إبّان الإستقلال اكتفى الجامع بدوره المتمثل في أداء الصلاة وحلقات القراءة والذكر!! وبعد التّحول كانت الفكرة بإعادة الروح العلميّة لهذا المعلم. وكانت البداية تتطور شيئا فشيئا إلى أن اختلفت الرؤى حول طبيعة الدّروس وغايتها؛ مشائخ رأت العودة إلى سالف العصر!. والسلطة رأت مواكبة العصر!! وكثر الأخذ والردّ. وقد كانت الصدى متابعة لذلك بعرضها لمختلف وجهات النّظر والتي انتهت في النّهاية بتراجع الشيوخ؛ وذلك لا يعني أنهم قد عدلوا عن فكرتهم فهم لا زالوا مقتنعين بها وكما جاء على لسان أحدهم لقد سجّلنا ذلك للتاريخ الذي سيشهد بأنا قمنا بدورنا لمحاولة إعادة مجد هذا المعلم الكبير. لكن وقع إقصاؤنا كما وقع في زمن مضى إبّان الإستقلال. لكن سعة صدر البعض منهم جعلتهم يلتحقون للتدريس في شكله الحالي المرتكزعلى شعبية هذه الدّروس التّلقائية والتي لا تخلوا من تنظيم مسبق تلك هي الغاية الأساسيّة التي طرحت عند فكرة الإحياء. اهـ



وهكذا أسدل السّتارعلى الزيتونة بعد وأدها من جديد؛ وهكذا تأبى حيّة العلمانيّة الرقطاء بسمّها الزعاف ألاّ أن تنهش تونس في سويداء القلب لتغتال منها الزيتونة؛ رمزمجدها ومبعث نهضتها وموئل أمنها ومصدر هويّتها ونسبها، لتبقى رهينة استلحاق حضاريّ وثقافيّ وتبعيّة علميّة ذليلة للأعداء تقتات من مزابل الغرب وقماماته !! أما موائده فهيهات أن تطعم منها!! ألم يقل ربّ العزّة (ما يودّ الذين كفروا من أهل الكتاب ولا المشركين أن ينزّل عليكم من خير من ربّكم) البقرة 105. فأنّى لنا نيل خيرمن أيديهم وهم يحسدوننا على ما آتانا اللّه من فضله( أم يحسدون الناس على ما آتاهم اللّه من فضله ) النساء 54.



إنّ إغلاق جامع الزيتونة وإلغاء التعليم به أفظع جريمة ارتكبها حكام تونس في حق الإسلام والأمّة الإسلاميّة كلّها بل وفي حقّ الحضارة الإنسانيّة !! فمن أين لها بعد اليوم بابن خلدون جديد وابن عرفه والأبّي والبرزلي وابن عاشور وأبي القاسم الشابي والخضر حسين والثعالبي؟!!

فما أشقى البشريّة بحكّام طمسوا معلما عظيما لتخريج أمثال هؤلاء العباقرة

(ألم تر إلى الذين بدّلوا نعمة اللّه كفرا وأحلّوا قومهم دار البوار) إبراهيم28.



إنّ فاجعة إلغاء الزيتونة لا يقلّ عن فاجعة إلغاء الخلافة الإسلاميّة ؛ فهذه خلافة حكم وتلك خلافة علم وكلتاهما قوام وجود الأمّة ومصدرعزّها وقوّتها وضمان استقامة نهجها ومنعة حماها وسلامة كيانها.

فهل يجرؤ حاكم عاقل في بريطانيا على إغلاق جامعة أكسفورد أو كامبريدج ؟! أو آخر في فرنسا على إقفال جامعة الصوربون؟! أوثالث في ألمانية على إلغاء جامعة هايدلبيرغ أوحاكم في أمريكا على إلغاء جامعة هارفارد؟!

إنهم يرون جامعاتهم تلك ـ لعراقتها ـ مآثر تاريخيّة لشعوبهم، ومفاخرعلميّة لدولهم وأجيالهم هي مبعث ازدهائهم واعتزازهم. أمّا (العباقرة) من حكّام تونس فيرون في الزيتونة ـ لعراقنها ـ معرّة على تونس وتمدّنها وتحديثها!! فحسب الزيتونة شرفا!! مانالها من اعتبارمن حكّام العهد الجديد أن أضحى الجامع ـ بعد أن كان بالأمس قبلة العلماء ـ أضحى اليوم قبلة السّواح الأجانب العراة اتّخذوه مسرحا ومقيلا :

أمّا الديار فإنّها كــديارهم ولكنّ رجال الحيّ غير رجاله



وإذا مررت بالجامع ألفيته بائسا كئيبا كالثّاكل حزينا؛ كالهيكل المتهدّم المهجور ولسان حاله يقول:

مدارس آيات خلت من تلاوة ومهبط وحي مقفر العرصات!!



فما أشبه اللّيلة بالبارحة !! وما أشبه صنيع من طعن الزيتونة اليوم وسعى لها في الخراب، متوعدا علماءها بالعذاب ، ما أشبهه بسنابك خيل الإسبان التي داست بالأمس على الزيتونة وكتبها، فلم تميّز بينها وبين التراب.!!

ــــــــــــــــــــــــــ

1ـ أنظر كتاب تونس وجامع الزيتونة للشيخ المرحوم محمّد الخضر حسين التونسي ـ جمع وتحقيق علي الرضا التونسي.

2ـ أنظر الحلل السّندسيّة في الأخبار التّونسيّة المجلّد الثاني ص214 (طبعة دار الغرب الإسلامي).

3 ـ أنظر كتاب الشيخ الفاضل بن عاشور بعنوان الحركة الأدبيّة والفكريّة في تونس ط 3 ـ ص31.

4 ـ الحركة الوطنيّة التونسيّة الطاهر عبد اللّه ط 1 ـ 2 ـ ص19 ـ 20 .

5 ـ أنظر كتاب ورقات ص32ـ ج ـ1 .

6ـ كتاب تاريخ جامع الزيتونة لمحمد الحشائشي.

7 ـ أنظر كتاب الشيخ الفاضل بن عاشور بعنوان الحركة الأدبيّة والفكريّة في تونس ط 3 ـ ص31

8 ـ الحركة الوطنيّة التونسيّة . للطاهر عبد اللّه ط 1 ـ2ـ

9 ـ فصول في التاريخ والحضارة. لحمّادي الساحلي ط دار الغرب الإسلامي ص 290.

10 ـ فصول في التاريخ والحضارة لحمّادي الساحلي طدار الغرب الإسلامي ص 99.

11 ـ الحركة الوطنيّة التونسيّة للطاهر عبد اللّه.

12ـ أنظر كتاب التطرف الديني في تونس لأنس الشابي" ص199 ـ 200 .

13 ـ أنظر فصل صراع الهويّة في تونس من هذا الكتاب.

14ـ مجلّة المجتمع في عددها 1063 الصادر يوم الثلاثاء 7 ربيع الأوّل 1414 هج ـ24 أوت 1993 ص 15 .

15 ـ مجلّة حقائق التونسية بعددها 379 .

16 ـ والحقيقة أنّ هذا الرقم متواضع بالقياس للعدد الحقيقي لطلاب الجامع في أوج ازدهاره ففي يوم إغلاق جامع الزيتونة كان عدد الطلاب27 ألفا موزعين على كامل البلاد. وكان له فرعان بالقطر الجزائري الشقيق أحدهما بقسنطينة وآخر بالجزائر العاصمة (أنظر أطروحة الدكتورمحمود عبد المولى " جامع الزيتونة".)

17 ـ مجلة الهداية عدد 5 جوان جويلية.

18ـ الأستاذ منصف ونّاس في بحث له بعنوان " الدّين والدّولة في تونس.

19 ـ أنظر جريدة الأيام التونسية في عددها الصّادر يوم الخميس 19ـ 4ـ 1990، ص 15.










رد مع اقتباس
قديم 2013-12-20, 20:56   رقم المشاركة : 15
معلومات العضو
adziri
عضو محترف
 
إحصائية العضو










افتراضي

............................................









رد مع اقتباس
إضافة رد

الكلمات الدلالية (Tags)
الزيتونة, العالم, اسلامية, اقدم, جامعة, زوجة, قاطبة


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

الساعة الآن 19:23

المشاركات المنشورة تعبر عن وجهة نظر صاحبها فقط، ولا تُعبّر بأي شكل من الأشكال عن وجهة نظر إدارة المنتدى
المنتدى غير مسؤول عن أي إتفاق تجاري بين الأعضاء... فعلى الجميع تحمّل المسؤولية


2006-2024 © www.djelfa.info جميع الحقوق محفوظة - الجلفة إنفو (خ. ب. س)

Powered by vBulletin .Copyright آ© 2018 vBulletin Solutions, Inc