التضحية عطاء لا ينتظر الجزاء يقدم على مائدة الأمل في سبيل هدف عالٍ يبدأ من أعلى سلم الحياة بذلاً مقدسا في سبيل الآخرين..
والتضحية إيثار لا يعدله إيثار ..لهذا ما تزال الصفة التي تدفع المرء إلى الفداء الموصل حتى مرتبة الشهادة ..عندها يجتاز عتبة الأرض إلى أبواب السماء في قدسية إنسانية ..مكافأتها أبعد من الأثير وأرقى من أحلام التفكير ، حيث يغدو المثل الأعلى فيقال :كان مثلاً فيما أعطى وزاد..
والتضحية هبة لا يملكها إلا الذي عطاؤه فعل قوله ،وقوله حقٌ..
كلامه لا يسبق فعله ، وعنه يتكلم الآخرون ..لأنه يهب من فيض روح كريمة لاتبخل أبداً..
إن التضحية والعطاء ..سران متحدان في الانسان الذي وهبه وجوده قدرة على ذلك..
فالأم روحها لولدها ،والكريم يعطي مما حباه الله ، والمناضل يقدم على مذبح الشهادة روحاً ثائرة وقلباً نقياً .. فالنفس الطيبة ماكان دأبها إلا الخير فتقدم وتقدم ولا ترتجِ حتى الشكر وهو واجب التقدير ..
وصفة المعطي هي فعله الخير ،ولا أرى نواله إلا الذكر الحسن .. وقد جاء في الأثر (اليد العليا خير من اليد السفلى) فإليك أيها القلب المتكئ على يسار الصدر، المتسلل دمه في العروق الحامل صفات من تسكن فيه..كن لكل امرئ دليلاً في نبضك وتدفق دمك الذي يصل إلى كل ثنايا الجسد وخلاياه فيجعله حياً على الدوام..
وتلوح لي الغيمة السكوب التي تحملها الريح عالية ممتلئة بالغيث تهب الأرض مطرها وتمضي ..لا تنظر إلى ما صنعت فهي تسقي كل مكان تعبره وجهها للأمام ..تداني الأرض فتعانقها بأيادي المطر ،وأذرع الخير تخطو في فضائها الرفيع سائرة على مدار الكون..
ولاأظن الوصف والتعبير يستطيع اجتياز الصفات الخيرة التي بنيت عليها علاقات الناس في جمالها ودفئها ،لأن صفة الانسان من الأنس وهو رابط الأرواح النقية المعطاءة التي تنأى عن الجفاء والقطيعة وتسعى إلى الوئام والسلام في طريق الوجود الممتد منذ كان الانسان ومن لا يعلم قيمة امرئ عاش معه أياماً وسنوات ..إن الزمن كفيل أن يعلمنا مالم تعلمنا المدارس والكتب في مدرسة الحياة فلنجعل حياتنا مثالاً للعطاء كي يصبح وجودنا جنة أرضية تتآلف فيها أرواح الناس وتعيش دون طمع فيقدمون ما وهبتهم الحياة.. لهذا علينا أن نجعل التسامح فوق كل عداوة فالكريم من يسامح فليكن سماحك عطاءً روحياً يقتل عداوة الآخرين ويجعلهم أصدقاء تنفي قلوبهم ما فيها من ضغائن وقد أجاد الشاعر الأخطل الصغير في دعوته للترافع عن الصغائر حين أشار إلى دليل عمل لمن أراد أن يكون إنساناً حقاً في عطائه فقال:
كن بلسما إن صار دهرك أرقما وحلاوة إن صار غيرك علقما
إنها الحياة.. أتينا إليها بغير اختيارنا ونخرج منها بغير اختيارنا أيضاً فلنقدم لمن فيها أجمل ما عندنا من كنوز أرواحنا لأجل انتصار انسانيتنا الحقيقية إخاء جميلاً ، وعطاء جميلاً ،وفداءً جميلاً.. في سبيل كرامة الجميع ومحبة الجميع .. فالعطاء صفة السماء وصفة الأرض وصفة من يعمل بينهما في سبيل الحق والحياة.. هل انت مستعد للتضحية وعلى من