قرات هذا الخبر في جريدة الشروق و اردت نقله هنا لندعو له ما دمنا عاجزين عن مساعدته بطرق اخرى

وقفنا كثيرا حاملين القلم بأناملنا للحظات، ولم نستطع أن نخط حرفا واحدا لكتابة هذا التقرير، كون الحالة هذه المرة يصعب وصفها بالكلمات، فقد تجمدت الأفكار بعقولنا، وأصبحت رائحة الجثث كل ما نشمه، كما أننا لا نرى كلما فتحنا مقلتينا سوى ذلك المشهد المرعب لـ جثة شاب في مقتبل العمر نصفه الأعلى حي ونصفه الثاني أضحى جثة متعفنة ... رائحة كريهة تنبعث من الجناح رقم 3 بمستشفى محمد مداحي ببلدية فرجيوة غرب ميلة.
المأساة التي سنسردها عليكم تتعلق بالشاب توفيق حمدوني المعروف باسم مراد بين سكان منطقته، يبلغ من العمر 32 سنة، كان يعمل بناء في العاصمة "زوفري"، جسده النحيل يوحي بأن عمره نصف قرن يقطن بقلب بلدية مينار زارزة أقصى شمال ولاية ميلة، وجدناه ممددا على جنبه الأيسر بغرفة تقع في آخر جناح المستشفى، لكن ما لفت انتباهنا هو تلك الرائحة الكريهة التي عمت الجناح، في البداية كنا نظن أنها بقايا نفايات أو شيء من هذا القبيل، اقتربنا من الشاب توفيق وشرعنا في تجاذب أطراف الحديث معه رفقة رئيس جمعية الوفاء للتضامن الوطني السيد زدام نوار الذي دلنا على هذه الحالة، وهو الآن يتكفل بمأكله ومشربه ورعايته رفقة فريق من الجمعية، الكل يضع مناديل على أنوفهم أو قطعة قماش لشدة الرائحة المنبعثة من جسد توفيق الذي كان مغطى ببطانية، عندما رفعناها لنعاين حالته كدنا نسقط من هول ما شاهدناه بعدما نهش المرض الغريب دبره وجهازه التناسلي ـ عافاكم الله ـ وحتى الحوض كله تنبعث منه رائحة العفن، ويخرج من لحمه الذي يتساقط قطعا قطعا الدود، بعد أن أصبح نصف جسده السفلي عبارة عن جثة هامدة، وقد بدأت في التحلل، يعلوها جسد نحيل لشبه إنسان على قيد الحياة .
يقول توفيق، وهو يتألم مع كل حرف يخرج من شفتيه "أنا على هذه الحالة منذ 4 أشهر، وقد أصبت بالمرض منذ قرابة العام، بدأ على شكل حبة تحت الدبر على شكل ـ لباسر ـ ذهبت إلى مستشفى الرويبة لإجراء عملية جراحية، حينها قام طبيب جراح باستئصالها بواسطة مشرط، ومن ثم بدأت المعاناة، عدت إلى المنزل وتدهورت حالتي، كنت أمشي بواسطة العكازات ثم انهارت قواي والتزمت الفراش، بعدها أخذني أخي الأكبر إلى مستشفى الدويرة بالعاصمة، مكثت فيه أكثر من شهر، وكانت حالتي تزداد سوءا وبدأت الرائحة الكريهة في الانتشار بسرعة عندها طردوني من المستشفى، وعاد بي أخي إلى منزلي، وقال لي بالحرف الواحد حالتك ميؤوس منها، ثم تركني مرمي بإحدى غرف بيتي المتهاوي، الذي أقطنه لوحدي الآن، فأمي توفيت منذ أعوام وتزوج والدي بأخرى، عشت الأمرين، معاناة مع المرض والألم، وما حز في نفسي أنه لم يأت لزيارتي أحد من عائلتي التي تضم أربعة إخوة من زوجة الأب وشقيقاي... كان الصراخ والعويل هو ما أستطيع فعله عندها سمع بحالتي الكثير من الجيران الذين أخطروا مصالح الحماية المدنية التي تكفلت بنقلي إلى المستشفى، منذ شهرين وأنا هنا على هذه الحالة، أصبحت معاقا لا يمكنني حتى التقلب على الجانب الأيمن، أريد علاجا لحالتي يا من لا يزال في قلبه درة إيمان، أعينوا أخاكم المسلم .. الأطباء هنا عجزوا عن تشخيص حالتي، وكل واحد يتهرب من تقديم ولو العلاج البسيط، وذلك بسبب الرائحة النتنة، أصبحت أحس بأنني عفن في هذه الحياة أنقذوني ..أرجو أن يسارعوا لإجراء عملية جراحية لنزع اللحم المتعفن وعلاجي من هذا المرض.
مع هذه الكلمات الأخيرة انهار توفيق واستسلم للبكاء والنواح، متسائلا بدموع حارقة كيف في بلد يتغنى بشعار " مازالنا واقفين" مع خمسينية الاستقلال وأبناء الوطن يحتضرون بل يموتون ويتعفنون أحياء قبل وضعهم في القبر ..؟، السؤال البريء لهذا الشاب موجه لوزير الصحة ووزير التضامن الوطني ووالي الولاية، وكل مسؤول في هذا الوطن، فأين أنتم من عمر بن الخطاب الذي قال .. "لو عثرت بغلة في العراق لخفت أن يسألني الله عنها يوم القيامة".