عامنا الهجري ..... تمهل
بسم الله الرحمن الرحيم
تدور عجلة الزمن بسرعة مذهلة ترتجف منها القلوب الحية، ذلك أن المسلم يكاد يطيش عقله عندما يقف مع نفسه محاسباً: ماذا قدم فيما انقضى من أيام عمره ولياليه؟ ويزداد خوفاً وفرقاً عندما يستحضر ما رواه الترمذي وابن ماجة وغيرهم من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (أعمار أمتي ما بين الستين إلى السبعين، وأقلهم من يجوز ذلك) فيا الله ما أقصر الأعمار.. !! تبلغ الستين أو السبعين أو الثمانين أو المائة، ثم تنتهي من الدنيا وتنتقل إلى الآخرة، وهذا إن لم تتخطفك المنون في سن الشباب أو الكهولة..!
فها هو عامنا الهجري الثالث والثلاثون بعد الأربعمائة وألف يجمع أطرافه ويلملم أوراقه ويربط أحزمته ثم يودعنا راحلاً بما حوى بين جنباته من أفراح وأتراح وآلام وآمال.
فكم سعد فيه من أناس وكم شقي فيه من آخرين، كم من دمعات انحدرت فرحاً باللقاء، وكم من عبرات سكبت من لوعة الفراق..
مرت سنون بالوئام وبالهناء فكأننا وكأنها أيام
ثم أعقبت أيام سوء بعدها فكأننا وكأنها أعوام
فكم من لحظة جميلة حلوة كالشهد طعماً، وهنيئة لذيذة كالماء البارد على الكبد العطشى، وكم من مناسبات يطير لها القلب شوقاً وفرحاً، ومواقف وأحداث يحبها الإنسان، وددنا أنها تتكرر وتدوم.. ولكن الله يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد. يقول أبو البقاء الرندي:
لكل شيء إذا ما تم نقصان فلا يغر بطيب العيش إنسان
هي الأمور كما شاهدتها دول من سره زمن ساءته أزمان
وهذه الدار لا تبقى على أحد ولا يدوم على حال لها شان
فكم من قريب في هذا العام ودعه أهله ومحبوه بعبرات حرى ودموع مهراقة، بعد أن واروه التراب؟ وكم من صديق عزيز عظم فيه المصاب؟ فلله الأمر من قبل ومن بعد.