مقالة الشعور و اللاشعور
مقدمة : يمتلك الانسان القدرة على التكيف مع عالمه الخارجي وهو يسعى باستمرار التعرف على عالمه الداخلي (الحياة النفسية) مستخدما في ذلك قدرته على الوعي غير ان موقع الوعي (الشعور) ودوره في الحياة النفسية عرف تناقضا في الاراء بين القائلين ان الحياة النفسية حياة واعية والقائلين بعكس ذلك مجعين الحياة النفسية لمبدا الاشعور وفي ظل هذا الجو المشحون بالدهشة والحيرة والاحراج يحق لنا طرح المشكلة التالية :
هل ياترى الحياة النفسية خاضعة لمبدا الوعي 'الشعور' ام لسلطة اللاوعي ' اللشعور' "؟
التحليل : محاولة حل المشكلة
عرض الاطروحة الاولى: ينطلق دعاة النظرية التقليدة بزعامة ديكارت سارتر ستيكال من قضية منطوقها ان الحياة النفسية تخضع لمبدا اساسي ووحيد وهو الشعور المسؤول عن حياتنا النفسية والموجه لسلوكنا وهم ينطلقون من المسلمة القائلة بوجود علاقة تطابق 'مساواة' وتلازم بين الوعي والحياة النفسية وهذا مااكد عليه ديكارت صراحة بقوله 'الحياة النفسية والوعي متطابقان' وهو يرى ان حقيقة الانسان تتجلى في ثنائية النفس 'الحياة الفيزيولوجية' و الروح 'الحياة النفسية' وهذه الاخيرة وجودها متوفق على نشاط الوعي فانا افكر اذن انا موجود وحجته في ذلك ان النفس لا يتلاشى وجودها الا اذا توقفت عن الوعي والتفكير ومن انصار هذه الاطروحة ايضا نجد الفيلسوف سارتر زعيم المدرسة الوجودية والذي قال 'السلوك يجري في مجرى الشعور' واعتبر اللاشعور خرافة ميتافيزيقية ورفضه للاشعور نابع من دفاعه عن الحرية وحرية الانسان تقتضي انه يتمتع بالموعي في كل حالاته ومن العلماء الذين دافعو عن الشعور في مقابل رفضهم للاشعور الطبيب ستكال الذي اعلنها صراحة بقوله ' لا اؤومن للاشعور ' وكل هذه الشواهد تؤكد في نظر انصار هذه الاطروحة ان الشعور هو مبدا وحيد للحياة النفسية
نقد : ظاهريا تبدو هذه الاطروحة للوهلة الاولى مقنعة ومنسجمة في مسلماتها وحججها ولكن في الباطن لو تعمقنا فيها نجدها لا تسلم من النقد فمن حيث الشكل نقول
اما ان تكون الحياة النفسية شعورية او لاشعورية
لكن الحياة النفسية ليست شعورية
اذن الحياة النفسية لاشعورية
ومن حيث المضمون نرد عليه ان هناك سلوكات كالاحلام والهفواة لا نعي حقيقتها
عرض الاطروحة الثانية: انطلق دعاة نظرية للاشعور بزعامة سيغمونت فرايد ادلار كارل يونغ من قضية معاكسة فهم يرون ان المبدا الذي يراقب الحياة النفسية ويوجهها ويسيطر عليها هو مبدا اللاشعور وهو جانب خفي وعميق من الحياة النفسية يعمل في الخفاء ويشتمل على الرغبات والغرائز المكبوتة وهذا مااكد عليه فرايد بقولة 'فرضية اللاشعور فرضية لازمة ومشروعة ولنا ادلة تثبت وجوده' وامراض الباثولوجية توكد وجود اللاشعور ومن اهمها الهستيريا "فقد روى في مذكراته ان امراة رات في المنام انها تدخل الى متجر كبير وتشتري قبعة سوداء غالية الثمن وبعد جلسات التحليل النفسي توصل فرايد الى وجدود رغبات تعمل في الخفاء انها رغبة التخلص من زوجها الشيخ الطاعن في السن الفقير البخيل" ومن انصلر هذه الاطروحة نجد ادلار الذي ارجع اللاشعور الى ظاهرة سايكولوجية تعرف الشعور بالنقص والذي يرتبط بمرحلة الطفولة 'الطفل اب الرجل' وكل هذه الشواهد مجتمعة لتؤكد ان اللاشعور هو اساس الحياة النفسية
نقد: هذه الاطروحة ايضا لا تسلم من النقد فمن حيث الشكل نقول
اما ان تكون الحياة النفسية شعورية او لاشعورية
لكن الحياة النفسية ليست لاشعورية
اذن الحياة النفسية شعورية
ومن حيث المضمون نرد عليهم انه لا يجب ان نحول فكرة اللاشعور الى مبرر للاخفاق وكما يقال سيكولوجية اللاشعور سيكولوجية الانسان العاجز
التركيب : الفصل في المشكلة
اذا كان من السهل القول ان الشعور هو معرفة الذات لذاتها واذا كان من الواضح ان اللاشعور هو ذلك الجانب الخفي في الحياة النفسية والذي يضم الرغبات والغرائز المكبوتة فانه من الصعب تحديد اساس الحياة النفسية وهذه مشكلة للفصل فيها نقول كموقف شخصي ان الحياة النفسية مركبة من الشعور و اللاشعور كعاملين متفاعلين ومتكاملين ذلك ان الانسان كائن معقد التركيب وكلاهما ضروري قالشعور اداة للمعرفة وللتكيف وللتوازن واللاشعور ضروري كطاقة يمكن توجيهها للابداع
الخاتمة : حل المشكلة
خلاصة القول وكمخرج عام نقول ان مشكلة اساس الحياة النفسية تندرج ضمن مجال ادراك العالم الخارجي وترتبط بمحور الشعور واللاشعور وقد اتضح لنا في هذه المقالة ان النظرية التقليدة تدافع عن الوعي وشعارها الحياة النفسية والشعور متطابقان وعلى النقيض من ذلك نظرية اللاشعور رجحت كفة اللاوعي فالحياة النفسية عندهم مثل جبل الجليد الخفي اكبر من الظاهر وكحل للمشكلة نقول الحياة النفسية تقوم على ثنائية الشعور واللاشعور في ان واحد