![]() |
|
قسم الكتب و المتون العلمية و شروحها .. يعنى بجميع المتون من نظم و قصائد و نثر و كذا الكتب و شروحاتها في جميع الفنون على منهج أهل السنة و الجماعة .. |
في حال وجود أي مواضيع أو ردود
مُخالفة من قبل الأعضاء، يُرجى الإبلاغ عنها فورًا باستخدام أيقونة
( تقرير عن مشاركة سيئة )، و الموجودة أسفل كل مشاركة .
آخر المواضيع |
|
الرد المفحم على من اعتدى على صحيح الإمام مسلم
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
![]() |
رقم المشاركة : 1 | ||||
|
![]() تم تصدير هذا الكتاب آليا بواسطة المكتبة الشاملة
(اضغط هنا للانتقال إلى صفحة المكتبة الشاملة على الإنترنت) الكتاب : الرد المفحم على من اعتدى على صحيح الإمام مسلم للشيخ ربيع بن هادي بن عمير المدخلي بسم الله الرحمن الرحيم مقدمة : الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن اتبع هداه أما بعد : فأقدم إلى مُحِبِّي سُنَّة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الصَّادقين في حُبِّهم باطناً وظاهراً وعلماً وعملاً هذه الرسالة التي كانت أول مناقشة لحمزة المليباري وكانت في حدود عام 1407هـ من هجرة المصطفى - صلى الله عليه وسلم - ,وكان فيها مزدجراً كافياً لهذا الرَّجل عن التَّمادي في الباطل وحافزاً له على الرجوع إلى الله والتوبة إليه مما ارتكبه في حق صحيح الإمام مسلم الذي يعتزُّ به كل مسلم يعلم منزلة سنَّة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - . ولقد سلك هذا الرَّجل منهجاً وأسلوباً وتطبيقاً لا يعرفه أهل الحديث والسنَّة وعلماء النَّقد والجرح والتعديل . وأوَّل بحث عرفتُ من خلاله حمزة المليباري سبع ورقاتٍ من كتابٍ كان يقوم بدراسةِ قسمٍ منه وتحقيقِه أَلاَ وهو كتاب " غاية المقصد في زوائد مسند الإمام أحمد" للحافظ الهيثمي الذي قدَّمه لنيل الشهادة العالمية ( الدكتوراة ). ولا أدري كيف تعامل في دراسته هذه مع الأحاديث النبوية التي كانت ضمن نطاق تحقيقه ودراسته ،تلكم الرسالة التي أخفاها من حوالي ثمانية عشر عاماً إلى يومنا هذا كما أخفى رسالته العالمية ( الماجستير ) التي قدَّمها لجامعة الأزهر والظاهر أنَّه لا يستطيع إظهارهما لما فيهما من الآفات والبلايا ! لقد قفز هذا الرجل قفزة عجيبة من عمله الأساسي إلى صحيح مسلم . فماذا فعل المليباري في هذه القفزة العجيبة -وهي طوره الأوَّل- ؟ لقد نسف باباً بكامله من صحيح الإمام مسلم يتضمن عشر طرق من أقوى طرق الحديث وأصحها . وضع منهجاً خطيراً لصحيح الإمام مسلم انطلق منه إلى تدمير ذلك (1/1) الباب الذي ذكرته ,وليس هذا المنهج الخطير خاصاً بذلك الباب وإنما هو منهجٌ لصحيح مسلم كلِّه وكان هذا الباب هو تجربته الأولى لهذه القنبلة المدمِّرة ومثَّل بباب آخر يُشبِهُ هذا الباب في ترتيبه وكثرة طرقه ولا يزال مُعتزًّا بهذا المنهج يدعو إليه ويُدافِع عنه بكل ما يستطيع من الأكاذيب والألاعيب . وإليكم هذا المنهج وتطبيقه العملي : قال المليباري في أوراقه السَّبع(1) التي وصلت إليَّ : (( وقد رواه الإمام مسلم في صحيحه من حديث نافع عن ابن عمر بدون الزيادة ،كما أشار إليه الهيثمي من طرقٍ كلِّها منتقدة من قِبَلِ أئمة هذا الشأن ،كالإمام البخاري والدارقطني ،والنسائي(2) . أما الإمام مسلم ،فلا يتَّجه إليه هذا الطعن لإدخالها في الصحيح ؛وذلك لأنه لم يُخرجها في الأصول ،ولا في المتابعة ،وإنما أوردها في الصحيح للتنبيه على عللها وذلك ظاهر لوجوه : - أولاً : قال الإمام مسلم ـ رحمه الله ـ في مقدمة صحيحه ( 1/59 ) : " وسنزيد إن شاء الله تعالى شرحًا وإيضاحًا في مواضع من الكتاب عند ذكر الأخبار المعللة ،إذا أتينا عليها في الأماكن التي يليق بها الشرح والإيضاح إن شاء الله تعالى ". - وثانيًا : أنه أورد طريق الليث عن نافع عن إبراهيم بن عبد الله بن معبد عن ابن عباس عن ميمونة ،ولم يُورد طريق الليث التي لم يذكر فيها ابن عباس والأول لا يصح ،والثاني محفوظ ،ولو كان مسلم يريد المتابعة لكان أولى أن يورد الثانية ،لأنها سليمة ولا نزاع في صحته [ كذا ] ولم يفعل . - وثالثًا : أنه أورد طريق عبد الرزاق عن معمر عن أيوب عن نافع عن ابن عمر بعد أن أورد الطرق المنتقدة قبل الأخير . __________ (1) : وهو أوَّل هجوم له على صحيح الإمام مسلم . (2) : هذا كلام عام يفهم منه أن أئمة الشأن كلهم قد انتقدوا كل هذه الطرق وهو كلام مزيف فهناك أئمة كثر خالفوا هؤلاء الأئمة الثلاثة . (1/2) ولو أراد المتابعة ،لأتبعه طريق عبد الرزاق عن معمر عن الزهري عن ابن المسيب عن أبي هريرة ،ليفيد أن الزهري قد تابعه أيوب ،ولكنه لم يفعل . وسيأتي مزيد من الإيضاح عن هذه الطرق . ولما أن الإمام مسلمًا -رحمه الله- أخرج هذا الحديث من وجوه صحيحة واتفق عليها الإمام البخاري في صحيحه(1) (كذا) ولم يقصد بإخراج هذه الطرق المعللة والمنتقدة المتابعة ،لم يتجه إليه الطعن إن شاء الله تعالى . وهذا هو الذي ظهر لي من التوجيه لسلامة الإمام مسلم من الطعن . والله أعلم )) اهـ . فقلت معلقًا : انتهى ما قاله حمزة المليباري ,معتقدًا أن الإمام مسلمًا-رحمه الله-لم يورد حديث ابن عمر : 1 - من طريق الأئمة الحفاظ : يحيى القطان ،وابن نمير ،وأبي أسامة وعبد الوهاب بن عبد المجيد الثقفي ،كلهم عن الإمام الثبت عبيد الله بن عمر العمري عن نافع عن ابن عمر مرفوعًا . 2 - ومن طريق الإمام الثبت الورع يحيى بن زكريا بن أبي زائدة ،عن الثقة موسى الجهني عن نافع عن ابن عمر مرفوعًا . 3 - ومن طريق عبد الرزاق عن معمر عن أيوب عن نافع عن ابن عمر . 4 - ومن طريق الليث بن سعد الإمام عن نافع عن إبراهيم بن عبد الله بن معبد عن ابن عباس عن ميمونة مرفوعًا . لم يُورد مسلم هذه الطرق التي هي في القمة من الصحة، ومعظمها من الطبقة الأولى من شرطه؛ إلا ليوضح ويُبيِّن ويشرح عللها ! __________ (1) : ومع تصريحه هذا بأنَّ الإمامين البخاري ومسلماً قد اتفقا على إخراج هذا الحديث فقد كرَّ عليه مرَّة أخرى مع غيره من الشواهد فحكم عليها كلّها بأنَّها منتقدة معللة وسيأتي بيان هذه الشواهد وغيرها مع الحكم عليها . (1/3) فهذا هو منهجه الأوَّل وتطبيقه على بعض أحاديث هذا الباب ,ثمَّ لم يشفِ هذا العمل غليله لأنَّ له مرمًى بعيداً فوثب وثبةً قويَّةً وجريئةً لسحقِ بقيَّة طرق أحاديث هذا الباب وشواهدها من خارج صحيح مسلم التي أحجم عنها في بداية تنفيذ خطَّته فأجهز وقضى عليها قضاءً مُبرماً ثمَّ أعلن حكمه عليها بكلِّ جُرأةٍ قائلاً : ( وهذا هو الذي ترجَّح لي في هذا الموضوع ,وليس فيه استحالة صحة رواية عبيد الله ,بل يحتمل صحته(كذا) ,لكن هذا الاحتمال ضعيف لا يقال به في مقابل الراجح المؤيَّد بالأسباب ,ثم فضيلة الشيخ ذكر شواهد للحديث ولا يحتاج إليها. مع أنَّ الشواهد كلَّها منتقدة أيضا .وقد بيَّنتُها في تعليقة الحديث السابقة والله أعلم ". وهذه الشواهد بعضها في الصحيحين وبعضها خارج الصحيحين فلم يعبأ بها كلها . لينتبه القارئ الكريم إلى تشبث هذا الرجل بهذا المنهج الباطل الخطير ألا وهو ما يدَّعيه من أن مسلماً يقوم ببيان العلل من خلال ترتيب أحاديث الباب بحيث يقدِّم الصحيح ويُؤخِّر ما فيه علَّة ولو كان المؤخَّر قد تعدَّدت طرقه وبلغ أعلى درجات الصحَّة . ويؤكد هذا الهدم مرَّات في بحثه الأصلي-مرتين- وفيما وصل إليَّ من أوراق قبل أن أطَّلع على شيء من ذلك . (1/4) ويريد الله الذي تعهد بحفظ دينه أن يفضحه ويكشف ما بيَّته هذا الرجل لسنة نبيه - صلى الله عليه وسلم - فيرسل أوراقاً إليَّ كانت هي القشة التي قصمت ظهر البعير فما كان منِّي إلا أن قُمتُ بدراسة هذه الأوراق فوجدتُها تحمل المنايا والبلايا من تأصيل خطير وتطبيق مهلك وتلاعب وخيانات في البحث فتلطفتُ به أثناء المناقشة في الغالب وقد شدَّدتُ عليه حينما أرى هول ما يرتكبه في حق سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم أرسلتُ إليه هذه المناقشة التي تضمَّنت نقداً بيَّن كل ما في خبايا هذه الأوراق ,وتضمنت نصائح للمليباري أن يرجع عن خطه الخطير ومنهجه وتطبيقه المدمرين لعلَّه يتذكر أو يخشى فيتوب إلى الله مما بيَّته وجنته يداه فأبى واستكبر وشمَّر عن ساعد الجد في الرد عليَّ بالكذب والمناورات والمغالطات والتطبيق الباطل لقواعد أهل الحديث والتباكي ليُرِيَ الناسَ أنه مظلوم ! فكتب بحثاً مطولاً جداً يستغرق اثنتين وتسعين صحيفة من القطع الكبير تحوي كل صحيفة ما لا يقل عن ثلاثة وثلاثين سطراً ملأها بالهراء الباطل وبما ذكرت سلفاً ,مؤكداً في هذا البحث منهجه الباطل مع شيء من التحوير لكنه خائف هذه المرَّة من التطبيق العملي الذي قام به أولاً في الظلام . - طوره الثاني : كان هذا الطور شرحًا ودفاعًا عن الطور الأول، مع شيء مهم من التحوير . (1/5) فقد ساق كلام الإمام مسلم في بيان طبقات الرواة، وعمن سيروي من أهل هذه الطبقات، ثم قال : (( وهذا يفيد أن ترتيبه للأحاديث قائم على منهج علمي، وهو مراعاته ذلك الترتيب في إيراد الأحاديث في كتابه الصحيح، فإذا ذكر طريق حديث من طرقه في أول الباب، فمعناه أنه أسلم من العيوب وأنقى عنده، ويجمع تارة طرقه في أول الباب لكونها على مستوى واحد في سلامة(1) العيوب، ثم إذا أتبعها بطرق أخرى لذلك الحديث، وقد تكون هي طرقًا مستقلة عن الصحابي الذي قدم حديثه من طرق أخرى غير هذه، فمعناه أنها ليست في مستوى تلك الطرق لكون راويها من أهل القسم الثاني، أو لسبب آخر. وعلى هذا فإذا قدم ما هو مستحق أن يؤخره، وإذا أخر ما هو مستحق أن يقدمه فمعناه أنه أدرك فيه شيئًا جعله يتصرف كذلك )) (2). وهذا الشيء الذي أدركه فجعله يتصرف ما هو إلاّ العلّة القادحة في مذهب المليباري، كما سيأتي . ثم قال بعد كلامه السابق : (( ومع ذلك وله تصرف علمي آخر في صحيحه، وهو بيان العلّة في بعض المواضع منه(3) ،وذلك بعد أن خرج الحديث من طريق صحيح في الأصول، وإن كان لذلك الحديث علّة من بعض طرقه(3) ، فيبيِّن العلّة إذا كان المكان مناسبًا للبيان(3) ، وذلك بذكر طرقه المعللة خارج الأصول، ومقصود الكتاب وموضوعه، وهذا البيان ليس بمقصود أصلي صنف وجمع لأجله الكتاب الصحيح، بل إنما هو لغرض استطرادي(3) )) . فمن الجديد في هذا الطور وهو الثاني : أن مسلمًا يخرج الطرق المعللة خارج الأصول لأمر استطرادي(4) . أما في الطور الأول فإن مسلمًا يخرجها خارج الأصول والمتابعات . __________ (1) : هكذا في سلامة العيوب . (2) : كتابه الذي لم يسم : ( ص 2 ) . (3) : ومثل هذه الاحترازات ما جاءت إلاَّ في هذا الطور !! (4) : كيف يستطرد من التزم عدم تكرار الصحيح، والاستطراد يكون بطرق فيها علل ومنتقدة، وكيف يسوق طرقاً فيها جبال الحفظ استطراداً لبيان العلّة ؟ . (1/6) فانظر كم الفرق بين الطورين ؟! ومما جَدَّ في الطور الثاني : أن مسلمًا إذا قدم ما هو مستحق أن يؤخره، وإذا أخر ما هو مستحق أن يقدمه فمعناه أنه أدرك فيه شيئًا جعله يتصرف . والشيء هذا الذي جعله يتصرف أمر خطير فما هو ؟ . إن دندنة المليباري حول العلل تجعلنا نفسره بالعلة، ويؤكد ما أقوله كلامه الآتي : - قال المليباري ( ص : 13 ) : (( قلت : لما وعد الإمام مسلم في المقدمة أن يضع طرق الحديث في موضعها، وقد وضعها في موضعها فعلاً، فإذا رأينا المخالفة في الترتيب في الظاهر فينبغي لنا أن نعرف أن مسلمًا قد أدرك شيئًا دفعه إلى ذلك، وهذا هو الذي وقع هنا في رواية أيوب، وأنه كان من العادة أن يقدم رواية معمر عن أيوب عن أهل القسم الثاني، وعلى هذا إذا ذكرها عقب رواية عبد الرزاق عن معمر عن الزهري فيفيد أن معمرًا عنده الوجهان، لهذا كما أفاد هنا بذكر رواية الزبيدي عن الزهري عن أبي سلمة عقب رواية معمر عن الزهري عن سعيد أن الزهري، يرويه من الوجهين . ومثل هذا في بعض مواضع من صحيح مسلم . انظر مثلاً حديث الأعمش ( 17/144) من صحيح مسلم مع شرح النووي. - أقول : 1 ـ افهم قوله : (( فإذا رأينا المخالفة في الترتيب في الظاهر فينبغي أن نعرف أن مسلمًا قد أدرك شيئًا دفعه إلى ذلك، وهذا الذي وقع هنا في رواية أيوب وأنه كان في العادة أن يقدم رواية معمر عن أيوب عن أهل القسم الثاني )) . افهم أنه يضع قاعدة خطيرة تقتضي أنَّ كل ما خالف فيه مسلم عادته بتأخير ما كان يقدمه فإن فيه علّة، وضرب لذلك مثلاً برواية معمر عن أيوب المعللة المنتقدة مع أنه قد أعلّ طرقًا أقوى من طريق أيوب بهذه القاعدة، وذكر تطبيقًا لهذه القاعدة أن هذا التصرف موجود في بعض مواضع من صحيح مسلم، ومنها حديث الأعمش في ( 17/144 ) . (1/7) ولم يعلل حديث الأعمش هذا أحد من أئمة النقد، ولم يذكر المليباري أحدًا أعله، وليس له علّة عند المليباري إلا أن مسلمًا وضعه في آخر الباب(1) !! . ألا ترى أنه يفتري على الإمام مسلم أنه يبين العلل من خلال هذا الترتيب بتأخير ما عرف من عادته أنه كان يقدمه ... إلخ . كيف يكون بيان العلّة عند مسلم في صحيحه في نظر المليباري وبماذا يكون هذا البيان ؟ . قال المليباري : (( وبيان العلّة في صحيح مسلم ليس على طريقة كتب العلّة، بأن يقول أثناء الكلام : واختلف على فلان أو خالفه فلان مثلاً، كما هو معروف في كتب العلل لابن أبي حاتم والدارقطني، وغيرهما، بل يكون البيان بذكر وجوه الاختلاف من غير أن يتعرض لقوله : خالفه فلان أو اختلف على فلان مثلاً، وإذا سمعه الحافظ يفهم بأنه اختلاف واضطراب، وإذا سمعه أمثالنا فيعده تعدد الطرق، ومثل هذا البيان كثيرًا ما تجده في التاريخ الكبير، إلا في الموضعين منه، وقال فيهما : وخالفه ( 4/292 )،( 5/40 )، هكذا وجدته فيه فيما تتبعته في ثمانية مجلداته . والله أعلم(2) )) . - أقول : انظر أخي كي يدندن هذا الرجل حول بيان مسلم للعلل ووجوه الاختلاف والاضطراب لا بالكلام ولا على طريقة المحدثين . وهكذا يفتري على مسلم ـ رحمه الله ـ الذي ألَّف كتابه إجابة لطالب علم وصرح بالتزام الصحة في كتابه الصحيح وصرح بأنه ألفه لعوام المسلمين لا يفهم رموزه التي خالف فيها عادة المحدثين، والتي لا يفهمها إلا الحفاظ من أمثال المليباري !! . __________ (1) : قد قمت بدراسة لحديث الأعمش وطرقه في كتابي : (( منهج الإمام مسلم في ترتيب صحيحه )) : ( ص:127-129) إذ للحديث ثلاث طرق رجالها من الدرجة الأولى، ثم عقبه بحديث لأنس وآخر لابن عباس متفق عليهما، لكنها جميعاً على منهج المليباري معللة، ساقها مسلم لبيان عللها، والدليل على ذلك عند المليباري تأخيرها . (2) : كتابه الذي لم يسمه !(ص : 3) . (1/8) أما كثير من أهل الحديث، وكثير من طلاب العلم مثل : ربيع فيعدونه تعدد الطرق، أي : يعدونه صحيحًا، وهو معلل لا يدركه إلا أمثال الفيلسوف المليباري علامة الأحاجي ! . ثم يغطي هذا الدمار بالمبالغة في مدح الإمام مسلم وبوصفه بالعبقرية وو...الخ . وقد دمغت أباطيله دمغاً بالحجج والبراهين في كتابي : " منهج الإمام مسلم " وأبطلت ترهاته فلم يستطع أن يواجه ذلك إلا بالتباكي والتظلم الكاذب والتمويهات وسلوك طرق أهل الباطل مبتعداً عن طرق أهل العلم والصدق والإنصاف ثم بعد ذلك درس في كتب المصطلح فوجدهم يذكرون من أنواع هذا العلم المشهور والعالي والمسلسل الأمور التي ما كان يعرفها ولا يذكرها في بحثيه السالفين ,فتعلق بها وجعلها في " توضيحه " و "عبقريته " من عبقريات مسلم التي تفرد بها عن سائر أئمة الحديث في ترتيب صحيحه وأصبح من أكابر العباقرة في مدح صحيح مسلم ومن أكابر المكتشفين لمميزات صحيح مسلم التي لم يكتشفها أحد من أئمة العلم والحديث من مؤلفي شروط الكتب الستة ومن شرَّاح صحيح مسلم ولا أشار إليها مسلم من قريب ولا من بعيد فلم يصلوا جميعاً إلى مستوى هذا الرجل العبقري الذي اكتشف هذه العلوم في القرن الخامس عشر الهجري والقرن العشرين الميلادي عصر الاكتشافات العلمية والإعجاز العلمي ! لكنَّه مع هذا لا زال متشبِّثاً بمنهجه الذي عرفته لأمورٍ وخفايا يعلمها الله تعالى . وأما طوره الثالث : فقد جاء فيه بما لم يسبقه إليه الأوائل (!) ,ولم يخطر على بال الإمام مسلم ولا غيره من أئمة الحديث وشرَّاح كتابه ولا أشار إليه الإمام مسلم ولا غيره (!). ومن هذه الاكتشافات أن الإمام مسلماً يرتِّبُ كتابه بناءً على أمورٍ منها : (1/9) الشهرة والعلوّ والتسلسل وأنه لا يورد في صحيحه حديثاً معلولاً إلا على سبيل الاحتياط أوالاستطراد أوالاستئناس أو التبع وبيان العلة أو الاستشهاد بجزئه الذي لم تُؤثر فيه العلَّة ... ومثل هذا الهذيان الذي لا يدري صاحبه ما يقول ويجهل بدهيات علم المصطلح ,ففي المرحلة الأولى ومنهجه الأول يدَّعي في أحاديث صحيحة أنَّها معلَّة وأن مسلماً ما أخرجها إلا خارج الأصول والمتابعات . وهنا يقول لا يورد حديثاً معلولاً إلا على سبيل الاحتياط,أو الاستثناء أو التبع ؟! أليست هذه هي المتابعات والشواهد ؟ وما هو الاحتياط ؟! وحاصل أعماله تلاعب بعقول الببغاوات ,أما العقلاء فيدركون هذا الجهل وهذه التمويهات . كتبه : ربيع بن هادي عمير المدخلي في السابع عشر من شهر جمادى أول لعام أربعمائة وستة وعشرين بعد الألف من الهجرة النبوية على صاحبها من رب العالمين أفضلُ الصلوات وأتمُّ التسليم . بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه . من ربيع بن هادي المدخلي إلى أخيه في الله الأستاذ / سيف الرَّحمن مصطفى -حفظه الله- السلام عليكم ورحمة الله وبركاته أمَّا بعد : فقد وصلني خطابكم الكريم وبرفقته أوراق من بحث حمزة بن عبد الله حمزة المليباري الطالب بقسم الدراسات العليا بجامعة أم القرى تضمنت دراسة لحديث ابن عمر-رضي الله عنهما- الذي رواه البزار فقال : ( حدثنا إسحاق بن يوسف ثنا عبد الملك عن عطاء عن ابن عمر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال ![]() __________ (1) : هكذا كان في خطابي للأستاذ سيف الرحمن-رحمه الله- ( لحديث لحديث ابن عمر-رضي الله عنهما- الذي رواه البزار فقال : ( حدثنا إسحاق بن يوسف ثنا عبد الملك عن عطاء عن ابن عمر به ) ثم انتقدني المليباري في ردِّه عليَّ (ص1) قائلاً : ( هذا خطأٌ لأنَّ الإمام البزَّار إنَّما رواه في مسنده من طريق أحمد بن عبدة ثنا حماد بن زيد عن حبيب المعلم عن عطاء بن أبي رباح عن ابن الزبير أنَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : الحديث . ثمَّ ادَّعى أنَّ البزَّار أعلَّه بالاختلاف ... ثم قال ![]() (1/10) فتلقيته بحفاوة وسرور بَالِغَيْن وقلت : رحم الله امرأً أهدى إليَّ عيوبي وبارك الله فيمن ينبهني على أخطائي. ثم شرعت في قراءة البحث المتعلق بالحديث وخصوصا مايتعلق منها بالملاحظات على ماكتبته في رسالتي ( بين الإمامين مسلم والدارقطني ) بتجرد ورغبة صادقة في الاستفادة من ملاحظات حمزة المليباري ويعلم الله ما تنطوي عليه نفسي من حُبٍّ للحقِّ وتقبُّلِه من أيِّ قائلٍ وناصحٍ . كما أنَّني أحبُّ وأُكرِمُ كُلَّ من يحمل هذه الرُّوح من إخواني المسلمين خصوصاً طُلاَّب العلم . وإنَّني أتمني من أعماق نفسي أن يتَّجه نوابغ هذه الأمَّة إلى دراسة السُنَّة وعلوم الحديث. كما كان واقع هذه الأمَّة إبَّان عِزِّها حين كانت الأُمَّة تَعرِفُ مكانة حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بخلاف عصرنا هذا (!) ؛فإنَّ كثيراً من الأذكياء والنوابغ يتجهون إلى دراسة العلوم العصرية ثم في النهاية يضيعون أو يرجع أكثرهم معاول لهدم الإسلام (!!) . سوء فهمه لمنهج الإمام مسلم … وإنَّني أشكر حمزة المليباري على ما قدَّمه من ملاحظات ,ولا يمنعني ذلك من إبداء ملاحظات على ما كتبه في دراسته لهذا الحديث وملاحظاتي تتعلَّق بناحيتين : 1- فهمه لمنهج الإمام مسلم وما بنَاهُ على هذا الفهم . 2- متابعة خطواته في البحث وقد يتبعهما بعض الملاحظات الجزئية . أمَّا فهمه لمنهج الإمام مسلم ,فقد قال في (ص2) من الأوراق السَّبع التي بحث فيها ما يتعلق بهذا الحديث ![]() أمَّا الإمام مسلم , فلا يتجه إليه هذا الطعن , لإدخالها في الصحيح وذلك لأنَّه لم يخرجها في الأصول,ولا في المتابعة وإنما أوردها في الصحيح للتنبيه على عللها ,وذلك ظاهر لوجوه : (1/11) أولاً : قال الإمام مسلم -رحمه الله- في مقدمة صحيحه(1 /59 ) : ( وسنزيد إن شاء الله تعالى شرحاً وإيضاحاً في مواضع من الكتاب عند ذكر الأخبار المعللة إذا أتينا عليها في الأماكن التي يليق بها الشرح والإيضاح إن شاء الله تعالى ) . - وثانيا : أنَّه أورد طريق الليث عن نافع عن إبراهيم بن عبد الله بن معبد عن ابن عباس عن ميمونة ولم يورد طريق الليث الذي لم يذكر فيها ابن عباس . والأول لا يصح , والثاني محفوظ , ولو كان مسلم يريد المتابعة لكان أولى أن يورد الثانية لأنها سليمة ولا نزاع في صحته (كذا) ولم يفعل. وثالثا : أنَّه أورد طريق عبد الرزاق عن معمر عن أيُّوب عن نافع عن ابن عمر بعد أن أورد الطرق المنتقدة قبل الأخير. ولو أراد المتابعة لأتبعه طريق عبد الرزاق عن معمر عن الزهري عن ابن المسيب عن أبي هريرة , ليفيد أن الزهري , قد تابعه أيُّوب , ولكنه لم يفعل وسيأتى مزيد من الإيضاح عن هذه الطرق. ولما أن الإمام مسلم (كذا) -رحمه الله- أخرج هذا الحديث من وجوه صحيحة واتفق عليها (كذا) الإمام البخاري في صحيحه , ولم يقصد بإخراج هذه الطرق المعللة والمنتقدة المتابعة ,لم يتجه إليه الطعن إن شاء الله تعالى. وهذا هو الذي ظهر لي من التوجيه لسلامة الإمام مسلم من الطعن والله أعلم) انتهى ما قاله المليباري معتقدا أنَّ الإمام مسلماً -رحمه الله- لم يورد حديث ابن عمر : من طريق الأئمَّة الحفاظ يحيى القطان وابن نمير وأبي أسامة وعبد الوهاب بن عبدالمجيد الثقفي كلهم عن الإمام الثبت عبيد الله بن عمر العمري عن نافع عن ابن عمر مرفوعاً. 2- ومن طريق الإمام الثبت الورع يحيى بن زكريا بن أبي زائدة عن الثقة موسى الجهني عن نافع عن ابن عمر مرفوعاً. 3- ومن طريق عبد الرزاق عن معمر عن أيُّوب عن نافع عن ابن عمر . 4- ومن طريق الليث بن سعد الإمام عن نافع عن إبراهيم بن عبد الله بن معبد عن ابن عباس عن ميمونة مرفوعاً. (1/12) ولم يوردها مسلم من هذه الطرق التي هي في القمة من الصحة. ومعظمها من الطبقة الأولى من شرطه إلاَّ ليوضح ويبين ويشرح عللها مستفيداً كل هذا من قول الإمام مسلم -رحمه الله- : " وسنزيد إن شاء الله تعالى هذا شرحا وإيضاحا في مواضع من الكتاب عند ذكر الأخبار المعللة إذا أتينا عليها ". ويرى الباحث أن هذا الجهد الذي بذله مسلم في اختيار أصح الطرق وأقواها إنما هو لشرح وإيضاح العلل في هذين الحديثين - غفر الله له وسامحه - . هذا الفهم الذي فهمه حمزة من قول مسلم السابق غير مسلم وغير واقع في هذا الكتاب العظيم وأبى الله عليه إلاَّ أن يتربع قمة كتب السنة وأن يكون صنو أصح الكتب بعد كتاب الله تعالى ألا وهو صحيح البخاري. ولو طبقنا عليه القاعدة المذكورة لجاء في مؤخرة كتب السنة بل لجاء في مصاف كتب العلل , ويأبى الله ذلك والمؤمنون وعلى رأسهم أئمَّة الحديث والسنة وجبال الحفظ والفهم والدراية الذين تلقوه بالقبول ومنهم من جعله في مستوى صحيح البخاري , ومنهم من يفضله عليه ومنهم من يرى أنَّه التالي للبخاري نظرا لتشدد البخاري في شرطه. يجب أن نفهم أن الإمام مسلماً قد التزم الصحة في كل مايورده في كتابه الصحيح وقد بذل كل جهد للوفاء بهذا الشرط. براهين كثيرة على إبطال منهج المليباري منها : موقف معاصري مسلم من صحيحه وتلقي الأمة له بالقبول والبراهين على هذا كثيرة في طليعتها تصريحاته بذلك نذكر منها : - أولاً : تسميته لهذا الكتاب بالجامع الصحيح لا الجامع المعلل. - ثانيا : روى مسلم حديث أبي موسى الأشعري -رضي الله عنه- في تعليم الناس الصلاة وذكر فيه زيادة : " وإذا قرأ فأنصتوا ". فاعترض عليه معترض في إيرادها في صحيحه لأن بعض الناس عللها فدار بينهما حوار انتهى فيه مسلم إلى القول : " ليس كل شيء عندي صحيح وضعته ههنا إنما وضعت ههنا ما أجمعوا عليه " صحيح مسلم ( 1/304 ) نهاية حديث رقم (63). (1/13) والزيادة المذكورة قد انتقدها الإمام يحيى بن معين والإمام البخاري ومن بعدهما أبو داود والدارقطني وابن خزيمة وأبو علي النيسابوري. ولكن الإمام مسلما مجتهد مستقل له رأيه فيها وقناعته بصحتها. لذا أوردها في صحيحه مع علمه بكلام من سبقه من الأئمَّة فيها ومع معارضة من عارضه فيها وعلى هذا الأساس أورد حديث ابن عمر وابن عباس مع علمه بمن انتقدهما. - ثالثا : قال الإمام مسلم -رحمه الله- ![]() ومعنى هذا أن الإمام مسلم انتهى به المطاف إلى أن يقدم صحيحه وهو يعتقد أنَّه خال نظيف من العلل هذا ما يعتقده وإن كان قد بقي عليه فيه ما يؤخذ عليه وهو نزر يسير لا يخلو من مثله أعمال البشر غير أن الذي نعتقد أن مسلماً لم يقصد أبدا إلى أحاديث يعلم أن فيها عللا فيوردها في صحيحه ثم يقوم بشرحها وتوضيحها. - رابعا : أن معاصريه من أئمَّة الحديث في عصره قد استقر في أذهانهم أن مسلما قد التزم الصحة في كل ما يورده في كتابه . وكانوا يُوَجِّهُون إليه اللَّومَ بناء على هذا الأساس : لِمَ رويتَ عن فلان وفلان ولِمَ ولِمَ ؟ فيُسلِّم لهم أنَّه التزم الصحة ويبدي لهم أعذاراً يقنعهم بسلامة وجهة نظره فيسكتون . ( صيانة صحيح مسلم من الإخلال والغلط ) (ص 97) . - خامساً : أنَّ الإمام مسلماً قد صرَّح في مقدمة كتابة (1/4) أنَّه لم يؤلف كتابه هذا لخاصة الناس ( أى للمختصين في علم الحديث ) وإنَّما قصد إلى جمع أحاديث صحيحة ليستفيد منها عوام الناس لأنَّه أدرك أن أمثال هؤلاء لا قدرة لهم على تمييز الصحيح من السقيم. (1/14) - سادساً : أن الأمة تلقته بالقبول لأنَّه صِنْوُ البخاري في الصحة لا لأنَّه وضع لشرح العلل وبيانها وإلاَّ لكان له شأن آخر وللأمة موقف آخر منه كأن يضعونه في كتب العلل ,وقد ألف الحازمي وابن طاهر في شروط الأئمَّة الخمسة والستة ومنها الصحيحان وأقرَّتهما الأُمَّة على ذلك. وعلى أساس التزام الصحة وجهت إليه وإلى صحيح البخاري بعض الانتقادات لأنهما أخلا بشرط الصحة في تلك الأحاديث المنتقدة في نظر من يوجه إليهما النقد , كالدارقطني وأبي مسعود الدمشقي وأبي علي الغساني ولو كان مسلم التزم القيام بشرح العلل وبيانها في كتابه لما وجدت شيئا من تلك الانتقادات. أمَّا تلك الجملة التي تعلق بها الباحث ,فليس لها أي أثر وليس لها أي تطبيق في صحيح مسلم باعتبارها عللا قادحة. فتحمل هذه الجملة على أحد أمرين : - الأول : أن يريد بها العلل غير القادحة ,وذلك أنَّ بعض المحدِّثين يُطلِقُ اسم العلَّة على ما ليس بقادح (1) . - والثاني : أن يكون أعرض عن تطبيق هذه الجملة , والأول أرجح في نظري ولا ثالث لهذين الاحتمالين إلاّ َالتزام بالصحة في كتابه وهو الواقع . __________ (1) : قال الإمام ابن الصلاح في المقدمة (ص84) : ( ثم اعلم أنَّهم يُطلقون اسم العلَّة على غير ما ذكرنا ...) قال الحافظ ابن حجر معلقاً في النكت(2/771) ![]() وقال الحافظ كذلك في النكت(1/235) ![]() (1/15) والدليل على ذلك كل ما قدمناه من أقواله ومواقف الناس في صحيحه وضمهم إيَّاه إلى صحيح البخاري. وأظن أن الباحث خدع بقول القاضي عياض -رحمه الله- بأن مسلماً قد التزم هذا الشرط ووفى به وهو شرح العلل وبيانها وإيضاحها ". وهو قول قد خدعت به وكنت معجباً به , ثم تبين لى أنَّه سراب وخيال ولا يستطيع القاضي عياض ولا غيره أن يأتي بحجة واضحة صريحة من صحيح مسلم على تطبيق هذا الشرط الذي زعمه عياض -رحمه الله- . بل القاضي عياض كثيراً ما يجاري الدارقطني في انتقاده لمسلم ويقوم بتأييده فيما يبدو له من علل , ومعنى هذا أن القاضي عياضا ينسى ما قرره من أن مسلما التزم بيان العلل وشرحها , ويقع فيما يعتقده أهل الحديث قاطبة متقدموهم ومتأخروهم أن مسلما التزم الصحة في كتابه - وهو الاعتقاد الصواب - ويشارك الدارقطني وغيره من المنتقدين في اعتقاد أن مسلما التزم الصحة لكنه أخلَّ بشرطه في نظرهم بإيراد هذه الأحاديث المعللة في صحيحه ولو كان القاضي عياض ثابتا على رأيه الذي لايؤيده الواقع لرأيناه يقول للمنتقدين :إن مثل هذه التتبعات والانتقادات في غير موضعها لأن مسلما التزم بيان العلل وشرحها وهذه بياناته وتوضيحاته وشروحه. ولعدم وجود هذه البيانات والشروح والإيضاحات للعلل القادحة المزعومة لا يسع عياضاً إلاَّ أن يُجاريَ من يعتقد أن مسلماً التزم الصحة في صحيحه لا غير انظر على سبيل المثال إكمال المعلم (1/ ق75 و1) وشرح النووي لصحيح مسلم (2/182) و(بين الإمامين مسلم والدارقطني) (ص 26) حيث جارَى الدارقطنيَّ وأباَ مسعود الدمشقي في نقدهما للإمام مسلم في حديث سعد بن أبي وقاص الذي يقول فيه : ( قسم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قسماً ,فقلت : يا رسول الله أعط فلانا فإنَّه مؤمن ... ) الحديث حيث رواه مسلم فقال : حدثنا ابن أبي عمر حدثنا سفيان عن الزهري عن عامر بن سعد عن أبيه مرفوعاً. (1/16) قال عياض-رحمه الله-: ( قال أبو مسعود الدمشقي هذا الحديث إنما يرويه سفيان بن عيينة عن معمر عن الزهري قال الحميدي وسعيد بن عبد الرحمن ومحمد بن الصباح الجرجرائي كلهم عن سفيان بن عيينة عن معمر عن الزهري بإسناده. وكذلك قال أبوالحسن في كتابه الاستدراكات ). هذا ما قاله القاضي عياض ونقله عن إمامين تصديا لنقد أحاديث من صحيح مسلم ومن صحيح البخاري معتقدين أنَّ البخاري ومسلماً التزماَ الصِّحَة في كتابيهما وقد أخلاَّ بهذا الالتزام في الأحاديث التي انتقداها ووافقهما القاضي عياض في هذا الالتزام والاستدراك. ردُّ شبهة القاضي عياض من تصرفاته ولو كانت تلك القاعدة التي يتعلق بها القاضي عياض أحياناً -بسبب بعض الشبه- راسخة في نفسه ووجد من تصرفات مسلم ما يدعمها لوقف معارضاً لهذين الإمامين يصول ويجول بتلك القاعدة ,ويقول لهما : إنَّ مسلماً ما خَرَجَ عن منهجه ولا أخلَّ بشرطه وإنَّما هو ماضٍ في منهج وضعه فلا يحق لكما الاعتراض والاستدراك عليه. وانظر - أيضا - شرح النووي ( 3/171) و( بين الإمامين )(ص85) حيث روى الإمام مسلم من طريق محمد بن عبد الله بن بزيع , حدثنا يزيد ( يعني ابن زريع ) حدثنا حُميد الطويل حدثنا بكر بن عبد الله المزني عن عروة بن المغيرة بن شعبة عن أبيه قال : ( تخلف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وتخلفت معه ) وذكر قصة وضوء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثم صلاة عبد الرحمن بن عوف إلى نهاية القصة قال الدارقطني : كذا قال ابن بزيع , وخالفه غيره عن يزيد فرواه عنه على الصواب عن حمزة عن المغيرة , فرواه حميد بن مسعدة وعمرو بن علي عن يزيد بن زريع على الصواب وكذلك قال ابن أبي عدي عن حميد ". فقال القاضي عياض : " حمزة بن المغيرة هو الصحيح عندهم في هذا الحديث (1/17) وإنما عروة بن المغيرة في الأحاديث الأخر ,وحمزة وعروة ابنان للمغيرة والحديث مروي عنهما جميعا , لكن رواية بكر بن عبد الله المزني إنما هي عن حمزة بن المغيرة , وعن ابن المغيرة غير مسمى , ولايقول بكر عن عروة فمن قال عروة عندهم فقد وهم ". هذا هو موقف عياض-رحمه الله- مؤيداً للدارقطني في نقده للإمام مسلم فلو كان مسلم قد ساق هذا الحديث - كما يرى القاضي عياض - لبيان علته ولشرح تلك العلة وتوضيحها لوقف إلى جانب مسلم يدافع عنه قائلا: (لاحقَّ لكم في انتقاده وإنَّه ماشٍ على منهجه الذي التزمه من الشرح والإيضاح للعلل. ومنها : موقفه من هذين الحديثين اللذين ذكرهما الدارقطني في التتبع حديث ابن عمر وميمونة اللذين يجري فيها النقاش الآن. ولايتسع المقام لمتابعة القاضي عياض , فإنَّ الأمثلة كثيرة والإشارة إلى بعضها تكفي طالب الحق. ولا أنكر أن القاضي عياضا قد يجد على ندرة شبهة فيتعلق بها وهي في حقيقتها شبهة أوهى من خيط العنكبوت. فلا ينبغي لطالب الحق إلاَّ الثبات على أقوال مسلم الصادعة بمنهجه وتطبيقه العملي لهذا المنهج ومواقف أئمَّة الحديث حتى المنتقدين منهم , فإنهم لا يختلفون في أن مسلما التزم الصحة. ولا يجوز الالتفات إلى رأي عياض , فإنَّ الواقع والبراهين تدفع ماذهب إليه. وأعتقد أن هذا التوضيح لمنهج مسلم كافٍ لإقناع الباحث بالرجوع عن هذا الفهم ,وعمَّا قرَّره عن حديثَيْ ابن عمر وميمونة. وكافٍ لإقناعه أنَّ الإمام مسلماً إنما أوردهما بتلك الطرق القويَّة التي اختارها إلاَّ احتجاجاً بهما معتقدا صحتهما. متابعة خطواته في البحث 1- قوله : " أمَّا الإمام مسلم فلا يتجه إليه الطعن لإدخالها في الصحيح وذلك لأنَّه لم يخرجها في الأصول ولا في المتابعة وإنما أوردها في الصحيح للتنبيه على عللها وذلك ظاهر لوجوه ". (1/18) - أقول : اِهتمَّ المليباري بالدفاع عن مسلم -رحمه الله- لإحساسه بمكانته وإن الإمام مسلما لكذلك وحريٌ بأن يُدافَع عنه ويُذبَّ عنه ولكن ينبغي أن يفهم أنَّه وغيره من أئمَّة الإسلام ما بلغوا هذه المكانة العالية عند الله -إن شاء الله -وعند المسلمين إلاَّ بتشرفهم بخدمة السنة والتمسك بها فهذه السنة ومنها هذان الحديثان بل صحيح مسلم جميعه أولى بالدفاع عنه بالحق والحجة فما كان للمليباري من حق أن يأخذ هذه الجملة من قول مسلم ويهرع مسرعاً بها إلى تعليل حديثين قد بذل مسلم أقصى جهده ومنتهى اختياره في سوق أسانيد هما القوية الصحيحة للبرهنة على صحتهما ,فيقلب المليباري الموضوع رأساً على عقب ويدَّعي على مسلم أنَّه إنما فعل هذا كلَّه إلاَّ لبيان عللهما وإيضاحهما أفهكذا يكون التوضيح؟! كلا ثم كلا .. دعوى أوهن من خيط العنكبوت يُنزَّهُ عنها الإمام مسلم 2- قوله :" إنه أورد طريق الليث عن نافع عن إبراهيم بن عبد الله بن معبد عن ابن عباس عن ميمونة , ولم يورد طريق الليث التي لم يذكر فيها ابن عباس والأول لا يصح , والثاني محفوظ ولو كان يريد مسلم المتابعة لكان أولى أن يورد الثانية لأنها سليمة ولا نزاع في صحته (كذا) ولم يفعل" يعني الباحث -وفقنا الله وإيَّاه لاتِّباع الحقِّ والقولِ به- أنَّ الإمام مسلما -رحمه الله- ما أورد طريق الليث التي أوردها في صحيحه في الأصول ولا في المتابعات وإنما أوردها ليبين ما فيها من علة وكأنَّ كتاب مسلم -رحمه الله- كتاب علل ؛يترك الروايات الصحيحة المحفوظة المتفق عليها ويأخذ الروايات الشاذَّة المعللة المطعون فيها(1) __________ (1) : ادَّعى أبو مسعود الدمشقي-رحمه الله- أنَّ الإمام مسلماً-رحمه الله- لم يُخرج قوله - صلى الله عليه وسلم - ![]() فردَّ عليه الحافظ العلائي بقوله ![]() وهو كلام صحيح وحق ,ويعتذر لأبي مسعود بأنه لم يقف على قول مسلم ( لم أدخل في كتابي إلا ما أجمعوا عليه) أو وقف عليه مرة من دهره ثم نسيه عند كتابة هذا الكلام . فإذا استبعد المليباري هذا الاعتذار طالبناه بالدليل على أن هذا الرجل يستحيل عليه عدم الاطلاع على مقولة مسلم هذه أو يستحيل أو يستبعد منه النسيان قلنا له هب أنه اطلع عليها ولم ينسها فكلام مسلم نص صريح لا غبار عليه في أنه لا يُدخل في كتابه إلا ما يرى أنه صحيح ,ويدخل في قوله هذه الزيادة التي جاء بها سليمان التيمي فإذا جادل مجادل نقول له قطعت جهيزة قول كل خطيب والجدال في البدهيات ليس من مذاهب العقلاء ولا من مذاهب المسلمين ولا من مذاهب أهل الحديث وإنما هو من مذاهب السوفسطائين. ومن عجائب هذا الرجل أنه يحتج بكلام العلائي والحافظ ابن حجر والنووي ومقبل الوادعي ويرى أنهم من النقاد الذين يحتج بكلامهم فإذا خالفه هؤلاء وعشرات العلماء ضرب بكلامهم عرض الحائط لأنهم ليسوا من النقدة وفعلاً جادل في عبارة مسلم هذه في صفحات طويلة جدالاً سوفسطائياً قائماً على إنكار البدهيات ولا ينبغي في مقابلة هذه السوفسطائية إلا الإهمال والتنزه عن الجدال . (1/19) . وحتى كتب العلل لا تفعل مثل هذا فإنَّ السبيل إلى معرفة العلة أن يجمع بين طرق الحديث وينظر في اختلاف رواته ويعتبر بمكانهم من الحفظ ومنزلتهم من الإتقان والضبط ولهذا اشتملت كتب علل الحديث على جمع طرقه . ( انظر : مقدمة ابن الصلاح ص82). فلوكان مسلم يقصد بيان العلل لسلك هذا المسلك, ولساق طرق حديث ميمونة صحيحها ومعللها في نظره. أما وهو لم يفعل ذلك فلا يجوز القول بما ذهب إليه الباحث ولو ذهبنا إلى قوله لكان مسلم من أعجز الناس عن كشف علل الأحاديث وبيانها وحاشاه من ذلك وكتاب "التمييز" له أكبر شاهد على مقدرته الفائقة على بيان العلل وكشفها. دعوى باطلة والأدلَّة على بطلانها وقوله" والأول لا يصح ,والثاني محفوظ". يعني به أن الإسناد الذي فيه ذكر ابن عباس عن ميمونة لا يصح ,والثاني الذي خلا من ذكر ابن عباس أي عن نافع عن إبراهيم بن عبد الله عن ميمونة هو المحفوظ. وهذا كلام غريب ومنطق عجيب ! والذي يظهر لي أنَّ مسلماً -رحمه الله- اختار الحديث الذي فيه ذكر ابن عباس لأنَّه هو الأصح في نظره لأسباب : - أولاً : أنَّه لا يشك أحد من المحدثين في رواية ابن عباس عن خالته ميمونة أمَّا رواية إبراهيم بن عبد الله بن معبد فإنَّه قد يساور المحدث الشك في روايته عن ميمونة -رضي الله عنها- ,وقد أنكر ابن حبان سماعه من ميمونة وكذلك مغلطاي. وانظركلام ابن حبان والبخاري في ترجمته في تهذيب التهذيب(1/137) . - وثانيا : أنَّ الحافظ قال فيه صدوق ومن كان هكذا فكيف تكون روايته صحيحة ؟! - وثالثا : أنَّ الحافظ قال : أنَّه من الطبقة الثالثة , التقريب (1/ 38). - ورابعا : قال في أبيه -أيضا- : أنَّه من الطبقة الثالثة ! - خامسا : أنَّه قيل فيه أنَّه روى عن ميمونة ,ولم يقل في أبيه أنَّه روى عنها فالقول : بأنَّه روى عن ميمونة بعد كل هذا تكتنفه بعض الشكوك تجعل رجلاً مثل الإمام مسلم يحجم عن إيراده في كتابٍ التزم فيه الصحة . (1/20) واختار مسلم وآثرَ الإسناد الذي فيه ابن عباس عن ميمونة لأنَّه لايشك محدث في رواية إبراهيم عن عبد الله بن عباس لأنها تصلح في المتابعات وتزداد الطرق بها قوة , فمسلم إذن قصد المتابعة واختار الرواية السليمة , وليس الواقع كما ذكر الباحث. وقول الباحث : " لا نزاع في صحته " يعني طريق إبراهيم بن معبد عن ميمونة مباشرة غير مُسلَّم . فإنَّ الإمام مسلماً هو المنازع في صحته ,ونازع في صحته المِزِّي ويؤيد ذلك إنكار ابن حبان ومغلطاي : " ولم يصرح بسماع منها أحد علمناه من القدماء المعتمدين ,وأكَّد ذلك ذكره عند ابن سعد في الطبقة الرابعة من المدنيين الذين ليس عندهم إلاَّ عن صغار الصحابة " إكمال (1/ق58) وانظر كلام ابن حبان في تهذيب التهذيب(1/137 ) . لونٌ من البحث لم يُسبق إليه هذا الباحث ! 3- قوله (ص2) : " - وثالثا : أنَّه أورد طريق عبد الرزاق عن معمر عن أيُّوب عن نافع عن ابن عمر بعد أن أورد الطرق المنتقدة قبل الأخير ,ولو أراد المتابعة لأتبعه طريق عبد الرزاق عن معمر عن الزهري عن ابن المسيب عن أبي هريرة ليفيد أنَّ الزهري تابعه أيُّوب ,ولكنه لم يفعل ,وسيأتي مزيد إيضاح عن هذه الطريق " . - أقول : - أولاً : أن صحيح مسلم ليس ديواناً من دواوين الضعفاء حتى يسوق فيه الطرق المنتقدة لحديث ما ,ثم لا يقف عند تلك الطرق بل يوالي ويتابع الطرق الضعيفة المنتقدة تلو الضعيفة ,فهذا لون من الفهم لم يسبق إليه الباحث ,نسأل الله لنا وله العافية . والدارقطني ومن تابعه لا يفهمون هذا عن مسلم والذي يفهمونه عنه أنَّه أورد في صحيحه أحاديث فيها علل في نظرهم خالف فيها شرطه الذي التزمه وهو الصحة وعلى هذا الأساس ناقشوه وقد يكون الصواب حليفهم حيناً وقد يكون الصواب في جانب مسلم أحياناً. والذي نحبه للمليباري : أن يرجع عن هذا الخط الخطير الذي انفرد فيه قبل نضجه وقبل أن يعرف مواقف العلماء من هذا الكتاب العظيم ونظراتهم إليه بالإجلال. (1/21) - ثانيا : أقول : إنَّ الإمام مسلماً إمام ومحدث وحكيم يضع الأمور في مواضعها فقد وضع حديث ابن أبي عمر عن عبد الرزاق عن معمر عن أيُّوب في موضعه من المتابعات. ووضع حديث محمد بن رافع وعبد بن حميد عن عبد الرزاق عن معمر عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة في موضعه من الأصول وهو ثاني حديث في الباب "باب فضل الصلاة بمسجدي مكة والمدينة " فهل ترى من ناحية فنية أنَّه ينبغي لمسلم أن يكرر هذا الحديث ويعيده مرة أخرى في الباب نفسه ؟! إذن تبيَّن لنا أن ما افترضه الباحث واقترحه غير سليم ,وأنَّ الإمام مسلماً يعرف كيف يتصرف ويضع الأمور في نصابها ,وأنَّه أورد حديث معمر عن أيُّوب للمتابعة لا لبيان العلل وتوضيحها . دفاعٌ عن مسلم يُؤدي إلى الطَّعن في صحيحه ! 4- قوله ![]() الجواب عن هذه الفقرة تقدَّم مرارا ,والذي يلفت النظر هو محاماة الباحث القوية عن شخص الإمام مسلم الذي ما رفعه الله بين الأمة إلاَّ بهذا الكتاب الذي وفَّقه الله لاختيار أحاديثه وهداه لالتزام الصحة فيها وأعانه على التزامه فجزاه الله خيراً. لكن الدفاع عنه ثم تصوير منهجه بهذه الصورة التي تخيلها الباحث يعود بالطعن عليه وعلى منهجه وكتابه الصحيح الذي حوى أعزَّ ما عند الأمة من الميراث المحمدي. بيانٌ لمغالطات وتناقض (1/22) 5- قوله : (ص2) :"وأمَّا قول الإمام النووي دفاعاً عن الإمام مسلم لإيرادها في صحيحه بعد أن حكى العلل التي فيها عن الإمام البخاري والدارقطني بأنَّه يحتمل صحة الروايتين جميعاً -يعني رواية نافع وابن عباس كما فعله مسلم- وليس هذا الاختلاف المذكور مانعا من ذلك ومع هذا فالمتن صحيح بلا خلاف " . " فهو لا يدافع عن الإمام مسلم لأنَّه قال : ويحتمل , فالاحتمال لا يستحيله أحد , حتى إن الذين انتقدوه إنما هو لظنهم الغالب الذي حصل لهم بعد التتبع والعناء وبعد هذا إن العقل يجيز احتمال صحة المرجوح ,وذلك الاحتمال لا يعمل به في مقابل الظَّنِّ الغالب ,ثم الذي يظهر لي من عبارة الإمام النووي أنَّه يميل إلى أن هذه الطرق معلولة ,فإنَّه لم يذكر شيئاً يدلُّ على ترجيح صحتها ,إلاَّ قوله : يحتمل ... الخ " . - أقول : سامحك الله لقد حلَّقتَ بنا في أجواء الفلاسفة والمتكلمين - أعاذنا الله منهم ومن غرورهم ومغالطاتهم وتناقضاتهم-. لكنَّك لماَّ سلكت مسلكهم من حيث لا تشعر وقعت في حفرتين من حفرهم التي تَرَدَّوْا فيها -وأعيذك بالله أن تعود إلى مسلكهم- : - الحفرة الأولى : وهي حفرة التناقض السريع (!) إنَّك قلت في أوَّل هذه الفقرة : " وأمَّا قول الإمام النووي دفاعا عن الإمام مسلم لإيرادها في صحيحه " ثم قلت في السطر السادس من الفقرة نفسها وبعد حكاية كلام الإمام النووي مباشرة : " فهو لا يدافع عن الإمام مسلم لأنَّه قال يحتمل , فالاحتمال لا يستحيله أحد ". ألاَ ترى أنَّ في هذا الكلام تناقضاً ؟ وهل ترى أن قول النووي نقداً للإمام مسلم؟ كلا بل إنه دفاع فيه اللُّطف والورع ؟ - أمَّا الحفرة الثانية : وهي المغالطة (!) - ومعذرة فإني اضطررت إلى القسوة -: (1/23) فتتمثل في قولك : " ثم الذي يظهر من عبارة الإمام النووي أنَّه يميل إلى أن هذه الطرق معلولة ,فإنَّه لم يذكر شيئاً يدل على ترجيح صحتها إلاَّ قوله يحتمل ..الخ" - أقول : أيّ عربي عاقل يفهم من قول النووي -رحمه الله- " قلت : يحتمل صحة الراويتين جميعاً كما فعله مسلم , وليس الاختلاف مانعاً من ذلك " أنَّه يميل إلى أن هذه الطرق معلولة ولو لم يسق أيَّ دليل ؟ فلو أراد ما ذهبتم إليه لقال : ( ويحتمل أن يكون الصواب فيما قاله الدارقطني وتابعه عليه عياض ) . ثم إن النووي أكد احتمال الصحة بقوله كما فعله مسلم -يعني بفعل مسلم اختياره لهذه الطرق القوية وإيراده لها في صحيحه فهذا من الأدلة التي تطلُبُها من النووي . ثم أكَّد ذلك بقوله : " وليس الاختلاف مانعاً من ذلك " -أي من الصحة- أي أنَّ الاختلاف علي نافع وهو من أئمَّة الحديث ومن المكثرين من الشيوخ لا يمنع الاختلاف عليه من الحكم على الحديث الذي رواه عن شيخين فأكثر بالصحة فهذا هو المعنى الصحيح لكلام النووي . مطالبة المليباري بالرجوع إلى فهم المحدِّثين واعتقادهم في صحيح مسلم 6- قوله: (ص3) : " فالذي حرر فضيلة الشيخ الدكتور ربيع -حفظه الله تعالى ورعاه- في هذا الموضوع في كتابه :"بين الإمامين مسلم والدارقطني (ص341 -347 ) فيه بُعدٌ ظاهر " . ثم إنَّه أثنى على الكتاب خيراً . وأنا أدعو له بمثل ما دعا به لي وأسأل الله أن يوفقنى وإيَّاه لقصد الحق وحبِّه وأرجو أن لا يكون عملي هذا دفاعاً عن النَّفس وتعصباً لها ,وإنما القصد منه قول ما أرى أنَّه الحق والصواب. - ثم أقول : إنَّ ما حرَّرتُه كان نتيجة لدراسة وتأمل وموازنة . كل ذلك على منهج المحدثين المعتدل الذي لا إفراط فيه ولا تفريط ,وقد حاولت (1/24) جهد الطاقة -ولا أبرئ نفسي من الخطأ- أن يكون كل ما حواه كتابي من دراسة على هذا الأساس لم أتعصب لا لمسلم ولا للدارقطني ,وإنما كنت أدور جهد طاقتي مع الأدلة والقرائن . وأستغفر الله من الخطأ والزلل وتزكية النَّفس ولكنِّي اضطررت إلى هذا . - ثم أقول مرة أخرى : إنَّه إلى الآن لم يظهر لي هذا البُعد ولو ظهر لي بالحجج المقنعة بُعْدُ ما حرَّرته عن الصواب لتركته راضي النَّفس شاكراً مُقدِّراً للأخ الذي تكرَّم بتنبيهي إلى خطئي ,وحيث إنَّ الأخ وصل إلى هذه النتيجة من خلال منهج واضح الخطأ كما بيَّنته -ولله الحمد- بيانا شافيا فما عليه إلاَّ أن يرجع إلى منهج مسلم الذي قرَّره وسار عليه فعلاً في هذا الكتاب, وأن يرجع إلى ما فهمه المحدثون واعتقدوه في صحيح مسلم ومنهج مؤلفه فيه وقد وضَّحتُه له وسيدرك أن ما حرَّره هو البعيد بُعداً ظاهراً لا خفاء فيه ولا لبس . المليباري يستنكر مخالفة من وافقه ولو قلُّوا وضعفت حجتهم ويستجيز مخالفة من معه الحجة من العلماء ولو كثروا 7- قوله : (ص3) " والأمر الوحيد الذي استدعى انتباهي هو مخالفة الشيخ لما اتفق الإمام البخاري والدارقطني والنسائي والقاضي عياض على إعلال حديث نافع " - أقول : - أولاً : إن مكانة هؤلاء العلماء الأجلاَّء عند المسلم عالية ومنزلتهم -بسبب خدمتهم للإسلام خصوصاً السنة النبوية- عظيمة , ولكن ليس معنى هذا أن إجماعهم حجة لا يجوز لأحدٍ أن يتجاوزها فليست هذه المنزلة إلاَّ لإجماع الأمة بعد كتاب الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - على خلافٍ في السنة والإجماع في الترتيب والحق تقديم السنة النبوية الصحيحة الصريحة. ثم مَنْ قال من العلماء أنَّه لا يجوز مخالفة مثل هذا العدد إذا لم يُحالِفْهم الصواب وكانت حجتهم ضعيفة وحجة مخالفهم ولو كان واحداً أقوى وأرجح ؟ (1/25) - ثانياً : سوف أذكر لك –مضطراً- نقد هؤلاء الأئمَّة وحججهم التي استندوا إليها والحد الذي وصل إليه كل واحد في تعليل هذا الحديث وعدم إلحاحهم وتركيزهم على تعليله ,كما يفعل هذا الباحث وأنَّه لا ينبغي إطلاق اتفاقهم بهذه الشاكلة . - فأوَّلهم إمام المحدثين البخاري-رحمه الله- : وسوف أسوق كل ما كتبه عن هذا الحديث في التاريخ الكبير (1/302) : 1ـ قال-رحمه الله- : " وقال لنا عبد الله بن صالح حدثني الليث قال حدثني نافع عن إبراهيم بن عبد الله بن معبد بن عباس عن ميمونة قالت سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول : " صلاة في مسجدي هذا أفضل من ألف صلاة فيما سواه إلاَّ مسجد الكعبة " . 2ـ وقال لنا أبو عاصم عن ابن جريج عن نافع عن إبراهيم بن معبد عن ميمونة عن النبى - صلى الله عليه وسلم - . 3ـ وقال لنا المكي عن ابن جريج سمع نافعاً أن إبراهيم بن عبد الله بن معبد حدَّثه أنَّ ابن عباس حدَّثه عن ميمونة عن النبى - صلى الله عليه وسلم - . ولا يصح فيه ابن عباس. 4ـ وقال لنا مسدَّد عن بشر بن المفضل عن عبيد الله عن نافع عن عبد الله عن النبي - صلى الله عليه وسلم - مثله . 5ـ وقال لنا مسدَّد عن بشر عن يحيى عن موسى الجهني سمع نافعاً سمع عبد الله بن عمر سمع النبي - صلى الله عليه وسلم - - مثله . دراسة هذه الأسانيد ونتائج هذه الدراسة - أولاً : حديث الليث فيه عبد الله بن صالح الجهني كاتب الليث وقد حذف منه ابن عباس ,وعبد الله بن صالح ضعيف ,وقد خالفه ثقتان ثبتان ,وهما قتيبة بن سعيد وابن رمح راجع ترجمتهما في التقريب (2/ 123/161) وقد اختارهما مسلم فأحسن . راجع صحيحه (2/ 1014). فأيهما أرجح الإمامان الثقتان الثبتان قتيبة ومحمد بن رمح أم عبد الله بن صالح الضعيف ؟! (1/26) - ثانياً : حديث ابن جريج الذي رواه عنه أبو عاصم ليس فيه ذكر ابن عباس لكن فيه علة وهي عنعنة ابن جريج وهو مدلس ,وإن كانت هذه العلة ستزول بتصريحه بالتحديث لكني هنا أُبيِّن الحيثيات التي استند إليها الإمام البخاري في حكمه. - ثالثا : الإسناد الثالث إسناد صحيح وقد صرَّح فيه ابن جريج وشيوخه إلى ميمونة بالتحديث ,وهو كما ترى ذكر فيه ابن عباس. وهو من المتابعات القوية لحديث الليث عند مسلم التي رواها عن قتيبة وابن رمح عن الليث إلى ابن عباس عن ميمونة مرفوعاً. وقول البخاري على جلالته : " ولا يصح فيه ابن عباس " غير مُسلَّم ,لأنَّه فيما يبدو بناه على أن مكياً خالف اثنين وهما عبد الله بن صالح وأبا عاصم الضحاك ابن مخلد ولا يمنعني كثرة حفظه وجلالته أن أقول : إنَّه فاته أن قتيبة وابن رمح الإمامان الثقتان الثبتان قد رويا الحديث عن الليث ,ووفَّق اللهُ الإمامَ مسلماً وهداه إلى أقوى الطرق عن الليث . والإمام البخاري أجل وأحفظ من مسلم وله أمور يمتاز بها على مسلم يعرفها أهل الشأن ولكني أكاد أقطع أنَّ الإمام البخاري قد فاتته رواية قتيبة وابن رمح ولو كانت روايتهما عنده لما تجاهلها في هذا الموقف فهو أخشى لله وأتقى من ذلك. - رابعاً : حديث مسدَّد عن بشر بن المفضل عن عبيد الله عن نافع كلهم من جبال الحفظ : مسدد : ثقة حافظ - التقريب (2/242). وبشر بن المفضل ثقة ثبت فاضل عابد التقريب (1/101). وعبيد الله بن عمر العمري ثقة ثبت قدَّمه أحمد بن صالح والإمام أحمد على مالك في نافع ( يعني أن إسناده أفضل من سلسلة الذهب المشهورة مالك عن نافع عن ابن عمر ) وقدَّمه ابن معين في القاسم عن عائشة على الزهري عن عروة عنها " انظر : التقريب(1/ 537) ويُضمُّ بشر بن المفضل إلى الرواة الذين اختارهم مسلم في الرواية عن عبيد الله عن نافع به وهم يحيى القطان وابن نمير وأبو أسامة وعبد الوهَّاب بن عبد المجيد الثقفي. (1/27) وهل يطلب لصحة الأحاديث وثبوتها أعلى وأثبت وأحفظ من هؤلاء ؟! أو على منهج الباحث : من أراد أن يُدلِّل على عِلَّة حديث يأتي بأمثال هؤلاء !! - خامسا : مسدد عن بشر عن يحيى ( وهو ابن سعيد القطان ) عن موسى الجهني سمع نافعا سمع عبد الله بن عمر سمع النبي - صلى الله عليه وسلم - - مثله ,والأول أصح " . وهذا إسنادٌ قويٌ فيه جبال الحفظ ,وأدناهم موسى الجهني وهو ثقة عابد وفيه تقوية لابن أبي زائدة الذي روى مسلم الحديث عن طريقه عن موسى الجهني به . ثم ليقف المُنصِف هنا عند قول الإمام البخاري : " والأول أصح " وليتساءل : - أولاً : ما المراد بقوله : " الأول " ؟ - ثانيا : ما المراد بقوله :" أصح " ؟ هل يريد الأولية المطلقة ,في الأحاديث التي رواها في ترجمة إبراهيم بن عبد الله ابن معبد عن ابن العباس ؟ هذا بعيد لأنَّ في الإسناد الأوَّل عبد الله بن صالح وهو ضعيف. ويحتمل أن يريد الأولية الإضافية فقد يريد بها تفضيل أحد إسنادي حديث عبد الله بن عمر. أي يريد بيان أصحية إسناد بشر بن المفضل عن عبيد الله وأنَّه أصح من إسناد موسى الجهني . وليس هذا بمستبعد فيكون قصده إثبات صحة الإسنادين إلاَّ أن أحدهما أصح . ويحتمل أن يريد الأولية الإضافية –أيضاً- ويكون قصده أنَّ حديث ميمونة أصحَّ من حديث عبد الله بن عمر ,ويقصد بذلك بيان اشتراكهما في الصحة إلاَّ أنَّ حديث ميمونة عنده أصح كما هو الأسلوب العربى المعروف. فقوله : " والأول أصح " محتمل لهذه الوجوه وليس هناك دليل واضح على أحدهما. وليس هناك دليل في كلامه على تعليل حديث عبد الله بن عمر. فالجزم بتعليله بناءً على كلام الإمام البخاري هذا ,والجزم بأن مراده بقوله : "الأوَّل" حديث ميمونة لا يخلو من مجازفة وتعسُّف. وبناء على هذا التحليل يمكن القول : بأنَّ البخاري لم يُعلِّل حديث عبد الله بن عمر. وأمَّا تعليله لطريق ابن عباس عن ميمونة فواضح من قوله : "ولا يصح فيه ابن عباس" (1/28) الصواب ما اختاره الإمام مسلم والإمام البخاري لم يستوفِ حيثيات الحكم ولكننا مع إكبارنا له لا نُسلِّمُ له ونرى أن الصَّواب ما اختاره مسلم من ثبوته . وإضافةً إلى هذه الدراسة نقول : إن الإمام البخاري لم يستوفِ حيثيات الحكم فلم يذكر رواية قتيبة وابن رمح وابن وهب عن الليث بن سعد عن نافع عن إبراهيم بن عبد الله بن معبد عن ابن عباس عن ميمونة مرفوعاً ,حيث اقتصر على رواية عبد الله بن صالح الضعيف ,ولم يذكر قتيبة وابن رمح وابن وهب الثقات الأثبات الذين ذكروا ابن عباس في الإسناد ورواية قتيبة وابن رمح في صحيح مسلم . ولم يذكر رواية حجاج الشاعر وقتيبة نفسه التي توافق عبد الله بن صالح في حذف ابن عباس من الإسناد. وعلى فرض التسليم أنَّه أعلَّ حديث ابن عمر فنقول : لم يذكر متابعة معمر عن أيُّوب لعبيد الله بن عمر وموسى الجهني في نافع التي رواها مسلم في صحيحه. ولم يذكر متابعة عطاء بن أبي رباح لنافع في ابن عمر ,التي رواها الإمام أحمد في المسند (2/ 155,29) من طريق إسحاق بن يوسف الأزرق ومحمد بن عبيد الطنافسي -وكلاهما ثقة- عن عبد الملك بن أبي سليمان -وهو حسن الحديث- عن عطاء بن أبي رباح عن ابن عمر. ولم يذكر متابعة عبد الله بن عمر العمري لأخيه عبيد الله في نافع التي رواها عبد الرزاق في مصنفه (5/121) وأحمد (2/68) في مسنده. الإمام النَّسائي لم يستوفِ أدلَّة الطرفين - وثانيهم الإمام النسائي-رحمه الله- : فقد أشار فقط إلى طرف من هذه القضية فقال في سننه (5/ 168) تحت عنوان : " فضل الصلاة في المسجد الحرام " : أخبرنا عمرو بن علي ومحمد بن المثنى قالا حدثنا يحيى بن سعيد عن موسى بن عبد الله الجهني قال سمعت نافعا يقول حدثنا عبد الله بن عمر قال : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - - فذكر الحديث. (1/29) ثم قال : ( لا أعلم أحداً روى هذا الحديث عن نافع عن عبد الله بن عمر غير موسى الجهني وخالفه ابن جريج وغيره )(1) سنن النسائي (المجتبى) 5/213 . أخبرنا إسحاق بن إبراهيم ومحمد بن رافع قال إسحاق : أنبأنا وقال محمد : حدثنا عبد الرزاق قال حدثنا ابن جريج قال سمعت نافعاً يقول حدثنا إبراهيم بن عبد الله بن معبد بن عباس حدثَّه أنَّ ميمونة زوج النبى - صلى الله عليه وسلم - قالت : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - - وساق الحديث. فهذا كل ما أدلى به النسائي في هذه القضية فلم يستوفِ أدلَّة الطرفين فلم يذكر رواية عبيد الله بن عمر بطرقها القوية ولم يذكر متابعاتها . ولم يذكر الاختلاف على ابن جريج ولا الاختلاف على الليث كما يفعله أئمَّة النقد في بيان العلل كابن المديني والدارقطني وابن أبي حاتم ومسلم في كتاب ( التمييز ) من جمع الطرق وبيان الاختلاف فيها وتوضيح العلل وإنما أشار النسائي إلى طرف من القضية ,ولم يبرهن عليها ,ولم يُدْلِ فيها بحكمٍ ولسنا ندري ما هو حكمه ,وإنما ذكرتُ النسائي في رسالتي : " بين الإمامين " لأنَّه أشار إلى هذه القضية الإشارة التي وصفتها لا لأنَّ له رأياً واضحا متكاملاً في القضية. ومن الجدير بالذكر أن النسائي-رحمه الله- قد روى حديث ميمونة في السنن الكبرى (ل 51) من طريق ابن جريج عن نافع عن إبراهيم بن عبد الله بن معبد عن ابن عباس عن ميمونة فذكر فيها ابن عباس(2) ونبَّه على ذلك المزي في تحفة الأشراف (12/485) ويفهم من كلام المزي أنَّه رواه كذلك في المجتبى ". وبهذا يكون النَّسائي أشار إلى الخلاف بين أصحاب نافع في الجملة ولم يتعرض للخلاف في حديث ميمونة بذكر ابن عباس أو حذفه . __________ (1) : النسائي-رحمه الله- لم يقف على روايات عبيد الله بن عمر وغيره عن نافع . (2) : رواه النسائي في الكبرى بهذا الإسناد (رقم 3866) وسكت عنه . (1/30) ثم يتضح لنا من هذا العرض أنَّه لا يجوز أن يقال أنَّ النَّسائي انتقد وعلَّل حديث ابن عمر وميمونة كما يردد ذلك هذا الباحث . فهذه الدراسة التي كشفت عن هذه الأمور هي التي سوغت لي تأييد وتقوية وموافقة الإمام مسلم في تصحيح حديث ابن عمر ثم حديث ابن عباس عن ميمونه. وسوغت لي مخالفة ما فهمه القاضي عياض من كلام البخاري . - ثالثهم الإمام الدارقطني -رحمه الله- : وهذا نص كلامه في التتبع :" وأخرج مسلم حديث عبيد الله وموسى الجهني عن نافع عن ابن عمر: " صلاة في مسجدي " وأتبعه بمعمر عن نافع وليس بمحفوظ عن أيُّوب . وخالفهم ابن جريج والليث روياه عن نافع عن إبراهيم ابن عبد الله بن معبد عن ميمونة . وأخرج القولين ولم يخرجه البخاري من رواية نافع بوجهٍ " . فنرى في كلام الدارقطني ما يأتي : - أولاً : أنَّه نفى الحفظ فقط عن رواية أيُّوب فقال:"وليس بمحفوظ عن أيُّوب" - ثانيا : أحجم أن يقول مثل ذلك في رواية عبيد الله بن عمر وموسى الجهني لهيبة الموقف لأن عبيد الله إمام حافظ متقن خصوصا في روايته عن نافع فمن الصعوبة بمكان أن يقول عن حديثه عن نافع : وليس بالمحفوظ. وكذلك رواية موسى الجهني وهو ثقة لم يجد من الأدلَّة ما يشجعه على نفي الحفظ عنها لا سيما وقد وافقه على ذلك الجبل في الحفظ عبيد الله بن عمر . أمَّا رواية معمر فقد وجد ما يشجعه على أن يقول فيها : " وليس بمحفوظ عن أيُّوب " لأن الإمام يحيى بن معين ضعَّف معمراً في روايته عن العراقيين ولكن ذلك لا يَحُطُّ معمرا من درجة الاعتبار به. كيف لا وهو إمام . ثم حكى الخلاف الموجود بين أصحاب نافع وهي حكاية لم يُتقن عرضها -غفرالله له ورحمه- ولكل جواد كبوة. فإنَّ الليث وابن جريج وإن خالفا عبيد الله ومن معه فإنَّ ابن جريج قد اختلف عليه في رواية حديث ميمونة اختلافا كثيرا سيأتي ذكره في محله . والليث أيضا اختلف عليه أصحابه. (1/31) وعلى كل فإنَّ مخالفة الليث وابن جريج لا تضر برواية عبيد الله ومن وافقه كما سيأتي توضيح ذلك إن شاء الله. - رابعهم القاضي عياض -رحمه الله- : قال : " قال بعضهم : صوابه إبرهيم بن عبد الله بن معبد بن عباس أنَّه قال : ( أنَّ امرأة اشتكت .. ) قال القاضي : وقد ذكر مسلم قبل هذا في الباب حديث عبيد الله عن نافع عن ابن عمر , وحديث موسى الجهني عن نافع عن ابن عمر , وحديث أيُّوب عن نافع عن ابن عمر. وهذا مما استدركه الدارقطني على مسلم وقال : وليس بمحفوظ عن أيُّوب, وعلَّل الحديث عن نافع بذلك ,وقال : وقد خالفهم الليث وابن جريج فورياه عن إبراهيم بن عبد الله بن معبد عن ميمونة . وقد ذكر مسلم الروايتين ,ولم يذكر البخاري رواية نافع بوجهٍ ,وقد ذكر البخاري في تاريخه رواية عبيد الله وموسى عن نافع . قال: " والأوَّل أصح " يعني رواية إبراهيم بن عبد الله عن ميمونة كما قال الدارقطني والله أعلم . وبعد فلعلَّ القارئ المتأمل المنصف يُدرك من هذه الدراسة أنَّ هؤلاء الأئمَّة الذين ادَّعى الباحث اتفاقهم على تعليل حديث نافع واستدعى انتباهه مخالفتي لهم أنَّ من احتج منهم فحجته ضعيفة وهو الإمام البخاري ثم هو لم يستوفِ أدلة الجانب المحكوم عليه كما أسلفت . والآخرون لم يُبدوا شيئا من الأدلة على تعليل حديث نافع . فهل يسوغ لي أو لمسلم غيري بعد معرفة هذه الحقيقة أن يعمد إلى حديث صحيح في كتاب عظيم يتربع قمة الصحة فيهوي بهذا الحديث من قمته الشامخة إلى حضيض الأمراض والعلل والضعف من أجل أن هذا أو ذاك عرضت له شبهة فقالها أو أشار إليها إشارة من بعيد . 8- قال : في ( ص3 ) - وليته لم يقل-(!) : " ثم إنَّ مسلما لم يشر إلى تصحيحه ذلك الحديث -حديث نافع - وحديث ابن عباس عن ميمونة - بأي وجهٍ من الوجوه "!! (1/32) - أقول : هذا كلام غريب وعجيب ماذا تريد من مسلم -رحمه الله- ؟ تريد منه أن يصرح أو يشير عند كل حديث إلى أنَّه صحيح , وهل اشترط على نفسه ذلك أو اشترطه غيره عليه ؟!. وهل تشترط على البخاري أن يعطيك إشارات عند كل حديث من أحاديثه الصحيحة حتى تسلم بصحته ؟!. أتدري من أين أُتيتَ ؟ أُتيتَ من تعلقك بتلك الجملة :" وسنزيد إن شاء الله تعالى شرحاً وإيضاحا في مواضع من الكتاب عند ذكر الأخبار المعللة ". فأدَّى بك هذا الاعتقاد أن ترى سرد أقوى الطرق وأصحها إنما هو عرض للعلل وشرح وتوضيح لها وأسال الله أن يعفو عنا وعنك . ولا يسعني إلاَّ أن أذكرك بما أسلفته لك من أن مسلما سمى كتابه بـ : ( الجامع الصحيح ) وأنَّه قال : ( لا يدخل في هذا الكتاب إلاَّ ما أجمعوا على صحته ) ,وأنَّه عرض كتابه على أبي زرعة فما قال فيه : إنه صحيح أثبته وما كان فيه علة حذفه . فهو ملتزم للصحة في كل ما يورده في هذا الصحيح حسب اعتقاده وروايته عن الطبقة الثانية للاستشهاد والمتابعة ورفع التفرد عن بعض الطرق لا يخرجه عن هذا الأصل . فاعرف هذا واشدد به يديك .. 9- قال في ( ص3 ) : " وفي الحقيقة كنت موافقا على ما وصل إليه صاحب : " كتاب بين الإمامين " على ضوء تحريره ومناقشته في أول الأمر ,ثم بان لي بعد التتبع الطويل أن هذه الطرق معللة كما قالوا " !! (1/33) - أقول : لم يصلني من بحثك إلاَّ هذه الأوراق التي ناقشت فيها هذه الطرق من صحيح مسلم ,ولم أعرف ما هو موضوع رسالتك إلى الآن فإن كان موضوعك دراسة صحيح مسلم ومنهجه في صحيحه ,فيحق لك أن تبذل هذا الجهد والتتبع الطويل أو أسمِّيه لك ( الرحلة الفكرية ) ,وكان ينبغي لك أن تُعوِّل في الدرجة الأولى على أقواله , وفي الدرجة الثانية على أقوال أئمَّة الحديث , وتستفيد من دراساتهم وتجاربهم , ثم تخوض في الموضوع على بصيرة ووضوح حتى تستطيع أن تقدم للمسلمين نتائج صحيحة بنَّاءة ,أمَّا أن تخوض في الموضوع بدون أن تتزود بما ذكرته لك فإنك في هذه الحال " كساعٍ إلى الهيجاء بغير سلاح " ! وتكون النتيجة ماقدَّمتَه لنا (!) وقد وضَّحتْهُ مناقشاتي فلا أصفه لك ,ولكني أقول لك : قل ياحسرتَى على مافرطتُ وأضعتُ من الوقت ثم كانت هذه هي ثمرة جهدي وتتبعي الطويل. وإنْ كان موضوعك شيئٌ آخر فالأمر أدهى وأمرّ ولا حول ولا قوة إلاَّ بالله. ثم ذكر لي مصدر موثوق أنَّ عمله في " غاية المقصد في زوائد مسند أحمد " فلا حول ولا قوة إلاَّ بالله مرة أخرى . 10- قال الباحث في ( ص3 ) : "وتوضيحا للقضية أذكر أنَّ الإمام مسلم (كذا) (والصواب مسلماً) أورد ( بعد أن أخرج حديث أبي هريرة من طرق صحيحة وسليمة كما أخرجه الإمام البخاري ) حديث نافع عن ابن عمر من طريق عبيد الله وموسى الجهني ,ثم من طريق أيُّوب ,وحديث ميمونة من طريق نافع عن إبراهيم بن عبد الله بن معبد عن ابن عباس عنها ( مسلم -كتاب الحج باب فضل الصلاة بمسجد مكة والمدينة (9/165-167) " . ثم نقل كلام الدارقطني من التتبع ثم أشار إلى طرف من بياني ثم مناقشتي لكلام الدارقطني . فأقول لك : سامحك الله أيها الأخ ما هكذا يكون توضيح القضايا : (1/34) - أولاً : هل رجال أسانيد حديث عبد الله بن عمر وحديث ميمونة من المشهورين عند المحدثين بالأوهام والأخطاء - أوهم من رجال كتب الموضوعات والعلل- حتى يكون مجرد عرضك لهم يعتبر من توضيح القضايا وبيان الحقائق ؟! ثمَّ عندي -والله- تساؤلات صعبة جدا تركتها رفقاً بك وابتعاداً عن جرح مشاعرك وإعذاراً لك لأنك مازلت طالباً. عودة لعرض الحقيقة ثم أقول لك : إنِّي مضطرٌ لأن أقوم بعرض الحقيقة مرة أخرى كما عرضها الإمام مسلم -رحمه الله- لتدرك أنت وغيرك أنك لم توضح القضية . قال الإمام مسلم -رحمه الله- عارضاً حديث أبي هريرة من عدة طرق (2/ 1012/1013) تحت الرقم التسلسلي (1394) : 1ـ حدثنى عمرو الناقد وزهير بن حرب (واللفظ لعمرو) قالا حدثنا سفيان بن عيينة عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة يبلغ به النبى - صلى الله عليه وسلم - قال : (صلاة في مسجدي هذا أفضل من ألف صلاة فيما سواه إلاَّ المسجد الحرام). في هذا الحديث عنعنة سفيان بن عيينة والزهري وهما مدلسان ,وقد وضع الحافظ ابن حجر الزهري في الطبقة الثالثة من المدلسين ,وهم الذين لا يقبل من حديثهم إلاَّ ما صرَّحوا فيه بالتحديث وفيه صيغة يبلغ به وهي مختلف فيها. 2ـ ثم قال : وحدثني محمد بن رافع وعبد بن حميد قال عبد أخبرنا وقال ابن رافع : حدثنا عبدالرزاق أخبرنا معمر عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثم ساق الحديث نحوه . وفي هذا الحديث عنعنة الزهري . 3ـ ثم قال: حدثني إسحاق بن منصور حدثنا عيسى بن المنذر الحمصي حدثنا (1/35) محمد بن حرب حدثنا الزبيدي عن الزهري عن أبي سلمة ابن عبد الرحمن وأبي عبد الله الأغرّ مولى الجهنيين ,وكان من أصحاب أبي هريرة أنهما سمعا أبا هريرة يقول : ( صلاة في مسجد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أفضل من ألف صلاة فيما سواه من المساجد إلاَّ المسجد الحرام فإنَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - آخر الأنبياء وإنَّ مسجده آخر المساجد ) في إسناده عيسى بن المنذر الحمصي ,قال الحافظ فيه : مقبول.التقريب (2/102) وقد انفرد في الحديث بزيادة وهي قوله : ( فإنَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - آخر الأنبياء وإنَّ مسجده آخر المساجد ) فيه عنعنة الزهري وفيه أنَّه هنا موقوف على أبي هريرة . ثم عالج مسلم-رحمه الله- قضية الوقف الواقعة في هذا الإسناد فقال : قال أبو سلمة وأبو عبد الله :لم نشك أنَّ أبا هريرة كان يقول عن حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فمنعنا ذلك أن نستثبت أبا هريرة عن ذلك الحديث. حتى إذا توفي أبو هريرة تذاكرنا ذلك وتلاومنا أن لا نكون كلَّمنا أبا هريرة في ذلك حتى يُسنده إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ,إن كان سمعه منه فبينا نحن على ذلك جالسنا عبد الله بن إبراهيم ابن قارظ فذكرنا ذلك الحديث والذي فرَّطنا فيه. من نص أبي هريرة عنه ,فقال لنا عبد الله بن إبراهيم : " أشهد أنِّي سمعت أبا هريرة يقول: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ( فإنِّي آخر الأنبياء وإنَّ مسجدي آخر المساجد ) . 4ـ قال : حدثنا محمد بن المثنى وابن أبي عمر جميعاً عن الثقفي ,قال ابن المثنى : حدثنا عبد الوهَّاب قال : سمعت يحيى بن سعيد يقول : سألت أبا صالح هل سمعت أبا هريرة يذكر فضل الصلاة في مسجد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ؟ فقال : لا ,ولكن أخبرني إبراهيم بن عبد الله بن قارظ أنَّه سمع أبا هريرة يحدث أنَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : ( صلاة في مسجدي هذا خير من ألف صلاة أو كألف صلاة فيما سواه (1/36) من المساجد إلاَّ أن يكون المسجد الحرام ). وحدثنيه زهير بن حرب وعبيد الله بن سعيد ومحمد بن حاتم قالوا : حدثنا يحيى القطان عن يحيى بن سعيد بهذا الإسناد " اهـ. انظر : كيف عادت هذه الطرق كلها إلى ابن المسيب وإلى عبد الله بن إبراهيم بن قارظ وابن قارظ مختلفٌ في اسمه واختلف عليه في رواية هذا الحديث. فمن الرواة عنه من قال عن إبراهيم بن قارظ سمع عمر وعلياً-رضى الله عنهما-. ومنهم من قال عنه عن أبي هريرة : انظر : التاريح الكبير للبخاري (ق /1/ج3/40) وسكت عنه البخاري. ونقل المزي الاختلاف في اسمه ولم يذكر فيه جرحا ولا تعديلا . وقال الحافظ فيه : " صدوق" التقريب (1/ 400,37) وسكت عنه الذهبي في الكاشف (1/84) وسكت عنه ابن أبي حاتم (5/2) فأسانيد حديث نافع عن ابن عمر أنقى أسانيد وأقوى رجالا وأشهر ذكرا . أضف إلى ذلك أنَّ الدارقطني ذكر حديث أبي هريرة في كتابه العلل (3/123) وذكر فيه اختلافاً على الزهري واختلافاً على ابن قارظ واختلافاً في اسم ابن قارظ ومع ترجيحه لبعض طرقه يبقى قولنا : " إنَّ أسانيد حديث ابن عمر أقوى وأنظف " : سليماً لاغبار عليه . فقاعدتك التي استخدمتها في نقد حديثيْ ابن عمر وميمونة تنطبق على حديث أبي هريرة -رضى الله عنه- ولا تنطبق بحال على حديثيْ ابن عمر وميمونة ,لأنَّه ليس لمسلم أيُّ كلام على هذين الحديثين ولا أدنى إشارة ,بينما لمسلم على حديث أبي هريرة أكثر من إشارة . وفي حديث أبي سلمة والأغر وأبي صالح عن أبي هريرة توضيح بالعبارة فعلى منهجك الذي طبَّقته على حديثيْ ابن عمر وميمونة -إكمالاً لتطبيق القاعدة يلزمك أن تعلل حديث أبي هريرة لزوماً لا محيد لك عنه- . وبعد ذلك لايبقى لنا حديث صحيح في هذا الباب(1) وإلى الله المرجع والمآب !!. __________ (1) : ومن العجائب أنَّه فعلاً دمَّر أحاديث هذا الباب كلها بهواه . (1/37) واعلم أن قولك عن الإمام مسلم : " أخرج حديث أبي هريرة من طرق صحيحة سليمة " رميةٌ من غير رامٍ وإلاَّ لو تنبَّهت لإشارات مسلم وكلامه في طرق حديث أبي هريرة لتورطت فيه أكثر من تورطك في حديثيْ ابن عمر وميمونة !. واعلم أنَّ تشبثك بتلك القاعدة خطيرٌ جداً ولا يُخوِّل لك الدفاع عن حديث أبي هريرة ولا عن غيره ,حتى ترجع عنها وتُسلِّم بالواقع وهو أنَّ الإمام مسلماً ملتزمٌ بالصحة في كتابه العظيم وأنَّه كان جاداً في تطبيق هذا الالتزام . وأنَّ هذه الإيضاحات من مسلم ليست شرحا للعلل ,وأنَّه لا يعتقد أن لحديث أبي هريرة عللاً ولو كان يعتقد أنَّ هذه عللا تُخرجه عن الصحة لما أورده في صحيحه. وأنَّ هذا التصرف والبيان إنما مرجعه دقة مسلم وأمانته في النقل وشدة تحرِّيه في أداء الصيغ وألفاظ المتون وهذا من ميزاته -رحمه الله- التي يكاد ينفرد بها. ثم أقول دفاعاً عن حديث أبي هريرة بالنسبة لتدليس الزهري لا نُسلِّمُ لما قرَّره الحافظ ابن حجر في وضعه في الطبقة الثالثة ,فلا دليل له على وضعه في هذه الطبقة. وقد وضعه العلائيُّ -وهو مُحقٌ- في الطبقة الثانية فاستمع إليه يقول ![]() وسفيان بن عيينة مما لا يختلف المحدثون في قبول عنعنته لأنَّه قد ثبت لهم أنَّه لا يدلس إلاَّ عن ثقة ولذا ذكره الحافظ في الطبقة الثانية التي احتمل الأئمَّة تدليسها وقد أصاب الحافظ في حق سفيان . وأمَّا روايتُه عن عيسى بن المنذر وعبد الله بن إبراهيم بن قارظ فلا مؤاخذة عليه في ذلك لأنَّه أورد طريقهما في المتابعات وهذا لا ينافي شرطه . (1/38) ثم إنَّ حديث أبي هريرة من طريق الزهري عن ابن المسيب صحيح لا غبار على صحته ,ويزداد قوة بطريق أبي صالح عن ابن قارظ عن أبي هريرة. ثم لعلَّ مسلماً -رحمه الله- أدرك أنَّه قد يتعلق بعض الناس ممن لا يعرف مناهج المحدثين بتلك البيانات واللَّفتات فيضعف حديث أبي هريرة أو أن مسلما يعرف الكلام والاختلاف في حديث أبي هريرة ويعرف أنَّه لا أثر لذلك الاختلاف فيه لكنَّه رأى أنَّه لا بُدَّ من دعمه بحديث ابن عمر وميمونة والقوي يزداد قوة بانضمام قويٍ آخر إليه فساقهما على النحو التالي : قال -رحمه الله- في الموضع السابق برقم ( 1395) : وحدثني زهير بن حرب ومحمد بن المثنى قالا حدثنا يحيى -وهو القطان- عن عبيد الله قال أخبرنى نافع عن ابن عمر عن النبى - صلى الله عليه وسلم - قال ![]() وحدثناه أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا ابن نمير وأبو أسامة ح وحدثناه ابن يمير حدثنا أبي ح وحدثناه محمد بن المثنى حدثنا عبد الوهَّاب . كلهم عن عبيد الله بهذا الإسناد . وحدثنى إبراهيم بن موسى أخبرنا ابن أبي زائدة عن موسى الجهني عن نافع عن ابن عمر قال : سمعت رسول الله يقول - بمثله . وحدثناه ابن أبي عمر حدثنا عبد الرزاق أخبرنا معمر عن أيُّوب عن نافع عن ابن عباس عن النبى - صلى الله عليه وسلم - . وحدثنا قتيبة بن سعيد ومحمد بن رمح جميعا عن الليث بن سعد قال قتيبة حدثنا ليث عن نافع عن إبراهيم بن عبد الله بن معبد عن ابن عباس أنَّه قال ![]() ![]() (1/39) فهذه سياقة رائعة قوية محكمة ساقها مسلم -رحمه الله- لإثبات صحة الحديث وقصده فيها واضح يتدفق بالرغبة الكاملة المخلصة في إثبات صحته ,ومن قال : ( إنَّ هذه السياقة على إحكامها وإتقانها إنَّما ساقها مسلم لبيان العلل وتوضيحها ) فليبك على عقله !! وحتى القاضي -رحمه الله- حامل لواء هذه الفكرة لا يجرؤ أن يقول مثل هذا الكلام ولهذا مشى في الإشارة إلى علة الحديث أو بالأدقِّ حكى كلام من أعلَّه ولم ينبس ببت كلمة يشير بها إلى هذه الفكرة وفي الحقيقة إِنِّي أرحم الباحث وأُشفق عليه إذ قال : " لأنَّه لم يخرجها في الأصول ,ولا في المتابعة وإنما أوردها في الصحيح للتنبيه على عللها وذلك لِوُجوه ... " ثم ساق تلك الوجوه الغريبة التي سبقت مناقشتها ونعوذ بالله من فهم يُؤدِّي إلى قلب الحقائق . الجواب عن الاختلاف على نافع فإن قال قائل : قد اختلف أصحاب نافع في إسناد هذا الحديث . قلنا : وقد اختلف أصحاب الزهري في إسناد هذا الحديث فما أجبتم به عن الاختلاف على الزهري هو جوابنا عن الاختلاف على نافع فإذا كان الاختلاف على الزهري لا يضر لأنه من المكثرين ,قلنا : قولوا مثل هذا في الاختلاف على نافع وإلاَّ وقعتم في التفريق بين المتماثلات وخبطتم في ميادين التناقضات . - قال في ص 4 : وهو من توضيحه للقضية : " وناقش فضيلة الشيخ المسألة الأولى (يعني دعوى الدارقطني أنّ هذا الحديث ليس بمحفوظ عن أيُّوب " ـ فقال ( يعني ربيعاً) : " فكأنه يشير بهذا إلى رأي ابن معين في حديث معمر , عن العراقيين حيث قال :إذا حدّثك معمر عن العراقّيين فخالفه إلاَّعن الزهري وابن طاووس , فإنَّ حديثه عنهما مستقيم , فأمَّا أهل الكوفة وأهل الشام فلا (كذا) والصواب أهل البصرة . (1/40) ثم قال الشيخ أقول : إنّ الثناء على معمر مستفيض , ثم إنّ كلام ابن معين لاينطبق على هذا الحديث , لأنَّه لم يخالفه أحد من أصحاب أيُّوب , حتى نحكم عليه بالوهم والشذوذ , ولأنّ روايات موسى الجهني وعبيد الله وعبد الله بن عمر عن نافع تؤيد رواية معمر عن نافع " توهيمه ابن أبي عمر بدون حجة وحطُّه من مرتبته ! قلت : (هذا كلام الباحث ) " إنّ معنى قول الإمام الدارقطني "وليس بمحفوظ " فيما ظهر لى بعد تتبع طويل والله أعلم بالصّواب أنّ هذا الحديث ليس بمحفوظ عن أيُّوب وإنمّا المحفوظ عن الزهري لأنّ محمد بن رافع وعبد بن حميد ,رويا عن عبد الرزاق عن معمر عن الزهري عن سعيد بن المسيب , عن أبي هريرة , وخالفهما محمد بن يحيى ابن أبي عمر , فرواه عن عبد الرزاق عن معمر عن أيُّوب عن نافع عن ابن عمر ,ولم يتابعه عليه أحد في حدود علمي . فوهم فيه محمد بن يحيى بن أبي عمر , وهذا القول من الإمام الدارقطنى -رحمه الله- متجه وسديد وموافق للقواعد , لأنّ محمد بن رافع أوثق من محمد ابن أبي عمر , وابن رافع متفق على تخريج حديثه , وقدسمع من عبدالرزاق قبل أن عمى (كذا) مع الإمام أحمد باليمن , وكان رحل مع الإمام أحمد ومع هذا وقد تابعه عبد بن حميد وهو ثقة , ثم إنّ معمرا تابعه سفيان بن عيينة عن الزهري به ومن طريق سفيان أخرجه البخاري في فضائل المدينة (3/63) . (1/41) ثم إنّ سعيد بن المسيّب تابعه أبو سلمة بن عبدالرحمن وأبو عبد الله الأغر عن أبي هريرة , ومن طريق أبي عبد الله الأغر أخرجه البخاري من وجه آخر وهذه الطرق كلها عند مسلم في الأصول , فأمَّا محمد بن يحيى بن أبي عمر العدنى فهو وإن كان ثقة , فقد قال أبو حاتم : كان رجلا صالحا وكان به غفلة ورأيت عنده , حديثا موضوعا , حدّث به عن ابن عيينة وكان صدوقا انتهى ,قلت (الباحث ) : وهذا ليس بتوهين إيّاه (كذا) ,لأنّه وصفه بالغفلة بمجرد أنَّه رأى عنده حديثاً موضوعاً كما يظهر من كلام أبي حاتم ذلك ,لكن ولم يتبين لي من ترجمته ولا من ترجمة عبد الرزاق أنّ ابن أبي عمر سمع من عبد الرزاق قبل أن عمى (كذا) أو بعده ,وعبدالرزاق عمى وبدأ قبول التلقين بعد المائتين على قول الإمام أحمد ,وابن أبي عمر توفي سنة 243هـ ) انتهى . أقول : على هذا الكلام عدَّة مآخذ : - أولاً : على مانقله عنِّي في حق معمر من قول ابن معين فقد أخطأ في قوله : " وأهل الشام " فإنَّ ( عند أهل البصرة ) معطوفةٌ على أهل الكوفة وأصل كلام ابن معين " إذا حدثك معمر عن العراقيين فخالفه إلاَّعن الزهري وابن طاووس , فإنَّ حديثه عنهما مستقيم , فأمَّا أهل الكوفة وأهل البصرة فلا " وهذا الكلام بنصِّه وفَصِّه في كتابي " بين الإمامين مسلم والدارقطني "(ص343) وقد نقلته من تهذيب التهذيب للحافظ ابن حجر (10/245) . وفي كلام ابن معين إذا حدّثك عن العراقيين ,وهذا اللفظ نسبةٌ إلى العراق ,وأهل الشام ليسوا من العراقيين في هذه النسبة ولا الشام جزءٌ من العراق .والله أعلم أهذا منه سبق قلم ؟ أم دفعه حبّ الغلبة في الخصام -والعياذ بالله- ؟! (1/42) فإنْ كانت الأولى فهي هيّنة ولِيُعدِّل ما بنَى عليها من الكلام وإن كانت الثانية فهي عظيمة وننصحه بالتوبة إلى الله وتحرِّي الحقِّ ونُشدَانِه وأن يتحرَّى القسط في القول ولو على نفسه أو الوالدين والأقربين فإن طلب الغَلَبِ بالباطل أوَّل من يصرع صاحبه (!) . - ثانيا : على تفسيره لكلام الدارقطني حيث يقول : " قلت :إنّ معنى قول الدارقطني :"وليس بمحفوظ" فيما ظهر لي بعد تتبع طويل-والله أعلم- بالصواب أنّ هذا الحديث ليس بمحفوظ عن أيُّوب ,وإنّما المحفوظ (كذا ) عن الزهري ,لأنّ محمد بن رافع وعبد بن حميد رويا عن عبدالرزاق ,عن معمر عن سعيدبن المسيّب عن أبي هريرة وخالفهما محمد بن يحيى عن ابن أبي عمر ,فرواه عن عبد الرزاق عن معمر عن أيّوب عن نافع عن ابن عمر ,ولم يتابعه عليه أحد في حدود تتبعي فوهم فيه محمد بن يحيى بن أبي عمر . أقول : إنّ كلام الدارقطني واضح أنَّه يقصد معمراً وأنَّه انفرد بهذا الحديث عن أيُّوب . قال-رحمه الله- : " وأخرج مسلم حديث عبيد الله وموسى الجهني عن نافع عن ابن عمر : ( صلاه في مسجدي ). وأتبعه بمعمر عن أيُّوب عن نافع " وليس بمحفوظ عن أيُّوب "وخالفهم ابن جريج وليث " . فمحور الحديث هم في الدرجة الأولى أصحاب نافع ومقارنات الدراسة تدورحولهم ولمّا وجد الدارقطني أمامه عبيد الله بن عمر حافظا متقنا ومن خواص أصحاب نافع وقد شاركه في رواية هذا الحديث عن نافع اثنان هما موسى الجهني وعبد الله بن عمر تَهيَّب أن يقول عن حديثهم " وليس بمحفوظ عن نافع " ونظر في رواية أيُّوب فوجد أمامه جبلا ولم يجد فيه أيّ مغمز بل وجد كبار الأئمَّة تعظمه وترفع من شأنه ووجد أئمَّة الجرح والتعديل يجعلونه في طليعة أصحاب نافع حفظا وضبطا واتقانا ,ووجد عثمان الدارمي يسأل ابن معين : أيُّوب عن نافع أحبّ إليك أو عبيد الله ؟ فيقول ابن معين : كلاهما ولم يُفَضِّل . (1/43) ووجد أبا حاتم يقول : سُئِلَ ابن المديني : من أثبت أصحاب نافع ؟ قال : أيُّوب وفضله ,ومالك وإتقانه ,وعبيد الله وحفظه . انظر : تهذيب التهذيب (1/398) وربما وجد فيه أقوى من هذا. - ثالثا : ولو كان الدارقطني يريد ما ذكره المليباري لقال :" والمحفوظ ما رواه عبد بن حُميد ومحمد بن رافع عن عبد الرزَّاق عن معمر عن الزهري ... الخ . - رابعاً : يرى القارئ أنَّ الدارقطني لم يشر لا من قريب ولا من بعيد إلى أنَّ الوهم من ابن أبي عمر ولا دندن حول سماعه من عبد الرزَّاق لا قبل اختلاط عبد الرزَّاق ولا بعده . تقويل الإمام الدارقطني ما لم يقل !! - خامساً : ترى جلياً أنَّ المليباري يتخرَّص على الدارقطني ويُقوِّله ما لم يقل (!) فيقول : ( وهذا القول من الإمام الدارقطني مُتَّجهٌ وسديدٌ وهو موافقٌ للقواعد لأنّ محمد بن رافع أوثق من محمد ابن أبي عمر ,وابن رافع متفق على تخريج حديثه ,وقدسمع من عبد الرزَّاق قبل أن عمي(كذا) مع الإمام أحمد باليمن ..)! يا أخي من قال : إنّ هذا قولٌ للدارقطني ؟! فهل هو الذي قال : " إنّما المحفوظ عن الزهري " ؟! وهل هو الذي حكم على ابن أبي عمر بالوهم ؟! وهل هو الذي استدل على وهمه بمخالفة محمد بن رافع وعبد بن حميد ؟! كيف تستجيز أن تخترع قولاً من عندك ثم تنسبه إلى غيرك ؟! لا سِيَّما إذا كان عالماً ذكيا أَلْمَعِياً فريد دهره ومن أعلم الناس بالعبارات ودلالاتها ؟! فهو-رحمه الله- نصَّ على أشخاصٍ مُعينين في كلامه ,فتترك كلامه الذي هو نصٌّ واضحٌ وتأتي برأي من عندك لا يحتمله كلامه لا من قريب ولا من بعيد وتقول عنه : " وهذا القول من الدارقطني ... " إلى آخره ! وما حكم هذا التصرف عند المحدثين ؟ بل ما حكمه عند جميع العقلاء ؟! ثمَّ إنَّك تَجِدُّ في إثبات سماع محمد بن رافع من عبد الرزَّاق بينما تُشكِّك في سماع ابن أبي عمر منه قبل الإختلاط !! . يتبـــــع ...
|
||||
![]() |
الكلمات الدلالية (Tags) |
المفحم, الرد, اعتدى |
|
|
المشاركات المنشورة تعبر عن وجهة نظر صاحبها فقط، ولا تُعبّر بأي شكل من الأشكال عن وجهة نظر إدارة المنتدى
المنتدى غير مسؤول عن أي إتفاق تجاري بين الأعضاء... فعلى الجميع تحمّل المسؤولية
Powered by vBulletin .Copyright آ© 2018 vBulletin Solutions, Inc