مقدمة
بدأت الأمم المتحدة بمصافحات أيدٍ، تحدوها آمالٌ عِراضٌ في تحقيق الحلم، الذي طالما راود المجتمع الدولي، بالاتحاد لمنع الحروب، وحل مشكلات العالم بطريقة سلمية. إلا أنه، وبعد مرور ما يزيد عن نصف قرن على إنشاء المنظمة الدولية، بدا أن هناك تبايناً كبيراً في وجهات النظر، حول ما آلت إليه هذه المنظمة، وفي مدى نجاحها في تحقيق الهدف، الذي قامت من أجله.
عديد من الآراء، ترى أن الأمم المتحدة، ما هي إلا رجل البوليس المكلف، بتحقيق السلم والأمن العالميين. غير أنها لم تكن مؤثرة، في هذا السياق، على الدوام. وجهات نظر أخرى تُبَوِّئُ الأمم المتحدة منزلة الحكومة العالمية، التي تتدخل، في كثير من الأحيان، في شؤون حكومات الدول الأعضاء، بما قد يعقد الأمور أحياناً. إلا أن كثيراً من المحللين السياسيين، يرون أن الأمم المتحدة، تقوم بدورها الحقيقي، بوصفها منظمة عالمية تنشر السلام، وتقوم بحل النزاعات بطريقة سلمية.
وعلى الرغم من كل هذا التباين، وكل هذه الانتقادات، صارت الأمم المتحدة، في عصرنا هذا، واقعاً مرئياً يقتحم علينا عالمنا السياسي، والاقتصادي، والاجتماعي، واقعاً صامداً بين عالم مليء بالمتناقضات السياسية، وتعدد القوى والمصالح والأهواء. ومن بين نجاح وفشل، وتقارب وتباعد وتجاذب وتنافر، اتفق العالم، بكل تكتلاته السياسية، وأهوائه، وأيديولوجياته الفكرية، على ضرورة بقاء الأمم المتحدة، إن لم تكن بوصفها أداة حسم في إيقاف الحروب الدامية، وفض الاشتباكات، وحل المنازعات، فبوصفها رمزاً للأمل، وللسلام القائم على العدل، ولنصرة المغلوب على أمره، وصوتاً يعلو فوق صوت أسلحة الدمار.[hr]f-law2
06-25-2007, 09:53 PM
ميلاد هيئة الأمم المتحدة
أولاً: الأمم المتحدة "مدخل تاريخي":
يعجب الناظر في تاريخ العلاقات الدولية من كثرة الحروب، التي نَشِبَتْ بين الدول. هذه الحروب التي جلبت الموت، والخراب، والدمار، على ملايين البشر، على مدى عصور متطاولة. ويشتد العجب حينما نجد المنتصر، في زهوه وخيلائه، يتفاخر بالدمار الذي أوقعه بعدوه المنهزم، ويزهو بأَنْ دمر آلته العسكرية، وحطم منازل الأبرياء، وانتهك دور العبادة، ومناهل الثقافة. ويحتار الدارس، حين يجد أن معظم هذه الحروب، كان من الممكن تفاديها، والحيلولة دونها، بالحلول السلمية التي تكفل الكرامة لكل جانب. لماذا، إذن، حاربت الدول بعضها بعضاً؟ الإجابة تكمن في تضارب المصالح، بين القوى المتحاربة، وتباين وجهات نظرها في تفسير الأحداث، وعدم السعي إلى تفاهم عادل، بدلاً من دق طبول الحرب.
وكان المفكرون، والفلاسفة، والمُحَنَّكُون، من الساسة، من أمثال: بيير ديبوا، ودانتي، وايراسموس، وكروشيه، أول من نادى بتكوين هيئة عالمية، تعرض فيها الدول وجهات نظرها في النزاع، بطريقة سلمية متحضرة، وعلى أساسٍ من احترام القانون. على أن يتضمن الرجوع إليها تعهداً بالخضوع لحكمها، على أي وجه كان. ويذكر التاريخ للمفكرين المسلمين، الفارابي، والكواكبي، دعوتيهما إلى فكرة تجميع شعوب العالم كله، تحت قيادة واحدة، ولا بأس أن تكون هذه القيادة على هيئة رئاسة جماعية.
وفي الواقع، بدأت دول العالم تأخذ خطوات حثيثة، لإيجاد صيغ للتعاون فيما بينها، منذ أمد بعيد. ففي القرن التاسع عشر، أقيمت المؤتمرات العالمية، لفض النزاعات، وللاتفاق على صيغة، تنظم المصالح الدولية المتعارضة. وبناءً على توصيات هذه المؤتمرات، أنشئت عديد من الاتحادات الدولية، مثل: اتحاد التلغراف الدولي (اتفاقية باريس في 17 مايو 1865)، واتحاد البريد العام (اتفاقية برلين في 10 أكتوبر 1874)، والاتحاد الدولي لحماية الملكية الصناعية (اتفاقية برن في 9 سبتمبر 1886)، وهيئة الإذاعة الدولية (اتفاقية روما في 7 يونيه 1903)، والاتحاد الدولي للتعريفة الجمركية (اتفاقية بروكسل في 5 يونيه 1890)، ومكتب الصحة الدولي (اتفاقية باريس في 9 ديسمبر 1907). كما أنشئت هيئة التحكيم الدولية (عرفت فيما بعد باسم: محكمة العدل الدولية)، بناءً على توصيات مؤتمر عقد في هولندا عام 1899.
وعلى الرغم من قصور هذه المؤتمرات والمنظمات، ومحدوديتها آنذاك، فإنها تُعَدّ اللبنات الأولى في مشروع إنشاء عصبة الأمم، ثم منظمة الأمم المتحدة بعد ذلك.