الخروج على الحاكم، فمذهب أهل السنة والجماعة أنه لا يجوز الخروج على الحاكم إلا إذا بدا منه كفر بواح، ففي الحديث الصحيح عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال: دعانا النبي صلى الله عليه وسلم، فبايعناه، فقال فيما أخذ علينا: أن بايعنا على السمع والطاعة في منشطنا ومكرهنا، وعسرنا ويُسرنا، وأثرة علينا، وأن لا ننازع الأمر أهله، إلا أن تروا كفراً بواحاً عندكم فيه برهان. رواه الشيخان.
ولا بد أن يثبت هذا الكفر عن طريق أهل العلم الذين يمتلكون الآلة الفقهية التي تمكنهم من إصدار مثل هذه الأحكام على الناس.
وليُعلم أن الحاكم إذا ارتد أو كان كافراً، فإن جواز الخروج عليه يدور مع المصلحة وجوداً وعدماً، فإذا ترتب على الخروج عليه مفسدة أعظم من المصلحة المرجوة من إزالته، ترك الناس الخروج عليه،
وذلك أن لجواز الخروج على الحاكم خمسة شروط :
1 وقوعه في الكفر البواح الذي عندنا من الله فيه برهان .
2. إقامة الحجة عليه .
3. القدرة على إزالته .
4. القدرة على تنصيب مسلم مكانه .
5. ألاّ يترتب على هذا الخروج مفسدة على المسلمين أعظم من مفسدة بقائه .
قال ابن تيمية رحمه الله : « فمن كان من المؤمنين بأرض هو فيها مستضعف , أو في وقت هو فيه مستضعف ؛ فليعمل بآية الصبر والصفح عمن يؤذي الله ورسوله من الذين أوتوا الكتاب والمشركين . وأما أهل القوة فإنما يعملون بآية قتال أئمة الكفر الذين يطعنون في الدين , وبآية قتال الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون » ( الصارم المسلول 2/413 ) .
وقال ابن باز رحمه الله : « إلا إذا رأى المسلمون كفراً بواحاً عندهم من الله فيه برهان فلا بأس أن يخرجوا على هذا السلطان لإزالته إذا كان عندهم قدرة , أما إذا لم يكن عندهم قدرة فلا يخرجوا . أو كان الخروج يسبب شراً أكثر : فليس لهم الخروج ؛ رعاية للمصالح العامة . والقاعدة الشرعية المجْمَع عليها أنه ( لا يجوز إزالة الشر بما هو أشر منه ) ؛ بل يجب درء الشر بما يزيله أو يخففه . أما درء الشر بشر أكثر فلا يجوز بإجماع المسلمين . فإذا كانت هذه الطائفة – التي تريد إزالة هذا السلطان الذي فعل كفراً
بواحاً – عندها قدرة تزيله بها وتضع إماماً صالحاً طيباً من دون أن يترتب على هذا فساد كبير على المسلمين وشر أعظم من شر هذا السلطان : فلا بأس , أما إذا كان الخروج يترتب عليه فساد كبير واختلال الأمن وظلم الناس واغتيال من لا يستحقّ الاغتيال إلى غير هذا من الفساد العظيم فهذا لا يجوز » ( الفتاوى 8/203 ) .
وقال ابن عثيمين رحمه الله عن الخروج على الحاكم الكافر : « إن كنا قادرين على إزالته فحينئذ نخرج , وإذا كنا غير قادرين فلا نخرج ؛ لأن جميع الواجبات الشرعية مشروطة بالقدرة والاستطاعة . ثم إذا خرجنا فقد يترتب على خروجنا مفسدة أكبر وأعظم مما
لو بقي هذا الرجل على ما هو عليه . لأننا [ لو ] خرجنا ثم ظهرت العزة له ؛ صرنا أذلة أكثر وتمادى في طغيانه وكفره أكثر » ( الباب المفتوح 3/126 ، لقاء 51 ، سؤال 1222 ) .
* وعليه : فما قرره أهل العلم مِن الكفر الأكبر ، ووقع فيه الحاكم ؛ فإنه لا يلزم منه جواز الخروج عليه ولو أقيمت عليه الحجة ، بل لا بد من النظر في الشروط الأخرى المبيحة للخروج .