قد اجتاز صديق لي مرحلة الدراسة في الليسانس بتوفيق، و أقبل على شهادة الماستر. و هو من النوع الذي يعتز بأي تقدم يحرزه، و هذا ليس بالشيء السيء. لكن الإعتزاز قد يتعدى النصيب المخول ليدخل حالة مرضية. الإعتزاز أو الثقة بالنفس المفرطة قد تصير غرورا.
صديقي هذا يقارن نفسه طوال الوقت مع الناس المحيطين به، بداية بإخوته و صولا لأصدقائه، فيضع نفسه في خانة و يضع الآخرين في خانة أخرى و عليه دائما أن يتعداهم في كل الأمور، الحسنة طبعا.
و كلما أصابته حسنة اغتر بها و كأنها وليدة جهوده وحدها، و نسي قول : " و ما توفيقي إلا بالله". و كلما وجد غيره قد حقق شيئا لم يحققه، انكب على نفسه يلومها و يحمّلها حسرات و حسرات...فيلوم الدنيا و يلوم العالم.
قال لي ذات مرة : " أنا أدرس الماستر، لقد نجحت".
قلت له: أن نجاحا مثل هذا هو نجاح مرحلي آني مؤقت، و علينا بذل الجهود تلو الجهود و المحافظة على المستوى و الثبات على الطريقة و حمد الله عليها و القناعة التي تؤدي إلى التواضع. الفهم الصحيح للنجاح يؤدي إلى التواضع إذا ما اتبع مجراه الطبيعي.
الطالب لا يعد ناجحا إذا منحت له إمكانية دراسة الطب. و ما هو بناجح إذا ما تخرج و تحصل على دكتوراة الطب. يعد ناجحا بعد سنوات طوال من العمل الدؤوب في خدمة الناس و في استخدام هذا العمل النبيل في مساعدة المرضى للتخفيف من آلامهم.
المهندس المعماري لا يعد ناجحا بعد صفقة تؤهله لتصميم مباني وسط حي مرموق بدخل مالي خيالي، و لكن النجاح سيكون بعد عشرات السنين عندما تظل المباني قائمة شامخة و في حالة جيدة، و ذلك لا يتأتى إلا بالعمل المتقن و المخلص.
رئيس الدولة هو المنصب الأعلى في أي دولة، هل تتخيلون رئيسا مخلوعا قد أطاحت به الثورات و زجت به في السجون أو في الشوارع، هل تتخيلونه ناجحا؟ و هو الذي كان يظن نفسه ناجحا في مرحلة ما كان يأمن فيها غضب الله و غضب الناس. الأمور بخواتيمها.
لا يصح لأحد أن يقول: قد نجحت، و يفرح و يمشي الخيلاء أمام المساكين البسطاء التي لم تتوفر لهم ظروفه، لأن الطرق الملتوية قد تكون أحيانا أسهل من الطرق المستقيمة التي يسلكها الشرفاء.
يعجبني ذلك المثل الذي يقال في الفن النبيل: " لم تنتهي المباراة حتى تسمع جرس النهاية". إذن فرصك في الفوز أو في الخسارة تبقى متساوية حتى آخر لحظة من النزال.
إذن لا نجاح حتى يشهد لك الناس أنك نجحت في النهاية