![]() |
|
القسم الاسلامي العام للمواضيع الإسلامية العامة كالآداب و الأخلاق الاسلامية ... |
في حال وجود أي مواضيع أو ردود
مُخالفة من قبل الأعضاء، يُرجى الإبلاغ عنها فورًا باستخدام أيقونة
( تقرير عن مشاركة سيئة )، و الموجودة أسفل كل مشاركة .
آخر المواضيع |
|
زهرات من بستان رياض الصالحين للشيخ العثيمين
![]() |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
![]() |
رقم المشاركة : 1 | ||||
|
![]() بسم الله الرحمن الرحيم الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين السلام عليكم ورحمة الله وبركاته صفحة خاصة ننتقي لها ما يمكن ونحتاجه في حياتنا من شرح رياض الصالحين ، والمشاركة للجميع بأي نص احتجتَه يوما وشد انتباهك ، فطرحتَ سؤاله ,,,, فبحثت عنه ,,,, ووجدت إجابته في رياض الصالحين للشيخ محمد بن صالح العثيمين مع ذكر مصدر النقل والبداية مع أول صفحة المكتبة المقروءة : الحديث : شرح رياض الصالحين المجلد الأول باب الإستقامة 8- باب الاستقامة قال الله تعالى: ﴿فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ﴾ [هود:112]، وقال تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ ألا تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ(30) نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ (31) نُزُلاً مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ﴾ [فصلت:32،30]، وقال تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (13) أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ [الأحقاف:13، 14] . الشرح الاستقامة: هي أن يَثْبت الإنسان على شريعة الله_ سبحانه وتعالى_ كما أمر الله، ويتقدَّمها الإخلاص لله عز وجل. ثم ذَكَرَ المؤلف عدة آيات في هذا، فذكر قول الله تعالى: ﴿فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ﴾ الخطاب هنا للنبي صلى الله عليه وسلم والخطاب الموجَّه للرسول صلى الله عليه وسلم يكون له ولأمته، إلا إذا قام دليل على أنه خاصٌّ به ،فإنه يختص به،وأما إذا لم يقم الدليل على أنه خاص به، فإنه له وللأمة. فمما دل الدليل على أنه خاص به قوله تعالى: ﴿أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَك (1) وَوَضَعْنَا عَنْكَ وِزْرَكَ (2) الَّذِي أَنْقَضَ ظَهْرَكَ﴾ [الشرح:1ـ3]، فإن هذا خاص بالنبي صلى الله عليه وسلم. ومثلَ قوله: ﴿وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعاً مِنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ﴾ [الحجر:87]، هذا أيضا خاص بالرسول صلى الله عليه وسلم. وأما إذا لم يقل الدليل على أن الخطاب للخصوصية، فهو له ولأمته، وعلى هذه القاعدة يكون قوله: ﴿فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ﴾ عامًّا له ولأمَّته، كل واحد يجب عليه أن يستقيم كما أمر، فلا يبدِّل في دين الله، ولا يزيد فيه ولا ينقص، ولهذا قال في آية أخرى: ﴿وَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ﴾[الشورى:15].الآية الثانية قوله تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا...﴾ [فصلت:30ـ33] . ﴿رَبُّنَا اللَّهُ﴾ أي: خالقُنا ومالكُنا ومدِّبر أمورنا، فنحن نخلص له، ﴿ثُمَّ اسْتَقَامُوا﴾ على ذلك؛ أي: على قولهم ربُّنا الله، فقاموا بشريعة الله. هؤلاء الذين اتصفوا بهذين الوصفين: ﴿قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا﴾ ﴿تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ﴾ مَلَكا بعد مَلَك ﴿أَلا تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا﴾ يعني : أن الملائكة تتنزل عليهم بأمر الله في كل موطن مخوف ولاسيما عند الموت ؛ يقولون لهم: ﴿أَلا تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا﴾ لا تخافوا: فيما تستقبلون من أُمُوركم، ولا تحزنوا على ما مضى من أُموركم ، ﴿وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ﴾ والبشرى هي الإخبار بما يسُرُّ، ولا شك أن الإنسان يَسُرُّهُ أن يكون من أهل الجنة ، أسأل الله أن يجعلني وإياكم منهم ، ﴿وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ﴾ لأنَّ كلَّ من قال ربِّي الله، واستقام على دين الله، فإنه من أهل الجنة، ويقولن لهم أيضا: ﴿نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ﴾ فالملائكة أولياء للذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا في الحياة الدنيا، تسددهم وتساعدهم وتعينهم، وكذلك في الآخرة تتلقاهم الملائكة يوم البعث والحساب ﴿هَذَا يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ﴾ فيبشروهم بالخير في مقام الخوف والشدة. قال الله عز وجل ﴿وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ﴾ «لَكُمْ فِيْهَا» أي: في الآخرة ما تشتهي أنفسكم، وذلك في نعيم الجنة، لأن الجنة فيه ما تشتهيه الأنفس وتلذ الأعين. ﴿وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ﴾ أي: تطلبون، بل لهم فوق ذلك: ﴿لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ﴾ [ق:35]، لهم زيادة على مايدعونه ويطلبونه ويتمنونه. ﴿نُزُلاً مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ﴾ يعني: أن الجنة نزُلٌ لهم وضيافة من غفور رحيم. ﴿غَفُور﴾ غفر لهم سيِّئاتهم ﴿ رَحِيمٍ﴾ بهم، رفع لهم درجاتهم، هذا جزاء الذين يقولون ربنا الله ثم يستقيمون. وفي هذا دليل على أهمية الاستقامة على دين الله، بإن يكون الإنسان ثابتا لا يزيد، ولا ينقص، ولا يبدِّل، ولا يغير، فأمَّا من غلا في دين الله، أو جفا عنه، أو بدل فإنه لم يكن مستقيما على شريعة الله عزَّ وجلَّ، والاستقامة لا بُدَّ لها من الاعتدال في كل شيء، حتى يكون الإنسان مستقيما على شريعة الله عزَّ وجلَّ. * * وعن أبي عمرو، وقيل: أبي عمرة سفيان بن عبد الله رضي الله عنه قال: قلت: يا رسول الله قُل لي في الإسلام قولا لا أسأل عنه أحدًا غيرك؟ قال: ((قل: آمنتُ بالله، ثم استقم)) (336) رواه مسلم. الشرح ليس المراد بذلك مجرد القول باللسان، فإن من الناس من يقول: آمنت بالله واليوم الآخر، وما هم بمؤمنين. ولكن المراد بذلك قول القلب واللسان أيضا. أي: أن يقول الإنسان بلسانه، بعد أن يُقِرَّ ذلك في قلبه، ويعتقده اعتقادًا جازما لا شك فيه، لأنه لا يكفي الإيمان بالقلب، ولا الإيمان باللسان، لا بد من الإيمان بالقلب واللسان، ولهذا كان النبي عليه الصلاة والسلام_ يقول وهو يدعو الناس إلى الإسلام _ يقول: ((يا أيها الناس قولوا لا إله إلا الله تفلحوا))(337) فقال: ((قولوا)) أي: بألسنتكم. كما أنه لا بد من القول بالقلب. وقوله: ((آمنْتُ بِالله)) يشمل الإيمان بوجود الله عزَّ وجلَّ، وبِرُبُوبيته، وبألوهيته، وبأسمائه وبصفاته، وبأحكامه، وبأخباره، وكُلِّ ما يأتي من قبله_ عز وجل _ تؤمن به، فإذا آمنت بذلك فاستقم على دين الله، ولا تحد عنه لا يمينًا ولا شمالاً، لا تقصر ولا تزد. فاستقم على الدين، واستقم على شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله، وذلك بالإخلاص لله عزَّ وجلَّ، والمتابعة لرسول الله صلى الله عليه وسلم، واستقم على الصلاة، وعلى الزكاة، والصيام والحج، وعلى جميع شريعة الله. وقوله: ((قُلْ آمنْتُ بالله ثُمَّ)) دليل على أن الاستقامة لا تكون إلا بعد الإيمان، وأن من شرط الأعمال الصالحة، أي: من شرط صحتها وقبولها أن تكون مبنيةً على الإيمان، فلو أن الإنسان عمل بظاهره على ما ينبغي، ولكنَّ باطنه خراب، وفي شك، أو في اضطراب، أو في إنكار وتكذيب، فإن ذلك لا ينفعه، ولهذا اتفق العلماء_ رحمهم الله_ على أنَّ من شروط صحَّة العبادة وقبولها، أن يكون الإنسان مؤمنا بالله، أي: معتَرِفا به، وبجميع ما جاء من قِبله تبارك وتعالى. ويستفاد من هذا الحديث: أنه ينبغي للإنسان_ إذا قام بعمل _ أن يَشْعُر بأنه قام به لله، وأنه يقوم به بالله، وأنه يقوم به في الله، لأنه لا يستقيم على دين الله إلا بعد الإيمان بالله عز وجل. فيشعرُ بأنه يقوم به لله، أي مُخلصًا، وبالله، أي مستعينًا، وفي الله، أي متبعًا لشرعه، وهذه مُسْتَفَادة من قوله تبارك وتعالى: ﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ(5) اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ﴾ فالأول: قيام لله، والثاني: قيام به، والثالث: قيام فيه، أي: في شرعه،ولهذا نقول: إن المراد بالصراط المستقيم - في الآية الكريمة - هو شرع الله عزَّ وجلَّ الموصلُ إليه. والله الموفق. * * * 86_وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((قاربوا وسدِّدوا، واعلموا أنه لنْ يَنْجُوَ أحدٌ منكم بِعَمَلِهِ)) قالوا: و لا أنت يا رسول الله؟ قال: ((و لا أنا إلا أن يتغمَّدني الله برحمة منه و فضل)) (338) رواه مسلم. و((المقاربة)) القصد الذي لا غُلُوَّ فيه ولا تقصير. و((السداد)): الاستقامة والإصابة، و( يتغمدني)) يُلبِسَني ويستُرني. قال العلماء: معنى الاستقامة: لُزُومُ طاعة الله تعالى، قالوا: وهي من جوامع الكلم، وَهِيَ نظام الأمور، وبالله التوفيق. الشرح هذا الحديث يدل على أنَّ الاستقامة على حسب الاستطاعة، وهو قول النبي صلى الله عليه وسلم((قارِبوا وسَدِّدوا)) أي: قاربوا ما أمرتم به، واحرصوا على أن تقرُبوا منه بقدر المسْتَطَاع. وقوله ((سدِّدُوا))أي سدِّدُوا على الإصابة؛ أي: احْرصوا على أن تكون أعمالكم مصيبةً للحق بقدر المستطاع، وذلك لأن الإنسان مهما بلغ من التقوى، فإنه لابد أن يخطىءَ، كما جاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((كلُّ بني آدمَ خطَّاءٌ، وخيرُ الخطائين التوابون)) (339)، وقال عليه والصلاة السلام: ((لو لم تُذنِبوا لذهب الله بكم، وَلَجَاءَ بقوم يُذنِبون فيستغفرون اللهَ فيغفرُ لهم)) (340). فالإنسان مأمور أن يقارب ويُسدد بقدر ما يستطيع. ثم قال عليه الصلاة والسلام: ((واعلموا أنَّه لن يَنْجُوَ أحدٌ منكم بِعَمَلِه))أي: لن ينجو من النار بعمله. وذلك لأن العمل لا يبلغ ما يجب لله_ عز وجل _ من الشُّكر، وما يجب له على عباده من الحقوق، ولكن يتغمد الله_ سبحانه وتعالى _ العبد برحمته فيغفر له. فلما قال: ((لَنْ يَنْجُوَ أحدٌ منكم بِعَمَلِه)) قالوا له: ولا أنت؟! قال: ((ولا أنا)) حتى النبي عليه الصلاة والسلام لن ينجو بعمله((إلا أن يتغمدني الله برحمة منه)). فدلَّ ذلك على أن الإنسان مهما بلغ من المرتبة والولاية، فإنه لن ينجوَ بعمله، حتى النبي عليه الصلاة والسلام، لولا أن الله مَنَّ عليه بأن غفر له ذنبه ما تقدم منه وما تأخر، ما أنْجاه عمله. فإن قال قائل: هناك نُصُوص من الكتاب والسنة تدل على أن العمل الصالح ينجي من النار ويُدخل الجنة، مثل قوله تعالى: ﴿مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ [النحل:97]، فكيف يُجمَع بين هذا وبين الحديث السابق؟ والجواب عن ذلك: أن يقال: يُجمع بينهما بأن المنفيَّ دخول الإنسان الجنة بالعمل في المقابلة، أما المثْبتُ: فهو أن العمل سبب وليس عوضا. فالعمل _ لا شكَّ_ أنه سَبَب لدخول الجنة والنجاة من النار، لكنه ليس هو العوض، وليس وحده الذي يدخل به الإنسان الجنة، ولكن فضل الله ورحمته هما السَّبب في دخول الجنة وهما اللذان يوصلان الإنسان إلى الجنة وينجيانه من النار. وفي هذا الحديث من الفوائد: أن الإنسان لا يعجب بعمله، مهما عملت من الأعمال الصالحة لا تُعْجَبْ بعملك، فعملُكَ قليل بالنسبة لحق الله عليك. وفيه أيضا من الفوائد: أنه ينبغي على الإنسان أن يُكثر من ذكر الله دائما،ومن السؤال بأن يتغمَّده الله برحمته ،فأكثر من ذلك ،وقل دائما : ((اللَّهم تغمدني برحمة منك وفضل)) لأن عملك لن يوصلك إلى مرضاة الله، إلا برحمة الله عز وجل. وفيه دليل على حرص الصحابة_ رضي الله عنهم _ على العلم؛ ولهذا لما قال: ((لَنْ يَنْجُوَ أحدٌ منكم بِعَمَلِه)) استفصلوا، هل هذا العموم شامل له أم لا؟ فبَيَّنَ لهم صلى الله عليه وسلم أنَّه شامل له. و من تدبر أحوال الصحابة - رضي الله عنهم - مع النبي صلى الله عليه و سلم. وجد أنَّهم أحرص الناس على العلم، وأنهم لا يتركون شئيا يحتاجون إليه في أُمور دينهم و دنياهم إلا ابتدروه و سألوا عنه. و الله الموفق. * * * -----------------(336) أخرجه مسلم، كتاب الإيمان، باب جامع أوصاف الإسلام، رقم (38) . (337) أخرجه ابن خزيمة، رقم (159)، والبيهقي (1/76)، و الحاكم في المستدرك(2/612) و قال: صحيح الإسناد و لم يخرجاه و قال الذهبي: صحيح . (338) أخرجه مسلم، كتاب صفة القيامة، باب لن يدخل أحد الجنة بعمله بل برحمة الله تعالى، رقم(2816) . (339) أخرجه الترمذي، كتاب صفة القيامة، رقم(2499)، وابن ماجه، كتاب الزهد، باب ذكر التوبة،رقم(4251)، و أحمد في المسند(3/198) قال الترمذي: غريب. و حسنه الألباني في صحيح الجامع رقم(4515) . (340) أخرجه مسلم، كتاب التوبة، باب سقوط الذنوب بالاستغفار و التوبة، رقم(2749) . https://www.ibnothaimeen.com/all/book...le_18018.shtml
|
||||
![]() |
![]() |
رقم المشاركة : 2 | |||
|
![]() انتقيت لكم هذا الحديث من باب الاستقامة وكم نحن في حاجة له
حديث : " قاربوا وسددوا " بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين , والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين . وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( قَارِبُوا وَسَدِّدوا , واعلمُوا أنه لن ينجو أحدُ منكُم بعمله )) قالوا : ولا أنت يا رسول الله ؟ قال : (( ولا أنا إلا أن يتغمدني الله برحمة منه وفضل ))(1) و " المقاربة " القصدُ الذي لا غُلُوَّ فيه ولا تقصير . و " السَّدادُ " الاستقامةُ والإصابةُ , و " يتغمدني " يُلبِسنِي ويستُرني . قال العلماء : معنى الاستقامة : لُزُومُ طاعة الله تعالى , قالوا : وهي من جوامع الكَلِمِ , وهي نظام الأمور , وبالله التوفيق . ** الشرح ** هذا الحديث يدل على أن الاستقامة على حسب الاستطاعة , وهو قول النبي صلى الله عليه وسلم (( قاربوا وسددوا )) أي : قاربوا ما أمرتم به , واحرصوا على أن تقربوا منه بقدر المستطاع . وقوله : (( سددوا )) أي : سددوا على الإصابة , أي : احرِصوا على أن تكون أعمالكم مصيبة للحق بقدر المستطاع , وذلك لأن الإنسان مهما بلغ من التقوى , فإنه لابُد أن يخطىء , كما جاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : (( كل بني آدم خطاء , وخير الخطائين التوابون )) (2) , وقال عليه الصلاة والسلام : (( لو لم تذنبوا لذهب الله بكم , ولجاء بقوم يذنبون فيستغفرون الله فيغفر لهم )) (3) فالإنسان مأمور أن يقارب ويسدد بقدر ما يستطيع . ثم قال عليه الصلاة والسلام : (( واعلموا أنه لن ينجو أحد منكم بعمله )) أي : لن ينجو من النار بعمله . وذلك لأن العمل لا يبلغ ما يجب لله – عز وجل – من الشكر , وما يجب له على عباده من الحقوق , ولكن يتغمد الله – سبحانه وتعالى – العبد برحمته فيغفر له . فلما قال : (( لن ينجو أحد منكم بعمله )) قالوا له : ولا أنت ؟! قال : (( ولا أنا )) حتى النبي عليه الصلاة والسلام لن ينجو بعمله (( إلا أن يتغمدني الله برحمه منه )) . فدل ذلك على أن الإنسان مهما بلغ من المرتبة والولاية , فإنه لن ينجو بعمله , حتى النبي عليه الصلاة والسلام , لو لا أن الله مَنَّ عليهِ بأن غفر له ذنبه ما تقدم منه وما تأخر , ما أنجاه عمله . فإن قال قائل : هناك نصوص من الكتاب والسنة تدل على أن العمل الصالح ينجي من النار ويدخل الجنة , مثل قوله تعالى : (( مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ )) [ النحل : آية 97 ] . , فيكف يُجمعُ بين هذا وبين الحديث السابق ؟ الجواب عن ذلك : أن يقال : يُجمع بينهما بأن المنفي دخولُ الإنسان الجنة بالعمل في المقابلة , أما المُثبتُ : فهو أن العمل سبب وليس عوضاً . فالعمل – لا شك – أنه سبب لدخول الجنة والنجاة من النار , لكنه ليس هو العوض , وليس وحده الذي يدخل به الإنسان الجنة , ولكن فضلُ الله ورحمته هما السبب في دخول الجنة , وهما اللذان يوصلان الإنسان إلى الجنة وينجيانه من النار . وفي هذا الحديث من الفوائد : أن الإنسان لا يعجب بعمله , مهما عملت من الأعمال الصالحة لا تُعجب بعملك , فعملُكَ قليل بالنسبة لحق الله عليك . وفيه أيضاً من الفوائد : أنه ينبغي على الإنسان أن يكثر من ذكر الله دائماً , ومن السُّؤال بأن يتغمَّده الله برحمته , فأكثر من ذلك , وقل دائماً : (( اللهم تغمدني برحمةٍ منك وفضل )) لأن عملك لن يوصلك إلى مرضاة الله , إلا برحمة الله عز وجل . وفيه دليلُ على حِرص الصحابة – رضي الله عنهم – على العلم , ولهذا لما قال : (( لن ينجو أحدُ منكم بعمله )) استفصلوا , هل هذا العمومُ شامل له أم لا ؟ فبيَّن لهم صلى الله عليه وسلم أنه شامل له . ومن تدبِّر أحوال الصحابة – رضي الله عنهم – مع النبي صلى الله عليه وسلم . وجد أنهم أحرص الناس على العلم , وأنهم لا يتركون شيئاً يحتاجون إليه في أمور دينهم ودُنياهم إلا ابتدروه وسألوه عنه . والله الموفق . (1) الراوي: أبو هريرة المحدث: مسلم - المصدر: صحيح مسلم - الصفحة أو الرقم: 2816 خلاصة حكم المحدث: صحيح (2) أخرجه الترمذي , وابن ماجه , وأحمد في المسند . وقال الترمذي : غريب . وحسنه الألباني في صحيح الجامع رقم (4515) . (3) الراوي: أبو هريرة المحدث: مسلم - المصدر: صحيح مسلم - الصفحة أو الرقم: 2749 خلاصة حكم المحدث: صحيح ----------------------------------------------- المصدر : شرح رياض الصالحين من كلام سيد المرسلين . لفضيلة الشيخ العلامة محمد بن صالح العثيمين رحمه الله . المجلد الأول – باب الاستقامة – حديث : " قاربوا وسددوا " ص : 573- إلى ص : 575 . منقول 575 . |
|||
![]() |
![]() |
رقم المشاركة : 3 | |||
|
![]() baraka allaho fik wa sadada khotak wa ja3alah fi mizane a3malek |
|||
![]() |
![]() |
رقم المشاركة : 4 | |||
|
![]() السلام عليكم ورحمة الله |
|||
![]() |
![]() |
رقم المشاركة : 5 | |||
|
![]() بارك الله فيك واحسن اليك |
|||
![]() |
![]() |
رقم المشاركة : 6 | |||
|
![]() اتمّ الله نعمته عليك |
|||
![]() |
![]() |
رقم المشاركة : 7 | |||
|
![]()
* * * 87 ـ فالأول : عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( بادروا بالأعمال فتناً كقطع الليل المظلم، يصبح الرجل مؤمناً ويمسي كافراً ويمسي مؤمناً ويصبح كافراً ، يبيع دينه بعرض من الدنيا ) رواه مسلم(16) . الشرح قال المؤلف ـ رحمه الله ـ فيما رواه عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( بادروا بالأعمال ) وبادروا : يعني أسرعوا إليها ؛ والمراد الأعمال الصالحة ؛ والعمل الصالح ما بني على أمرين : الإخلاص لله ، والمتابعة لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهذا تحقيق شهادة أن لا إله إلا الله ،وأن محمد رسول الله ، فالعمل الذي ليس بخالص ليس بصالح ، لو قام الإنسان يصلي ؛ ولكنه يرائي الناس بصلاته ، فإن عمله لا يقبل ؛ حتى لو أتى بشروط الصلاة ، وأركانها ، وواجباتها ، وسننها ، وطمأنينتها ، وأصلحها إصلاحاً تاماً في الظاهر ، لكنها لا تقبل منه ، لأنها خالطها الشرك ، والذي يشرك بالله معه غيره لا يقبل الله عمله ، كما في الحديث الصحيح ؛ عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( قال الله تعالى : أنا أغنى الشركاء عن الشرك ) يعني إذا أحد شاركني ؛ فأنا غني عن شركه ، ( من عمل عملاً أشرك فيه معي غيري تركته وشركه )(17) . كذلك أيضاً : لو أن الإنسان أخلص في عمله ، لكنه أتى ببدعة ما شرعها الرسول عليه الصلاة والسلام ؛ فإن عمله لا يقبل حتى لو كان مخلصاً ، حتى لو كان يبكي من الخشوع ، فإنه لا ينفعه ذلك ؛ لأن البدعة وصفها النبي صلى الله عليه وسلم بأنها ضلالة ، فقال ![]() ثم قال : (فتناً كقطع الليل المظلم )أخبر أنه ستوجد فتن كقطع الليل المظلم ـ نعوذ بالله ـ يعني أنها مدلهمة مظلمة ؛ لا يرى فيها النور والعياذ بالله ، ولا يدري الإنسان أين يذهب ؛ يكون حائراً ، ما يدري أين المخرج ، أسأل الله أن يعيذنا من الفتن . والفتن منها ما يكون من الشبهات ، ومنها ما يكون من الشهوات ، ففتن الشبهات : كل فتنة مبنية على الجهل ، ومن ذلك ما حصل من أهل البدع الذين ابتدعوا في عقائدهم ما ليس من شريعة الله ، أو أهل البدع الذين ابتدعوا في أقوالهم وأفعالهم ما ليس من شريعة الله ، فإن الإنسان قد يفتن ـ والعياذ بالله ـ فيضل عن الحق بسبب الشبهة . ومن ذلك أيضاً : ما يحصل في المعاملات من الأمور المشتبهة التي هي واضحة في قلب الموقن ، مشتبهة في قلب الضال والعياذ بالله ، تجده يتعامل معاملة تبين أنها محرمة ، لكن لما على قلبه من رين الذنوب ـ نسأل الله العافية ـ يشتبه عليه الأمر ، فيزين له سوء عمله ، ويظنه حسناً ، وقد قال الله في هؤلاء : ( قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالاً (103) الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعا ً) (الكهف:103،104 )، فهؤلاء هم الأخسرون والعياذ بالله . وتكون الفتن ـ أيضاً ـ من الشهوات ، بمعنى أن الإنسان يعرف أن هذا حرام ، ولكن لأن نفسه تدعوه إليه فلا يبالي النبي صلي الله عليه وسلم بل يفعل الحرام ، ويعلم أن هذا واجب ، لكن نفسه تدعوه للكسل فيترك هذا الواجب ، هذه فتنة شهوة ، يعني فتنة إرادة ، ومن ذلك أيضاً ـ بل من أعظم ما يكون ـ فتنة شهوة الزنا أو اللواط والعياذ بالله ، وهذه من أضر ما يكون على هذه الأمة، قال النبي عليه الصلاة والسلام: ( ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء )(19) وقال : ( اتقوا النساء ، فإن أول فتنة بني إسرائيل كانت في النساء )(20) ، ولدينا الآن ـ وفي مجتمعنا ـ من يدعو إلى هذه الرذيلة ـ والعياذ بالله ـ بأساليب ملتوية ، يلتوون فيها بأسماء لا تمت إلى ما يقولون بصلة ، لكنها وسيلة إلى ما يريدون ؛ من تهتك لستر المرأة ، وخروجها من بيتها لتشارك الرجل في أعماله ، ويحصل بذلك الشر والبلاء ، ولكن نسأل الله أن يجعل كيدهم في نحورهم ، وأن يسلط حكامنا عليهم ؛ بإبعادهم عن كل ما يكون سبباً للشر والفساد في هذه البلاد ، ونسأل الله ـ سبحانه وتعالى ـ أن يوفق لحكامنا بطانة صالحة ؛ تدلهم على الخير ، وتحثهم عليه . إن فتنة بني إسرائيل كانت في النساء ، وهي أعظم فتنة ، وهناك أناس الآن يحيكون كل حياكة من أجل أن يهدروا كرامة المرأة ، من أجل أن يجعلوها كالصورة ، كالدمى ، مجرد شهوة وزهرة يتمتع بها الفساق والسفلاء من الناس ، ينظرون إلى وجهها كل حين وكل ساعة والعياذ بالله ، ولكن ـ بحول الله ـ أن دعاء المسلمين سوف يحيط بهم ، وسوف يكبتهم ويردهم على أعقابهم خائبين ، وسوف تكون المرأة السعودية ـ بل المرأة في كل مكان من بلاد الإسلام ـ محترمة مصونة ، حيث وضعها الله عز وجل . المهم أن الرسول ـ عليه الصلاة والسلام ـ حذرنا من هذه الفتن التي هي كقطع الليل المظلم ، يصبح الإنسان مؤمناً ويمسي كافراً ، والعياذ بالله . يوم واحد يرتد عن الإسلام ، يخرج من الدين ، ويمسي مؤمناً ويصبح كافراً . نسأل الله العافية . لماذا ؟ ( يبيع دينه بعرض من الدنيا ) ولا تظن أن العرض من الدنيا هو المال ، كل متاع الدنيا عرض، سواء مال ، أو جاه أو رئاسة ، أو نساء ، أو غير ذلك، كل ما في الدنيا من متاع فإنه عرض ، كما قال تعالى : ( تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَعِنْدَ اللَّهِ مَغَانِمُ كَثِيرَةٌ ) (النساء: 94) فما في الدنيا كله عرض . فهؤلاء الذين يصبحون مؤمنين ويمسون كفاراً ، أو يمسون مؤمنين ويصبحون كفاراً ، كلهم يبيعون دينهم بعرض من الدنيا ، نسأل الله أن يعيذنا وإياكم من الفتن . واستعيذوا دائماً يا أخواني من الفتن ، وما أعظم ما أمرنا به نبينا عليه الصلاة والسلام ، حيث قال : ( إذا تشهد أحدكم ـ يعني التشهد الأخير ـ فليستعذ بالله من أربع ، يقول : اللهم إني أعوذ بك من عذاب جهنم ، ومن عذاب القبر ، ومن فتنة المحيا والممات ، ومن شر فتنة المسيح الدجال )(21) نسأل الله أن يثيبنا وإياكم بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة . * * * وفي رواية له : ( كنت خلفت في البيت تبرا ً من الصدقة ؛ فكرهت أن أبيته ). ( التبر ) قطع ذهب أو فضة . الشرح ففي هذا الحديث المبادرة إلى فعل الخير ، وألا يتوانى الإنسان عن فعله ، وذلك لأن الإنسان لا يدري متى يفاجئه الموت ؛ فيفوته الخير ، والإنسان ينبغي أن يكون كيساً ، يعمل لما بعد الموت ولا يتهاون ، وإذا كان الإنسان في أمور دنياه يكون مسرعاً ، وينتهز الفرص ، فإن الواجب عليه في أمور أخراه أن يكون كذلك بل أولى ، قال الله تعالى : ( بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا (16)وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى (17)إِنَّ هَذَا لَفِي الصُّحُفِ الْأُولَى (18)صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى) (الأعلى:16-19). وفي هذا الحديث دليل على أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أسرع الناس مبادرة إلى الخير ، أنه ـ عليه الصلاة والسلام ـ محتاج إلى العمل ؛ كما أن غيره محتاج إلى العمل ؛ ولهذا لما حدث فقال : ( إنه لن يدخل الجنة أحد بعمله ) ، قالوا : لا أنت ؟ قال : ( ولا أنا إلا أن يتغمد ني الله برحمته )(23) ، هذا هو النبي عليه الصلاة والسلام . وفي هذا الحديث دليل على جواز تخطي الرقاب بعد السلام من الصلاة ، ولا سيما إذا كان لحاجة ، وذلك لأن الناس بعد السلام من الصلاة ليسوا في حاجة إلى أن يبقوا في أماكنهم ، بل لهم الانصراف ، بخلاف تخطي الرقاب قبل الصلاة ، فإن ذلك منهي عنه ؛ لأنه إيذاء للناس ، ولهذا قطع النبي صلى الله عليه وسلم خطبته يوم الجمعة حين رأى رجلاً يتخطى الرقاب ، فقال له : ( أجلس فقد آذيت )(24) . وفي هذا الحديث دليل على أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ـ كغيره من البشر ـ يلحقه النسيان ، وأنه ينسى كما ينسى غيره ، وإذا كان صلى الله عليه وسلم ينسى ما كان معلوماً عنده من قبل ، فإنه كذلك من باب أولى يجهل ما لم يكن معلوماً عنده من قبل ، كما قال الله له ( قُلْ لا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ ) (الأنعام:50) فأمره الله أن يعلن للملأ أنه ليس عنده خزائن الله ؛ وأنه لا يعلم الغيب ، وأنه ليس بملك صلوات الله وسلامه عليه . وفي هذا قطع السبيل على من يلتجئون إلى الرسول صلى الله عليه وسلم في مهماتهم وملماتهم ، ويدعونه ، فإن هؤلاء من أعدائه وليسوا من أوليائه ؛ لأنه ـ عليه الصلاة والسلام ـ لو كان حياً لاستتابهم ، فإن تابوا وإلا قتلهم ؛ لأنهم مشركون ، فإن الإنسان لا يجوز أن يدعو غير الله عز وجل ؛ لا ملكاً مقرباً ، ولا نبياً مرسلاً ، وهو ـ عليه الصلاة والسلام ـ إنما جاء لحماية التوحيد وتحقيق عبادة الله ، فالنبي صلى الله عليه وسلم لا يعلم الغيب ، وينسى ما كان قد علم من قبل ، ويحتاج إلى الأكل والشرب واللباس والوقاية من الأعداء ، وقد ظاهر ـ بين درعين في غزوة أحد ـ يعني لبس درعين ـ خوفاً من السلاح . فهو كغيره من البشر ، جميع الأحكام البشرية تلحقه عليه الصلاة والسلام ؛ ولهذا قال الله له : ( قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ ) (الكهف: 110) ، فتأمل وصفه بأنه بشر مثلكم ، لو لم يقل (مِثْلُكُمْ ) لكفى ، يعني إذا قال : إنما أنا بشر علمنا بطريق القياس أنه بشر كالبشر لكن قال (مِثْلُكُمْ ) لا أتميز عليكم بشيءٍ إلا بالوحي ، ( يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ ) الآية . وفي هذا الحديث أيضاً دليل على شدة الأمانة وعظمها ، وأن الإنسان إذا لم يبادر بأدائها فإنها قد تحبسه ، ولهذا قال : ( فكرهت أن يحبسني )، وإذا كان هذا في الأمانة ، فكذلك أيضاً في الدين ؛ يجب على الإنسان أن يبادر بقضاء دينه إذا كان حالاً ، إلا أن يسمح له صاحب الدين فلا بأس أن يؤخر ، أما إذا كان لم يسمح له ؛ فإنه يجب عليه المبادرة لأدائه ن حتى إن العلماء ـ رحمهم الله ـ قالوا : إن فريضة الحج تسقط على من عليه الدين ؛ حتى يؤديه ؛ لأن الدين أمره عظيم ، كان النبي ـ عليه الصلاة والسلام ـ قبل أن يفتح الله عليه الفتوح ؛ إذا جئ إليه بالرجل سال : ( هل عليه دين ؟) فإن قالوا : لا ، تقدم وصلى عليه ، وإن قالوا نعم ، سأل : ( هل له وفاء ؟) فإن قالوا : نعم ، تقدم وصلى ، وإن قالوا : لا، تأخر ولم يصل . يترك الصلاة على الميت إذا كان عليه دين . فقدم إليه ذات يوم رجل من الأنصار ، ليصلي عليه ، فخطا خطوات ، ثم قال : ( هل عليه دين ؟ ) قالوا : نعم يا رسول الله : ثلاثة دنانير وليس لها وفاء ، فتأخر وقال : ( صلوا على صاحبكم ) فعرف ذلك في وجوه القوم ، تغيرت وجوههم ، كيف لم يصل عليه النبي عليه الصلاة والسلام ؟! فتقدم أبو قتادة رضي الله عنه ، وقال يا رسول الله ، علي دينه ، فتقدم النبي صلى الله عليه وسلم فصلى عليه(25) . ومع الأسف ؛ الآن تجد كثيراً من الناس عليه الدين ؛ وهو قادر على الوفاء ، ولكنه يماطل والعياذ بالله ، وقد ثبت عن النبي ـ عليه الصلاة والسلام ـ ، أنه قال : ( مطل الغني ظلم )(26) وأعلم أن الدين ليس كما يفهمه الناس ؛ هو الذي يأخذ سلعة بثمن أكثر من ثمنها ، الدين كل ما ثبت في الذمة ، فهو دين حتى القرض ـ السلف ـ حتى إيجار البيت ، حتى أجرة السيارة ، أي شيءٍ يثبت في ذمتك فهو دين ؛ عليك أن تبادر بوفائه ما دام حالاً . وفي هذا الحديث أيضاً دليل على جواز التوكيل في قسم ما يجب على الإنسان قسمته؛ ولهذا قال : ( فأمرت بقسمته ) فأمر ـ عليه الصلاة والسلام ـ أن يقسم ، وهذا التوكيل جائز في كل حق تدخله النيابة من حقوق الله ؛ كالحج مثلاً ، وأداء الزكاة ، وحقوق الآدميين ؛ كالبيع ، والشراء ، والرهن ، وما أشبهها . وخلاصة هذا الحديث : هو المبادرة إلى فعل الخيرات ، وعدم التهاون في ذلك ، واعلم أنك إذا عودت نفسك على التهاون اعتادت عليه وإذا عودتها على الحزم والفعل والمبادرة اعتادت عليه . وأسال الله ـ تعالى ـ أن يعينني وإياكم على ذكره ، وشكره ، وحسن عبادته . * * * الشرح قال المؤلف ـ رحمه الله ـ فيما نقله عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه وعن أبيه ، أن رجلاً قال للنبي صلى الله عليه وسلم يوم أحد : يا رسول الله ، أرأيت إن قاتلت حتى قتلت ، قال : ( أنت في الجنة ) ، فألقى تمرات كانت معه ، ثم تقدم فقاتل حتى قتل رضي الله عنه ، ففي هذا الحديث دليل على مبادرة الصحابة ـ رضي الله عنهم ـ إلى الأعمال الصالحة ، وأنهم لا يتأخرون فيها ، وهذا شانهم ؛ ولهذا كانت لهم العزة في الدنيا ، وفي الآخرة . ونظير هذا أن النبي صلى الله عليه وسلم خطب الناس يوم عيد ، ثم نزل فتقدم إلى النساء فخطبهن ، وأمرهن بالصدقة ، فجعلت المرأة منهن تأخذ خرصها وخاتمها، وتلقيه في ثوب بلال ، يجمعه ، حتى أعطاه النبي صلى الله عليه وسلم(28) ، ولم يتأخرن ـ رضي الله عنهن ـ بالصدقة ، بل تصدقن حتى من حليهن . وفي حديث جابر من الفوائد : أن من قتل في سبيل الله ؛ فإنه في الجنة ، ولكن من هو الذي يقتل في سبيل الله ؟ الذي يقتل في سبيل الله : هو الذي يقاتل لتكون كلمة الله هي العليا ، لا يقاتل حمية ولا شجاعة ولا رياء ، وإنما يقاتل لتكون كلمة الله هي العليا ، أما من قاتل حمية ؛ مثل الذين يقاتلون من أجل القومية العربية مثلاً ، فإن هؤلاء ليسوا شهداء ؛ وذلك لأن القتال من أجل القومية العربية ليس في سبيل الله ، لأنه حمية . وكذلك أيضاً : من يقاتل شجاعة ؛ يعني من تحمله شجاعته على القتال لأنه شجاع ، والغالب أن الإنسان إذا اتصف بصفة يحب أن يقوم بها ، فهذا أيضاً إذا قتل ليس في سبيل الله . وكذلك أيضاً : من قاتل مراءاة والعياذ بالله ؛ ليرى مكانه ، وأنه رجل يقاتل الأعداء الكفار ، فإنه ليس في سبيل الله ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن الرجل يقاتل حمية ، ويقاتل شجاعة ، ويقاتل ليرى مكانه ؛ أي ذلك في سبيل الله ؟ فقال : ( من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله )(29) . وفي هذا دليل على حرص الصحابة ـ رضي الله عنهم ـ على معرفة الأمور ؛ لأن هذا الرجل سأل النبي عليه الصلاة والسلام ، وكان هذا من عادتهم ؛ أنهم لا يفوتون الفرصة حتى يسألوا النبي صلى الله عليه وسلم ؛ لأنهم يستفيدون من هذا علماً وعملاً ، فإن العالم بالشريعة قد من الله عليه بالعلم ، ثم إذا عمل به فهذه منّه أخرى ، والصحابة ـ رضي الله عنهم ـ كان هذا شأنهم ، فيسألون النبي صلى الله عليه وسلم عن الحكم الشرعي من أجل أن يعملوا به ، بخلاف ما عليه من الناس اليوم ، فإنهم يسألون عن الأحكام الشرعية ؛ حتى إذا عملوا بها تركوها ، ونبذوها وراء ظهورهم ، وكأنهم لا يريدون من العلم لا مجرد المعرفة النظرية ، وهذا في الحقيقة خسران مبين ؛ لأن من ترك العمل بعد علمه به فإن الجاهل خير منه . فإذا قال قائل : لو رأينا رجلاً يقاتلون ، ويقولون : نحن نقاتل للإسلام ، دفاعاً عن الإسلام ، ثم قتل أحد منهم ؛ فهل نشهد له بأنه شهيد ؟ فالجواب : لا . لا نشهد بأنه شهيد ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( ما من مكلوم يكلم في سبيل الله ـ والله أعلم بمن يكلم في سبيله ـ إلا جاء يوم القيامة وجرحه يثغب دماً ، اللون لون الدم ، والريح ريح المسك )(30) فقوله : ( والله أعلم بمن يكلم في سبيله ) يدل على أن الأمر يتعلق بالنية المجهولة لنا ، المعلومة عند الله ، وخطب عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ ذات يوم فقال : أيها الناس ، إنكم تقولون : فلان شهيد وفلان شهيد ، ولعله أن يكون قد أوقر راحلته ؛ يعني قد حملها من الغلول ؛ يعني لا تقولوا هكذا ، ولكن قولوا : من مات أو قتل في سبيل الله فهو شهيد ، فلا تشهد لشخص بعينه أنه شهيد ؛ إلا من شهد له النبي صلى الله عليه سلم فإنك تشهد له ، وأما من سوى هذا فقل كلاماً عاماً قل : من قتل في سبيل الله فهو شهيد ، وهذا نرجو أن يكون من الشهداء ، وما أشبه ذلك . والله الموفق . * * * (الحلقوم) : مجرى النفس . و( المريء ) : مجرى الطعام والشراب . الشرح قال : ( أن تصدق وأنت صحيح شحيح ، تأمل البقاء وتخشى الفقر ) وفي رواية : ( تخشى الفقر وتأمل الغنى ) ، ولكن الرواية الأولى أحسن ، وقوله : ( تأمل البقاء ) يعني : أنك لكونك صحيحاً تأمل البقاء وطول الحياة ؛ لأن الإنسان الصحيح يستبعد الموت ، وإن كان الموت قد يفجأ الإنسان ، بخلاف المريض ؛ فإنه يتقارب الموت . وقوله : ( وتخشى الفقر ) يعني : لطول حياتك ، فإن الإنسان يخشى الفقر إذا طالت به الحياة ؛ لأن ما عنده ينفد ، فهذا أفضل ما يكون ؛ أن تتصدق في حال صحتك وشحك . ( ولا تهمل ) أي لا تترك الصدقة ، ( حتى إذا بلغت الحلقوم ، قلت لفلان كذا ولفلان كذا ) يعني لا تمهل ، وتؤخر الصدقة ، حتى إذا جاءك الموت وبلغت روحك حلقومك ،وعرفت أنك خارج من الدنيا، ( قلت : لفلان كذا ) يعني صدقة ، ( ولفلان كذا ) يعني صدقة ، ( وقد كان لفلان ) أي قد كان المال لغيرك ، ( لفلان ) : يعني للذي يرثك . فإن الإنسان إذا مات انتقل ملكه ، ولم يبق له شيء من المال . ففي هذا الحديث دليل على أن الإنسان ينبغي له أن يبادر بالصدقة قبل أن يأتيه الموت ، وأنه إذا تصدق في حال حضور الأجل ، كان ذلك أقل فضلاً مما لو تصدق وهو صحيح شحيح . وفي هذا دليل على أن الإنسان إذا تكلم في سياق الموت فإنه يعتبر كلامه إذا لم يذهل ، فإن أذهل حتى صار لا يشعر بما يقول فإنه لا عبرة بكلامه، لقوله : ( حتى إذا بلغت الحلقوم قلت لفلان : كذا ولفلان كذا وقد كان لفلان ) . وفيه دليل على أن الروح تخرج من أسفل البدن ، تصعد حتى تصل إلى أعلى البدن ، ثم تقبض من هناك ، ولهذا قال : ( حتى إذا بلغت الحلقوم )، وهذا كقوله تعالى : ( فَلَوْلا إِذَا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ (83) وَأَنْتُمْ حِينَئِذٍ تَنْظُرُونَ ) (الواقعة:83-84)فأول ما يموت من الإنسان أسفله ، تخرج الروح بأن تصعد في البدن، إلى أن تصل إلى الحلقوم ، ثم يقبضها ملك الموت ، نسأل الله أن يختم لنا ولكم بالخير والسعادة . والله الموفق . * * * ![]() اسم أبي دجانة : سماك بن خرشة . قوله : ( أحجم القوم ) أي توقفوا. و( فلق به ) : أي شق ، ( هام المشركين ) : أي رؤوسهم . الشرح في هذا الحديث يقول أنس : إن الرسول صلى الله عليه وسلم في غزوة أحد ؛ وغزوة أحد إحدى الغزوات الكبار التي غزاها رسول الله صلى الله عليه وسلم بنفسه ، وأحد جبل قرب المدينة ، وكان سبب الغزوة : أن قريشاً لما أصيبوا يوم بدر بقتل زعمائهم وكبرائهم ؛ أرادوا أن يأخذوا بالثار من النبي صلى الله عليه وسلم فجاءوا إلى المدينة يريدون غزو الرسول صلى الله عليه وسلم فاستشار النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه حين علم بقدومهم ، فأشار عليه بعضهم بالبقاء في المدينة ، وأنهم إذا دخلوا المدينة أمكن أن يرموهم بالنبل وهم متحصنون في البيوت ، وأشار بعضهم ؛ ولا سيما الشباب منهم والذين لم يحضروا غزوة بدر ؛ أشار أن يخرج إليهم ، فدخل النبي صلى الله عليه وسلم بيته ولبس لامته ، يعني لامة الحرب ، ثم خرج ، وأمر بالخروج إليهم في أحد . فالتقوا في أحد ، وصف النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه صفاً مرتباً من أحسن ما يكون ، وجعل الرماة الذين يحسنون الرمي بالنبل ـ وهم خمسون رجلاً ـ على الجبل ، وأمر عليهم عبد الله بن جبير رضي الله عنه وقال لهم : لا تبرحوا مكانكم ، وابقوا في مكانكم ، سواء كانت لنا أو علينا . فلما التقى الصفان ، انهزم المشركون وولوا الأدبار ، وصار المسلمون يجمعون الغنائم ، فقال الرماة الذين في الجبل : انزلوا نأخذ الغنائم ، ونجمعها . فذكرهم أميرهم بقول النبي صلى الله عليه وسلم لهم أن يبقوا في مكانهم ، سواء كانت للمسلمين أو عليهم ، ولكنهم ـ رضي الله عنهم ـ ظنوا أن الأمر قد انتهى ؛ لأنهم رأوا المشركين ولوا ولم يبقى إلا نفر قليل ، فلما رأى فرسان قريش أن الجبل قد خلا من الرماة ؛ كروا على المسلمين من خلفهم ، ثم اختلطوا بالمسلمين ، فصار ما كان بقدر العزيز الحكيم جل وعلا ، واستشهد من المسلمين سبعون رجلاً ، ومنهم حمزة بن عبد المطلب ـ رضي الله عنه ـ عم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أسد الله وأسد رسوله . فلما أصيب المسلمين بهذه المصيبة العظيمة ؛ قالوا : أنى هذا ، كيف نهزم ومعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن جند الله ، وأولئك معهم الشياطين : وهم جنود الشياطين ، فقال الله عز وجل لهم : ( أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ ) (آل عمران: من الآية165) ، أنتم السبب ، لأنكم عصيتم ، كما قال الله تعالى : ( حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَعَصَيْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا أَرَاكُمْ مَا تُحِبُّونَ ) (آل عمران : من الآية152) يعني حصل ما تكرهون . فحصل ما حصل ؛ لحكم عظيمة ؛ ذكرها الله عز وجل في سورة آل عمران ، وتكلم عليها الحافظ ابن القيم ـ رحمه الله ـ كلاماً جيداً لم أر مثله في كتاب ( زاد المعاد ) ؛ في بيان الحكم العظيمة من هذه العزوة . المهم أن الرسول ـ عليه الصلاة والسلام ـ أخذ سيفاً ، فقال لأصحابه : ( من يأخذ مني هذا السيف ؟ ) كلهم قال : نأخذه ، رفعوا أيديهم وبسطوها ، يقولون : أنا أنا ، فقال : ( فمن يأخذه بحقه ؟ ) ، فأحجم القوم ؛ لأنهم يعلمون ما حقه ، يخشون أن حقه يكون كبيراً جداً لا يستطيعون القيام به ، ويخشون أيضاً أن يعجزوا عن القيام به، فيكونون قد أخذوا هذا السيف على العهد من رسول الله ثم لا يوفون به ، ولكن الله وفق أبا دجانة ـ رضي الله عنه ـ فقال : أنا آخذه بحقه ، فأخذه بحقه ؛ وهو أن يضرب به حتى ينكسر ، أخذه بحقه ـ رضي الله عنه ـ وقاتل به ؛ وفلق به هام المشركين رضي الله عنه . في هذا دليل على أنه ينبغي للإنسان أن يبادر بالخير ، وألا يتأخر ، وأن يستعين بالله عز وجل ، وهو إذا استعان بالله وأحسن به الظن ؛ أعانه الله . كثير من الناس ربما يستكثر العبادة ، أو يرى أنها عظيمة ، يستعظمها ، فينكص على عقبيه ، ولكن يقال للإنسان : استعن بالله ، توكل على الله ، وإذا استعنت بالله ، وتوكلت عليه ، ودخلت فيما يرضيه عز وجل ؛ فأبشر بالخير وأن الله ـ تعالى ـ سيعينك؛ كما قال الله تعالى: ( وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ ) (الطلاق: من الآية3) . وفي هذا دليل ـ أيضاً ـ على حسن رعاية النبي صلى الله عليه وسلم لأمته ؛ لأنه لم يخص بالسيف أحد من الناس ، ولكنه جعل الأمر لعموم الناس ، وهكذا ينبغي للإنسان الذي استرعاه الله رعية ، ألا يحابي أحداً ، وألا يتصرف تصرفاً يظن أنه محاب فيه ، لأنه إذا حابى أحداً ، أو تصرف تصرفاً يظن أنه حابى فيه ، حصل من القوم فرقة ، وهذا يؤثر على الجماعة . أما لو امتاز أحد من الناس بميزة لا توجد في غيره ، ثم خصه الإنسان بشيء ، ولكنه يبين للجماعة أنه خصه لهذه الميزة ؛ التي لا توجد فيهم ؛ فهذا لا بأس به . والله الموفق . * * * الشرح وهو الذي حاصر مكة لقتال عبد الله بن الزبير رضي الله عنه ، وجعل يرمي الكعبة بالمنجنيق ؛ حتى هدمها أو هدم شيئاً منها ، وكان قد آذى الناس ، فجاءوا يشكون إلى أنس بن مالك رضي الله عنه ، فقال لهم أنس رضي الله عنه : اصبروا ؛ أمرهم بالصبر على جور ولاة الأمور ، وذلك لأن ولاة الأمور قد يسلطون على الناس ؛ بسبب ظلم الناس ، كما قال تعالى : ( وَكَذَلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضاً بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ) (الأنعام:129). فإذا رأيت ولاة الأمور قد ظلموا الناس في أموالهم ، أو في أبدانهم ، أو حالوا بينهم وبين الدعوة إلى الله عز وجل ، أو ما أشبه ذلك ؛ ففكر في حال الناس ؛ تجد أن البلاء أساسه من الناس ، هم الذين انحرفوا ؛ فسلط الله عليهم من سلط من ولاة الأمور ، وفي الأثر ـ وليس بحديث ـ كما تكونون يولى عليكم . ويذكر أن بعض خلفاء بني أمية ـ وأظنه عبد الملك بن مروان ـ جمع وجهاء الناس ؛ لما سمع أن الناس يتكلمون في الولاية ، جمع الوجهاء وقال لهم : أيها الناس ، أتريدون أن نكون لكم كما كان أبو بكر وعمر ؟ قالوا : بلى نريد ذلك ، قال : كونوا كالرجال الذين تولى عليهم أبو بكر وعمر ؛ لنكون لكم كأبي بكر وعمر ، يعني أن الناس على دين ملوكهم ، فإذا ظلم ولاة الأمور الناس ؛ فإنه غالباً يكون بسبب أعمال الناس . وجاء رجل من الخوارج إلى على بن أبي طالب ـ رضي الله عنه ـ وقال : ما بال الناس انتقضوا عليك ولم ينتقضوا على أبي بكر وعمر ، قال : لأن رجال أبي بكر وعمر أنا وأمثالي ، ورجالي أنت وأمثالك ؛ يعني أن الناس إذا ظلموا سلطت عليهم الولاة . ولهذا قال أنس : اصبروا ، هذا هو الواجب ، الواجب أن يصبر الإنسان ، ولكل كربة فرجة ، لا تظن أن الأمور تأتي بكل سهولة ، الشر ربما يأتي بغتة ويأتي هجمة ، ولكنه لن يدال على الخير أبداً ، ولكن علينا أن نصبر ، وأن نعالج الأمور بحكمة ، لا نستسلم ولا نتهور ، نعالج الأمور بحكمة وصبر وتأن ، ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ) (آل عمران:200) ، إن كنت تريد الفلاح فهذه أسبابه وهذه طرقه ؛ أربعة أشياء : ( اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ) . ثم قال أنس بن مالك : فإنه لا يأتي على الناس زمان إلا وما بعده أشر منه ، حتى تلقوا ربكم ، سمعته من نبيكم محمد صلى الله عليه وسلم . يعني أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال : ( لا يأتي على الناس زمان إلا وما بعده أشر منه ) . شر منه في الدين ، وهذا الشر ليس شراً مطلقاً عاماً ، بل قد يكون شراً في بعض المواضع ، ويكون خيراً في مواضع أخرى وهكذا . ومع هذا ؛ فإن الناس كما ازادوا في الرفاهية ، وكلما انفتحوا على الناس ؛ انفتحت عليهم الشرور ، فالرفاهية هي التي تدمر الإنسان ؛ لأن الإنسان إذا نظر إلى الرفاهية وتنعيم جسده ؛ غفل عن تنعيم قلبه ، وصار أكبر همه أن ينعم هذا الجسد الذي مآله إلى الديدان والنتن ، وهذا هو البلاء ، وهذا هو الذي ضر الناس اليوم ، لا تكاد تجد أحداً إلا ويقول : ما قصرنا ؟ ما سيارتنا ؟ ما فرشنا ؟ ما أكلنا ؟ حتى الذين يقرءون العلم ويدرسون العلم ، بعضهم إنما يدرس لينال رتبة أو مرتبة يتوصل بها إلى نعيم الدنيا . وكأن الإنسان لم يخلق لأمر عظيم ، والدنيا ونعيمها إنما هي وسيلة فقط . نسأل الله أن نستعمله وإياكم وسيلة . قال شيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله ـ ما معناه : ينبغي على الإنسان أن يستعمل المال كما يستعمل الحمار للركوب ، وكما يستعمل بيت الخلاء للغائط . فهؤلاء هم الذين يعرفون المال ويعرفون قدره ، لا تجعل المال أكبر همك ، اركب المال ، فإن لم تركب المال ركبك المال ، وصار همك هو الدنيا . ولهذا نقول : إن الناس كلما انفتحت عليهم الدنيا ، وصاروا ينظرون إليها ، فإنهم يخسرون من الآخرة بقدر ما ربحوا من الدنيا ، قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( والله ما الفقر أخشى عليكم ) يعني ما أخاف عليكم الفقر ، فالدنيا ستفتح . ( ولكني أخشى أن تبسط عليكم الدنيا كما بسطت على من كان قبلكم ، فتنافسوا كما تنافسوها ، وتهلككم كما أهلكتكم )(34) ، وصدق الرسول عليه الصلاة والسلام ، هذا الذي أهلك الناس اليوم ، الذي أهلك الناس اليوم التنافس في الدنيا ، وكونهم كأنهم إنما خلقوا لها لا أنها خلقت لهم ، فاشتغلوا بما خلق لهم عما خلقوا له ، وهذا من الانتكاس نسأل الله العافية . وفي هذا الحديث وجوب الصبر على ولاة الأمور وإن ظلموا وجاروا ، لأنك سوف تقف معهم موقفاً تكون أنت وإياهم على حد سواء ؛ عند ملك الملوك ، سوف تكون خصمهم يوم القيامة إذا ظلموك ، لا تظن أن ما يكون في الدنيا من الظلم سيذهب هباءً أبداً ، حق المخلوق لابد أن يؤخذ يوم القيامة ؛ فأنت سوف تقف معهم بين يدي الله ـ عز وجل ـ ليقضي بينكم بالعدل ، فاصبر وانتظر الفرج ، فيحصل لك بذلك اطمئنان النفس والثبات ، وانتظار الفرج عبادة ، تتعبد لله به ، وإذا انتظرت الفرج من الله فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( واعلم أن النصر مع الصبر ، وأن الفرج مع الكرب ، وأن مع العسر يسراً )(35) . وفي هذا التحذير من سوء الزمان ، وأن الزمان يتغير ، ويتغير إلى ما هو أشر . وقد قال النبي ـ عليه الصلاة والسلام ـ ذات يوم لأصحابه : ( من يعش منكم فسيرى اختلافاً كثيراً )(36) وأظن أننا ـ وعيشنا في الدنيا قليل بالنسبة لمن سبق ـ نرى اختلافاً كثيراً . رأينا اختلافاً كثيراً بين سنين مضت وسنين الوقت الحاضر . حدثني من أثق به ؛ أن هذا المسجد ـ مسجد الجامع ـ كان لا يؤذن لصلاة الفجر إلا وقد تم الصف الأول ، يأتي الناس إلى المسجد يتهجدون ، أين المتهجدون اليوم إلا ما شاء الله ؟ . قليل !! تغيرت الأحوال ، كنت تجد الواحد منهم كما قال النبي عليه الصلاة والسلام : ( كالطير تغدو خماصاً وتروح بطاناً )(37) إذا أصبح يقول : اللهم ارزقني ، قلبه معلق بالله ـ عز وجل ـ فيرزقه الله ، وأما الآن ، فأكثر الناس في غفلة عن هذا الشيء ، يعتمدون على من سوى الله ، ومن تعلق شيئاً وكل إليه . نعم في الآونة الأخيرة ـ والحمد لله ـ لا شك أن الله ـ سبحانه وتعالى ـ فتح على الشباب فتحاً ؛ أسأل الله تعالى أن يزيدهم من فضله ، فتح عليهم وأقبلوا إلى الله ، فتجد بين سنواتنا هذه الأخيرة ، والسنوات الماضية بالنسبة للشباب فرقاً عظيماً ، قبل نحو عشرين سنة ؛ كنت لا تكاد تجد الشباب بالمسجد ، أما الآن ـ ولله الحمد ـ فأكثر من في المسجد هم الشباب ، وهذه نعمة ولله الحمد ، يرجو الإنسان لها مستقبلاً زاهراً ، وثقوا أن الشعب إذا صلح فسوف تضطر ولاة أموره إلى الصلاح مهما كان فنحن نرجو لإخواننا في غير هذه البلاد ـ الذين من الله ـ عليهم بالصلاح واستقاموا على الحق ـ أن يصلح لهم الولاة ، ونقول : اصبروا فإن ولاتكم سيصلحون رغماً عنهم ، فإذا صلحت الشعوب ؛ صلحت الولاة بالاضطرار . نسأل الله أن يصلح للمسلمين ولاة أمورهم وشعوبهم ؛ إنه جواد كريم . * * * الشرح ونحن نشاهد أن الغنى يكون سبباً للفساد والعياذ بالله ، تجد الإنسان في حال فقره مخبتاً إلى الله ، مبنياً إليه ، منكسر النفس ، ليس عنده طغيان ، فإذا أمده الله بالمال ؛ استكبر ـ والعياذ بالله ـ وأطغاه غناه . أو بالعكس : ( فقراً منسياً ) الفقر : قلة ذات اليد ، بحيث لا يكون مع الإنسان مال ، فالفقر ينسي الإنسان مصالح كثيرة ؛ لأنه يشتغل بطلب الرزق عن أشياء كثيرة تهمه ، وهذا شيء مشاهد ؛ ولهذا يخشى على الإنسان من هذين الحالين ؛ إما الغنى المطغي ؛ أو الفقر المنسي . فإذا من الله على العبد بغنى لا يطغي ، وبفقر لا ينسي ، وكانت حاله وسطاً ، وعبادته مستقيمة ، وأحواله قويمة ، فهذه هي سعادة الدنيا . وليست سعادة الدنيا بكثرة المال ؛ لأنه قد يطغي ؛ ولهذا تأمل قوله تعالى : ( مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) (النحل:97)، لم يقل : من عمل عملاً صالحاً من ذكر أو أنثى فلنوسعن عليه المال ولنعطينه المال الكثير ، قال : (فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً ) ؛ إما بكثرة المال أو بقلة المال ، ويذكر عن النبي صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن الله في الحديث القدسي : ( إن من عبادي من لو أغنيته لأفسده الغنى ، وإن من عبادي من لو أفقرته لأفسده الفقر )(39) . وهذا هو الواقع ، من الناس من يكون الفقر خيراً له ، ومن الناس من يكون الغنى خيراً له ، ولكن الرسول ـ عليه الصلاة والسلام ـ حذر من غنى مطغٍ وفقر منسٍ . الثالث : قال : ( أو مرضاً مفسداً ) المرض يفسد على الإنسان أحواله ، فالإنسان ما دام في صحة ؛ تجد منشرح الصدر ، واسع البال ، مستأنساً ، لكنه إذا أصيب بالمرض انتكب ، وضاقت عليه الأرض ، وصار همه نفسه ، فتجده بمرضه تفسد عليه أمور كثيرة ، لا يستأنس مع الناس ، ولا ينبسط إلى أهله ؛ لأنه مريض ومتعب في نفسه . فالمرض يفسد على الإنسان أحواله ، والإنسان ليس دائماً يكون في صحة ، فالمرض ينتظره كل لحظة. كم من إنسان أصبح نشيطاً صحيحاً وأمسى ضعيفاً مريضاً، بالعكس ؛ أمسى صحيحاً نشيطاً ، وأصبح مريضاً ضعيفاً . فالإنسان يجب عليه أن يبادر إلى الأعمال الصالحة ؛ حذراً من الأمور . الرابع : ( أو هرماً منفداً ) الهرم : يعني الكبر ،فالإنسان إذا كبر وطالت به الحياة ، فإنه ـ كما قال الله عز وجل ( يرد إلى أرذل العمر ) أي إلى أسوئه وآرائه ، فتجد هذا الرجل الذي عهدته من أعقل الرجال ، يرجع حتى يكون مثل الصبيان ، بل هو أردأ من الصبيان ؛ لأن الصبي لم يكن قد عقل ، فلا يدري عن شيء ، لكن هذا قد عقل وفهم الأشياء ، ثم رد إلى أرذل العمر ، فيكون هذا أشد عليه ؛ ولذلك نجد أن الذين يردون إلى أرذل العمر ـ من كبار السن ـ يؤذون أهليهم أشد من إيذاء الصبيان ؛ لأنهم كانوا قد عقلوا ، وقد استعاذ النبي صلى الله عليه وسلم من أن يرد إلى أرذل العمر(40) . نسأل الله أن يعيذنا وإياكم من الرد إلى أرذل العمر ؛ لأن الإنسان إذا رد إلى أرذل العمر ؛ تعب وأتعب غيره ، حتى إن أخص الناس به يتمنى أن يموت ؛ لأنه آذاه وأتعبه ، وإذا لم يتمن بلسان المقال ؛ فربما يتمنى بلسان الحال . أما الخامس ![]() السادس : ( أو الدجال فشر غائب ينتظر) الدجال : صيغة مبالغة من الدجل ؛ وه الكذب والتمويه ، وهو رجل يبعثه الله ـ سبحانه وتعالى ـ في آخر الزمان ، يصل إلى دعوى الربوبية ، يدعي أنه رب ، فيمكث في فتنته هذه أربعين يوماً ؛ يوم كسنة ، ويوم كشهر ، ويوم كأسبوع ؛ يعني كجمعة . وسائر أيامه كالأيام المعتادة ، لكن يعطيه الله ـ عز وجل ـ من القدرات ما لم يعط غيره ، حتى إنه يأمر السماء فتمطر ، ويأمر الأرض فتنبت ، ويأمر الأرض فتجدب ، والسماء فتقحط : تمنع المطر ، ومعه جنة ونار ، لكنها مموهة ؛ جنته نار ، وناره جنة . هذا الرجل أعور العين ، كأن عينه عنبة طـافية ، مكتوب بين عينيه ( كافر ) كاف . فاء . راء . يقرؤه كل مؤمن(42) ؛ الكاتب وغير الكاتب ، ولا يقرؤه المنافق ولا الكافر ـ ولو كان قارئاً كاتباً ـ وهذا من آيات الله . هذا الرجل يرسل الله عليه عيسى ابن مريم عليه الصلاة السلام ، فينزل من السماء فيقتله . كما جاء في بعض الأحاديث بباب لدّ في فلسطين(43) حتى يقضي عليه (44). فالحاصل أن الدجال شر غائب ينتظر ؛ لأن فتنته عظيمة ؛ ولهذا نحن في صلاتنا ـ في كل صلاة ـ نقول : أعوذ بالله من عذاب جهنم ، ومن عذاب القبر ، ومن فتنة المحيا والممات ، ومن فتنة المسيح الدجال . خصمها ، لأنها أعظم فتنة تكون في حياة الإنسان . السابع : ( أو الساعة ) يعني قيام الساعة الذي فيه الموت العام ، والساعة أدهى وأمر كما قال الله عز وجل : ( بَلِ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ وَالسَّاعَةُ أَدْهَى وَأَمَرُّ) (القمر:46). فهذه سبع حذر منها النبي عليه الصلاة والسلام ، وأمرنا أن نبادر بالأعمال هذه السبع ، فبادر يا أخي المسلم بأعمالك الصالحة قبل أن يفوتك الأوان ، فأنت الآن في نشاط ، وفي قوة ، وفي قدرة ، لكن قد يأتي عليك زمان لا تستطيع ولا تقدر على العمل الصالح ، فبادر وعود نفسك ، وأنت إذا عودت نفسك العمل الصالح إعتادته ، وسهل علينا وانقادت له ، وإذا عودت نفسك الكسل والإهمال ؛ عجزت عن القيام بالعمل الصالح ، نسأل الله أن يعينني وإياكم على ذكره وشكره وحسن عبادته . * * * ( فتساورت ) هو بالسين المهملة : أي وثبت متطلعاً . الشرح قال المؤلف ـ رحمه الله تعالى ـ فيما نقله عن أبي هريرة رضي الله عنه ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يوم خيبر : ( لأعطين هذه الراية رجلاً يحب الله ورسوله ) ، وفي لفظ : (ويحبه الله ورسوله ) يوم خيبر :يعني يوم غزوة خيبر ، وخيبر حصون ومزارع كانت لليهود ؛ تبعد عن المدينة نحو مائة ميل نحو الشمال الغربي ، فتحها النبي عليه الصلاة والسلام كما هو معروف في السير ، وكان الذين يعملون فيها اليهود ، فصالحهم النبي عليه الصلاة والسلام على أن يبقوا فيها مزارعين بالنصف ؛ لهم نصف الثمرة ، وللمسلمين نصف الثمرة ، وبقوا على ذلك حتى أجلاهم عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ في خلافته ، أجلاهم إلى الشام وإلى أذرعات . قال النبي عليه الصلاة والسلام : (لأعطينه الراية رجلاً يحب الله ورسوله ) الراية : هي ما يسمى عندنا العلم ، يحمله القائد من أجل أن يهتدي به الجيش وراءه ، فقال : ( لأعطينه الراية رجلاً يحب الله ورسوله ) وقوله: ( رجلاً ) نكرة لا يعلم من هو ، قال عمر بن الخطاب : فما تمنيت الإمارة إلا يومئذ ، رجاء أن يصيبه ما قاله النبي عليه الصلاة والسلام ، فتسورت لها وبات الناس تلك الليلة يخوضون ويدوكون ، كل منهم يرجو أن يعطاها ، فلما أصبحوا قال النبي صلى الله عليه وسلم : أين علي بن أبي طالب ؟ ابن عمه قالوا : يا رسول الله ، إنه يشتكي عينيه ، يعني عنده وجع في عينيه ، فدعا به ، فجاء ، فبصق في عينيه ؛ فبرأ كأن لم يكن به وجع في الحال ، والله على كل شيء قدير ، ثم أعطاه الراية ، وقال له : ( امش ولا تلتفت حتى يفتح الله ) . ففعل ـ رضي الله عنه ـ فلما مشى قليلاً وقف ، ولكنه لم يلتفت ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال له : لا تلتفت ، فصرخ بأعلى صوته : يا رسول الله ، على ماذا أقاتلهم ؟ بدون التفات ؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال لا تلتفت ؛ قال : ( قاتلهم حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله ) ؛ هذه الكلمة كلمة عظيمة ، ولو وزنت بها السماوات والأرض لرجعت بالسماوات والأرض ، هذه الكلمة يدخل بها الإنسان من الكفر الإسلام ، فهي باب الإسلام : شهادة أن لا إله إلا الله ، وأن محمداً رسول الله ، (فإذا فعلوا ذلك فقد منعوا منك دماءهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله ) يعني إذا قالوا : نشهد أن لا إله إلا الله وأن محمد رسول الله ، فإنهم لا يقاتلون ، منعوا دماءهم وأموالهم إلا بحقها ، أي بحق لا إله إلا الله ؛ أي بالحقوق التابعة لها ؛ لأن لا إله إلا الله ليست مجرد لفظ يقوله الإنسان بلسانه ، بل لها شروط ولها أمور لابد أن تتم ، ولهذا قيل لبعض السلف : إن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( مفتاح الجنة لا إله إلا الله ) ؟ فقال نعم ، مفتاح الجنة لا إله إلا الله ، لكن لابد من عمل ؛ لأن المفتاح يحتاج إلى أسنان ، وقد صدق رحمه الله : المفتاح يحتاج إلى أسنان ، لو جئت بمفتاح بدون أسنان ما فتح لك . إذن : قول الرسول عليه الصلاة والسلام : ( إلا بحقها ) يشمل كل شيء يكفر به الإنسان مع قول لا إله إلا الله ، فإن من كفر وإن كان يقول لا إله إلا الله محمد رسول الله ، ولكنه أتى بمكفر ؛ فإن هذه الكلمة لا تنفعه . ولهذا كان المنافقون يذكرون الله ، يقولون : لا إله إلا الله ، وإذا رأيتهم تعجبك أجسامهم ، هيئتهم وشكلهم كأنهم أكمل المؤمنين إيماناً ، ويأتون للرسول صلى الله عليه وسلم يقولون له : نشهد إنك لرسول الله ، الكلام مؤكد بثلاث مؤكدات ( نشهد ) و( إن ) و ( اللام ) في ( نَشْهَدُ إِنَّك لَرَسُولُ َاللَّهُ ) فقال رب العزة والجلال الذي يعلم ما في الصدور : ( وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ ) (المنافقون :1)، أعطاهم شهادة بشهادة ، يشهد إن المنافقون لكاذبون ، وأكد الله ـ عز وجل ـ كذب هؤلاء في قولهم : نشهد إنك لرسول الله ، بثلاثة مؤكدات ، فليس كل من قال لا إله إلا الله ؛ يعصم دمه وماله ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم استثنى فقال : ( إلا بحقها ) . ولما منع الزكاة من منعها من العرب بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم ، واستعد أبو بكر ـ رضي الله عنه ـ لقتالهم ، تكلم معه من تكلم من الصحابة ، وقالوا : كيف تقاتلهم وهم يقولون : لا إله إلا الله ؟ قال رضي الله عنه : والله لأقاتلن من فرق بين الصلاة والزكاة ، الزكاة حق المال ، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( إلا بحقها )فقاتلهم ـ رضي الله عنه ـ على ذلك ، وانتصر ولله الحمد . فالحاصل : أنه ليس كل من قال لا إله إلا الله ، فإنه يمنع دمه وماله ، ولكن لابد من حق ، ولذلك قال العلماء رحمهم الله : لو أن قرية من القرى تركوا الأذان والإقامة ؛ فإنهم لا يكفرون ، ولكن يقاتلون ، وتستباح دمائهم حتى يؤذنوا ويقيموا ، مع أن الأذان والإقامة ليسا من أركان الإسلام ، لكنها من حقوق الإسلام ، قالوا : ولو تركوا صلاة العيد مثلاً ، مع أن صلاة العيد ليست من الفرائض الخمس ، لو تركوا صلاة العيد وجب قتالهم ، يقاتلون بالسيف والرصاص حتى يصلوا العيد ، مع أن صلاة العيد فرض كفاية ، أو سنة عند بعض العلماء ، أو فرض عين على القول الراجح ، لكن الكلام على أن القتال قد يجوز مع إسلام المقاتلين ؛ ليذعنوا لشعائر الإسلام الظاهرة ؛ ولهذا قال هنا : (إلا بحقها ) . وفي هذا الحديث دليل على أنه يجوز للإنسان أن يقول : لأفعلن كذا في المستقبل ، وإن لم يقل : إن شاء الله . ولكن يجب أن نعلم الفرق بين شخص يخبر عما في نفسه ، وشخص يخبر أنه سيفعل ، يعني يريد الفعل . أما الأول فلا بأس أن يقول سأفعل بدون إن شاء الله ؛ لأنه إنما يخبر عما في نفسه ، وأما الثاني : الذي يريد أنه يفعل ؛ أي يوقع الفعل فعلاً . فهذا لا يقل إلا مقيداً بالمشيئة ، قال تعالى : ( وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَداً (23) إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّه ُ) (الكهف:23-24) ، فهناك فرق بين من يخبر عما في نفسه ، وبين من يقول إنني سأفعل غداً . غداً ليس إليك ، ربما تموت قبل غد ، وربما تبقى ، ولكن يكون هناك موانع وصوارف ، وربما تبقى ويصرف الله همتك عنه ، كما يقع كثيراً ، كثيراً ما يريد الإنسان أن يفعل فعلاً غداً أو آخر النهار ، ثم يصرف الله همته . ولهذا قيل لبعض الأعراب ـ والأعراب سبحان الله عندهم أحياناً جواب فطري ـ قيل له : بم عرفت ربك ؟ فأجاب قائلاً : الأثر يدل على المسير ، والبعير تدل على البعير . فسماء ذات أبراج ، وأرض ذات فجاج ، وبحار ذات أمواج ، ألا تدل على السميع البصير ؟ ـ الله أكبر ـ أعرابي لا يعرف ؛ لكنه استدل بعقله ، فهذه الأمور العظيمة ألا تدل على خالق يخلقها ويدبرها ؟ بلى والله . وسئل آخر : بم عرفت ربك ؟ قال : بنقض العزائم وصرف الههم ؛ فكيف هذا ؟ يعزم الإنسان على شيء ثم تنتقض عزيمته بدون أي سبب ظاهر ، إذن : من الذي نقضها ؟ الذي نقض العزيمة هو الذي أودعها أولاً ، وهو الله عز وجل ، وصرف الههم ؛ حيث يهم الإنسان بالشيء ـ وربما يبدأ به فعلاً ـ ثم ينصرف . إذن نقول : إن في هذا الحديث دليل على أن الإنسان له أن يقول سأفعل كذا ؛ إخباراً عما في نفسه ، لا جزماً بأن يفعل ، لأن المستقبل له الله ، لكن إذا أخبرت عما في نفسك فلا حرج . والله الموفق . * * * |
|||
![]() |
![]() |
رقم المشاركة : 8 | |||
|
![]()
وفيك بارك الله
|
|||
![]() |
![]() |
رقم المشاركة : 9 | |||
|
![]() وفقكم الله على هذا الموضوع وجعله الله في ميزان أعمالكم
بارك الله فيكم |
|||
![]() |
![]() |
رقم المشاركة : 10 | ||||
|
![]() اقتباس:
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته وفيك بارك الله |
||||
![]() |
![]() |
رقم المشاركة : 11 | |||
|
![]() |
|||
![]() |
![]() |
رقم المشاركة : 12 | ||||
|
![]() اقتباس:
بارك الله فيك ونفع بك |
||||
![]() |
![]() |
رقم المشاركة : 13 | ||||
|
![]() اقتباس:
وفيكم بارك الله واستفادة طيبة ارجوها للجميع |
||||
![]() |
![]() |
الكلمات الدلالية (Tags) |
للشيخ, الصالحين, العثيمين, بستان, رياض, زهرات |
|
|
المشاركات المنشورة تعبر عن وجهة نظر صاحبها فقط، ولا تُعبّر بأي شكل من الأشكال عن وجهة نظر إدارة المنتدى
المنتدى غير مسؤول عن أي إتفاق تجاري بين الأعضاء... فعلى الجميع تحمّل المسؤولية
Powered by vBulletin .Copyright آ© 2018 vBulletin Solutions, Inc