من أطاع العلماء والأمراء - منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب

العودة   منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب > منتديات الدين الإسلامي الحنيف > قسم العقيدة و التوحيد

قسم العقيدة و التوحيد تعرض فيه مواضيع الإيمان و التوحيد على منهج أهل السنة و الجماعة ...

في حال وجود أي مواضيع أو ردود مُخالفة من قبل الأعضاء، يُرجى الإبلاغ عنها فورًا باستخدام أيقونة تقرير عن مشاركة سيئة ( تقرير عن مشاركة سيئة )، و الموجودة أسفل كل مشاركة .

آخر المواضيع

من أطاع العلماء والأمراء

 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 2013-01-20, 19:39   رقم المشاركة : 1
معلومات العضو
miramer
عضو محترف
 
الصورة الرمزية miramer
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي من أطاع العلماء والأمراء

شرح باب من أطاع العلماء والأمراء
من فتح المجيد
للشيخ
صالح بن عبد العزيز آل الشيخ
-حفظه الله تعالى-
[شريط مفرغ](
- - - - - - - - - - - -

بسم الله الرحمن الرحيم
[كتاب التوحيد]
باب من أطاع العلماء والأمراء في تحريم ما أحل الله أو تحليل ما حرم الله؛ فقد اتخذهم أرباباً من دون الله
وقال ابن عباس رضي الله عنهما: يوشِك أن تنزل عليكم حجارة من السماء، أقول: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وتقولون: قال أبو بكر وعمر؟!
وقال الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله تعالى: عجبت لقوم عرفوا الإسناد وصحته يذهبون إلى رأي سفيان، والله تعالى يقول: ?فَلْيَحْذَرْ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ?[النور:63]، أتدري ما الفتنة؟ الفتنة الشرك، لعله إذا رَدَّ بعض قوله أن يقع في قبله شيء من الزيغ فيهلِك.
وعن عدي بن حاتم: أنه سمع النبي - صلى الله عليه وسلم - يقرأ هذه الآية: ?اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلاَّ لِيَعْبُدُوا إلهاً وَاحِداً لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ?[التوبة:31]، فقلت له: إنا لسنا نعبدهم. قال: «أليس يحرّمون ما أحل الله فتحرّمونه، ويحلون ما حرم الله فتحلونه؟». فقلت: بلي. قال: «فتلك عبادتهم». رواه أحمد والترمذي وحسنه.
فيه مسائل:
الأولى: تفسير آية النور.
الثانية: تفسير آية براءة.
الثالثة: التنبيه على معني العبادة التي أنكرها عدي.
الرابعة: تمثيل ابن عباس بأبي بكر وعمر، وتمثيل أحمد بسفيان.
الخامسة: تغيّر الأحوال إلى هذه الغاية، حتى صار عند الأكثر عبادة الرهبان هي أفضل الأعمال، وتسمى الوَلاية، وعبادة الأحبار هي العلم والفقه، ثم تغيرت الأحوال إلى أن عُبِدَ من دون الله من ليس من الصالحين، وعُبِدَ بالمعني الثاني من هو من الجاهلين.
[فتح المجيد شرح كتاب التوحيد]قوله (باب من أطاع العلماء والأمراء في تحريم ما أحل الله أو تحليل ما حرم الله؛ فقد اتخذهم أرباباً من دون الله) لقول الله تعالى: ?اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلاَّ لِيَعْبُدُوا إلهاً وَاحِداً لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ?[التوبة:31] وتقدّم تفسير هذا في أصل المصنف رحمه الله عند ذكر حديث عدي بن حاتم رضي الله عنه.
قوله (وقال ابن عباس رضي الله عنهما: يوشك أن تنْزِل عليكم حجارة من السماء، أقول: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وتقولون: قال أبو بكر وعمر؟!)
قوله (يوشك) بضمّ أوله وكسر الشين المعجمة أي يقرب ويسرع.
وهذا القول من ابن عباس رضي الله عنهما جواب لمن قال له: إن أبا بكر وعمر رضي الله عنهما لا يَرَيَان التمتع بالعمرة إلى الحج، ويريان أن إفراد الحج أفضل، أو ما هو معنى هذا.
وكان ابن عباس يرى أن التمتع بالعمرة إلى الحج واجب، ويقول: إذا طاف بالبيت وسعى بين الصفا والمروة سبعة أشواط فقد حلّ من عمرته شاء أم أبى. لحديث سُراقة بن مالك رَضِيَ اللهُ عنْهُ حين أمرهم النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يجعلوها عمرة ويُحلّوا إذا طافوا بالبيت وسعوا بين الصفا والمروة، فقال سراقة: يا رسول الله ألعامنا هذا أم للأبد؟ فقال: «بل للأبد». والحديث في الصحيحين، وحينئذ فلا عذر لمن استفتى أن ينظر في مذاهب العلماء، وما استدل به كل إمام ويأخذ من أقوالهم ما دل عليه الدليل إذا كان له ملكة يقتدر بها على ذلك، كما قال تعالى: ?فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً?[النساء:59].
وللبخاري ومسلم وغيرهما أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «لو استقبلتُ من أمري ما استدبرت ما أهديت، ولولا أن معي الهدي لأحللت»، هذا لفظ البخاري في حديث عائشة رضي الله عنها. ولفظه في حديث جابر: «افعلوا ما أمرتكم به، فلولا أني سقت الهدي لفعلت مثل الذي أمرتكم»، في عدة أحاديث تؤيد قول ابن عباس.
وبالجملة فلهذا قال ابن عباس لما عارضوا الحديث برأي أبي بكر وعمر رضي الله عنهما (يوشك أن تنزل عليكم حجارة من السماء...) الحديث.
[وقال الإمام الشافعي رحمه الله تعالى: أجمع العلماء على أن من استبانت له سنة الرسول - صلى الله عليه وسلم - لم يكن له ليدعها لقول أحد.] (1)
وقال الإمام مالك رحمه الله تعالى: ما منا إلا راد ومردود عليه، إلا صاحب هذا القبر - صلى الله عليه وسلم -.
وكلام الأئمة في هذا المعنى كثير.
وما زال العلماء رحمهم الله يجتهدون في الوقائع، فمن أصاب منهم فله أجران، ومن أخطأ فله أجر، كما في الحديث(2)، لكن إذا استبان لهم الدليل أخذوا به وتركوا اجتهادهم. وأما إذا لم يبلغهم الحديث أو لم يثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - عندهم فيه حديث، أو ثبت وله معارض أو مخصّص ونحو ذلك فحينئذ يسوغ للإمام أن يجتهد.
وفي عصر الأئمة الأربعة رحمهم الله تعالى إنما كان طلب الأحاديث ممن هي عنده باللُّقَى والسماع؛ ويسافر الرّجل في طلب الحديث إلى الأمصار عدة سنين. ثم اعتنى الأئمة بالتصانيف ودوّنوا الأحاديث ورووها بأسانيدها، وبينوا صحيحها من حسنها من ضعيفها. والفقهاء صنّفوا في كل مذهب، وذكروا حجج المجتهدين. فسهُل الأمر على طالب العلم. وكل إمام يذكر الحكم بدليله عنده، وفي كلام ابن عباس رضي الله عنهما ما يدل على أن من بلغه الدليل فلم يأخذ به -تقليداً لإمامه- فإنه يجب الإنكار عليه بالتغليظ لمخالفته الدليل. (3)

__________
(1) هذا كلام للشافعي.
(2) الحديث يعني حديث معاوية «إذا اجتهد الحاكم فأصاب فله أجران وإذا اجتهد فأخطأ فله أجر واحد» والحاكم يعني به القاضي وأُلحق به كل عالم لأجل أن مدار الاجتهاد واحد ومشترك، والعلة فيهما واحدة.
(3) الإنكار يكون لمخالفة الدليل بعد تسليم صحته وبدلالته، أما إذا كانت صحة الدليل فيها بحث، وكذلك دلالته فيها بحث، فهذه: لا إنكار في مسائل الاجتهاد.
وهذه العبارة (لا إنكار في مسائل الاجتهاد) من عبارات أهل العلم؛ لأن المجتهد إما في المسألة النازلة أو في الحديث أو في معنى الآية فإن اجتهاده هو الذي ينبغي عليه وهو الواجب عليه، فإذا بان له شيء من وجه الحجة وخالفه غيره، فليس لأحد أن ينكر عليه، ذلك لأن أصول أهل العلم في النظر في الأدلة مختلفة، فتجد أن أصول أبي حنيفة في الفقه تختلف عن أصول مالك، تختلف عن أصول الشافعي وأحمد، فمالك والشافعي وأحمد أصولهم متقاربة، وأما الإمام أبو حنيفة فأصول الفقه عنده تبعد أو تختلف كثيرا أصول الأئمة الثلاثة، كذلك مالك أصوله تختلف كثيرا عن أصول الشافعي وأحمد مع قربه معهم في أكثرها.
المقصود أن سبب الخلاف النظر، وأصول الفقه -كما هو معلوم- منها ما هو راجع إلى الدليل، ومنها ما هو راجع إلى الاستدلال، والدليل والاستدلال ركنان من أركان علم أصول الفقه؛ لأن أصول الفقه له أربعة أركان: حكم والدليل والاستدلال والمستدل.
فالدليل منه الكلام في القراءات، ومنه الكلام في ثبوت وحجية السند، وهل يؤخذ بحديث بزيادة ثقة مثلا أو لا يؤخذ؟ هل يؤخذ بالمرسل يحتج أو لا يؤخذ؟ وهي المسماة بمصطلح الحديث.
كذلك من جهة الاستدلال تختلف أنظارهم فيه، فمن جهة الأمر والنهي مخصصات أو صوارف الأمر إلى الاستحباب، صوارف النهي إلى الكراهة؛ يعني من التحريم إلى الكراهة، هذه تختلف فيها أنظار أهل العلم.
كذلك المخصصات هل هذا مخصص أم العام باق على عمومه، هل يؤخذ بالمطلق ويحكم به على المقيد، أم يحكم بالمقيد على المطلق، هذا تختلف فيه الأنظار، كذلك هل تعدّ السنة بيانا للمجملات، مجملات القرآن أو مجملات السنة -العملية- تعد بيانا واجبا؛ يعني حكمه الوجوب من جهة النبي - صلى الله عليه وسلم -؟ نعم حكمه الوجوب، البيان؛ لكن أعني حكم المسألة هو الوجوب أم الاستحباب؟ إلى خلاف كثير في هذه المسائل، حجية قول الصاحب، هل القياس حجة؟ هل يسلم أن هذه علة؟ هل هذه العلة غير معارضة؟ هذه مسائل كثيرة يكون الخلاف راجعا إليها الاجتهاد النصوص راجع إلى هذه المسائل.
فإذن هناك اجتهاد يرجع إلى الدليل وهناك اجتهاد يرجع إلى الاستدلال والخلاف بين الأئمة في هذا كثير.
ومن حيث الاجتهاد لا إنكار في مسائل الاجتهاد، وهناك عبارة أخرى وهي (لا إنكار في مسائل الخلاف) فعبارة (لا إنكار في مسائل الاجتهاد) صحيحة على إطلاقها؛ يعني بإطلاق، وأما عبارة لا إنكار في مسائل الخلاف فهذه صحيحة باعتبار، بقيد؛ وهو أن يكون الخلاف قويا؛ يعني إذا رجع الخلاف إلى كونه اجتهادا صحيحا.
وذلك أن الخلاف منه ما هو خلاف قوي ومنه ما خلاف ضعيف، والخلاف القوي ما كان للاجتهاد فيه نكرة، لهذا بعض العلماء يقول لا إنكار في مسائل الخلاف هذه عبارة حادثة، وأما تصويبها: لا إنكار في مسائل الاجتهاد.
وشيخ الإسلام والأئمة يقولون كلا العبارتين صحيح وإذا قلنا لا إنكار في مسائل الخلاف نعني به الخلاف القوي، أما الخلاف الضعيف فإنه ينكر فيه على أصحابه، فننكر على من رأيناه يشرب النبيذ المسكر ولو كان قولا محكيا عن أبي حنيفة رضي الله عنه، ننكر على من عمل بربا الفضل وأكل مال ربا الفضل وتعامل به وإن كان قولا لابن عباس محكي عنه أو مشهور عنه، ننكر على من تمتع يعني تزوج امرأة متعة وإن كان قولا معروفا لطوائف يعني من السنة وهكذا.
فإذن ليست مسألة فيها خلاف يترك فيها إنكار؛ بل إذا كان خلاف قويا لا إنكار لأنه ترجع المسألة إلى الاجتهاد، الاجتهاد الصحيح، وإذا كان الخلاف ضعيفا فإنه يكون قد قوبل بالدليل يقول تقديم لقول هذا على الدليل، ومما تقرر في هذا الباب أنه من عارض الدليل بقول أحد فإنه ينكر عليه ويغلّظ عليه.
ولهذا الأئمة أئمة الحديث والسنة رحمهم الله صنفوا في الأشربة والأطعمة، الأشربة يريدون بذلك الرد على الحنفية، والأطعمة يريدون بذلك الرد على المالكية الذين لم يحرموا كل ذي ناب من السباع وكل ذي مخلب من الطير كما جاء في السنة، وهكذا في غير هذه المسائل.








 


قديم 2013-01-20, 19:42   رقم المشاركة : 2
معلومات العضو
miramer
عضو محترف
 
الصورة الرمزية miramer
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

وقال الإمام أحمد رحمه الله تعالى: حدثنا أحمد بن عمر البزّار، حدثنا زياد بن أيوب، حدثنا أبو عبيدة الحداد عن مالك بن دينار عن عكرمة عن ابن عباس قال: ليس منا أحد إلا يؤخذ من قوله ويُدَعْ غير النبي - صلى الله عليه وسلم -.
وعلى هذا فيجب الإنكار على من ترك الدليل لقول أحد من العلماء(1)كائناً من كان، ونصوص الأئمة على هذا؛ وأنه لا يسوغ التقليد إلا في مسائل الاجتهاد التي لا دليل فيها يُرجع إليه من كتاب ولا سنة، فهذا هو الذي عناه بعض العلماء بقوله: لا إنكار في مسائل الاجتهاد.
وأما من خالف الكتاب والسنة فيجب الرّد عليه كما قال ابن عباس رضي الله عنهما والشافعي ومالك وأحمد، وذلك مجمع عليه، كما تقدّم في كلام الإمام الشافعي رحمه الله تعالى.(2)قوله: (وقال أحمد بن حنبل رحمه الله تعالى: عجبت لقوم عرفوا الإسناد وصحته يذهبون إلى رأي سفيان، والله تعالى يقول: ?فَلْيَحْذَرْ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ?[النور:63]، أتدري ما الفتنة؟ الفتنة الشرك، لعله إذا رَدَّ بعض قوله أن يقع في قبله شيء من الزيغ فيهلك.)
هذا الكلام من الإمام أحمد رحمه الله رواه عنه الفضل بن زياد وأبو طالب. قال الفضل عن أحمد: نظرت في المصحف(3) فوجدت طاعة الرسول - صلى الله عليه وسلم - في ثلاث وثلاثين موضعاً، ثم جعل يتلو: ?فَلْيَحْذَرْ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ?[النور:63]الآية، فذكر من قوله: الفتنة الشرك -إلى قوله- فيهلك. ثم جعل يتلو هذه الآية: ?فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيمًا?[النساء:65].
وقال أبو طالب عن أحمد وقيل له: إن قوماً يدعون الحديث ويذهبون إلى رأي سفيان وغيره، فقال: أعجب لقوم سمعوا الحديث وعرفوا الإسناد وصحته يدعونه ويذهبون إلى رأي سفيان وغيره، قال الله تعالى: ?فَلْيَحْذَرْ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ?[النور:63] أتدري ما الفتنة؟ الفتنة: الكفر. قال الله تعالى: ?وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ?[البقرة:217] فيدعون الحديث عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وتغلبهم أهواؤهم إلى الرأي. وذكر ذلك عنه شيخ الإسلام رحمه الله تعالى.
قوله (عرفوا الإسناد) أي إسناد الحديث وصحته، فإن صح إسناد الحديث فهو صحيح عند أهل الحديث وغيرهم من العلماء.


__________
(1) هذا من كمال مرتبة أهل العلم، وما من عالم إلا وله غلط ولابد، إذا فرض أن ثم عالم يصيب في كل مسألة معنى ذلك أنه بلغ مرتبة النبوة؛ لأن الأنبياء هم الذين لا يخطئون، ولا يوجد عالم إلا وله شيء خالف فيه ما نعلمه من السنة، وهذا دليل كماله، لأن دليل كمال طالب العلم كمال العالم أن تكون مخالفاته للفهم الصحيح للسنة أن تكون قليلة، فإذا كان فهمه الكثير صوابا فهذا يدل على ارتفاع مقامه.
فمالك له أقوال مخالفة للسنة، مثل عدم تحريم أكل ذي الناب من السباع وذي المخلب من الطير، حتى نُسب للمالكية أنهم يبحون أكل لحوم الكلاب طبعا هذا لا يصح لأنهم يكرهونه ومنهم من يحرمه.
ونسب للشافعي إباحة؛ بل ثابت عنه أنه يجيز اللعب بالشطرنج.
وللإمام أبو حنيفة بشرب النبيذ ولو أسكر إذا لم يكن من التمر؛ يعني من العنب والتمر.
وكذلك الإمام أحمد له أقوال ما نعلمه من السنة مثل بعض مسائل التوسل.
كذلك شيخ الإسلام ابن تيمية له مسائل خالف فيها السنة، وأتى فيها بأشياء من عند نفسه، باجتهاده، وهو مأجور على ذلك؛ لكن ما نعلم من أين أخذها كقوله إن النبي - صلى الله عليه وسلم - غرس الجريدتين على قبري الذين يعذبان؛ لأن الجريدتين إذا كانتا خضراوين فإن فيهما الحياة فهما يسبحان ما دامتا خضراوين، فإذا يبستا فإنه ينقطع التسبيح، فالتخفيف لأجل تسبيح الجريدتين لأجل مجاورة المسبح، وهذا يفتح باب شر؛ بل فتح واستدل به بعض المبتدعة على أنه أولى من هاتين الجريدتين أن يستأجر قوم يقرؤون القرآن، ويكون أبلغ الذين يسبحون عند القبور، وهذا اجتهاد منه رحمه الله، لهذا لما ساق هذا القول الحافظ ابن حجر في الفتح قال: وهو على عهدته. يعني ما يعرف أن أحد علل بهذا التعليل.
فهكذا ما من أحد إلا وله أقوال لكن إذا كان العالم الغالب عليه الصواب، فإن هذا دليل على كماله، وقد قال بعضهم في ذلك بيتا يقول:
شخص الأنام إلى كمالك فاستعد من شر أعينهم بعيب واحد
هذا من جهة.
من جهة أخرى أن دليل الاجتهاد والمشابهة أن يكون للعالم هفوة أو مخالفة، إما في عمله حتى يستغفر وينيب، وإما في قوله وفتواه حتى يكون ذلك دليل على أنه عالم مجتهد في الشرع والله المستعان.
2) بسم الله الرحمن الرحيم
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبد الله ورسوله، وصفيه وخليله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين. أما بعد:
فهذا الباب ترجمه إمام هذه الدعوة بقوله (باب من أطاع العلماء والأمراء في تحريم ما أحل الله أو تحليل ما حرم الله، فقد اتخذهم أرباباً من دون الله)، ورعى فيه ما جاء في آية براءة؛ لأنها فيها ذكر الربوبية حيث قال جل وعلا ?اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ?[التوبة:31]، والآية فيها ذكر الأحبار والرهبان وهم العلماء والعباد، وأضاف الشيخ في الترجمة ذكر الأمراء؛ لأن الأمراء في الأعصر الإسلامية صار منهم نوع إلزام للناس بما يخالف السنة وما يخالف ما جاء في القرآن وكلام النبي - صلى الله عليه وسلم -، فمن أطاعهم في ذلك بالتحريم؛ تحريم الحلال وتحليل الحرام فقد اتخذهم أربابا.
وسبب ذكر الربوبية هنا دون الإلهية أن الربوبية فيها: أنّ الرب هو الذي خلق ورزق، وهو السيد الذي يتصرف في ملكه، ومن كان كذلك فهو المطاع، فالطاعة من آثار ربوبية الله جل وعلا على خلقه؛ يعني وجوب طاعة الله جل وعلا؛ هذا لكونه سبحانه وتعالى ربا؛ لكونه هو الذي خلق الخلق وهو الذي أنشأهم ورزقهم وهو الذي يملكهم ويتصرف فيهم كيف يشاء.
فإذن لما كان أمره نافذا فيهم فهم يجب عليهم أن يطيعوه وحده جل وعلا؛ إذْ لا رب لهم سواه.
وآية براءة فيها ذكر الربوبية والألوهية قال سبحانه ?اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلاَّ لِيَعْبُدُوا إلهاً وَاحِداً?[التوبة:31] فذكر الألوهية بعد ذكر الربوبية، وسبب ذلك أن الربوبية الألوهية من الألفاظ التي إذا اجتمعت تفرقت وإذا تفرقت اجتمعت، والربوبية تدل على الإلهية باللزوم بدلالة اللزوم، والإلهية تدل على الربوبية بدلالة التضمن، لهذا إذا أطلقت الربوبية التزمت الإلهية، وإذا أطلقت الألوهية تضمنت الربوبية، وهذا كقوله جل وعلا ?وَلاَ يَأْمُرَكُمْ أَن تَتَّخِذُواْ الْمَلاَئِكَةَ وَالنِّبِيِّيْنَ أَرْبَابًا أَيَأْمُرُكُم بِالْكُفْرِ بَعْدَ إِذْ أَنتُم مُّسْلِمُونَ?[آل عمران:80]، وأولئك اتخذوا الملائكة آلهة، واتخذوا بعض النبيين النبيين آلهة، وعبر أو ذكر لفظ الربوبية؛ لأن لفظ الربوبية إذا أُفرد فإنه يدخل فيه الإلهية بدلالة اللزوم، كما أن الإلهية إذا أفردت دخلت فيها الربوبية بدلالة التضمن.
فقول القائل: لا إله إلا الله. فيه توحيده لله جل وعلا في ألوهيته ويتضمن ذلك أنه موحد لله جل وعلا في ربوبيته.
وإذا قال لا رب لنا سوى الله جل وعلا، فإن ذلك يستلزم منه ويلزم منه أنه إنما يعبد الله وحده دون ما سواه.
ولهذا في القرآن كثيرا ما يُحتج على المشركين بعدم التزامهم بهذا اللازم، فيقرون بالربوبية ولا يلتزمون بالإلهية، يقرون بأن الله جل وعلا هو الخالق الرازق المحيي المميت الذي يجير ولا يجار عليه السيد المتصرف في الملك، الذي له الملكوت وحده، وله نفوذ الأمر وحده، ومع ذلك لا يوحدونه في عبادته فلن يجعل الربوبية مستلزمة للإلهية؛ يعني ما قادهم توحيدهم في الربوبية أو أكثر أفراد الربوبية إلى أن يوحدوا الله في الإلهية.
فإذن من أطاع العلماء والأمراء في تحريم ما أحل الله أو تحليل ما حرم الله فقد اتخذهم آلهة واتخذهم أربابا، والمعنى واحد؛ لأن عبادتهم داخلة في معنى الإلهية، والطاعة متفرعة عن الربوبية، فأحد المعنيين يقود إلى الآخر كما أسلفت. يأتي بيان الضوابط في ذلك في موضعه عند شرح حديث عدي بن حاتم إن شاء الله تعالى.
ذكر الشيخ رحمه الله أثر ابن عباس فقال (وقال ابن عباس رضي الله عنهما: يوشك أن تنزل عليكم حجارة من السماء، أقول: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وتقولون: قال أبو بكر وعمر؟!) وهذا الأثر مروي بهذا اللفظ بإسناد صحيح، وإسناده موجود ذكره شيخ الإسلام بن تيمية وغيره من رواية الإمام أحمد، وكأنّه في كتاب طاعة الرسول - صلى الله عليه وسلم - للإمام أحمد، وهذا الكتاب كان موجودا ولكن اليوم إنما وُقف على أوراق منه جُعلت في آخر إحدى الطبعات لمسائل عبد الله بن الإمام أحمد، كتاب طاعة الرسول صدّره الإمام أحمد بالمواضع التي زادت على الثلاثين التي أمر الله جل وعلا بها في القرآن أن يطاع الرسول - صلى الله عليه وسلم -، فطاعة الرسول عَلَيْهِ الصَّلاَةُ والسَّلاَمُ فرض وواجب لأنه لم يأت بشيء من عنده عليه السلام وإنما هو مبلغ عن الله ومرسل من عند الله جل وعلا، وإذا اجتهد عَلَيْهِ الصَّلاَةُ والسَّلاَمُ فإن اجتهاده إما أن يُقر عليه أو لا يقر عليه، يقر عليه فيكون شرعا؛ لأن الله جل وعلا يقره على ذلك، ولا يقر عليه فيرد ما اجتهد فيه عَلَيْهِ الصَّلاَةُ والسَّلاَمُ كما اجتهد في أسارى بدر وغير ذلك.
إذن فما يقوله النبي عَلَيْهِ الصَّلاَةُ والسَّلاَمُ هو وحي من الله جل وعلا، وقد قال حسان بن عطية أحد التابعين: كان جبريل ينزل على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالسنة كما ينزل عليه بالقرآن. وهذا المعنى صحيح لما دل عليه الحديث الصحيح الذي فيه قول النبي - صلى الله عليه وسلم - «ألا وإن ما حرّم رسول الله كما حرّم الله» يعني كالذي حرمه الله جل وعلا وقوله قول ان عباس (يوشك أن تنزل عليكم حجارة من السماء، أقول: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وتقولون: قال أبو بكر وعمر؟!) هذه قالها لما احتج عليه في مسألة التمتع في الحج، وكان ابن عباس يرى وجوب ذلك ويحتج عليه بحديث النبي - صلى الله عليه وسلم -، وأبو بكر وعمر رضي الله عنهما كانا يريان الإفراد في الحج ويقولان: الإفراد بالحج أفضل من التمتع. والنبي - صلى الله عليه وسلم - كان قارنا في حجه ولو لا أنه ساق الهدي لفسخ القران إلى عمرة فصار متمتعا بالعمرة إلى الحج، فقوله «لو استقبلت من أمري ما استدبرت» يدل على أن التمتع هو أفضل الأنساك، وأبو بكر وعمر رضي الله عنهما، وأيضا جمع من الصحابة رأوا أن الإفراد أفضل، وذلك حتى لا يخلو البيت من المعتمرين، والله جل وعلا جعل البيت مثابة للناس؛ يعني يثوبون إليه، وعمارة البيت بالطواف وبالسعي بين الصفا والمروى من العبادات العظيمة التي يحبها الله جل جلاله، فرأى أبو بكر وعمر رضي الله عنهما وجمع أيضا من غيرهما رأوا أن الاكتفاء بالتمتع يجعل الناس يكتفون في سنة برحلة واحدة إلى بيت الله يعتمرون فيها ويحجون، ويتركون البيت في باقي السنة فلا يقصدونه ولا يؤمونه بالعمرة، وهذا فيه إخلاء لبيت الله الحرام من قاصديه، إذا اكتفي بتمتّع والناس منازلهم تباعدت وفُتحت البلاد وصار الناس يبعدون عن بيت الله الحرام، لهذا كان رأي أبو بكر وعمر هو اجتهاد اجتهداه بما يناسب حال الناس وبما يحقق القصد الشرعي من كثرة ورود الناس إلى بيت الله الحرام.
وأبو بكر وعمر رضي الله عنهما لم يجعلا الإفراد أفضل مطلقا، وإنما قالا إن الإفراد أفضل لأنه يأتي بعمرة مستقلة في سفر مستقل، فيأتي إلى الحج في سفر، ويقصد أيضا البيت الحرام للعمرة في سفر آخر، فيفرد العمرة عن الحج، ويفرد الحج عن العمرة، وينشئ لكل واحد منهما سفرا. وأما من أراد التمتع وهو يريد أن ينشئ سفرا آخر للعمرة فهذا أفضل، وليس هو مما نهى عنه أبو بكر وعمر رضي الله عنهما.
ابن عباس رأى أن التّمتع واجب للأحاديث التي جاءت في الفسخ، والأدلة معروفة في كتاب الحج من الفقه.
المقصود من هذا الأثر هو أنّه أنكر على من احتج بقول أبي بكر وعمر وقابل به قول النبي - صلى الله عليه وسلم -، ولاشك أن هذا لا يجوز أن يقول لك قائل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كذا بحكم وتقول قال العالم الفلاني كذا.
وأبو بكر وعمر هما أفضل هذه الأمة، وإذا كان قولهما لا يجوز أن يقابل به قول النبي - صلى الله عليه وسلم -، كذلك من هو أدنى منهما من باب أدنى وأحرى، فإذا جاءته السنة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وعلمها لم يكن له أن يدعها لقول أحد من أهل العلم؛ بل يجب عليه أن يتّبع السنة إذا كان هو ممن من يعلم معاني ألفاظ الأحاديث، أما من لا يفهم اللغة تماما فإنه يعمل بها إذا بُيّن له معناها.
ومن جهة العمل كما سيأتي العمل بالسنن المقام فيه له جهتان:
الجهة الأولى: أن يسمع السنة فيفهم معناها بحسب ما عنده من كلام العربي، ويعمل به في نفسه، فهذا هو الذي ينبغي، ولا يتوقف ذلك على أن يعلم ما عند أهل العلم، أو ما عند أصحاب المذاهب المتبوعة؛ لأنه حين الحاجة إلى السنة يعمل بها، فإذا تركها وهو محتاج فيها إلى العمل، محتاج في المسألة إلى العمل بهذه السنة، وقال: لا أعمل حتى أرى أقوال الناس. يكون قد خالف مقتضى طاعة الرسول - صلى الله عليه وسلم -، فإن أخطأ في العمل؛ يكون قد أصاب من جهة الطاعة والإتباع وأخطأ من جهة قد يكون هذا الدليل منسوخا وقد يكون مخصوصا وقد يكون مقيدا أو يكون عاما يراد به الخصوص أو يكون مجملا له بيان أو نحو ذلك.
الجهة الثانية: أن يأمر به غيرَه، والأمر بما يعلمه من الحديث يأمر به غيره، هذه ليست لأفراد الناس، وإنما هي لأهل العلم الذين يعلمون الخاص والعام يعلمون كيف تستنبط الأحكام من حديث النبي - صلى الله عليه وسلم - بل ومن كتاب الله جل جلاله.
فهناك فرق بين العمل بالسنة في النفس -يعني في حالك إذا احتجت إلى ذلك أو إذا جاءك ما تتذكر فيه سنة وحديث- وبين أمرك لغيرك في ذلك، الأمر للآخرين إنما هو لأهل العلم، أما من لم يكن عالما فيكون معذورا إذا عمل بما بلغه من الحديث، كما جاء في الحديث الذي مر معنا -يعني في الأثر- قد أحسن من انتهى إلى ما سمع، فمن انتهى إلى ما سمع من السنة فقد أحسن؛ ولكن لا يأمر غيره إلا إذا كان عالما بذلك، وإذا احتاج غيره إلى أن يذكر بالسنة وهو غير عالم يتلو عليه حديث النبي - صلى الله عليه وسلم - الذي حفظه، فيكون غيره يعمل به كما عمل به الأول، ولا يأمره بذلك وإنما يتلو عليه السنة، فيكون ذاك مخاطبا من جهة العمل.
أما من جهة التفقه العام فإنّ كلام أهل العلم، كلام صحابة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وفتاواهم، كذلك كلام التابعين وفتاوى التابعين، وكلام الأئمة، كذلك كلام الفقهاء الذين صنفوا الكتب، وهذه الكتب الكبيرة المؤلفة في بيان الكتاب والسنة، بيان الأحكام، هذه كلها معينة على فهم الكتاب والسنة، ووظيفتها الإعانة، وظيفتها ومنزلتها أنها وسائل لفهم الكتاب والسنة، كتب الفقه تصور لك المسائل وتذكر لك دليلا على المسألة على حسب ما استدل به عالم، فتستفيد منها صورة المسألة والدليل الذي استدل به، وكتب الفقه لا يجوز أن تُجعل كالكتاب والسنة في إلزام الناس بها، أو جعل ما فيها حجة مطلقا، وتُترك المراجعة لكتب السنة والحديث والنظر فيها وابتغاء العلم منها.
ولهذا لما قام إمام هذه الدعوة الشيخ محمد بدعوته، وكانت له فتاوى مخالفة لما عهده الناس من كلام علماء المذاهب رحمهم الله تعالى وأجزل لهم المثوبة، احتجوا عليه بكلامهم، فبيّن أنه قال ذلك لما دل عليه الدليل في مسائل معروفة كثيرة، قالوا: هو يبطل العمل بالمذاهب ويدعي بالاجتهاد.
حتى إنه تحمّس من تحمس فأعلن فإغلاق باب الاجتهاد مطلقا، وقال -والعياذ بالله- من قال: إن نصوص الكتاب والسنة ظواهر لا يحل لأحد أن يعمل بها الآن، وذلك لاشتراط شروط فيها، فشرطوا في الأخذ بالكتاب والسنة أن يكون عالما باللغات، أن يكون بالناسخ والمنسوخ، أن يكون عالما بأصول الفقه، أو يكون عالما بالكتاب؛ بآيات الأحكام من الكتاب، أن يكون عالما بكثير من السنة، أن يعلم الأحاديث المنسوخة؛ الأحكام المنسوخة، أن يعلم الأحاديث المخصوصة والآيات المخصوصة، وأن يعلم المقيد والمطلق، ونحو ذلك من الشروط التي قال الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله أنها إذا تُحقق الأمر فإنها لا تجتمع في أكثر الصحابة؛ لأنها شروط صعبة، فإذا توقف في العمل بالكتاب والسنة على هذه الشروط فإنه معنى ذلك أن لا يعمل أحد بالقرآن والسنة.
نعم تلك الشروط صحيحة لكن في مسائل الاجتهاد؛ يعني لا يجوز لأحد أن يجتهد، أن يجعل نفسه مجتهدا في المسائل إلا إذا توفرت فيه آلة الاجتهاد، وهي تلك الشروط التي ذكرت بعضها.
أما العمل -ليس الاجتهاد- أما العمل بنصوص الكتاب والسنة فهو كما أوضحتُ لك من أنه يعمل إذا سمع، إذا سمع ذلك، فإذا كان يعلم فتوى لعالم يثق بعلمه، وعارض قول العالم الحديث فإنه يراجع العالم فيه، يقول: رأيت حديث فيه كذا وكذا وأنت قلت كذا فما توجيهه ونحو ذلك، فإذا وجهه له كان على بينة من الأمر.
المقصود من هذا تفريق فيما يعمل به المرء في نفسه، وبما يفتي به غيره، أو يأمر به غيره، فلا يجوز لأحد أن يفتي هكذا بمجرد سماعه للحديث؛ لكن إذا عمل به فإنه قد أطاع الرسول - صلى الله عليه وسلم -، وهذا هو الواجب عليه، وهذا فيما إذا لم يتمكن من سؤال أهل العلم عن معنى السنة.
قول ابن عباس هنا (أقول: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وتقولون: قال أبو بكر وعمر؟!) هذا في مقام المعارضة، معارضة قول الرسول لقول أبي بكر وعمر، هذا لا يجوز ومحرم؛ بل أبو بكر وعمر رضي الله عنهما يؤخذ قولهما وهما أفضل الأمة وأفضل الخلفاء الراشدين في فهم الكتاب والسنة وفي الفتاوى التي نقلت عنهما وفيما بين فيه معاني الكتاب والسنة، ثم في مسائل الاجتهاد العام.
وهذا هو الذي ذكره الشارح لك -الشيخ عبد الرحمن رحمه الله- في أن مسائل الاجتهاد يقبل فيها قول العالم، ويعني بمسائل الاجتهاد المسائل التي اجتهد فيها العلماء فيما نزل من الحوادث، فيما استجد، إذا استجدت حادثة فتأخذ بكلام العالم؛ لأنه اجتهد في هذه النازلة.
أما إذا كانت المسألة موجودة في عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - وفيها سنة، فإنه يعرض كلام العالم على السنة فإن كان -من طالب العلم الذي يحسن الفهم- فإن وافق قبله وإن لم يوافق السنة لم يقبله وهذا أصل عظيم في طاعة الله جل وعلا وطاعة رسوله - صلى الله عليه وسلم -.
وكما سبق أن ذكرت أن الكتب التي بين أيدينا إنما هي آلات لفهم دلالات الكتاب والسنة وأما الطاعة والاستجابة فإنما هي لله ورسوله - صلى الله عليه وسلم -، وما عدا ذلك من كلام أهل العلم فإنما هو بتقريب وفهم كلام الله جل وعلا وكلام رسوله - صلى الله عليه وسلم -.
فبهذا يتبين أن المسألة نخرج بها عن طرفي الغلو والجفاء:
أما الجفاء ففي قول جهلة مقلّدي الفقهاء الذين يقولون نأخذ بقول العالم وإن خالف السنة لأنه أدرى من أهل السنة، ولعل عنده معارض، لعل عنده مخصص، لعل عنده مقيد لم نطلع عليه، نقول نعم لعل عنده؛ ولكن الواجب علينا أن نأخذ ما بين أيدينا من كلام الله ومن كلام رسوله، وما ينفعنا من كلام النبي - صلى الله عليه وسلم - فإنه لن يحجب عن الأمة؛ بل الحق باق في الأمة،… لا يجوز أن يقال إنه تخلو الأمة من معرفة ما يحتاج إليه من كلام النبي - صلى الله عليه وسلم -.
بين الغلو والجفاء هؤلاء الجفاة من مثل ما وقفت عليه في بعض الكتب أنه قال: قال أبو حنيفة كذا، وفي صحيح مسلم عن فلان سمى الصحابي قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كذا ثم قال الله أعلم. وهذا من الجفاء الذي فيه أخذٌ لقول أهل العلم الذي السنة بخلافه، وترك السنة، ثم يقول الله أعلم أيهما الصواب، أو الله أعلم ما الحكم، فإن الواجب إذا قامت السنة أن نأخذ بها وقول العالم على احترامه وهو مأجور فيه بأجرين إن أصاب وبأجر واحد إن أخطأ؛ لأنه مجتهد ولكن المتابعة مع استبانة الدليل لا تجوز إلا فيما وافق الدليل.
أما أهل الغلو فالذين ذهبوا إلى أنه يعمل بنصوص الكتاب والسنة من الجهلة ويؤمر الناس بذلك ويلزمون وينكرون ويأخذون بذلك دون تفقه منهم، فلم يسلكوا طريقة أهل العلم التفقه والعلم والفهم في معاني الكتاب والسنة، ومعلوم أن نصوص الكتاب والسنة تفهم باللسان العربي، فإذا كان اللسان العربي قويما سليما كان للمرء أن يعمل بذلك ويأمر به، وهذا انتهى مع نهاية القرن الثالث الذي هو قرن تابع التابعين، لهذا ينص علماء اللغة على أنه لا يحتج في اللغة بأقوال من بعد سنة مائة وخمسين هجرية، ومن ذلك الشعراء يقولون آخر الشعراء الذي يحتج بقولهم إبراهيم بن [هيمة] وكانت وفاته قريبة من ذلك، لماذا لا يحتج فيما بعدهم؟ لأنه فشت المولدات وفشا الاختلاط بالأعاجم، واحتاج الناس بعد ذلك إلى ضبط اللغة بوضعها في نحوها وصرفها وفي مفرداتها، كذلك إلى وضع قوانين استنباط الأحكام من النصوص، وهو المسمى بعلم أصول الفقه، وأصلا علم أصول الفقه من اللغة يفهمه العربي لأنه خاص وعام ومطلق ومقيد، هذا كله من مباحث اللغة في الأصل، لهذا أهل الغلو راموا أن يعملوا بذلك ويأمروا الناس به وينهون عما فهموه دون نظر في هذا الأصل المهم.
فإذا تفقه المرء في الكتاب والسنة وعلم ما يحتاجه من اللغة فيما يفهم به المعاني والتراكيب، ونظر في فهم أهل العلم للمسائل والنصوص صار عنده ملكة، يمكنه بها أن يفهم النصوص على وجه الصواب، فأهل الغلو هم الذي طردوا هذا الباب، وجعلوا أن سماع الحديث فقط كافي، وهذا الأئمة ما أخذوا به الإمام أحمد اختلف أبي عبيد يقرأ عليه اللغة مدة، اختلف إلى فلان يقرأ الفقه مدة، وهكذا الشافعي اختلف إلى مالك قرأ عليه مدة وروى عنه من الأحاديث وأخذ عنه الفقه، وكان يحفظ من اللغة ديوان الهذليين، ويقول طلبت الأدب في عشرين سنة، وطلبت الفقه سبع سنين أو نحو ما قال، وبهذا صارت لهم آلات الاجتهاد التي بها يفهم معاني الكتاب والسنة ويمكنه أن يستنبط ويجتهد.
فإذن تفرق في هذا المقام بين عمل المرء في نفسه الذي أوضحت لك فيما سلف، وما بين أمره غيره، وهذا الناس فيه بين الغالي والجافي على هذا النحو.
أيضا من الغلاة من ترك كتب الفقه البتة، وقال هذه كتب ليس فيها أحاديث وليس فيها نفع؛ بل هي آراء الرجال وأقوال مطرحة، ولا يجوز الأخذ بها، هي الرأي المجرد.
هذا صحيح من جهة وباطل من جهة أخرى.
أما وجه صحته فإنه إذا اقتصر عليها، وترك طالب العلم النظر في النصوص وطلب الدليل في المسائل والاهتمام بذلك، إذا تركه في طلبه للعلم واقتصر على كلام الفقهاء، فإن ذاك قصور منه ولاشك مخالف لما عليه سنة أهل الحديث في العلم، وموافق لطريقة أهل الرأي، وباطل من جهة أخرى، ووجه بطلانه أنه بتركها يحصل عدم الفهم للنصوص، وعدم التصور للمسائل لأن كتب الفقه ميزتها أنها تصور لك المسائل تصور لك الوقائع، تفهم بها النصوص، فالذين يقرؤون في كتب الفقه ويحفظونها، حتى يحفظوا صورة المسائل، حتى يحفظوا صورة المسألة وقول عالم في هذه المسألة التي اتضحت له صورتها، ومعلوم أن المسائل منها ما عليه الدليل من الكتاب والسنة، ومنها ما دليله قول الصحابي، ومنها ما دليله الإجماع، ومنها ما دليله القياس، ومنها ما دليله اجتهاد الإمام الذي في المذهب، فليست مسائل الفقه كلها راجعة من جهة الدليل إلى الكتاب والسنة؛ بل فيها مسائل أدلتها في غير ذلك.
المقصود أن فائدة كتب الفقه هي إحداث التصور، فمن ترك ذلك صار عليه من النقص بقدر ما فاته من ذلك، لهذا كل أهل العلم الذين نعلمهم ونعرفهم ونحسبهم -والله حسيبهم ولا نزكي على الله أحدا- أنهم من أهل الاتباع التام للنصوص كل هؤلاء درسوا الفقه على مذهب من المذاهب، وفائدة هذه الدراسة أنها تحدث لك ملكة في التصور والفهم ومعرفة قول الإمام بدليله أو قول المصنف بدليله أو قوله بتعليله أو بإلحاقه بقاعدة ونحو ذلك، حتى إذا احتجت إلى عمل في مسألة لم تستحضر فيها سنة، فأنْ تعمل فيها بقول عالم أولى من أن تجتهد فيها رأيك ولست من أهل الاجتهاد، لهذا نحتاج كثيرا في مسائل تقع ما نتذكر فيها دليل؛ ولكن نذكر فيها قول لعالم من أهل العلم سواء في الحاجة لا تجتهد رأيك ولست من أهل الاجتهاد في النصوص، وإنما أن تعمل بقول عالم هذا يخلصك من التبعة.
فإذن المقام الناس فيه بين مفرِّطين ومفرِطين بين جفاة وغلاة، وعجبا أن تجد هذا في أهل التوحيد الذين في كتابهم هذا الباب العظيم فالناس فيه ما بين غال وجاف والله المستعان.
فيه عبارة أخيرة التي هي آخر كلمة في مسائل الاجتهاد.
(3) القياس اللغوي مِصحف، كمِنبر، والمشهور المُصحف تفريقا فيه بين كتاب الله جل وعلا وما بين غيره من الصحف التي تجمع، فإذا جمعت صحف تسميه العرب مِصحفا، الصحف المجموعة تسميها مِصحفا هذا هو القياس، والقرآن سمي مُصحفا وعلى القياس مِصحفا؛ لأنه مجموع في صحف، فهي مُصحف ومِصحف، قال بعضهم وأيضا مَصحف لكن هذه ضعيفة.









قديم 2013-01-20, 20:00   رقم المشاركة : 3
معلومات العضو
miramer
عضو محترف
 
الصورة الرمزية miramer
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

و(سفيان) هو الثوري الإمام الزاهد العابد الثقة الفقيه، وكان له أصحاب يأخذون عنه، ومذهبه مشهور يذكره العلماء رحمهم الله في الكتب التي يذكر فيها مذاهب الأئمة، كالتمهيد لابن عبد البر، والاستذكار له، وكتاب الإشراف على مذاهب الأشراف لابن المنذر، والمحلّى لابن حزم، والمغني لأبي محمد عبد الله بن أحمد ابن قدامة الحنبلي. وغير هؤلاء.
فقول الإمام أحمد رحمه الله: (عجبت لقوم عرفوا الإسناد وصحته...) إلخ إنكار منه لذلك. وأنه يؤول إلى زيع القلوب الذي يكون به المرء كافراً. وقد عمّت البلوى بهذا المنكر خصوصاً ممن ينتسب إلى العلم، نصبوا الحبائل في الصدّ عن الأخذ بالكتاب والسنة، وصدوا عن متابعة الرسول - صلى الله عليه وسلم - وتعظيم أمره ونهيه.
فمن ذلك قولهم: لا يَستدل بالكتاب والسنة إلا المجتهد. والاجتهاد قد انقطع ويقول: هذا الذي قَلَّدتُّهُ أعلم منك بالحديث وبناسخه ومنسوخه، ونحو ذلك من الأقوال التي غايتها ترك متابعة الرسول - صلى الله عليه وسلم - الذي لا ينطق عن الهوى، والاعتماد على قول من يجوز عليه الخطأ، وغيره من الأئمة يخالفه، ويمنع قولُه بدليل، فما من إمام إلا والذي معه بعض العلم لا كله. فالواجب على كل مكلَّف إذا بلغه الدليل من كتاب الله وسنة رسوله وفهم معنى ذلك: أن ينتهي إليه ويعمل به، وإن خالفه من خالفه، كما قال تعالى: ?اتَّبِعُواْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُمْ وَلاَ تَتَّبِعُواْ مِن دُونِهِ أَوْلِيَاء قَلِيلاً مَّا تَذَكَّرُونَ?[الأعراف:3]، وقال تعالى ?أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرَى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ?[العنكبوت:29] وقد تقدم حكاية الإجماع على ذلك؛ وبيان أن المقلد ليس من أهل العلم، وقد حكى أيضاً أبو عمر بن عبد البر وغيره الإجماع على ذلك.قلت: ولا يخالف في ذلك إلا جهال المقلدة، لجهلهم بالكتاب والسنة؛ ورغبتهم عنهما، وهؤلاء وإن ظنوا أنهم قد اتبعوا الأئمة فإنهم في الحقيقة قد خالفوهم، واتبعوا غير سبيلهم. كما قدّمنا من قول مالك والشافعي وأحمد، ولكن في كلام أحمد رحمه الله تعالى إشارة إلى أنّ التقليد قبل بلوغ الحجة لا يذم وإنما ينكر على من بلغته الحجة وخالفهم لقول إمام من الأئمة، وذلك إنما ينشأ عن الإعراض عن تدبر كتاب الله وسنة رسوله والإقبال على كتب من تأخروا والاستغناء بها عن الوحيين، وهذا يشبه ما وقع من أهل الكتاب الذي قال الله فيهم: ?اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ?[التوبة:31]، كما سيأتي بيان ذلك في حديث عدي بن حاتم.
فيجب على من نصح نفسه(1) إذا قرأ كتب العلماء ونظر فيها وعرف أقوالهم أن يعرضها على ما في الكتاب والسنة، فإنّ كل مجتهد من العلماء ومن تبعه وانتسب إلى مذهبه لا بد أن يذكر دليله، والحق في المسألة واحد، والأئمة مثابون على اجتهادهم، فالمُنْصِفُ يجعل النظر في كلامهم وتأمُّلِهِ طريقاً إلى معرفة المسائل واستحضارها ذهناً وتمييزاً للصواب من الخطأ بالأدلة التي يذكرها المستدلون، ويَعْرف بذلك من هو أسعد بالدليل من العلماء فيتّبعه، والأدلة على هذا الأصل في كتاب الله أكثر وفي السنة كذلك، كما أخرج أبو داود بسنده عن أناس من أصحاب معاذ: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لما أراد أن يبعث معاذاً إلى اليمن قال: «كيف تقضي إذا عرض لك قضاء؟» قال: أقضي بكتاب الله تعالى، قال: «فإن لم تجد في كتاب الله؟» قال: فبسنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، قال «فإن لم تجد في سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولا في كتاب الله؟» قال: أجتهد رأيي ولا آلو، قال: فضرب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صدره وقال: «الحمد لله الذي وفق رَسول رسول الله لما يُرضي رسول الله»، وساق بسنده عن الحارث بن عمر(2) عن أناس من أصحاب معاذ بن جبل رضي الله عنه: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لما بعثه إلى اليمن- بمعناه.والأئمة رحمهم الله لم يقصروا في البيان، بل نهوا عن تقليدهم إذا استبانت السنة، لعلمهم أن من العلم شيئاً لم يعلموه، وقد يبلغ غيرهم، وذلك كثير كما لا يخفى على من نظر في أقوال العلماء.
قال أبو حنيفة رحمه الله تعالى: إذا جاء الحديث عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فعلى الرأس والعين، وإذا جاء عن الصحابة رضي الله عنهم فعلى الرأس والعين، وإذا جاء عن التابعين فنحن رجال وهم رجال.
وقال: إذا قلتُ قولاً وكتاب الله يخالفه فاتركوا قولي لكتاب الله. قيل: إذا كان قول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يخالفه؟ قال: اتركوا قولي لخبر الرسول - صلى الله عليه وسلم -. وقيل إذا كان قول الصحابة يخالفه؟ قال: اتركوا قولي لقول لصحابة.
وقال الربيع: سمعت الشافعي رحمه الله يقول: إذا وجدتم في كتابي خلاف سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فخذوا سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ودعوا ما قلت.
وقال: إذا صح الحديث بما يخالف قولي فاضربوا بقولي الحائط.
وقال مالك رحمه الله تعالى: كل أحد يؤخذ من قوله ويترك إلا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.
وتقدم له مثل ذلك، فلا عذر لمقلّد بعد هذا. ولو استقصينا كلام العلماء في هذا لخرج عما قصدناه من الاختصار، وفيما ذكرناه كفاية لطالب الهدى. 3)

__________
(1) فيجب على من نصح نفسه) يعني من أهل العلم أو من طلبة العلم ليس كل مسلم، نصح نفسه من أهل العلم أو من طلبة العلم الذين يمكنهم فهم معاني الكتاب والسنة.
(2) كأنه حارث بن عمرو، راجعوه.
(3) وهذا المذكور في كلام الشارح رحمه الله تعالى هو الذي جعله الشيخ الإمام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله طريقا في دعوته، فإنه رحمه الله أتى إلى أُناس في هذه الديار وهم يعكفون على كتب المذاهب ولا يعرفون كتب الحديث البتة، حتى إنّ صحيح البخاري يُذكر في ذلك الزمان أنه يوجد عند فلان أو يوجد عند فلان يعني قد لا يكون منه إلا نسخة أو نسختين أو ثلاثة، فضلا عن غيره من كتب السنة، وقراءتها إذا وجدت فهي للتبرك أو لأخذ الأوقاف التي يقف فيها الموقفون على قراءة البخاري ونحوه على الناس في المساجد تبركا، أما أخذ العلم من كتب السنة والاهتمام بكتب السنة والحديث فهذا لم يكن في نجد البتة، والشيخ رحمه الله لما قام بدعوته وأظهرها قال أقوالا على حسب مقتضى الدليل لما سمعتم من كلام الأئمة فيما ذكر الآن، فخالفه من خالف، وكتبت له رسائل، فقال في بعض حججه: والأكثر ما في الإقناع والمنتهى -وهما من كتب المذهب الحنبلي التي يعتمد عليها المتأخرون- قال: وأكثر ما في الإقناع والمنتهى مخالف لقول أحمد ونصه.
وأدخل الشيخ رحمه الله كتب الحديث في نجد وأدخل الاحتجاج بالدليل والنظر في أقوال أهل العلم فرجح في مسائل كثيرة ما ليس في مذهب أحمد، وقبِل قول المذهب في مسائل أيضا كثيرة لوافقته للدليل.
ومن المتقرر أن مذهب الإمام أحمد هو أقرب المذاهب للدليل وما يخالفون فيه مقتضى الدليل أقل مما عند غيره من المذاهب.
الشيخ رحمه الله ظهر في هذه البلاد وهم لا يعرفون كتب الحديث، فأدخلها ونشرها، حتى رأيتَ في شرح شيخ السليمان بن عبد الله الذي لم يغادر الدرعية في شرحه على كتاب التوحيد رأيت أنه نقل عن كتب حتى من كتب السنة والحديث مما لم نقف عليه الآن؛ فيه أكثر من ستمائة مرجع في السنة والحديث، وكان أبناء الشيخ رحمه الله يدرسون كتب الحديث في الجامع في الدرعية وفي قصر الإمارة مما هو معروف مشهور.
الشيخ رحمه الله لما دعا غلى الالتزام بالسنة وترك التعصب وترك التقليد الذي ليس على وجه حجة الناس عارضوه، وكان من سبب تأليفه لرسالة آداب المسجد في الصلاة -التي انتزعها من الإقناع وشرحه أو لخصها من الإقناع وشرحه- كان من سبب ذلك أنه قيل في حقه إنه يُبطل كتب المذهب الحنبلي، كما ذكر ابن بشر في تاريخه وكتب المذهب فيها خير كثير وفيها فقه عظيم فصنف الشيخ هذه الرسالة منتزعة من إقناع والمنتهى حتى لا تتم هذه المقالة؛ لأنه مصلح ويريد بدعوته الإصلاح، ونبّه الناس على الاهتمام بالسنة والدعوة، وترك ما فيه نوع جفاء بالنسبة لكتب أهل الفقه، حتى إنه اختصر الإنصاف والشرح الكبير -وهما من الكتب التي فيها ذكر الأقوال في المسائل مما هو معروف في ذكر أقوال السلف وأقوال الأئمة المتبوعين ونحو ذلك-، كان له اهتمام كثير في اختيارات شيخ الإسلام ابن تيمية.
فالمقصود من ذلك أن الشيخ رحمه اله طبق هذا الكلام الذي سمعنا وطبقه أبناؤه وتلامذته، وهذا هو الذي انتشر في هذه البلاد في أنهم إنما يفتون بما قام به الدليل عند المفتي والمجتهد، فالشيخ رحمه الله في الفقه على هذه الطريقة، وليس مقلدا في الفقه، وإنما هو يأخذ بالفقه بما وافق الدليل، وكيف يقلد فيه وهو الذي يذكر هذا الباب العظيم من أبواب كتاب التوحيد، فهو رحمه الله سلفي الاعتقاد، سلفي الفقه، صحيح النظر في ذلك كله ونشر الدعوة على الوسط بين طريقتي أهل الغلو وأهل الجفاء في اتباع الأدلة.
وقسم الشيخ رحمه الله طريقته في ذلك إلى قسمين:
أما من جهة الفتوى فعلى ما ذكرت، فمن جهة التعليم، فعلى ما ذكرت إقراء كتب السنة والحديث واستنباط العلم منها، وإقراء كتب الفقه وتصوير المسائل والأخذ بما ترجح فيه الدليل.
أما في الحكم والقضاء فإنه لم يفتح الباب للقضاة في أن يجتهدوا على ما وافق عليه الدليل عندهم؛ لأن هذا يفضي أن يكون للقاضي وللحاكم اجتهاد في مسألة يحكم فيها بقطع رأس والآخر لا يحكم في عين تلك المسألة، فيفضي ذلك إلى خلل كبير في المجتمع وخلل كبير في الدولة وعدم رضا الناس بالأحكام الشرعية، وفتن تكون بينهم.
فإنما قال القضاة يكون مرجعكم في ذلك كتب المذهب الحنبلي، وإذا كان ثم مسألة يراها القاضي غير موافقة للدليل في المذهب فإنه يكتب إلى مرجعه في القضاء، في وقت الشيخ محمد يكتبون إلى الشيخ محمد، فيذكر لهم ما يرجحه هو في هذه المسألة، حتى تكون البلاد في مسائل القضاء لها مرجع واحد؛ لأن ترك ذلك يكون فيه خلل كبير، ولما فتح الملك عبد العزيز رحمه الله مكة قال بعض من في مكة من أهل العلم قال: لو قنّنت ما في الإقناع والمنتهى للقضاة فجعلته على شكل مواد؛ المادة الأولى المادة الثانية بالأحكام الموجودة في الإقناع والمنتهى. فقالوا: والسبب في ذلك أن القضاة يجتهدون، وربما حصل فيه فتن بين اجتهاد أهل مكة، واجتهاد أهل الرياض، اجتهاد أهل الجنوب، واجتهاد أهل الشمال، وهذا يسبب في ذلك نزاعا ويسبب خلافا.
وكُتبت في ذلك مجلة في الأحكام الشرعية التي طبعت -أظن للقاري أحمد بن عبد الله القاري وآخر معه- جعلوا الفقه الحنبلي كمواد، وجَعْل الفقه الحنبلي كمواد عرضه الملك عبد العزيز رحمه الله على المشايخ والعلماء فرفضوه البتة، وقالوا: هذا يفضي إلى أن تتبع هذه الأقوال دون نظر واجتهاد، فتصير كالقوانين. وهذا باطل؛ لأن الأصل أن كلامهم للإعانة على فهم النصوص، فإذا جعلت مواد صار القاضي يرجع إلى المادة ويحتج بها كصنيع أهل القانون وأهل التقنين، وهذا مخالف لأصل الدعوة فرفضوا ذلك، والفرق عندهم ما بين ما في الإقناع والمنتهى متنا مما هو موجود وما بين هذا الكتاب الذي فيه التقنين؛ يعني جعل المسائل على مواد، الفرق بينهم أن ذاك يرجع فيه القاضي إلى شروحه فينظر في الدليل، وإذا لم يقتنع بذلك كتب إلى مرجعه في القول الآخر، أما المواد وجعلها كقوانين هذه تكون مع الزمن مُلزمة صارمة، وهذا لا يجوز أن يجعل قول أحد ملزم وصارم، ولا يقال بخلافه إلا الرسول - صلى الله عليه وسلم - يعني من البشر، ولهذا رُفض ذلك.
فالدعوة دعوة الشيخ محمد رحمه الله في وقته وبعده أبناؤه وتلامذته وأئمة الدعوة رحمه الله نشروا الفقه أخذا بالدليل وترجيحا من المفتي فيما يفتي به الناس دون رجوع إلى المفتي الكبير أو أكبر العلماء في الإفتاء، أما في القضاء فلم يمنحوا أحدا أن يجتهد.
ولما كثر الاجتهاد في هذه البلاد، أو صار بعض الأحكام قد يكون عليها ملاحظات لما احتاجت البلاد إلى قضاة كثير، فصار من يلي القضاء ربما ليس على مستوى من العلم ما يؤهله أن يكون نظره صائبا دائما في المسائل المعروضة عليه، لما كان كذلك شُكِّلت محاكم التمييز -يعني محكمة التمييز في الرياض محكمة التمييز في المنطقة الغربية- شُكلت محاكم التمييز ووظيفتها أن تميز الأحكام التي يصدرها القضاة هل هي موافقة أم مخالفة؟ لأن القاضي قد في أول أمره يحكم بما يراه في كتاب النصوص والفقه، أو قد يجتهد فيحكم بما وافق عليه الدليل في اجتهاده، ولا ينظر إلى المصلحة العظمى في أن لا تتفاوت الأحكام في البلاد، فيكون القاضي يحكم بشيء في مسائل عظيمة، مثل قتل مثل انتزاع حقوق ونحو ذلك وآخر يحكم بخلاف ذلك، فشكلت محاكم التمييز لأجل الفصل في قضايا القضاة التي يعترض عليها أحد الخصمين.
وهذا كله في تأسيس هذه المسألة العظيمة، ولا أكاد أعرف أنّه نظمت مسائل القضاء والإفتاء على وفق الدليل وعلى وفق طريقة أهل السنة والحديث بعد القرون الثلاثة -يعني بعد الثلاثمائة بعد شيوع كتب المذاهب والمتون- كما جُعلت في دعوة الشيخ محمد رحمه الله تعالى، فإنها ضبطت ضبطا شرعيا سليما، نقول هذا بعد معرفة ونظر وتأمل، وهذا هو الذي أصلح هذه البلاد في هذه المسائل، وفيه توسّط والحمد لله، وهذه الأمة في عقيدتها واشتباهها وسط بين الغالي والجافي.
رحم الله إمام هذه الدعوة ورحم أبناءه وتلاميذه، رحم من آواه ونصره وأيد هذا الدين، ورحم كل من جاهد في سبيل تقرير هذه العقيدة وإتمام إلزام الناس بطاعة الله جل وعلا وطاعة رسوله وأجزل لهم الثواب ووفق من عقبهم خيرا في العلم أو في الإمامة ورزقهم الهدى والسداد وجعلهم من المتبعين للكتاب والسنة قولا وعملا واعتقادا، وأعاذنا وإياكم وإياهم من الفتنة في الدين ومن الفتنة في الدنيا.
وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد.[انتهى الشريط الأول]









قديم 2013-01-20, 20:01   رقم المشاركة : 4
معلومات العضو
miramer
عضو محترف
 
الصورة الرمزية miramer
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

قوله: (لعله إذا ردّ بعض قوله) أي قول الرسول - صلى الله عليه وسلم - (أن يقع في قلبه شيء من الزيغ فيهلك) نبه رحمه الله أن رد قول الرسول - صلى الله عليه وسلم - سبب لزيغ القلب، وذلك هو الهلاك في الدنيا والآخرة كما قال تعالى: ?فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ?[الصف:61].
قال شيخ الإسلام رحمه الله في معنى قول الله تعالى ?فَلْيَحْذَرْ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ?[النور:63]: فإذا كان المخالف لأمره قد حذر من الكفر والشرك، أو من العذاب الأليم، دلّ على أنه قد يكون مفضياً إلى الكفر والعذاب الأليم، ومعلوم أن إفضاءه إلى العذاب الأليم هو مجرّد فعل المعصية، فإفضاؤه إلى الكفر إنما هو لما اقترن به من الاستخفاف في حق الأمر، كما فعل إبليس لعنه الله تعالى. ا هـ.
وقال أبو جعفر بن جرير رحمه الله تعالى عن الضحاك ?فَلْيَحْذَرْ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ?[النور:63] قال: يُطبع على قلبه فلا يؤمن أن يظهر الكفر بلسانه فتضرب عنقه.
قال أبو جعفر بن جرير: أدخلت ?عَنْ? لأن معنى الكلام: فليحذر الذين يلوذون عن أمره ويدبرون عنه معرضين.
قوله ?أَوْ يُصِيبَهُمْ? في عاجل الدنيا عذاب من الله موجع على خلافهم أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. (1)قوله: (وعن عدي بن حاتم: أنه سمع النبي - صلى الله عليه وسلم - يقرأ هذه الآية: ?اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ?[التوبة:31] الآية، فقلت له: إنا لسنا نعبدهم. قال: «أليس يحرمون ما أحل الله فتحرمونه، ويحلون ما حرم الله فتحلونه؟». فقلت: بلي. قال: «فتلك عبادتهم». رواه أحمد والترمذي وحسنه).
هذا الحديث قد روي من طرق، فرواه ابن سعد وعبد بن حميد وابن المنذر وابن جرير وابن أبي حاتم والطبراني، وأبو الشيخ وابن مَرْدُويَه والبيهقي.
قوله: (عن عدي بن حاتم) أي الطائي المشهور. وحاتم هو ابن عبد الله بن سعد بن الحَشرج -بفتح الحاء- المشهور بالسخاء والكرم. قدم عدي على النبي - صلى الله عليه وسلم - في شعبان سنة تسع من الهجرة. فأسلم وعاش مائة وعشرين سنة.
وفي الحديث دليل على أن طاعة الأحبار والرهبان في معصية الله عبادة لهم من دون الله، ومن الشرك الأكبر الذي لا يغفره الله لقوله تعالى في آخر الآية: ?وَمَا أُمِرُوا إِلاَّ لِيَعْبُدُوا إلهاً وَاحِداً لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ?[التوبة:31] ونظير ذلك في قوله تعالى: ?وَلاَ تَأْكُلُواْ مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَآئِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ?[الأنعام:121]، وهذا قد وقع فيه كثير من الناس، مع أنهم قلدوهم لعدم اعتبارهم الدليل إذا خالف المقلَّد، وهو من هذا الشرك. ومنهم من يغلو في ذلك ويعتقد أن الأخذ بالدليل والحالة هذه يكره، أو يحرم، فعظمت الفتنة. ويقول: هم أعلم منا بالأدلة. ولا يأخذ بالدليل إلا المجتهد، وربما تفوهوا بذم من يعمل بالدليل، ولا ريب أن هذا من غربة الإسلام كما قال شيخنا رحمه الله تعالى في المسائل، فتغيرت الأحوال، وآلت إلى هذه الغاية فصارت عند الأكثر عبادة الرهبان هي أفضل الأعمال، ويسمونها وَلاية، وعبادة الأحبار هي العلم والفقه. ثم تغيرت الحال إلى أنْ عُبد من ليس من الصالحين، وعُبد بالمعنى الثاني من هو من الجاهلين.
وأما طاعة الأمراء ومتابعتهم فيما يخالف ما شرعه الله ورسوله فقد عمّت بها البلوى قديماً وحديثاً في أكثر الولاة بعد الخلفاء الراشدين وهلمّ جرا.
__________
(1) بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد:
فهذا الخبر عن الإمام أحمد رحمه الله يفيد التغليظ الشديد فيمن ترك الدليل من الكتاب أو من السنة إلى قول أحد بعد وضوح دلالته وضعف دلالة صاحب الرأي، والنبي - صلى الله عليه وسلم - أمره ونهيه كأمر لله ونهيه من جهة الطاعة، والسنة -كما ذكرنا- وحي من الله جل جلاله.
فقول الإمام أحمد (عجبت لقوم عرفوا الإسناد وصحته يذهبون إلى رأي سفيان، والله يقول: ?فَلْيَحْذَرْ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ?[النور:63]، أتدري ما الفتنة؟ الفتنة الشرك، لعله إذا رَدَّ بعض قوله أن يقع في قبله شيء من الزيغ فيهلِك.) والآية فيها أنّ من ترك أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - والأولى منه أمر الله جل وعلا من ترك ذلك بعد العلم به وظهور الحجة فيه على المسألة أنه متوعد بالعذاب الأليم أو بالعقوبة في قلبه؛ بأن ينقلب مشركا، وهذا يدل على أن -مثل ما ذكر لك في الشرح يعني شيخ الإسلام- على أن أمر المخالف للنبي - صلى الله عليه وسلم - قد يقع في الكفر عقوبة على مخالفته، وذلك إذا كانت مخالفته من جهة تركه للأمر رغبة عنه، أما إذا خالفه مع العلم بأنه عاصي فهذا له حكم أمثاله من أهل الوعيد.
فإذن قوله هنا ?فَلْيَحْذَرْ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ? المخالفة المترتِّب عليها وقوع الشرك وقوع الفتنة أو وقوع العذاب الأليم، أو المترتب عليها الوعيد بهذا أو ذاك، هذه فيها نوع إجمال، والسنة تفسر بعضها بعضا، وكذلك السنة تفسر مجمل الكتاب، والكتاب أيضا يفسر مجمل السنة.
ولهذا نقول: إن قوله ?فَلْيَحْذَرْ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ? هي كما استدل بها الإمام أحمد رحمه الله؛ لكن ينضبط هذا من جهة الكفر والشرك أو من جهة التوعد بالعذاب بما جاء ضبطه بالأدلة الأخرى؛ لأن هذا فيه نوع إجمال -الذي هو المخالفة-.
ولهذا ابن جرير رحمه الله قال لك إن في قوله ?يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ? هي بمعنى يلوذون عن أمره يعني خالفه تركه ولاذ عنه وفر عنه، وهذا يفهم منه أنه قصد ذلك بعد العلم به ورغب عنه إلى غيره، وهذا الأصل الذي قاله ابن جرير ظاهر؛ لأن تعدية المخالفة في حرف عن يدل على أنه ضمّن الفعل يخالفون معنى اللياذ والفرار؛ لأن المخالفة تتعدى بنفسها، تقول: خالف فلان أمر النبي - صلى الله عليه وسلم -، ما تقول: خالف عنه؛ لكن هنا لما عداها بـ(عن) يعني أنه ضمن هذا الفعل فعل آخر يناسب التعدية بـ(عن)، وهو يلوذ أو يفر؛ لأنك تقول: فرّ عن هذا الشيء ولاذ هم هذا الشيء. ومجيء ?عن? هنا أفاد أنه فر مع العلم بذلك لأنه قال ?فَلْيَحْذَرْ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ? فأمره قد وضح لهم وبان ورغبوا في آرائهم ويدل على ذلك الآية قبلها حيث قال جل وعلا ?وَإِذَا كَانُوا مَعَهُ عَلَى أَمْرٍ جَامِعٍ لَمْ يَذْهَبُوا حَتَّى يَسْتَأْذِنُوهُ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ?[النور:62] إلى آخره الآية، فدل على أن هؤلاء الذين خالفوا وذهبوا من غير استئذان أنهم علموا بالأمر وتعمدوا خلافه لأجل رأي رأوه ظنوا أن غيره أحسن من أمر النبي - صلى الله عليه وسلم -، أو أنه مثله أو أنه يسوغ لهم هذه المخالفة.
وهذا الوعيد مثل ما ذكرت لكم ?فَلْيَحْذَرْ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ? يعني فليحذر أولئك إصابة الفتنة لهم.
والفتنة تفسر في القرآن بالشرك وذلك لقوله ?وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ?[البقرة:217]، ?وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ?[البقرة:191] يعني الشرك أشد من القتل والشرك أكبر من القتل، وإن كان اللفظ هنا عاما أعني قوله ?أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ?؛ لأنه يصلح أن يكون لأي فتنة؛ يعني أن تكون فتنة من الفتن، أعني بالعموم هنا عموم المطلق؛ لأن فتنة هنا في سياق الإثبات، فتفيد الإطلاق؛ يعني أي فتنة من الفتن، ممكن أن تصيبه فتنة المال، فتنة عدم رؤية المعروف معروفا والمنكر منكرا، أن تصيبه فتنة الشرك، وتفسير الإمام أحمد لها هنا بقوله الفتنة الشرك، هذا لأجل أنها وردت في القرآن بمعنى الشرك، ثم لأنها أبلغ أو أعظم في النهي؛ لأن الشرك هو أشد ما يخشى منه قال ?أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ? وهذا فيه الوعيد لمن خالف أمر النبي عَلَيْهِ الصَّلاَةُ والسَّلاَمُ.
ولهذا كان أصحاب الإمام أحمد تقاسموا مسائل العلماء، فكان منهم من يسأله عن مسائل سفيان، وكان منهم من يسأله عن مسائل مالك، وكان من يسأله عن مسائل أبي حنيفة، وكان منهم من يسأله عن مسائل الليث إلى آخره، فأصحاب الإمام أحمد منهم من تخصص في بعض آراء أهل العلم أو بعض أقوالهم، فتنوعت المسائل عن الإمام أحمد لأجل هذا، فمنهم من سأله وهذه المسائل ما استوعب فيها أحكام الأبواب جميعا؛ يعني مسائل الأبواب جميعا، وإنما سأله عن آراء سفيان مثلا، وآخر سأله عن آراء أبي حنيفة، وآخر سأله عن آراء فلان، وتنوعت المسائل لأجل ذلك كما نص على ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية مع تسمية كل صاحب للإمام أحمد وتسمية من اختص به من أهل العلم في السؤالات.
المقصود من هذا أن طلب الدليل وطلب أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - والرغبة في ذلك هو الواجب على المسلم، الواجب أن يحرص على طاعة الله وطاعة رسوله، وطاعة الله وطاعة رسوله - صلى الله عليه وسلم - لا تكون إلا بامتثال الأمر واجتناب النهي، وامتثال الأمر واجتناب النهي فرع عن العلم بذلك، فنتج أن العلم بما أنزل الله على رسوله من الكتاب والسنة، أنه لابد أنك وفرض على الأعيان فيما لا يسع المكلف جهله وفرض على الكفاية في عامة المسائل.
وقوله (لعله إذا رَدَّ بعض قوله أن يقع في قبله شيء من الزيغ فيهلِك.) هذا الترجي قوله (لعله) يعني ترج فيه تخويف؛ وذلك لأن من العقوبات التي يعاقب الله جل وعلا بها العباد أن يعاقبهم في قلوبهم -نسأل الله العافية- وهذه أعظم العقوبات وهو أن يعاقب المرء في قلبه، فإذا عوقب في قلبه لم يعرف الحق من الباطل، فاشتبه عليه فهذا وهذا وخاض في الباطل وترك الحق لأجل هذا الاشتباه، ولهذا النور والبصيرة يؤتيها الله جل وعلا من جاهد في طاعة الله وفي طالعة رسوله وقد قال جل وعلا ?وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُواْ مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا (66) وَإِذاً لَّآتَيْنَاهُم مِّن لَّدُنَّا أَجْراً عَظِيمًا (67) وَلَهَدَيْنَاهُمْ صِرَاطًا مُّسْتَقِيمًا (68) وَمَن يُطِعِ اللّهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاء وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا (69) ذَلِكَ الْفَضْلُ مِنَ اللّهِ وَكَفَى بِاللّهِ عَلِيمًا?[النساء:66-70] استدل شيخ الإسلام وغيره بهذه الآية على أن من عمل بما علم أنه يُثبت له في صدره العلم؛ لأن الله جل وعلا قال ?وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُواْ مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا?، وهذا يشمل تثبيت القلب في البصيرة وأيضا تثبيت المعلومات، وكذلك قال جل وعلا ?فَلَوْ صَدَقُوا اللَّهَ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُمْ?[محمد:21]؛ يعني لو صدقوا الله في فعل ما أمر في فعل ما أمر واجتناب ما نهى لكان خيرا لهم ومن الخير أن يثبت العلم ويفقه المرء فيما لم يعلم، لهذا أثر عن السلف أنهم قالوا من عمل بما علم أورثه الله علما ما لم يعلم؛ يعني ييسر له الفقه في أشياء لم يعلمها في مدة وجيزة، إذا جاهد نفسه في طاعة الله وطاعة رسوله وكان عنده استعداد من جهة الطبيعة أن يفهم وأن يستقر في ذهنه العلم.
الإمام أحمد رحمه الله كان شديد الإنكار أن يُكتب عنه، كذلك الشافعي، وكذلك مالك؛ إلا فيما سئلوا عنه، وأما كتابة كل كلامهم وكل أقوالهم فقد حذروا من ذلك وقالوا: ربما يقول المرء اليوم قول ثم يرجع عنه. اتبعوا الدليل وذلك لأنهم على قرب أثارة من أصل النبوة وعندهم الآلات متيسرة؛ آلات فهم العلم.









قديم 2013-01-20, 20:03   رقم المشاركة : 5
معلومات العضو
miramer
عضو محترف
 
الصورة الرمزية miramer
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

وقد قال الله تعالى: ?فَإِن لَّمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِّنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ?[القصص:50].
وعن زياد بن حُدير قال: قال لي عمر رضي الله عنه: هل تعرف ما يهدم الإسلام؟ قلتُ: لا، قال: يهدمه زلة العالم، وجدال المنافق بالقرآن، وحكم الأئمة المضلين. رواه الدارمى.
جعلنا الله وإياكم من الذين يهدون بالحق وبه يعدلون. (1)

__________
(1) هذا الحديث -حديث عدي بن حاتم- أنه دخل على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وكان في عنقه صليبا، فلما رآه النبي عَلَيْهِ الصَّلاَةُ والسَّلاَمُ -يعني أول ما أسلم- قال «ألق عنك هذا الوثن» وتلا النبي عَلَيْهِ الصَّلاَةُ والسَّلاَمُ على عدي هذه الآية ?اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلاَّ لِيَعْبُدُوا إلهاً وَاحِداً?[التوبة:31]، فقال عدي: يا رسول الله إنا لسنا نعبدهم. ففهم عدي من الآية أن العبادة هي أن يتوجهوا إلى هؤلاء الأحبار والرهبان بأنواع الشعائر؛ بالصلاة بالزكاة بالصيام وأنواع العبادات المعروفة، فبين النبي - صلى الله عليه وسلم - أن أصل العبادة هو الطاعة، وقد صرفتم إليهم الطاعة، فقال عَلَيْهِ الصَّلاَةُ والسَّلاَمُ «ألم يحلوا لكم ما حرم الله فأحللتموه؟» قال: بلى. قال «ألم يحرموا عليكم ما أحل الله فحرمتموه؟» قال: بلى. قال «فتلك عبادتهم».
قوله عَلَيْهِ الصَّلاَةُ والسَّلاَمُ «ألم يحلوا ما حرم الله» (ما) هنا بمعنى الذي، ومقتضى الأسماء الموصولة أنها تعم، يعني: ألم يحلوا لكم الذي حرم الله، وعمومها قد يكون على أصله؛ يعني أنه يشمل جميع الأفراد، فكل ما أحلّ الله حرموه، وقد يكون العموم يراد به الخصوص، وهو أنهم حرموا عليهم بعض ما أحل الله.
وكذلك قوله قال «ألم يحرموا عليكم ما أحل الله فحرمتموه؟» قال: بلى. قال «فتلك عبادتهم». الجملة الثانية مثل الأولى؛ لأن تحليل الحرام مثل تحريم الحلال، ولهذا قال شيخ الإسلام رحمه الله في شرحه لهذا الحديث قال: فدل هذا الحديث على أن تبديل الدين كفر وشرك أكبر والذي يطيع المبدل للدين على مرتبتين:
المرتبة الأولى أن يطيعه عالما بأن شرع الله في خلافه، يعلم أن حكم الله هو كذا، ويطيع ذاك في تحليل الحرام، في تغيير الحكم، ويعتقد أن ما أحله العالم هو الحلال، وأن ما أحل الله ليس بحلال، فيكون غيّر وبدل في أصل الدين، فيكون الله جل وعلا أحل الخبز فيحرمه العالم فيعتقد حرمة الخبز حرمة أكله، والله أباحه وهذا العالم حرمه، فأطاع العلام معتقدا أن هذا الذي قاله هو الحق وهو الصواب، فاعتقد أن هذا الذي أحله الله حرام، هذا تبديل للدين في هذه المسألة.
وحقيقته أنه رد حكم الله ولم يطع الله وأطاع غيره في خصوص المسألة هذه، واعتقد أن حكم غير الله هو الصواب، وأن حكم الله جل وعلا غلط؛ لأنه قال فيه (ألم يحرموا عليكم الحلال فحرمتموه)، حرموا عليهم الحلال فحرموه اعتقادا منهم أنه حرام.
هذه الصورة الأولى التي فيها تبديل الدين، تبديل الدين من أصله باعتقاد أنّ الدين المبدَّل هو الحق وأنه جائز.
الحال الثانية التي ذكرها شيخ الإسلام أن يطيعهم في تبديل الدين؛ ولكنه لا يعتقد تصويبهم، وهذا له حكم أمثاله من أهل المعاصي.
فشيخ الإسلام رحمه الله قسم الذين يطيعون في التحليل والتحريم قسمهم إلى قسمين :
الأول من أطاعهم في تبديل الدين باعتقاد تبديل الدين؛ يعني أن هذا الشيء المعين حلال فأطاعهم في أنه حرام؛ يعني أصبح في الدين حراما، والدين المقصود منه الطاعة والشرع؛ يعني في تشريع الله أنه حلال فقالوا هو حرام، فأطاعهم في أن هذا الحكم في التشريع حرام فالتزمه، التزمه يعني قال أنا لست مخاطبا بالحكم بأنه حلال؛ بل الآن مخاطب بالحكم بأنه حرام، وهذا يلزمني الآن، أما الحكم بأنه حلال هذا يلزمني.
الحال الثاني أن يطيعهم فيحل الحرام ويحرّم الحلال شهوة وطاعة لهم، فهذا له حكم أمثاله من أهل المعاصي؛ يعني مطيع ويعتقد أن الحلال هو ما أحل الله، وأن الحرام هو ما حرم الله هذا اعتقاده في باطنه؛ ولكنه أطاعهم ظاهرا، هذا في حال الأحبار وكذلك في حال الرهبان وكذلك في حال الأمراء.
فإذن طاعة العلماء والأمراء التي بنى عليها الشيخ رحمه الله هذا الباب بقوله (باب من أطاع العلماء والأمراء في تحريم ما أحل الله أو تحليل ما حرم الله؛ فقد اتخذهم أرباباً من دون الله) يعني أطاعهم في تبديل الدين؛ فجعل غير دين الله هو الملتزم هو الذي يعتقد أنه الصواب وأنه الملتزم.
مثل ما يعتقد اليوم الطوائف من أهل الجاهلية، يعتقدون أن حكم القوانين هو أفضل من حكم الله، وأنه الصواب، وأن أحكام الله جل وعلا في الكتاب والسنة أنها ليست بصواب ولا تناسب هذا الزمن. هذا من أطاعهم في ذلك معتقدا هذا الكلام فهو كافر مشرك اتخذهم أربابا من دون الله واتخذهم آلهة؛ لأن الله جل وعلا قال ?وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ?[الأنعام:121]؛ يعني أطعتموهم في جعل الحلال محرما معتقدين حرمته، أو أطعتموهم في جعل المحرم حلالا معتقدين حله، فهؤلاء مشركون الشرك الأكبر، ويخرجون بذلك عن الملة لأنهم اتخذوا أربابا من دون الله.
أما لو أطاع ظاهرا وباطنه يعتقد أنّ الصواب في حكم الله؛ ولكنه في الظاهر أطاع، هذا له حكم أمثاله من أهل الشهوات، مثل الزاني الذي يزني وهو حين يزني قدم شهوته على أمر الله جل وعلا؛ لكن إذا كان في قرارة نفسه أنه مخالف لأمر الله وأن الزنا حرام حين فعله؛ لكنه أقدم على ذلك لشهوة، فإنه لم يستحله؛ بل فعله عن شهوة هذا عاصي، كذلك من شرب الخمر وهو يعتقد حرمته هذا عاصي، كذلك من أطاع وهو يعتقد أنه عاص في هذه الطاعة، هذا أيضا له حكم أمثاله من أهل المعصية.
إذن فصارت المسألة على كلام شيخ الإسلام منقسمة إلى فريقين، وهذا النص الذي جاء في هذا الحديث وفي تبويب الشيخ هذا يراد به من أطاع في تحريم الحلال أو في تحليل الحرام معتقدا أن الحرام صار حلالا وأن الحلال صار حراما، إذا اعتقد ذلك فقد كفر بالله واتخذ ذلك ربا من دون الله؛ لأن أصل العبودية الطاعة، فإذا التحليل والتحريم يطاع فيه غير الله جل وعلا معناه جُعل الحكم لغير الله والله جل وعلا يقول ?إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلّهِ?[الأنعام:57، يوسف:40].
وفي كلام الشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله في أول رسالة تحكيم القوانين: إن من الكفر الأكبر المستبين تنزيل القانون اللعين منزلة ما نزل به الروح الأمين على قلب سيد المرسلين في الحكم به بين العالمين، والرد إليه عند تنازع المتخاصمين، منازعة ومكابرة لقول الله جل وعلا. وساق بقية كلامه، فجعل هذه الطاعة في تحكيم القانون جعلها كفرا أكبر؛ لأنه من نزّل القانون منزلة الشرع معتقدا أن الحكم به مثل الحكم بالشرع أو لا بأسه ما فيه شيء، أو نحّ الشرع تماما عن الحكم وبد الدين وأتى بشريعة أخرى فإن هذا كفر أكبر مخرج من الملة؛ ولأنه اتخذه ربا واتخذه إلها من دون الله جل وعلا.
أما لو فعل ذلك وهو يقول إني عاصي أطاعهم في الحكم تحاكم، أو أطاع في مثل هذه الأمور في تحليل الحرام وتحريم الحلال، وهو يقول أنا عاصي وهو يقول أنا عاصي أنا عارف أن الحكم حكم الله لكن أطعتهم ظاهرا، هذا عاصي مرتكب كبيرة وكافر الكفر الأصغر الذي هو أعظم من الزنا وشرب الخمر والسرقة -نسأل اله جل وعلا العافية والسلامة-.
وعلى هذا ينبني الكلام في قوله ?وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ?[المائدة:44].
فإذن قوله هنا في الآية ?اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا?[التوبة:31]، لأن الرب هو المطاع وإذا جعلوا الأحبار والرهبان هم المطاعين يأمروهم بالشيء فيطيعونهم فإن ذلك اتّخاذ لهم أرباب من دون الله جل وعلا؛ لأن الطاعة لله جل وعلا ?إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلّهِ أَمَرَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ?[يوسف:40]، فمن أطاع الطاعة هذه بتحليل الحرام وتحريم الحلال واعتقد صحة الدين الجديد؛ يعني الطاعة الجديدة فإنه بذلك خارج من الإسلام إن كان مسلما وكافر بالله جل وعلا نسأل الله السلامة والعافية.
وهذا سبب في إيراد الشيخ رحمه الله لهذا الباب أنه في عصره مشايخ البادية يحكمون بين الناس بما يسمونه سْلُوم وسواليف الآباء والأجداد؛ يعني قوانين يضعها مشايخ البدو إذا تخاصم رجعوا إليهم فحكموا بينهم بهذه الأعراف؛ أعراف البدو والسلوم -سلوم أهل البادية-، والشيخ رحمه الله كان ينص على أن أولئك إذا بُلّغوا الشرع واعترضوا على الحكم بغير الشرع بعد علمه به فإنهم كفار؛ لأنهم لم يحكموا بما أنزل الله جل وعلا بعد البيان لهم ورغبوا عن ذلك طاعة لأمرائهم ولمشايخهم.
إذن المسألة تحتاج إلى ضبط فيما بين جهة الأحبار والرهبان والأمراء والمشايخ؛ يعني مشايخ البادية والرؤساء، وما بين جهة المطيع، فهؤلاء مطاعون وأولئك مطيعون.
فحال المطيع على التفصيل.
وحال المطاع أنه كافر إذا أحل وحرم فهو كافر بالله جل وعلا، فالذي يشرع القانون مناقضة لكم الله، هذا كافر بالله جل وعلا، إذا كان يعلم حكم الله ويشرّع قانون مخالف لحكم الله فهذا المشرع له هذا كافر بالله جل وعلا، فإذا كان مثلا شيخ بادية أو رئيس قوم أو أمير أو ملك أو رئيس دولة أو نحو ذلك يأمر أو يقول: شرعوا القانون الفلاني شرعوه لمخالفة وهو يعلم أن حكم الله في المسألة كذا وهو يقول شرعوا القانون الذي فيه الزنا لا يعاقب عليه إلا إذا كان عن غصب أما إذا كان عن تراضي فتؤمر المحاكم بأنها لا تنظر في ذلك، أو تؤمر المحاكم أن تحكم بالقاون الفرنسي ونحو ذلك في مثل هذه المسائل، هذا كفر بالله من جهة المشرع.
أما من جهة الطائع ففيه التفصيل الذي ذُكر؛ في أنه إذا أحل معتقدا إذا أحل له الحرام فأطاع معتقدا أنه حلال فهذا يكفر وأما إذا أطاع، وهو يقول إني عاصي والصواب حكم الله فهذا ليس بكافر، فرق ما بين المشرع وما بين المتلقّي، المشرع هذا مناقض لأصل الدين.
لهذا قال الشيخ رحمه الله في خطبة كتابه أو رسالة تحكيم القوانين: إن من الكفر الأكبر المستبين تنزيل القانون اللعين منزلة ما نزل به الروح الأمين. إلى آخره.
فتنزيل القانون منزلة الشرع هذا كفر أكبر.
والمنزِّل له يعني المشرع له، المشرع الذي يشرع هذا القانون ويأمر به، هذا كافر الكفر الأكبر بالله جل جلاله.
ولهذا قال في آخر رسالته قال: فهذه المحاكم القانونية اليوم الناس إليها أسراب إثر أسراب يحكم فيها الحاكمون بما يخالف السنة والكتاب ولهم إمدادهم وتدوينهم مثلما في المحاكم التي تحكم بحكم السنة والكتاب، قال: فأي مناقضة للشهادة بأن محمد رسول الله فوق هذه المناقضة.
لأن هذا تشريع، تشريع وهذا عام، وهو ما يمكن من أحد أن يكون يشرع ولا يكون كافرا، المشرع الذي شرعه وألزم الناس به هذا لا يكون إلا كافرا.
إذا تقرر هذا فثم مسألة متصلة بذلك، وهو أنّ موافقة القانون في الحكم ليست كفرا؛ لأن من القوانين ما يكون فيه مواد توافق الشرع، فليس كل حكم بنظام أو قانون كفرا؛ بل:
إذا كان القانون أو النظام إذا كان مناقضا للشرع؛ فإن هذا فيه الكلام السابق.
وأما إذا كان يوافق الشرع فليس مدار الكلام السابق على تسميته قانونا أو تسميته نظاما؛ بل على الإلزام بما يخالف كلام الله جل وعلا وكلام رسوله - صلى الله عليه وسلم -؛ ما يخالف حكم الله وحكم رسوله - صلى الله عليه وسلم -.
وفي هذه البلاد ثَم أنظمة موجودة وقوانين أيضا موجودة في بعض القطاعات معروفة، ودخولها في هذه البلاد له سبب ويعلم ذلك أهل العلم والمتصلون بالعلماء، وهو أنه لما توسعت الدولة وكثُرت القضايا المختلفة، وصارت القضية إذا عُرضت على القاضي وكانت قضية مستجدّة إما في مشاكل تجارية في أوضاع جديدة أو في مشاكل الشركات لما جاءت [...] أو في نحو ذلك، لما عرضت على بعض المشايخ صارت القضايا تطول، فعرض عليهم أن ينظروا في أنظمة أو قوانين موجودة سابقا، إما من القانون الأمريكي أو الفرنسي أو البريطاني، فينظر فيها فما وافق منها الشرع قبل وما ما خالف منها الشرع رد.
فالمشايخ وقت الشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله أذنوا بذلك بشرط أن تعرض تلك المواد والأنظمة على مجموعة من القضاة لينظروا فيها، والقضاة مشاربهم مختلفة.
فكان أول الأمر المواد ينظر فيها من جهة المذهب الحنبلي، ثم رُئي أن في ذلك حذفا لأكثر تلك المواد.
وبعد ذلك من جهة المذاهب الأربعة فزادت المواد؛ يعني ما كانت المادة فيه هي من نظام أو قانون كانت موافقة لأحد المذاهب الأربعة أُقرت.
ثم توسع فيه حتى كان القول في المادة إذا كان موافقا لقول أحد علماء الإسلام فإنه يقبل وغيره يرد، وهذا هو الذي مشى في وقت الشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله تعالى.
وبعد ذلك يعني توسع الناس في هذا وزادوا موادا بناء على اجتهاد الناظر في هذا النظام.
لهذا هذه المسألة ينبغي أن تكون واضحة؛ لأن من الناس من يجعل الأنظمة الموجودة هنا مثل القوانين الموجودة في البلاد التي تحكم بالقوانين الوضعية، والمسألة مختلفة.
نعم الواجب في هذه البلاد أن يتقي الله جل وعلا من ولي هذه الأمور، وأن يجعل الحكم بما يوافق نصوص الكتاب والسنة، وأن تعرض هذه الأنظمة والقوانين على المحققين من أهل العلم حتى يقروا ما وافق الدليل.
نعم، ما وافق أحد المذاهب أو قول أحد من أهل العلم ما يخرج القول عن كونه قولا من أقوال المنتسبين للشريعة أو من أقوال علماء الإسلام؛ لكن هذا ربما رجع إلى ابتغاء الرخص والأخذ من كل مذهب بما يوافق الموجود، وهذا ليس مسلما به؛ بل هو باطل.
فالواجب أن ترد تلك إلى حكم الكتاب والسنة عن طريق أهل العلم الفقهاء بالكتاب والسنة؛ الذين يعلمون حدود ما أنزل الله على رسوله، وإذا قام الأمر على ذلك.
فإذا المقام يظهر فيه الفرق بين أن تجعل أنظمة موافقة لبعض الأقوال، وبين أن تكون الأنظمة لم يُنظر فيها أصلا إلى موافقة أقوال العلماء في الشريعة.
ولهذا تجد أن الذين يتكلمون في مسألة الأنظمة والقوانين تجد كلام العلماء الراسخين فيها الذين يعون هذا الترتيب الذي ذكرته غير كلام الشباب أو الصغار الذين ما وعوا تاريخ وكيف دخلت هذه الأنظمة وكيف بدأت.
والذي ينظر في فتاوى العلماء في ذلك الوقت فتاوى الشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله يجد ما ذكرت جليا في أنه تعرض عليه مواد كثيرة فيبطل مواد ويصحح مواد، فليس الشأن في التحريم كونه قانونا أو كونه نظاما، وإنما الشأن أن يكون ثَم فيه موادا مخالفة لحكم الله وحكم رسوله - صلى الله عليه وسلم -.
فتنبه في هذه المسألة خطيرة المهمة، تنبه إلى قول أهل العلم الراسخين؛ لأنهم هم الذين أدركوا التاريخ؛ تاريخ دخول هذه الأشياء، وكيف جاءت وكيف شُكلت اللجان.
ولهذا تجد اليوم أن المحاكم التي تؤخذ مثل هذه الأمور مثل المحكمة التجارية، ومحكمة فض المنازعات التجارية، ومحاكم من جنس هذا، تجد أن فيها من قضاة المحكمة الشرعية.
إذا جاءت المواد هذه يأتي القاضي؛ يعني إذا كانت المسألة ينظر فيها من جهة المواد يأتي القاضي فتكون مهمته الآن في المحكمة أن ينظر، هل هذه المادة موافقة للشرع أم مضادة للشرع؟ فينظرون فيها من جهة النظام الموضوع -نظام المحكمة التجارية أو كذا-، ثم القاضي ينظر هل هذه المادة موافقة للشرع أو غير موافقة، وهذا ترتيب مر عليه زمن طويل من تأسيس المحاكم القضائية في هذه البلاد من وقت الشيخ محمد رحمه الله، وأُسست على هذا.
نعم دخل نقص كبير في هذا، وتساهل الناس في ذلك وسبب التساهل ضعف المشتركين من القضاة في مثل هذه الأمور، وليس من خلل أصل الوضع؛ ولكن من جهة ضعف المشارك، وقد يكون القاضي المشارك ليس عنده من العلم ما يرفض هذه المادة، وقد يكون ليس عنده من الجرأة أن يرفض هذه المادة، يقوم في نفسه قد تكون صحيحة وقد لا تكون صحيحة، فيمشي المسألة دون تعب ودون نظر، فرجعت المسألة إلى ذنوب العباد وليست إلى هدم أصل الدين والتكفير بهذه المسائل...
[الأسئلة]
س/...
ج/ ...معذور حتى يعلّم هذا في التحليل والتحريم، بخلاف مسألة التوحيد في أصل التوحيد هذه فيها هل يعذر الجاهل أو لا يعذر الجاهل ليس هذا الكلام فيه، لكن واحد قيل له إن هذا حرام فحرمه قاله له عالم قال له أمير هذا حرام فحرمه، وهو لا يعرف حكم الله، هذا ما يعتبر أنه أحل الحرام أو اعتقد حل الحرام؛ لأنه ليس عنده شيء آخر الواجب عليه البحث عن حكم الله وسؤال أهل العلم الذين يؤتمنون على دين الله؛ لكن عن صرف عن ذلك فله حكم الجهال.
الجاهل إذا كان يسعه السؤال ولم يفعل ويكون مذنبا، إذا كان أنه ما وسعه السؤال وما أمكنه أو ما وجد من يجيبه فإنه يعذر.
س/ إذا كان هذا مستحلا مجتهدا ذلك الحكم؟
ج/ كِيف مستحل مجتهد كِيف؟
س/ يتأول هذا الحكم.
ج/ الكلام على ما أحل الله وما حرم الله؛ يعني فيما ظهرت دلالته القطعية بأنه حلال وما ظهرت دلالته القطعية بأنه حرام؛ يعني أحل المجمع عليه؛ لذلك مثلت لك بالخبز، وحرم المجمع على حله، أحل المجمع على حرمته وحرم المجمع على حله.
فمثلا إذا قال قائل الزنا حلال ما فيه شيء، هذا كافر؛ لأن الزنا مجمع عليه.
لكن إذا قال قائل الربا كله حلال ما فيه شيء اسمه ربا حلال، هذا كافر، كافر بالله لأنه أحل الحرام واعتقد حل الحرام.
لكن إن نازع في بعض أفراد الربا قال ربا الفضل ليس بحرام، لا بأس، ربا الفضل أباحه ابن عباس مع أن النصوص فيه قوية النصوص واضحة لا شبهة فيها، هذا يكون تحليلا لما لم يجمع، هذا له حكم الخلافيات في المسائل الخلافية.
إذا قال الفوائد البنكية هذه، إذا قال إنها حلال هذه الفوائد فيها خلاف مثل ربا الفضل، فلا يعتبر كافرا بإحلال هذه الفوائد الربوية مختلف فيها، حتى من علماء الحديث أو من العلماء المتأخرين في هذا الزمن الذين ظهورا بعد فشوا الفوائد الربوية مَن كتب كتبا في إباحتها من العلماء الموثوق بهم، وذلك لقيام الشبهة في الفوائد؛ لأن الفوائد مثلا.
طبعا القول بأنها حلال باطل قول شاذ ضعيف مطرح، والصواب أنها حرام وأنه يجب إنكار على متعاطيها وإنكار وجودها؛ ولكن من قال بإباحتها هذا لا يكفر؛ لأنه قاله لشبهة عرضت له من الدليل وهو يستدل بقوله تعالى ?لاَ تَظْلِمُونَ وَلاَ تُظْلَمُونَ?[البقرة:279]، وأن علة التحريم في الربا بنص الآية هي الظلم؛ ولأن الربا أبشع الظلم، وإعطاء فوائد البنوك ليس ظلما بل فيه مصلحة صاحب المال، بخلاف ربا الجاهلية لأنه يقرضه، ثم إذا أتى بعد سنة سدد ما سدد قال يتضاعف عليك عشرين في المائة بعد سنة سدد ما سدد قال يتضاعف عليك أربعين في المائة وهكذا، هذا الظلم واضح فيه؛ لأنه فيه إذلال المقترض ومضافة الثمن ومضاعفة القرض عليه. أما الفوائد يقول ما فيه ظلم لقيام بهذه الشبهة منعت التكفير.
كذلك مثل النبيذ الخمر محرم النبيذ المسكر خمر ما فيه شك ومحرم؛ لكن لما رأى أبو حنيفة رحمه الله رأى أنه مباح، وقال به طائفة وشرب النبيذ المسكر على قول أبي حنيفة طائفة، لو قال قائل هذا النبيذ المسكر ما فيه شيء، رأيت رجلا سكرانا قلت: أنت الآن سكران شربت؟ قال: شربت الآن نبيذ ما فيه شيء، فهل يعتبر كافرا؟ ما يعتبر هذا كافرا لأنه ما أحل المجمع على تحريمه.
لهذا في كلام الشيخ ابن باز رحمه الله في بعض أجوبته على الربا قال من اعتقد أن الربا كله حلال فهو كافر.
لهذا أهل العلم يقولون من اعتقد حِل ما أجمع على تحريمه -انتبه لهذا التأصيل- من اعتقد حِل ما أجمع على تحريمه فهو كافر ومن اعتقد حرمة ما أجمع على تحليله فهو كافر، والذي يحرم المجمع على حله هو الذي جرى فيه الكلام، والذي يحلل المجمع على حرمته هو الذي جرى فيه الكلام.
أسأل الله جل وعلا السلامة والعافية.
هذه المسائل لابد أنك تفهمها إذا كان ثم إشكالات على الضوابط التي ذكرت يعني على التنظير العلمي الذي ذكرته يورد حتى تتضح المسألة.
س/ السلام عليكم ما التفريق بين كون أن المشرع مستحلا للنظام أو عن هوى؛ المشرع الذي حكم عن هوى؟
ج/ أنت الآن ما فرقت الآن بين الحاكم والمشرع، فرق بين الحاكم والمشرع الذي عنده مادة يحكم بها والذي يشرع النظام ويلزم الناس به، فرق بينهما.
الحاكم الذي هو القاضي، القاضي جاءته مادة مخالفة حكم فيها بغير شرع الله، حكم بهذه المواد، هذا له حال.
وأما المشرع الذي بدل الدين مثل ما جاء في الحديث ?اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ?[التوبة:31]، إذا شرع ليش يشرع خلاف الملة؟ يشرع خلاف الشريعة الإسلامية؟ يشرع لأنه يعتقد أن الشريعة غير كافية، وأن هذا التشريع أصلح، فإن هذا لاشك أنه كافر بالله المشرّع الذي يضع القانون.
أما الحكم به هذا يجري فيه الكلام.
نحن نقول من جهة التنظير، لا تنظر إلى جهة الحكم، هذا ليس مجلس حكم.
س/ الشهوات يبغى أنه يعني...
ج/ هذا ليس من جهة الحكم، إنما نتكلم على تحليل الحرام وتحريم الحلال، شيء في الشرع حلال مجمع على تحليله وهو حرمه يقول المرأة لا بأس أن تزني ما عليها شيء هذا كافر.
هو مثل ما ذكرت الذي هو مَا يعلم من الدين بالضرورة هذه مسألة ثانية.
لكن نقول هذا أُجمع على تحريمه واحد يأتي يحق عليه القانون أن الزنا ما فيه بأس ما تعاقب المرأة إذا زنت ما دامت راضية وهذا كفر بالله جل وعلا، لهذا النظام هذا كافر؛ لأنه أحل ما أجمع على تحريمه.
الحاكم به هذه مسألة ثانية، فالتنظيم -لذلك الشيخ محمد بن إبراهيم كلامه لم يفهم في هذه المسألة- بعضهم حمله على تكفير كل الفئات التي أنت الآن خلطت بينها، وهو الصواب أنه يفرق فيها ما بين حالة تشريع النظام والمشرع للنظام وما بين الحاكم به.
الحاكم به، هذا القاضي قد تغلبه شهوته، مثل ما قال ابن عباس: ليس الكفر الذي تذهبون إليه.
لكن إذا كان أن الحاكم القاضي حكم بهذا:
معتقد ما فيه شيء لأنه يحكم به هذا كافر.
معتقد أنه مساو لشرع الله هذا كافر.
اعتقد أنه أفضل من الشرع؛ الشرع ضيق على الناس، هذا أفضل نحكم بهذا أفضل؛ لأن فيه سعة على الناس.
لكن إذا حكم في قضية قضيتين، ولم يبدل الدين لكن حكم في قضية قضيتين ثلاثة عشرة خمسين وهو في قرارة نفسه أنه عاصي، وخالف أمر الله فهذا له حكم أهل الذنوب.
س/ لكن المشرع أحسن الله إليك ما ينظر إلى تشريعه أنه مصدر هوى، سبب تشريعه؟
ج/ وهل أُشرك بالله أو كفر بالله إلا من جهة الهوى؟ ?أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ?[الفرقان:43]، يعني ليس كل مشرك كافر جاءه من جهة العلم الذي يؤدي إلى المعلوم بحجة واضحة ? إِن يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الْأَنفُسُ وَلَقَدْ جَاءهُم مِّن رَّبِّهِمُ الْهُدَى?[النجم:23].
س/ أحسن الله إليك، تحريم ما حرم الله إذا [....] على سلطانه؟
ج/ أنت ما فرقت بين المشرع والحاكم المشرع شيء والحاكم، فرق المشرع شيء والحاكم شيء آخر.
المشرع للدين إذا شرع فهو كافر، إذا شرع للناس وضع مادة تخالف حكم الله فهذا كافر كفر أكبر مشرك ولا كرامة، جعل نفسه ربا.
أما الذي تلقى التشريع وحكم به، هذا يجري فيه الكلام إذا كان مستحل إذا كان أنه يعتقد أنه أفضل إذا كان يعتقد أنه مساوي إلى آخره.
أما الذي يشرع هذا لاشك في كفره ولو قال أنه غصبا علي، ما بعذر لأنه ما عذر في الشرك بالله إلا بالقتل، نعم لو جاء واحد على رأسه قال أنت فقيه أو أنت عالم بالقانون الفلاني إذا ما كتبت قتلناك، فهذا يجري فيه الخلاف؛ هل جري الإكراه في الفعل أم يعذر في الإكراه بالقول فقط؟ الصحيح أنه في القول والفعل جميعا هذا الذي يجري فيه التشريع مكره أما واحد جالس في التشريع مخالف لشريعة الله هذا كافر.
س/ الرؤساء إذا اجتمع فيهم الطرفين التشريع والحكم؟
ج/ أنا قلت لك الكلام اسأل عن التنظير، أما الحكام فما نسأل عنهم، ليش؟ لأن هذا حكم عليهم بالكفر أو بالإسلام، وهذا يترك لأهل العلم الراسخين، ومن الأخطاء الموجودة بين الشباب أنهم أهّلوا أنفسهم للأحكام التكفير، الذي هو أصعب باب في الفقه؛ يعني في الطهارة والحيض تسأله حرمة عن أحكام الحيض، ما يدري عنها لكن يأتي في الحكم بالكفر الذي إخراج من الدين، فتجده يتجرأ الحكم على المعين غير النظير، تنظير المسألة، الحكم على المعين يحتاج إلى أن تسأل أهل العلم فيه.
أما الاعتقاد الذي يسلم به دينك وتكون به كافرا بالطاغوت، ومتبرئا مما تبرأ الله جل وعلا منه، وتبرأ مما لا يرضي الله جل وعلا ولا يرضي رسوله هو التأصيل.
أما الحكم هذه مسألة ثانية، الحكم هذه يرجع إلى أهل العلم.
لكن أنت تعتقد أن من شرع غير دين الله فهو كافر، لابد أن تعتقد هذا، وأن من رضي ذلك فإنه كافر رضي فهو كافر، رضي هذا التشريع تقبله وهو راض به مسرور فهو أيضا كافر بالله جل وعلا لأنه شرح بالكفر صدره، وإذا تلقاه المتلقي ويقول: أنا أتلقاه عن ضرورة أنا عاصي أنا كذا هذا يأتي من جهة الحكم.
فالتأصيل لابد أن يضبط في هذه المسألة؛ لأن مسألة الحكم والتحاكم هذه ضلّ فيها أناس كثيرون، ما بين غال فيها وما بين جاف عنها.
فمنهم من جعل الباب كله واحد، لابد من الاستحلال سواء في التشريع أو في الحكم، وهذا غلط هذا باطل ومناقض لنصوص أهل العلم، ومناقض بل لنصوص الكتاب والسنة، الحاكم له حكم أمثاله، وأما المشرع فهو كافر بالله.
س/ القوانين الموجودة في كثير من البلاد الإسلامية منقولة، الواضح أنها كافرة، فنقلت إلى بلاد إسلامية، ما هو الضابط للحكام أو من يحكم بهذه القوانين، هل يعود للرؤساء أو للقضاة أو العاملين؟
ج/ ليست كلها منقولة، الآن فيه القانون المصري، فيه القانون السوري، فيه القانون كذا، فيه قانون به قوانين منسوبة إلى البلد ما هي كلها قوانين فرنسية وأمريكية، لا فيه هناك قانونيون شرعوا لبلادهم وضعوهم دستور تشريعات، هؤلاء كفار، مات أو حي، من شرع فهو قد كفر.
ولهذا في رؤوس الطواغيت الشيخ محمد إيش ذكر: الحاكم المغيّر -يعني الذي شرع- المغيّر لشرع الله. أن الذي قتل يقتل، لا، أنا أغيّر هذا للمصلحة، ونقول الذي يقتل متعمدا هذا، شيخ بدو أو رئيس حاكم دولة يقول أنا أغير الحكم، هل هو مشرع أو غير مشرع؟ هذا مشرع.
لكن من جاء للحكم مثلا، وعنده قوانين، هذا يطلع حاكم، إذا رضي بذلك فهو له حكم الكفرة.
على أنه ما ينظر في مسائل الواقع، ليش في الحكم ما تنظرون للواقع؟، لا ينظر إليها من هذه الجهة فقط، فيه جهة أعظم من هذا وهي تأييد الشرك بالله جل وعلا في العبادة، تأييد وجود الطواغيت ووجود المشاهد وإقامتها وبذل الأموال لها، وحمايتها، هذه أعظم من مسألة الحكم؛ لأن هذا أصل معنى لا إله إلا الله، ومسألة الحكم بعد ذلك.
ليس نظرنا من جهة الواقع نظرنا من جهة التأصيل؛ لأن هذه المسألة ضل فيها كثيرون من جهة عدم التفريق بين نظائرها.
حتى زعم بعضهم أن الجحد يكون بالفعل، وأن السماح ببنك ربوي أنه يدل على كفر الدول، هكذا لهذا الإطلاق، وفتح أوكار الربا -يعني مؤدى الكلام- أنه كفر بالله جل وعلا.
وهذا ما قاله المشايخ ولا قاله أحد من أهل العلم أن الفعل يدل على الاستحلال، ما فيه أحد يقول أن الفعل يدل على الاستحلال.
الاستحلال:
أولا: لابد أن يكون المستحل مجمع على تحريمه، ما يكون صورة مختلف فيها.
ثانيا: أن يكون الاستحلال بالقلب.
أما السماح سماح بفتح دور خمر، السماع بفتح دور ربا، السماح بشارع -نسأل الله العافية- فيه بغايا، هذا كله يُخشى أن يصل إلى الاستحلال.
لهذا الشيخ محمد بن إبراهيم لما سئل عن بعض البلاد التي فيها إباحة البغاء؛ يعني الدولة مسامحة بالبغاء، شارع معروف بالبغاء، مثل ما هو موجود في وقته في بعض البلاد: هل هو كفر؟ قال: يُخشى أن يكون كفرا.
ليش؟ لأن هذا فعل لا يدل بمفرده على الاستحلال، واستحلال الزنا أمر قلبي، فالفعل بظاهره لا يدل على الاستحلال الباطن، فلا يكفر إلا بالاستحلال، كذلك السماح بأمكنة تبيع الخمر هذه وحدها لا تدل على هذا الكفر.
لهذا في الدول الإسلامية دولة -الدول المتأخرة وفي أواخر الدولة العباسية- كان موجود أوكار معروفة للبغايا، وكان موجود أماكن لتصنيع الخمر ووجود الخمر في البلاد، وإذا نظرت إلى فتاوى شيخ الإسلام وإنكاره على كثير من المحرمات المجمع على تحريمها كما هو موجود في زمنه، وكذلك ما ذكره المؤرخون في أمثال ذلك، تجد أن مثل هذه الأمور كانت موجودة، وما منعها الوالي -يعني بعض الولاة- ولم يحكم فيها أهل العلم بأنها كفر وأن الوالي كفر بذلك، لا؛ بل يجب عليه أن يلغي ذلك، يجب عليه أن ينكر المنكر، فإذا لم يفعل فترجع إلى مسألة الاستحلال، هل يستحل ذلك أم لا؟ فإذا استحل مجمعا عليه صار كفرا، وإذا لم يستحل مجمعا عليه فننظر؛ إذا كان له شبهة -شبهة من جهة الدليل- أو اتبع فتوى عالم ولو كان هذا العالم مخطئ مائة خطأ في هذا العالم مخطئ مائة خطأ في هذه الفتوى؛ لكن هو اتبع فتوى عالم، يكون له حكم أمثاله من اتبعوا من أخطؤوا، ولو كان على هوى وشهوة ولم يستحل فله حكم أمثاله من العصاة.
فإذن المسألة تحتاج إلى تفصيل، لهذا تجد أن كلام الراسخين في العلم فيها غير كلام المتعجلين.
وهذا أصل مهم في طالب العلم؛ لأن طالب العلم يعرف بتحريه فيما يقول، أما إذا رأيت التعجل الذي يخبط في الأحكام دون تقعيد شرعي، هذا خاف منه؛ لأنه ما يكون بنى كلامه على تأسيس علمي، وهذه مسائل شرع، ولما ابتلي الناس في هذا الزمان بهذه الأمور -نسأل الله جل وعلا أن يبعدها عن بلاد المسلمين ويوفق من يزيلها-.
لما ابتلي الناس بذلك ظهرت الفتنة والفتنة من جهة الاعتقاد، وظهرت فرق كثيرة في بلاد مختلفة:
منها الغالي الذي يقول أن المجتمعات الآن لأجل مسألة الحكم بغير ما أنزل الله عادت جاهلية مطلقا.
ومنهم الجافي الذي يقول أصلا الحكم بغير ما أنزل الله أنه لا يعد في الكفرات.
فالناس بين هذا وهذا، والواجب اتباع كلام أهل العلم؛ لأن فيه اتباع الكلام من الهدى والرشاد والأمن من الزلل والغلط.
أسأل الله جل وعلا لنا وللجميع...
س/ [هل يسأل الحاكم: هل تعتقد هذا أو لا تعتقد؟ حتى يحكم عليه؟
ج/ هذا يرجع إلى أهل العلم، العالم الذي سيفتي في المعين هو الذي يسأل، هل كذا أو كذا حتى يحكم عليه.
أما من جهة طالب العلم، هو عليه أن يعتقد في المسائل، الكفر ما هو، وما لا يكفر به ما هو، هذا الذي يلزمك أن تعتقده.
أما من جهة الحكم على المعين ما يلزمك، ولا يجب عليك أن تحكم، وليس مشروعا لك، وإنما المشروع لأهل العلم يعني لأهل الفتوى أن يفتوا في ذلك إذا سئلوا عنه.
س/ المشرع لا ينظر إليه كفره كفر اعتقادي أو عملي إنما هو اعتقادي؟
ج/ لا هو من الكفر العملي؛ لكن ليس معنى الكفر العملي أنه كفر أصغر، لا، هذا غلط.
بعض الناس فهم من الكفر الاعتقادي -السؤال جيد- الكفر ينقسم من جهة الخروج من الدين إلى: كفر أكبر وأصغر:
منه كفر أكبر مخرج من الدين.
ومنه كفر أصغر غير مخرج من الدين.
هذا تقسيم باعتبار الخروج من الدين وعدم الخروج.
وتقسيم آخر باعتبار آخر الكفر من جهة نوعه، هل هو راجع إلى الاعتقاد أو راجع إلى العمل:
كفر الاعتقاد/ هذا ينقسم إلى أكبر وأصغر.
وكفر العمل/ ينقسم إلى أكبر وأصغر.
فكفر الاعتقاد إذا اعتقد أنّ الحرام حلال فهذا كفر أكبر.
إذا اعتقد أن ولي نعمته هو فلان من البشر هذا كفر نعمة؛ كفر أصغر.
كذلك الكفر العملي إذا كان من جهته العمل -ليس من جهة اعتقاد القلب- جهته العمل فمن ذبح لغير الله ومن استغاث بغير الله هذا صورة الاستغاثة الظاهرة هذه كفر، هل هو كفر من جهة الاعتقاد أو من جهة الفعل؟ من جهة الفعل، الذبح لغير الله ذبح متقربا لغير الله هذا شرك أكبر، سجد للصنم هذا كفر شرك أكبر، هل هو من جهة الاعتقاد أو من جهة العمل؟ هذا من جهة العمل؛ نوعه.
وقد يكون الكفر العملي أصغر بأنواعه المعروف مثل الرياء، مثل كفر النعمة ?يَعْرِفُونَ نِعْمَتَ اللّهِ ثُمَّ يُنكِرُونَهَا?[النحل:83]، هذا من فلان، وهذا الذي أعطاني فلان، ولولا فلان لحصل كذا ونحو ذلك مما فيه نسبة النعم إلى غير الله أو بذلها.
فهمت تأصيلي؛ لأنه وقع الإشكال ظن أن الكفر العملي أنه مساوي الكفر الأصغر، وأن هذا التقسيم اعتقادي وعملي أنه مساوي أكبر وأصغر، هذا غلط العملي ينقسم إلى أكبر وأصغر، والاعتقادي ينقسم إلى أكبر وأصغر.
س/ الاستخفاف بهذا الفعل هذا دليل على الاستحلال فإذن يكفر صاحبه؟
ج/ يعني الاستخفاف بالمعصية، الاستخفاف ما يدل على الاستحلال؛ يعني لو جاء واحد حط له خمر وبغايا -نسأل الله العافية- وجمع الناس تعالوا، وحط ليه حرس وقال الذي قرّب اضربوه، خلونا وفي حالنا، وفعل، هل فعله هذا كفر؟ ما في حد من أهل العلم يقول كفر؛ وإلا صار يكفر من لم تغلبه شهوته؛ لأن العاصي منهم عاصي يطلب المعصية ولو لم تغلبه شهوته، ومنهم من تغلبه شهوته، إذا قلنا أنه ما يكفر إلا من تغلبه شهوته صرنا حاصرين الذي يعصي وهو مقيم على الإيمان فيمن غلبته شهوته هذا باطل عظيم.
واحد جاء وصك عليه بيته وفعل وحرسه وجاء والذي يشكي يضربه ويعاديه، هذا شأن أهل المعاصي، وبعض أهل المعصية مثل ما قسم شيخ الإسلام أهل العاصي:
منهم من تغلبه شهوته.
ومنهم من هو مدمن عليها هذا استمرأها صارت عنده خفيفة -نسأل الله العافية- مثل شرب الماء.
ومنهم من تغلبه شهوته بمجرد ما يعمل العامل يعني بمجرد ما يعمل العمل وينتهي منه يراجع نفسه ويعظم عليه جدا هذا الذي غلبته شهوته.
وفيه ناس استمرؤوها وفعلوها ويطلبونها ويخططون لها، هؤلاء جميع الطافئتين من العصاة؛ لكن عصيان من غلبته أخف بكثير من عصيان من كان مستمرئا في ذلك.
هذه تأصيلات لابد أنها تصير واضحة، باقي شيء؟
س/ .... بغير الله أيضا استخفاف؟
ج/ أنت اضبطها أنه لا يكفر إلا كن اعتقد إباحة المحرم؛ يعني المحرمات من المعاصي، من اعتقد إباحتها بخلاف الأمور العملية التي يشرك بها، لا، لكن المعصية من اعتقد إباحة المعصية هذا يكفر أما من فعها ولو مستخف بها لكن يعتقد في داخله أنها حرام، هذا له حكم أمثاله من أهل المعاصي.
س/ المرابي يقيم عليه حد الحِرابة؟
ج/ المرابي! حد الحرابة!!، ما أحد قال أن المرابي قال، المرابي فيه حد الحرابة، آية الحرابة ?إِنَّمَا جَزَاء الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ?[المائدة:33]، فالمحارَب هو الله والرسول، والربا قال الله جل وعلا ?فَأْذَنُواْ بِحَرْبٍ مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ?[البقرة:279]، والمحارِب هو الله جل وعلا، مختلف لا تدخل، ولا سمعنا أحدا يقول الربا يدخل في حد الحرابة، والربا ما فيه حد، كبيرة التعزير البليغ.
س/ الضابط في المسألة في التكفير، يشرّع واحد في المائة، أو يشرّع خمسين بالمائة أو مائة بالمائة.
ج/ لو واحد.
س/ الواحد قد يشرّع أمرا في بيته، يلزم أهله، هل يدخل في المرّع بدل دين الله؟
ج/ لا، هذا ما شرّع إيش معنى التشريع إذن؟ التشريع مثل ما ذكر: حرّم حلالا واعتقد حرمته، هذا الشيء هذا حلال إذا قال كدا هذا مشرع هذا كافر، هذا لا تقول حرام أو ليس حراما، نسويه وبس وأنت لا تتدخل في هذه الأمور، فهذا معناه ألزم الناس بشهوته، ما شرّع المشرع الذي يغير يقول هذا ليس بكذا هو كذا، هذا مشرع غيّر حكم الله المجمع عليه مع علمه بحكم الله يعلم أن هذا حكم الله ويغيره؛ لكن أصحاب المعاصي جميعا تراهم يعني يستكثرون إلا من هدى الله جل وعلا، حتى واحد مثلا في بيته يحاجه، بعض الأولاد يلجئ إلى أن يقول كلاما عظيما هذا ليس من البر، هذا الله جل وعلا قال لعباده المؤمنين ?وَلاَ تَسُبُّواْ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ اللّهِ فَيَسُبُّواْ اللّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ?[الأنعام:108]، لهذا من قال كلاما ترتب عليه مسبة الله جل وعلا ومسبة رسوله من مؤمن أو تسبب على كفر وتسبب معصية وهو يعلم أو يغلب على ظنه أنه سيؤول إلى ذلك هو شريك في الإثم، الواجب المداراة وأنه يدخل في كلام ويقول كلاما باطلا أو قد يقول كلام كفر أو يستهزئ فداره بعض المنكر أهون من بعض، لا تؤده إلى أن يستهزئ، لا تؤده إلى أن يكفر، لا تؤده إلى أن يقول كلمة يزل بها أبعد ما بين المشرق والمغرب، خاصة إذا قريبا أب أو أخ، دارِه، إزالة بعض المنكر أهون، بعض يقيم على معصية أحسن يتلفظ بكلمة توبق دنياه وآخرته.
فالواجب على طالب العلم أن يكون بصيرا في دعوته، في مراتب المنكرات، وعلمه بحال المدعو، هل هو غضوب؟ هل هو يقبل؟ هل هو لين النفس؟ هل هو مستغفر؟ كل هذه مطلوب من أهل العلم أن يرعوها.
س/ هو يعتقد أنه حرام، هذا الأمر هو يهوى أنه يفعله أهله لكن من جهله يقول هذا حلال هو يعتقد حرمته؟
ج/ هو مجمع عليه؟
س/ هذا مجمع عليه هذا الأمر.
ج/ ويجعل أهله يعتقدون أنه..
س/ هو يعلم أنه حرام هو يعتقد أنه حرام.
ج/ إذا أطاعوه في ذلك.
س/ لا، لا ،حكم هذه الحال ؟
ج/ وهو ملتزم بالتحريم لكن غلبته شهوته على أنه قال على الله كذب؟
س/ نعم.
ج/ والله ما أدري.
س/ هذا الموضع كثير من الناس..
ج/ لا ليس حال كثير من الناس، أصل صورة المسائل تختلف لا تدخل صورة في صورة، كلام الناس والارتباط بين الاعتقاد والإظهار، وصور المظهرات تختلف بين مسألة ومسألة.
نسأل الله أن يتولى المسلمين برحمته.
في هذا القدر كفاية. صلى الله وسلم على نبينا محمد.



أعدّ هذه المادة: سالم الجزائري









قديم 2013-01-21, 01:07   رقم المشاركة : 6
معلومات العضو
أم الشفاء
عضو مشارك
 
إحصائية العضو










افتراضي

جزاك الله خيرا واحسن اليك










قديم 2013-01-21, 19:36   رقم المشاركة : 7
معلومات العضو
miramer
عضو محترف
 
الصورة الرمزية miramer
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

آمين وجزاك الرحمن بالمثل وأكثر










 

الكلمات الدلالية (Tags)
مطاع, العملاء, والأمراء


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

الساعة الآن 21:57

المشاركات المنشورة تعبر عن وجهة نظر صاحبها فقط، ولا تُعبّر بأي شكل من الأشكال عن وجهة نظر إدارة المنتدى
المنتدى غير مسؤول عن أي إتفاق تجاري بين الأعضاء... فعلى الجميع تحمّل المسؤولية


2006-2024 © www.djelfa.info جميع الحقوق محفوظة - الجلفة إنفو (خ. ب. س)

Powered by vBulletin .Copyright آ© 2018 vBulletin Solutions, Inc