العلمانية وخديعة استبعاد الدين - منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب

العودة   منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب > منتديات الدين الإسلامي الحنيف > منتدى نُصرة الإسلام و الرّد على الشبهات

في حال وجود أي مواضيع أو ردود مُخالفة من قبل الأعضاء، يُرجى الإبلاغ عنها فورًا باستخدام أيقونة تقرير عن مشاركة سيئة ( تقرير عن مشاركة سيئة )، و الموجودة أسفل كل مشاركة .

آخر المواضيع

العلمانية وخديعة استبعاد الدين

 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 2012-12-27, 12:34   رقم المشاركة : 1
معلومات العضو
محمد بن العربي_
عضو جديد
 
إحصائية العضو










افتراضي العلمانية وخديعة استبعاد الدين

العلمانية وخديعة استبعاد الدين


بقلم :د. يحيى هاشم حسن فرغل

زعموا أن العلمانية سر التقدم في العالم المعاصر الذي ما حدث إلا بخلع الدين ولقد زيفوا فيما زعموا ثم كذبوا

أما أنهم زيفوا فذلك أنهم – ضمن " حرب المصطلحات " كما بينا في المقال الأسبق - أدخلوا إلى البيئة الإسلامية مصطلح العلمانية ، لغير مشكلة فيها ، ثم استوردوا له المشكلة ، ونادوا بدوره في حلها !!

وأما أنهم كذبوا فلأن الدولة الدينية مازالت في صلب الدولة الحديثة شديدة التطور في أوربا وأمريكا

وقد بينا في مقال سابق أنه في علاقة الغرب بنا كانت حروبهم معنا دينية ، ليس ذلك فحسب في حروبهم التاريخية المتقادمة ضدنا في الحروب الصليبية ، أوفي حروبهم ضد المسلمين في الأندلس ولكن في حروبهم ضد المسلمين في عقر دار العصر الحديث عصر التنوير والحداثة لإبعاد المسلمين عن دينهم أولا ثم لتنصيرهم من بعد ذلك وهاهو التنصير في فرصته التاريخية ومرحلته الجديدة بدءا من العراق

وسوف نبين في مقال قادم نشاط كنائس الغرب في مجال السياسة نشاطا يلقى الاحتفال والاحترام والاعتراف والتقدير من الجماهير والرأي العام وأصحاب النفوذ على السواء إلى حد اشتراك العلمانيين أنفسهم في " زفة " هذا التقدير


وسنبين هنا تداخل المفاهيم الدينية في بنية الدولة في الغرب وخططها السياسية مما يلقي على دعاة العلمانية بتهمة خداع الرأي العام الإسلامي في دعوتهم إياه إلى استبعاد الدين بحجة التقدم !!


ونهتم بأن نذكر من ذلك كله ما كان قبل ظهور مجموعة بوش والمحافظين الجدد قبيل الحادي عشر من سبتمبر 2001 رفعا لتوهم أنها حالة عابرة

كما أننا لم نقتصر على ملابسات خاصة بأحزاب المحافظين أو المتشددين رفعا لتوهم أنها حالة حزبية معزولة

كما أننا لن نذهب بعيدا في التاريخ رفعا لتوهم أنها حالة ماضوية كما يود العلمانيون لنا أن نفهم


وإذا كان من المشهور اليوم ظهور التلاحم بين السياسة والدين في مجال البروتستنت – في نموذج المحافظين الجدد - فسوف نهتم هنا بإبراز ذلك التلاحم في مجال الكاثوليك

وإذا كان من المشهور اليوم اشتغال رجال السياسة بالدين فسوف نهتم هنا غالبا بإبراز اشتغال رجال الدين بالسياسة


و فيما يختص ببيان تداخل المفاهيم الدينية في بنية الدولة في الغرب وخططها السياسية

يقول الأمير شكيب أرسلان : ( هل يظن الناس عندنا في الشرق أن نهضة من نهضات أوربا جرت دون تربية دينية ؟ أفلم يقل رئيس نظار ألمانيا في الرايستاغ منذ ثلاث سنوات – نشر الأمير كتابه عام 1930 - : إن ثقافتنا مبنية على الدين المسيحي ؟ ) أنظر لماذا تأخر المسلمون وتقدم غيرهم طبعة 1965 ص 147

وفي ألمانيا الديموقراطية قبل الاتحاد الذي تم بعد انهيار الاتحاد السوفيتي – وقد كانت تقوم على تعاليم ماركس وإنجلز ولينين أصبح مارتن لوثر – بالرغم من ذلك – أحد آبائها ألأيديولوجيين ، حيث اعتبرته المدرسة الماركسية من خلال إنجلز رائدا لثورة اجتماعية سياسية لم يكن عنده الجرأة على استيعاب ما يترتب عليها !!

أما في ألمانيا الاتحادية –وأيضا بعد اندماج الألمانيتين بالطبع – فإن الدين ملتصق بالدولة تحمي مؤسساته ومصالح هذه المؤسسات سواء كانت لوثرية أو كاثوليكية ، والكنائس في ألمانيا تعتبر أغنى كنائس العالم ، والتعليم الديني إجباري في المدارس إلى سن الرابعة عشرة ، إذ يفرض على الطالب البروتستانتي تعلم اللوثرية ، وعلى الطالب الكاثوليكي تعلم الكاثوليكية .

وفي بريطانيا : أين هو الفصل بين الكنيسة والدولة ؟ أليس ملك بريطانيا هو رئيس الكنيسة في الوقت نفسه ؟


وإذا كان العلماني المعروف الأستاذ أحمد بهاء الدين أراد أن يخفف عنا هذه الحقيقة بقوله ( ملكة انجلترا هي رئيسة الكنيسة الإنجليزية ولكنها لا تأمر أو توجه ناقلة رأي الكنيسة إلى البرلمان المنتخب من الشعب ) فإن الحقيقة لا تنتهي عند هذه النقطة كما يريد لنا الكاتب أن نفهم ، لأن السؤال هو : وما دور البرلمان المنتخب من الشعب بعد أن تنقل إليه الملكة رأي الكنيسة واقرءوا معنا قصة الإفخاريستا

يقول الأمير شكيب أرسلان : ( لم يحدث في التاريخ أن مسألة من مسائل انجلترا الداخلية أخذت في الأهمية الدور الذي أخذته قصة " الأفخاريستا " وهي قصة تحول الخبز والخمر إلى جسد المسيح

وأصل هذه العقيدة ما رواه الإنجيل من أن السيد المسيح عليه السلام قبل صعوده إلى السماء تمشى مع تلاميذه وودعهم ، وبينما هو على المائدة تناول لقمة من الخبز وقال : كلوا هذا جسدي ، وشرب جرعة من الخمر وقال : اشربوا هذا دمي ، فتكونت من هذه الكلمات في النصرانية عقيدة معناها أن الخبز والخمر يستحيلان إلى جسد الرب تماما حقيقة لا مجازا ، ولما كان القسيس هو خليفة المسيح كان لابد له كل يوم عند التقديس في الكنيسة أن يتناول لقمة من الخبز ويشرب رشفة من الخمر وهو يتلفظ الكلمات التي تفوه بها السيد المسيح عليه السلام في أثناء عشائه مع الحواريين . فمتى فعل ذلك تحول هذا الخبز وهذا الخمر إلى جسد الرب حقيقة لا مجازا ، ولذلك يوضع هذا الخبز ويسمونه القربان في حـُق ثمين فوق المذبح من الكنيسة ، ويسجدون له ، وذلك باعتبار أن هذا القربان هو الإله نفسه ، ويسمون وجود الله فيه بالحضور الحقيقي

وقد كانت هذه العقيدة هي عقيدة المسيحيين جميعا ولا يزال عقيدة أكثرهم إلى اليوم ، إلا أنه عندما جرى الإصلاح البروتستانتي تغير الاعتقاد عند أتباعه بقضية الحضور الحقيقي ، وقالوا : إن هذا مجاز لا حقيقة ، وأنه مجرد رمز وتذكار ، وعدلوا عن وضع القربان فوق المذبح والسجود له باعتبار أنه هو الإله بذاته ، وصاروا في كنائس البروتستانت يجعلون هذا القربان في تجويف خاص به من الحائط

ولكن الكنيسة الإنجليكانية – الكنيسة العليا في انجلترا – لم يتفق رأيها في قضية القربان : أن يكون التحول فيه حقيقيا أو مجازيا ؟ وأصبحت مسألة خلافية بين اليمين والوسط واليسار ، وخيف فيها من انشقاق عام .

عندئذ أمرت الحكومة البريطانية بتأليف مجمع من الأساقفة تحت رياسة أسقف كانتربري لحل المشكلة ، فانعقد المجمع زمنا طويلا ولم يوفق إلى حل

وأخيرا ألحت الحكومة على هؤلاء الأساقفة بأن يبتوا في القضية ، فحكموا بالأكثرية – مع مخالفة ستة من المطارنة – بأن الخبز والخمر يستحيلان في قداس الكاهن إلى جسد المسيح ودمه ، وعليه يجب عبادتهما والسجود لهما ووضعهما في أعلى المذبح لا في كوة حائط الكنيسة ، يعني انهم رجعوا في ذلك إلى العقيدة الكاثوليكية

هذا ولما كان القانون الأساسي لبريطانيا يوجب القول بالفصل في جميع القضايا الدينية لمجلس اللوردات ولمجلس العموم ، عملا بكتاب الصلاة الذي هو مرجع الأمة الإنجليزية أحيل حكم المطارنة هذا إلى مجلس اللوردات ، وكانت للمناقشات فيه جلسات متعددة بلغت من اهتمام الملأ ما لم تبلغه المناقشات في أية مسألة

وأخيرا أيد مجلس اللوردات بالأكثرية قرار مجمع الأساقفة ، فلما جاءت القضية إلى مجلس العموم نقضوا قرار مجلس اللوردات وحكم مجمع الأساقفة ، وقرروا أن الخبز والخمر لا يستحيلان بداهة إلى جسد السيد المسيح ودمه ، واستندوا في ذلك إلى كتاب الصلاة المشار إليه سابقا ، وعلى إثر هذا القرار من مجلس العموم استعفى رئيس أساقفة كنتربري من منصبه !!

ويعلق الأمير شكيب ارسلان فيقول : ( أين فصل الدين عن السياسة وأنت ترى أن مسالة دينية بحتة تطرح في مجلس اللوردات ومجلس النواب ويفصلان فيها ، فإن لم تكن هاته المسألة دينية فما الديني إذن ؟ وإن لم يكن مجلسا الشيوخ والنواب مختصين بالسياسة فما المجالس التي تختص بالسياسة بعدهما ؟ فليتأمل القارئ المنصف مدى التضليل الذي يقوم به المضللون من المسلمين .. إما جهلا وتعاميا عن الحقيقة وإما خدمة للاستعمار الأوربي الذي ليس له غرض أعز عليه من أن يأتي على بنيان الإسلام من القواعد ) أنظر كتاب " لماذا تأخر المسلمون وتقدم غيرهم للمير شكيب أرسلان ط 1965 - الهامش ص 97 – 101


ولنستمع إلى شهادة الشاعر والفيلسوف الإنجليزي الشهير ت . س . إليوت في كتابه " ملاحظات نحو تعريف الثقافة " إذ يقرر أن الثقافة الأوربية العلمانية لم تقتلع المسيحية من جذورها ولكنها تعايشت معها وليس ذلك راجعا إلى مصالحة بين المسيحية والعلمانية ولكنه راجع إلى تملك الدين لناصية الثقافة في أي شعب إذ أن ( تكوين دين هو تكوين ثقافة أيضا ) أما عن أوربا المسيحية بالذات فإنه يقول ( إن سنن المسيحية المشترك هو الذي جعل أوربا ما هي ) وإذ يقول ( حين ندافع عن ديننا فلا بد لنا في معظم الأمر من أن نكون مدافعين عن ثقافتنا في الوقت نفسه والعكس بالعكس ) ويقول : ( في المسيحية نمت فنونا وفي المسيحية تأصلت قوانين أوربا ، وليس لتفكيرنا كله معنى أو دلالة خارج الإطار المسيحي ) ( وقد لا يؤمن فرد أوربي بأن الإيمان المسيحي حق ، ولكن ما يقوله ويصنعه ويأتيه كله من تراثه في الثقافة المسيحية ويعتمد في معناه على تلك الثقافة ) ويقول ( نحن مدينون لتراثنا المسيحي بأشياء كثيرة إلى جانب الإيمان المسيحي ، فمن خلال ذلك التراث تنبع فنوننا ، ومن خلاله نلقي مفهومنا للقانون الروماني الذي فعل ما فعل في تشكيل العالم الغربي ، ومن خلاله نلقى مفاهيمنا عن الأخلاق الخاصة والعامة ) أنظر كتابه " ملاحظات نحو تعريف الثقافة " ص 80 ، 145 ، 146

ومن هنا يمكننا القول بأن أوربا مسيحية حتى في علمانيتها ، وفي هذا المعنى يقول الدكتور محمد عصفور : ( إن عديدين من الفقهاء لا يترددون في أن يضفوا على الديموقراطية نفسها الطابع الديني ، فمنهم من ردها إلى أصول مسيحية ، ومنهم من اعتبر الديموقراطية العلمانية ذات طبيعة دينية ، أو متعصبة دينيا حتى إن زعمت الفصل بين الدين والدولة ) جريدة الوفد في 17\ 7\1987 وكأنه يشير في هذا إلى القاعدة العلمانية المأخوذة من الكتاب المقدس : دع ما لقيصر لقيصر وما لله لله ، وكأن العلمانية هي الأقرب إلى المسيحية من الكنيسة عندما كانت الكنيسة تمارس السلطة السياسية انحرافا منها وشهوة دنيوية ، وكأن العلمانية في بلادنا لا تصادم الإسلام فحسب ولكنها أحد أوجه النشاط التبشيري التابع للكنيسة ، ومن ثم كان لابد للعلمانية من أن تبدي الاحترام إلى حد الانحناء أمام الكنيسة والفاتيكان على الخصوص


أما في الولايات المتحدة فقد أوضح الدكتور يوسف الحسن الدبلوماسي بدولة الإمارات أن الدين يهيمن على أخطر القرارات السياسية والدولية وذلك في رسالته للدكتوراة بعنوان ( الاتجاهات الصهيونية في الحركة الأصولية المسيحية في الولايات المتحدة ) التي قدمها لكلية الاقتصاد والعلوم السياسة بجامعة القاهرة بإشراف الأستاذ الدكتور إبراهيم درويش ومشاركة الأستاذ الدكتور كمال أبو المجد والدكتور محمد عصفور وقد أجيزت الرسالة بامتياز ومرتبة الشرف مع تبادل الرسالة مع الجامعات الأجنبية .

وتبين الرسالة أن أخطر معتقدات هذه المسيحية الصهيونية تلك النبوءة التوراتية عن عودة اليهود إلى فلسطين ، وإقامة دولتهم وملكهم فيها ، وترتبط هذه النبوءة بشطر آخر يربط بين إقامة دولة إسرائيل وبين التبشير بعودة المسيح ليحكم باسم النصرانية ألف عام قبل أن تقوم القيامة . كذلك ترتبط بنبوءة لاهوتية عن قرب نهاية العالم حينما تغزو جيوش " السوفييت " وإيران والعرب والأفارقة والصين (!!) دولة إسرائيل .. عندئذ يعود المسيح إلى الأرض بجيش من القديسين لمعاقبة غير المؤمنين وتحطيمهم في معركة تقع بسهل المجدل بفلسطين

ولقد كسبت الصهيونية اليهودية الكثير من وراء سيطرة هذه النبوءات على عقول الساسة الأمريكيين والإنجليز والبروتسانت والرؤساء الأمريكان : ويلسون ، وروزفلت ، وكارتر، وريجان ، والرؤساء الإنجليز : بالمرستون وبلفور وتشرشل وغيرهم – هكذا قبل أن يظهر على المسرح " محافظون جدد " ولا يحزنون ، كما يحاول بعضهم أن يقزم القضية ويحصرها في أمثال بوش ، ورامسفيلد ، وولفوفتز وبيرد وأمثالهم .

وتستخدم الحركة الأصولية الصهيونية المسيحية نفس الأساليب والوسائل التي تستخدمها المنظمات والمؤسسات غير الدينية للتأثير في السياسة العامة ، وقد ملكت في العقود الأخير وأدارت احدث أدوات الاتصال الجماهيري من محطات مسموعة ومرئية ، وصارت لها مؤسساتها ولجانها وقنواتها ،وقدرت ثرواتها بالمليارات ، وبلغ مجموع ما قدمه الأمريكيون من تبرعات ومساهمات لهذه الكنائس في عام واحد هو 1982 حوالي واحد وستين مليارا من الدولارات . وقدرت نسبة الأمريكيين المستمعين والمشاهدين لبرامجها عام 1980 بحوالي 47% من مجمل السكان .

ويواصل الدكتور محمد عصفور تلخيصه لنتائج الرسالة المشار إليها فيقول : وحتى ندرك ما تملكه الحركة الأصولية المسيحية الصهيونية من قوة اقتصادية هائلة يكفي أن نعلم أن ما أنفقته إحدى منظماتها على الدعاية في محطات التليفزيون وكذلك على التنظيم والتعبئة السياسية خلال انتخابات 1984 حوالي مائة مليون دولار ، وهو يفوق ما أنفقه ريجان ومنافسه مونديل معا خلال الانتخابات

ولا تقتصر اهتمامات الحركة بمساندة إسرائيل وإن كانت تستحوذ على جانب كبير من نشاطها – فهي بالإضافة لذلك لها اهتمامها بصياغة السياسة الأمريكية الخارجية سواء بالنسبة لبرامج المساعدات الدولية وبخاصة في العالم الثالث ، أو طبع السياسة الخارجية بطابع العداء للشيوعية ( !! ) ، وزرع هذا العداء في العقل الشعبي وفي فلسفة المجتمع وتسخيره دوليا لإقرار سياسة دولية إرهابية )

هذه السياسة الدولية الإرهابية ضد المدنيين التي تمتد منذ إسقاط الأسطول الأمريكي في الخليج في عام 1988 أثناء حرب الخليج طائرة مدنية أغلبها مسلمون أهلكت ركابها الثلاثمائة إلى سلسلة المذابح والدمار الذي يتساقط فوق رءوس المسلمين في بيوتهم وشوارعهم ونواديهم ابتداء من فلسطين وأفغانستان والعراق وهلم جرا !

فهل قرأت عقول ساستنا ودعاتنا وعلمانيينا وأبناء جلدتنا من عرب المهجر ومسلميهم مثل هذه الدراسة الجادة قبل أن تلتصق رقابنا بمذبح هذه العقيدة الصهيونية المسيحية بعقود ، أم أنها انتظرت حتى تكتشف ببلاهة شماعة رامسفيلد وولفوفيتز كأنهم " أمسكوا الديب من ديله " وإذا بهم لا يمسكون غير ديل صناعي مقطوع ؟ مع الاعتذار للمثل الشعبي ، أم أنهم علموا وتعاموا بفعل التماهي العلماني بينهم وبين هذه الصهيونية المسيحية " الدينية " ؟

ويعلق الدكتور محمد عصفور فيقول : ( إنه من الشاذ أن تكون أقوى الأحزاب الأوربية هي الأحزاب المسيحية وأن تكون أقوى الحركات السياسية هي الحركة الأصولية المسيحية ثم تحظر في بلادنا الأحزاب الدينية ؟ )



ولنقطع هنا سياق هذا التعليق الذي كتبه الدكتور محمد عصفور منذ عشرين عاما لنسوق ردا على مثل سؤاله صدر منذ أيام قلائل من الدكتور بلتاجي وزير السياحة ( سابقا ) والإعلام حاليا بمصر في قناة فضائية وهو يبرر عدم السماح بإنشاء حزب إسلامي في مصر بحجة أن إنشاء هذا الحزب رسميا – بالرغم من الاعتراف بوجوده فعليا – يعني أن غير المنتمين إليه ليسوا مسلمين ، متجاهلا أن مثل هذه الحجة لو صحت فإنها تعني عدم السماح بإنشاء أي حزب في أي مكان في العالم ، لأن أي حزب من الأحزاب في جميع أنحاء العالم سوف توجه إليه التهمة الساذجة نفسها ، في حين أنه لا يضم ولا يدعي أنه يضم جميع الأفراد الذين ينتمون إلى عقيدة الحزب ، وإنما هو على أقصى تقدير يدعي أنه يضم من " يتبرع للعمل الحركي لهذا الحزب " أو ذاك ، والمحاكمة أوالمحاسبة في هذا ترجع لبرنامج الحزب المسموح به قانونا : إن كان يدعي هذا الأمر أو ذاك ، ولو طبقنا هذا المقياس على إنشاء الحزب " الوطني الديموقراطي " الذي ينتمي إليه الوزير نفسه لكان معنى ذلك أن في قيامه اتهاما لغير من ينتمي إليه باللاوطنية واللاديموقراطية ، وهو ادعاء ظاهر البطلان .

كما ادعى الوزير أن السماح بإنشاء حزب إسلامي يعني السماح بإنشاء حزب مسيحي؟ ولم لا ؟ وحجة الوزير في عدم السماح بذلك أن إنشاء أحزاب إسلامية وأخرى مسيحية يعني إثارة الفرقة الطائفية منطلقا من عقيدة الحزب الواحد الأحد ، متناسيا أن للمسيحيين – دون غيرهم – في مصر مؤسستهم الأقوى من أي حزب ، وهي الكنيسة بما لها من صلاحيات صارمة في جميع المجالات ، فإنشاء حزب لهم لا يعنيهم كثيرا ، وهو ليس إلا تحصيل حاصل من درجة اقل في حال قيامه ، متجاهلا في الوقت نفسه فلسفة إنشاء الأحزاب نفسها – في الفكر الديموقراطي الذي اصبح الجميع يدعيه - وأنها تقوم على فلسفة الاعتراف بواقع التعددية والممارسة السلمية مختلفة تماما عن الفلسفة الإستئصالية للحزب الواحد الذي أخذ يتوارى عن الساحة السياسية في العالم منذ سقوط الاتحاد السوفيتي

لكنها العقلية العلمانية التي تتكشف من رماد بيئة استئصالية لازالت تداعب عقول الكثيرين .


ولنرجع إلى تعليق الدكتور محمد عصفور إذ يقول موجها كلامه إلى العلمانيين : ( أن يسائلوا أنفسهم : كيف تسيطر المعتقدات بل والأساطير الدينية إلى هذا الحد على مصائر الشعوب ؟ وعليهم أن يستمعوا إلى ما يقوله القس الأمريكي " بريان هيهيو " من أن الكنائس الأمريكية مؤسسات رئيسية ، وأنها وإن لم تكن أحزابا سياسية إلا أن دورها واضح في تشكيل وتعبئة جمهور من الأنصار الملتزمين بمنهجها في المسائل السياسية الخارجية )

ويقول الدكتور محمد عصفور في تعليقه على رسالة الدكتور يوسف الحسن : ( على الرغم من أن مبدأ الفصل بين الدولة والكنيسة مبدأ دستوري مقرر بالتعديل الدستوري الأمريكي الأول إلا أن للكنيسة والدين هيمنتهما على الحياة الأمريكية في شتى مناحيها ، وارتكازا على هذا الواقع أعلنت الحركة المسيحية الأصولية عن أهدافها السياسية بصراحة شديدة ، ولذلك قال قادتها : ( إن حركتهم تعني الاستيلاء على الولايات المتحدة الأمريكية ومؤسساتها ) وقال أحد زعمائها : ( نحن ثوريون ، نعمل على قلب التركيبة الحالية في الولايات المتحدة الأمريكية .. نحن نتحدث عن مسحنة الولايات المتحدة الأمريكية ) ولهذا السبب فإنه – وإن بدا أن السلطة السياسية يتقاسمها الحزبان الديموقراطي والجمهوري إلا أن الحركة الأصولية المسيحية والمسيحية السياسية عامة تكون القوة السياسية الغالبة ، ليس فقط من خلال التحالف مع اليمين الرجعي في الحزب الجمهوري - !! – وإنما كذلك من خلال التحكم في العملية الانتخابية والتأثير الشديد في ملايين الناخبين الذي تجندهم الحركة لمؤازرة هذا المرشح للرياسة أو ذاك ، ولم يكن من المبالغة أن تعتبر الحركة المسيحية الأصولية : " أهم ظاهرة سياسية في القرن العشرين " ، وأن يتوقع لها اللاهوتي الإنجليزي " جيمس بار " أن تستمر خمسمائة عام على الأقل " ولم تبق هذه الظاهرة الدينية السياسية مقصورة أو محصورة في نطاق ما تبشر به هذه الحركة ، وإنما هي امتدت إلى انتخابات الرياسة الأمريكية بل وانتخابات الكونجرس الأمريكي ، فقد لوحظ – وبحق – أن الشعب الأمريكي انتخب في العقد الأخير رئيسين يؤمنان بأهمية الدين في المجتمع الأمريكي وبحلول عام 1980 كان ثلاثة من المرشحين لرياسة الجمهورية يرفعون نفس الشعار ، كما كان واضحا أن مسألة الدين قد احتلت الصدارة في مناقشات الحملات لعام 1984 سواء على شكل التغطية الصحفية ، أو التعليقات الإعلامية ، أو في تأثير ذلك في المجتمع نفسه ، وبينما أعلن كارتر عام 1976 عن شعاره وإيمانه بعقيدة الولادة الثانية كمسيحي Bron Aqain عبر ريجان في 23 أغسطس 1984 في خطاب له بمدينة كنساس عن إيمانه بدور الدين في المجتمع الأمريكي رغم تأكيد التعديل الدستوري الأول لمبدأ الفصل بين الدين والسياسة أو الفصل بين الكنيسة والدولة ، ومما جاء في خطابه قوله : " يلعب الدين دورا حاسما في الحياة السياسية لأمتنا ) أنظر سلسلة مقالات للدكتور محمد عصفور بجريدة الوفد حوالي 17\7\1988

وأخيرا ليقل لنا العلمانيون في بلادنا : هل يسمحون بوضع شعار ديني على ورق البنكنوت كما هو الحال في أوراق البنكنوت الأمريكية ؟


ويقول الأستاذ الدكتور محمد البهي عن العلمانية في أوربا بوجه عام : ( إن الموطن الذي ولد فيه الفكر العلماني - وهو إنجلترا وفرنسا وألمانيا - لم يأخذ بالاتجاه العلماني في التطبيق في الحياة العملية : التاج البريطاني لم يزل حاميا للبروتستنت ، وفرنسا لم تزل حامية للكثلكة في صورة عملية ، والدولة في انجلترا وفرنسا والولايات المتحدة الأمريكية وألمانيا رغم إعلان أنها علمانية تساعد المدارس الدينية من ضرائبها التي تجبيها من المواطنين مع علمها باستقلال هذه المدارس في برامجها التعليمية ، وببعدها عما تجريه الدولة من تفتيش على النفقات التي تنفقها ) . ص 30

وعندما كتب الدكتور البهي ثلاث مقالات بمجلة الأزهر عام 1985 عن المستشرقين والمبشرين واعتبرت بعض دوائر الفاتيكان أنها تنطوي على بعض الإحراج لشئون التبشير الكاثوليكي كان أول احتجاج وصل إلى وزارة الخارجية المصرية هو احتجاج سفارة الولايات المتحدة الأمريكية تلاه احتجاجات أخرى عديدة من السفارات الغربية التي تمثل في بلادها أكثرية بروتستنتية أو كاثوليكية على السواء ، مما يدل على أن الدولة العلمانية الغربية لم تزل ترعى المسيحية كدين والكنيسة الأوربية كسلطة دينية وتحرص على تمكينها من مباشرة رسالتها ، كحرصها على حماية أملاك الكنيسة الأوربية وكحرصها على جباية الضرائب الخاصة بالكنيسة الأوربية عن طريق أجهزتها الإدارية .

وحتى رجال الدولة أنفسهم في ممارستهم السياسية العامة للمجتمع يخضعون في ظروف معينة لملاءمة أنفسهم مع تقاليد الكنيسة الأوربية ، وعلى سبيل المثال : دوق أوف وندسور وأنتوني إيدن في انجلترا : كلاهما اضطر إلى ترك الوظيفة العامة أو عدم السعي إليها لأن سلوك كل منهما في حياته الزوجية لا يتفق مع ما تراه الكنيسة الأوربية من تقاليد في الزواج

والجنرال ديجول في فرنسا أقال وزير التربية الاشتراكي في وزارته بعد أن عاد للحكم في المرة الثانية بسبب عدم موافقة الوزير على مساعدة المدارس الدينية في فرنسا من مدارس الجيزويت والفرير بمبلغ ستين مليونا من الجنيهات الاسترلينية في ميزانية 1963 من غير حق التفتيش عليها من قبل وزارة التربية "


ودولة الفاتيكان لم تزل تقوم من جانبها بدور كبير في سياسة البلاد ذات الأغلبية الكاثوليكية عن طريق الأحزاب السياسية التي تسمى بالديموقراطية المسيحية وكذلك في السياسة الدولية العالمية ، فالأحزاب الديموقراطية المسيحية هي أجهزة للعمل على رسم الخطة لتنفيذ اتجاه الفاتيكان بالدرجة الأولى وعن طريقها حالت الكنيسة الأوربية دون أن تتطرف العلمانية إلى النوع الثاني الذي يقيم البلشفية دينا بدل المسيحية أو عملت على إسقاطها بعد قيامها أنظر العلمانية والإسلام بين الفكر والتطبيق " للأستاذ الدكتور محمد البهي نشرة مجمع البحوث الإسلامية ص 44 وما بعدها.


وجاك شيراك عندما سعى لمنع المحجبات المسلمات من المدارس العامة بدعوى العلمانية الفرنسية كان حريصا على تمرير الصليب والطاقية حصرا عندما استثنى الرموز ذات الحجم الصغير


وفي بلد مثل فرنسا لعبت دورا بارزا في تاريخ الفكر العلماني ينص مشروع دستور الاتحاد الاوربي الجديد على أن المسيحية هي الإطار الثقافي الذي يتميز به الاتحاد ويشكل أساس الهوية الأوربية ، ومعروف أن الرئيس الفرنسي الأسبق جيسكار ديستان هو الذي أشرف على أو تولى صياغة مشروع هذا الدستور، وكان هو أحد المعترضين على قبول تركيا في الاتحاد الأوروبي لأنها دولة إسلامية سوف تخل بالهوية الاوروبية.. من مقال أحمد عباس صالح بجريدة الشعب الألكترونية بتاريخ 5\7\2003

ومن هنا تتبين المغالطة الخبيثة التي تروجها العلمانية في بلادنا : في القول بأن التقدم الأوربي تحقق عن طريق استبعاد الدين أو فصله عن الدولة ، وتتبين دلالة الصرخة التي انفلق عنها رأس العلماني الذي عاين مكانة البابا في الولايات المتحدة الأمريكية عندما قال : هل وقعنا نحن المسلمين ضحية لعبة شديدة الخبث خرجنا منها بلا صواريخ ولا دين ، بل بالفقر والكفر ، بينما احتفظ الآخرون بدينهم ووضعوا أعلامهم فوق القمر )


ولا نريد أن نذهب بعيدا فالصلة القائمة هناك بين الدين والدولة لا تعني انفصالا كما لا تعني اندماجا وهي في الوضعية نفسها للصلة بين السلطات المختلفة في كيان الدولة : وهو فصل يتم تحت مظلة الدولة الواحدة ويظهر لنا أن الأمر لا يعدو أن يكون نوعا من الفصل بين السلطات : سلطة التشريع ، وسلطة القضاء ، وسلطة التنفيذ ن وسلطة رجال الدين ، مع إعطاء كل سلطة حقها الكامل في التأثير على الحياة الدنيا ، وهو نموذج لا يمكن نقله إلينا أيضا لأنه لا سلطة في الدين الإسلامي لما يسمى رجال الدين ، ولن الدين الإسلامي لا يسمح بان يكون له مكان دون مكان المشروعية العليا .


وبهذا بينا قوة تداخل المفاهيم الدينية في بنية الدولة في الغرب وخططها السياسية مما يعني انه على العلمانيين في بلادنا أن يراجعوا أنفسهم ويكفوا عن الزعم بان التقدم مرتبط باستبعاد الدين عن تنظيم شئون الحياة الدنيا اللهم إلا إن كانوا بقايا فلول العلمانية الماركسية .

وسنبين في المقال القادم إن شاء الله أنه في علاقة الغرب بنا كانت حروبهم معنا دينية ، ليس ذلك فحسب في حروبهم التاريخية المتقادمة ضدنا في الحروب الصليبية ، أوفي حروبهم ضد المسلمين في الأندلس ولكن في حروبهم ضد المسلمين في عقر دار العصر الحديث عصر التنويروالحداثة !!

كما نبين إن شاء الله نشاط كنائس الغرب في مجال السياسة نشاطا يلقى الاحترام والاعتراف والتقدير من الجماهير والرأي العام وأصحاب النفوذ على السواء .











 


رد مع اقتباس
 

الكلمات الدلالية (Tags)
الدين, العلمانية, استبعاد, وخديعة


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

الساعة الآن 14:36

المشاركات المنشورة تعبر عن وجهة نظر صاحبها فقط، ولا تُعبّر بأي شكل من الأشكال عن وجهة نظر إدارة المنتدى
المنتدى غير مسؤول عن أي إتفاق تجاري بين الأعضاء... فعلى الجميع تحمّل المسؤولية


2006-2024 © www.djelfa.info جميع الحقوق محفوظة - الجلفة إنفو (خ. ب. س)

Powered by vBulletin .Copyright آ© 2018 vBulletin Solutions, Inc