التقوى وبيان حدها وفوائدها
للسعدي رحمه الله
الحمد لله المتفرد بعظمته وكبريائه ومجده ، المدبر للأمور بمشيئته وحكمته وحمده ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له في ألوهيته وربوبيته وفضله ورفده ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ، خير داع إلى هداه ورشده ، اللهم صل وسلم وبارك على محمد ، وعلى آله وأصحابه وأتباعه وجنده .
أما بعد : أيها الناس ، اتقوا الله تعالى ، فإن تقوى الله خير لباس وزاد ، وأفضل وسيلة إلى رضى رب العباد ، قال تعالى : { وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا }{ وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ } فوعد المتقي بالفرج والخروج من كل هم وضيق ، وبالرزق الواسع المتيسر من كل طريق ، وقال تعالى : { وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا } ، { وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْرًا } فوعد من اتقاه أن ييسره لليسرى في كل الأمور ، وأن يكفر عنه السيئات ويعظم له الأجور ، وقال تعالى : { يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا وَيُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ }
فبشر المؤمنين إذا اتقوه بالفرقان ؛
وهو العلم النافع ، المفرق بين الحلال والحرام ، وبتكفير السيئات ومغفرة الآثام ، وبالفضل العظيم من الملك العلام .
فإن سألتم عن تفسير التقوى التي هذه آثارها ، وهذه ثمراتها وفوائدها ،
فإن أساسها التوبة النصوح من جميع الذنوب ،
ثم الإنابة منكم كل وقت إلى علام الغيوب ،
وذلك بالقصد الجازم إلى أداء الفرائض والواجبات ، وترك جميع المناهي والمحرمات ، وهو القيام بحقوق الله ، وحقوق المخلوقين . والتقرب بذلك إلى رب العالمين .
علامة المتقي أن يكون قائما بأصول الإيمان ، متمِّمًا لشرائع الإسلام وحقائق الإحسان ،
محافظا على الصلوات في أوقاتها ،
مؤديا الزكاة لمستحقيها وجهاتها ،
قائما بالحج والصيام ، بارا بوالديه واصلا للأرحام ، محسنا إلى الجيران والمساكين ،
صادقا في معاملته مع جميع المعامَلين ،
سليم القلب من الكبر والغل والحقد والحسد ،
مملوءا من النصيحة ومحبة الخير لكل أحد ،
لا يسأل إلا الله ، ولا يستعين إلا بالله ،
ولا يرجو ولا يخشى أحدا سواه .
وقد وصف الله المتقي وبين ثوابه ، في قوله تعالى : { وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ } إلى قوله : { وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ }
من الله علي وعليكم بتحقيق التقوى ، وجعلنا وإياكم ممن استمسك بالعروة الوثقى ، وبارك لي ولكم في القرآن العظي.
الفواكه الشهية في الخطب المنبرية
للشيخ السعدي رحمه الله