كمال12345 - منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب

العودة   منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب > منتديات الدين الإسلامي الحنيف > القسم الاسلامي العام

القسم الاسلامي العام للمواضيع الإسلامية العامة كالآداب و الأخلاق الاسلامية ...

في حال وجود أي مواضيع أو ردود مُخالفة من قبل الأعضاء، يُرجى الإبلاغ عنها فورًا باستخدام أيقونة تقرير عن مشاركة سيئة ( تقرير عن مشاركة سيئة )، و الموجودة أسفل كل مشاركة .

آخر المواضيع

كمال12345

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 2012-11-10, 11:27   رقم المشاركة : 1
معلومات العضو
كمال12345
عضو جديد
 
إحصائية العضو










B11 كمال12345

فضائيات الدمار الشامل




إذا كان التطرف الديني في القرن السادس عشر قد غيَّر مسيرةَ الشعوب الأوروبية، وإذا كانت النزاعات على الحدود قد صاغت مستقبل الأمم في القرن السابع عشر والثامن عشر، وإذا كان الاستعمار قد ترك بصماته على الشعوب في القرن التاسع عشر، وإذا كان التقدم العلمي والفكري والتكنولوجي قد غير مسار حياتنا في القرن العشرين؛ فإن إعلام الألفية الثالثة سوف يسبك الأجيال التالية في قوالب وهيئات جديدة، لم تعهدْها البشريةُ من قبل!
لقد تحوّل الإعلام من التثقيف والتبشير، إلى قوة تدمير وتغيير، فلم تعد أسلحة الصواريخ الموجهة التقليدية في القرن الماضي ، سوى محطاتٍ فضائية ذات قوة تدميرية هائلة في هذه الألفية ، وتحولت السطوة من الطائرات وأسلحة الجو في القرن الماضي، وأصبحتْ السطوة في عالم اليوم أثيرا مشحونا بالرسائل النصية والصوتية ، ولم تعد أسلحة الدمار الشامل هي أيضا القنابل النووية الانشطارية التقليدية، بل صارتْ أسلحة الدمار الشامل قنواتٍ مشفرةً استخبارية ومعلوماتية وصورا وكتبا، تخترق الفضاءَ غير آبهةٍ بالأحوال الجوية المناخية والجغرافية، ولا تعنيها الحدود المرسومة في خرائط الدول والقارات، والكتب المدرسية، فقد أصبح فضح الرسائل والملفات الاستخبارية، على غرار ما ينشره موقع الويكيلكس اليوم أهم من الكوارث الطبيعية التي تحل بالبشر!
ولم تعد الدول تُقاس بعدد جيوشها ومصانع أسلحتها التقليدية وعدد سكانها وموقعها الجغرافي، ولم تَعُدْ ثروةُ الدول التقليدية، هي الحديد والذهب والمنغنيز والبترول والأخشاب والجلود والحبوب والمزروعات، والألبسة والمنسوجات، بل أصبحت الثروة الحقيقية هي ( المنظومة الإعلامية) بمفهومها الواسع، من آليات وتكنلوجيا وسوفت وير.
وصار الإعلام هو نسيج حياتنا في الألفية الثالثة، وصارتْ الفضائيات على وجه الخصوص تلازمنا طوال الوقت، بعد أن استبدلناها بالأصدقاء والأقارب، وتسربت معنا إلى أماكن عملنا، وصرنا نسهرُ على أضوائها، وننام في أحضانها، وأصبحنا نقضي مع البرامج والمسلسلات ونشرات الأخبار أوقاتا أطول بكثير مما نقضيه مع أبنائنا ونسائنا وأهلنا وعملنا.
والغريبُ أن هذا التطور الفائق السرعة في الإعلام والمعلوماتية يرافقه تخلّفٌ وتدهور وتراجعُ في ثقافتنا، والعجيب أن هذا الأفق الإعلامي الواسع حمل معه نقيضه بالتمام والكمال، فقد انتشرتْ العصبيات القبلية والدينية والطائفية، وصار مألوفا لنا أن نسمع كل يوم عن شخص فجّر نفسه في غيره من إخوته البشر كما يحدث في العراق وفي مصر وفي غيرها من الدول، بدون أن نثور وأن نستغرب، وكنا نعتبر ذلك منذ عقود أمرا شاذا وانتحارا بشعا، وازداد التطرف والعنفُ والإرهاب، وأصبح الفسادُ هو القانون، ومنظومة الأخلاق هي الشذوذ!
والعجيب أيضا أن هذا الإعلام الذي جعل جميع البشر يعيشون الحياة نفسها في كل بقاع الأرض، فقرَّبَ شعبَ الإسكيمو من الشعوب الإفريقية، وأوصل سكان آسيا إلى أمريكا، وصارتْ القارات والبحارُ والأنهارُ والجبالُ تنتقل إلى غرف نومنا، ونشاهد ما في جوفها من معالم الطبيعة!
وكان مفروضا وفق المفهوم المثالي الأكاديمي لرسالة الإعلام أن يقترب البشرُ من البشرِ، وأن يتحدوا ويتلاحموا، لا أن ينفصلوا ويقتتلوا، ويُفجّر بعضهم بعضا!
وكان مفروضا أيضا أن تقوم الفضائيات بنقل تفاصيل الحياة المختلفة للبشر ليتمكنوا من أن يعيشوا حياة غيرهم ، يعرفونهم ليحبوهم، لا لينتقموا منهم ويفجروهم، يشعرون بمشاكلهم ليواسوهم، لا ليشمتوا بهم ويكرهوهم.
هكذا إذن تحوَّل الإعلامُ من مبشر وداعية سلام ومحبة ، إلى باذر شقاقات، ومؤسِّسِ عداوات ، تُرى ما السبب؟ فهل يعود السبب إلى خلل في بنية (ضحايا) الإعلام من البشر ؟أم أنه يعود إلى خللٍ في منظومة الإعلام، وبخاصة في الفضائيات؟
وسأفترض بأن الإجابة الثانية هي الأصح، لذا فإنني سأحلل أكثر أسلحة الإعلام فتكا، إنه سلاح الفضائيات!
فالفضائيات العربية تتراوح بين؛ فضائيات إخبارية حوارية، وثانية تقع تحت مسمى فضائيات التسلية والترفيه ، وثالثة هي فضائيات الدعاة وقراءة الطوالع والشعوذة والمقامرة، ورابعة هي الفضائيات الحزبية والطائفية والعشائرية والحكومية ، ولعل أخطرها هي النوع الخامس وهي (فضائيات الخفافيش) المشفرة.
ولكي أكون منصفا فإنني أرى أن بعض الفضائيات العربية ، وهي قليلة تقدم جرعاتٍ ثقافيةً تستحق الاحترام والتقدير، أما الفضائيات التي تقوم بعمليات التدمير الشامل فهي الأكثر والأقوى نفوذا بما تملكه من أسلحة موجهة إلى صدورنا.
فأكثر الفضائيات الحوارية ، أو فضائيات صراع الديكة، وهي النوع الأول تقوم بشحن نفوسنا بمجموعة من الأحقاد والغل، وتشيع في كثيرٍ من حواراتها روح الإحباط، بدلا من الثقافة والتسامح والمحبة، وهذا بالطبع يؤثر تأثيرا خطيرا على عقولنا وعواطفنا، وينعكس سلبا على أعمالنا وإنتاجنا!
كما أن النوع الثاني من فضائيات الترفيه والتسلية، يستحق أن يسمى فضائيات المتفجرات التي تعمد لإثارة الرعب، وإشاعة البلادة، بما تعرضه من أفلام مرعبة ومناظر للدماء والقتل، وكثيرٌ منها يعتمد سياسة تدريب المشاهدين على فنون الاستهلاك المختلفة، استهلاك الطاقة والمياه والمواد الكيماوية الخطرة، الذي يصل إلى حد إفساد النظام البيئي .
أما النوع الثالث من الفضائيات، فهو أيضا سلاحُ مضادٌ للثقافة والوعي، يستخدم مبيدات الأفكار والعقول، بإشاعة الخرافات والأباطيل، واعتبار الحياة الحاضرة الواقعية التي نحياها هي الوهم والسراب، أما الحياةٌ الحقيقية فهي الحياةُ في الخيال والأحلام والأوهام، فالمغرِّرون من أمثال قرَّاءُ الطوالع والأبراج وتواريخ الميلاد، وفق طوالع النجوم ومنازل القمر، تجعل الناس يعيشون أحلامهم، لا واقعهم.
أما النوع الرابع من القنوات، فهي القنوات الفضائية الحكومية والحزبية والطائفية ، فهي لا تقل خطورة عن سابقاتها، لأنها أيضا بمثابة صواريخ موجهة إلى الجمهور، تُطارد فلول العقولَ المتفتحةَ، وتغتال الحريات والديمقراطية في مهدها، وتصوغ من الشعوب نماذج مشوهة من القطعان المريضة التي تكون قرونها أثقل من أصوافها وأوبارها !
أما النوع الخامس من الفضائيات المشفرة ، فهو فضائيات الخفافيش، التي تنشر كل أنواع الإدمان، وهي تطارد الشباب وتغتال منهم مساء راحتهم، لتنيمهم في الصباح، فتغتال منهم عضلاتِهم وعقولَهم وأملَهم وطموحَهم !
إن التوصيف السابق لمنظومة الدمار الشامل الفضائية، لا يعني أن الحل الوحيد يكمن في القضاء عليها وإغلاقها بالشمع الأحمر، فأفق العولمة المفتوح لم يعد يقبل ديكتاتورية القوة والفرض، ولكنني أضع حلولا، يمكنها أن تكون نواة للتخفيف من كوارث هذه المنظومة الإعلامية المحشوة ببارود التجهيل والإرهاب والقمع وصياغة إنسان (الشهوات الجديد).
ولعل أبرز الحلول تكمن في إدماج مواد دراسية عملية في مدارسنا، تهدف للتوعية وتثقيف الأبناء بآثار ومخاطر (التعرض) لإشعاعات القنوات الفضائية الفتاكة!
بحيث تكون الموادُ الدراسية ليست مقرراتٍ تقليديةً لغرض المحفوظات، وإنما برامج حوارية مع المختصين وذوي الشأن!
وإذا أضفنا إلى الدروس ومقررات التوعية جهدا آخر في اتجاه الأسر والهيئات الاجتماعية ، وبخاصة النساء، لغرض توعيتهن بضرورة تنظيم وقت الأبناء ومتابعتهم، ومعرفة التغييرات التي يتعرضون لها، فإننا نكون قد نسجنا الدرع الأساسي الأول ضد زخاخات رصاص الفضائيات نحو صدور أبنائنا!
أما الكمامات الواقية من أشعة القنوات الفضائية فتتمثل في قدرة المجتمع على إشغال الشباب في الأعمال النافعة، واستثمار طاقاتهم كلها، واستنفاد كل أوقات الفراغ في أعمال نافعةٍ ،وتشجيعهم على الإبداع في كل مجالات الحياة، مع مساعدتهم على تعلم الفنون بمختلف أشكالها وألوانها!
ولا بد من إرغام الفضائيات على أن يكون لها هيئة من المستشارين تُشرفُ على برامجها، ويجب عليها أيضا أن تقتطع جزءا من أرباحها لتستثمره في إصلاح التخريب الذي أحدثته في حياتنا، في مجال مكافحة الأمراض النفسية والصحية.
كما أن خطوط الدفاع الأولى أمام غزو هذه الفضائيات يجب أن يكون جهدا جماعيا، وذلك بإنشاء قنواتٍ ثقافية مسليةٍ جميلة مشوّقة، تنافس قنوات الدمار على مواقعها ، بشرط ألا تكون على نمط قنوات (الثرثرة) المنسوبة للثقافة والفكر









 


رد مع اقتباس
قديم 2012-11-10, 11:41   رقم المشاركة : 2
معلومات العضو
كمال12345
عضو جديد
 
إحصائية العضو










افتراضي

شرح الحديث الأول



عَنْ عُمَرَ أَيْضًا قَالَ: " بَيْنَمَا نَحْنُ جُلُوسٌ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ ذَاتَ يَوْمٍ، إذْ طَلَعَ عَلَيْنَا رَجُلٌ شَدِيدُ

بَيَاضِ الثِّيَابِ، شَدِيدُ سَوَادِ الشَّعْرِ، لَا يُرَى عَلَيْهِ أَثَرُ السَّفَرِ، وَلَا يَعْرِفُهُ مِنَّا أَحَدٌ. حَتَّى جَلَسَ إلَى النَّبِيِّ

. فَأَسْنَدَ رُكْبَتَيْهِ إلَى رُكْبَتَيْهِ، وَوَضَعَ كَفَّيْهِ عَلَى فَخْذَيْهِ، وَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ أَخْبِرْنِي عَنْ الْإِسْلَامِ. فَقَالَ

رَسُولُ اللَّهِ الْإِسْلَامُ أَنْ تَشْهَدَ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، وَتُقِيمَ الصَّلَاةَ، وَتُؤْتِيَ

الزَّكَاةَ، وَتَصُومَ رَمَضَانَ، وَتَحُجَّ الْبَيْتَ إنْ اسْتَطَعْت إلَيْهِ سَبِيلًا. قَالَ: صَدَقْت . فَعَجِبْنَا لَهُ يَسْأَلُهُ وَيُصَدِّقُهُ!

قَالَ: فَأَخْبِرْنِي عَنْ الْإِيمَانِ. قَالَ: أَنْ تُؤْمِنَ بِاَللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ، وَتُؤْمِنَ بِالْقَدَرِ

خَيْرِهِ وَشَرِّهِ. قَالَ: صَدَقْت. قَالَ: فَأَخْبِرْنِي عَنْ الْإِحْسَانِ. قَالَ: أَنْ تَعْبُدَ اللَّهَ كَأَنَّك تَرَاهُ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ

فَإِنَّهُ يَرَاك. قَالَ: فَأَخْبِرْنِي عَنْ السَّاعَةِ. قَالَ: مَا الْمَسْئُولُ عَنْهَا بِأَعْلَمَ مِنْ السَّائِلِ. قَالَ: فَأَخْبِرْنِي عَنْ

أَمَارَاتِهَا؟ قَالَ: أَنْ تَلِدَ الْأَمَةُ رَبَّتَهَا، وَأَنْ تَرَى الْحُفَاةَ الْعُرَاةَ الْعَالَةَ رِعَاءَ الشَّاءِ يَتَطَاوَلُونَ فِي الْبُنْيَانِ. ثُمَّ

انْطَلَقَ، فَلَبِثْنَا مَلِيًّا، ثُمَّ قَالَ: يَا عُمَرُ أَتَدْرِي مَنْ السَّائِلُ؟. قَلَتْ: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. قَالَ: فَإِنَّهُ جِبْرِيلُ أَتَاكُمْ

يُعَلِّمُكُمْ دِينَكُمْ ". رَوَاهُ مُسْلِمٌ [رقم:8] .





الشرح



قوله: بَيْنَمَا نَحْنُ جُلُوسٌ بينما هي (بينا) ولكن زيدت (ما) فيها والأصل: بين نحن، فـ: (ما) زيدت للتوكيد.

و: جُلُوسٌ مبتدأ، وخبره: عِنْدَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم

و: ذَاتَ يَوْمٍ ذات هنا تفيد النكرة، أي في يوم من الأيام.

وتستعمل في اللغة على وجوه متعددة، فتارة تكون بمعنى:

1. صاحبة: مثل ذات النطاقين أي صاحبة النطاقين.

2. وتارة تكون اسماً موصولاً: كما في لغة طي،وهم قوم من العرب يستعملون: ذات بمعنى التي،كما قال ابن مالك - رحمه الله- وكالتي أيضاً لديهم ذات) فمثلاً يقول: بعت عليك بيتي ذات اشتريت، أي التي اشتريت.

3. وتارة تكون بمعنى النكرة الدالة على العموم: كما في جملة الحديث ذات يوم.. وهذا أغلب ما تستعمل.

إِذْ طَلَعَ عَلَيْنَا رَجُلٌ الرجل هنا مبهم، وهو رجل في شكله لكن حقيقته أنه مَلَك.

شَدِيْدُ بَيَاضِ الثِّيَابِ أي عليه ثياب .

شَدِيْدُ سَوَادِ الشَّعْرِ أي أنه شاب.

لايُرَى عَلَيْهِ أَثَرُ السَّفَرِ لأن ثيابه بيضاء وشعره أسود ليس فيه غبار ولاشعث السفر، ولهذا قال: لايُرَى عَلَيْهِ أَثَرُ السَّفَرِ لأن المسافر في ذلك الوقت يُرى عليه أثر السفر، فيكون أشعث الرأس،مغبرّاً، ثيابه غير ثياب الحضر، لكن لايرى عليه أثر السفر.

وَلايَعْرِفْهُ مِنَّا أَحَدٌ أي وليس من أهل المدينة المعروفين، فهوغريب.

حَتَّى جَلَسَ إِلىَ النبي صلى الله عليه وسلم ولم يقل عنده ليفيد الغاية،أي أن جلوسه كان ملاصقاً للنبي صلى الله عليه وسلم.

ولهذا قال: أَسْنَدَ رُكْبَتَيْهِ إِلىَ رُكْبَتَيْهِ، وَوَضَعَ كَفَّيْهِ أي كفي هذا الرجل عَلَىَ فَخِذَيْهِ أي فخذي هذا الرجل، وليس على فخذي النبي صلى الله عليه وسلم ، وهذا من شدة الاحترام.

وَقَالَ يَا مُحَمَّدُ ولم يقل:يا رسول الله ليوهم أنه أعرابي، لأن الأعراب ينادون النبي صلى الله عليه وسلم باسمه العلم، وأما أهل الحضر فينادونه بوصف النبوة أو الرسالة عليه الصلاة والسلام .

أَخْبِرْنيِ عَنِ الإِسْلامِ أي ماهو الإسلام؟ أخبرني عنه.

فَقَالَ: الإسْلامُ أَنْ تَشْهَدَ أَنْ لا إِلَهَ إِلاَّ الله وَأَنَّ مُحَمَّدَاً رَسُولُ اللهِ تشهد أي تقرّ وتعترف بلسانك وقلبك، فلا يكفي اللسان، بل لابد من اللسان والقلب، قال الله عزّ وجل: (إِلاَّ مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ)(الزخرف: الآية86)

وإعراب لاَ إِلَهَ إَلاَّ اللهُ :

لا إله إلا الله: هذه جملة اسمية منفية بـ (لا) التي لنفي الجنس، ونفي الجنس أعم النفي، واسمها: (إله) وخبرها: محذوف والتقدير حقٌ، وقوله: (إلا) أداة حصر، والاسم الكريم لفظ الجلالة بدل من خبر: (لا) المحذوف وليس خبرها لأن: (لا) النافية للجنس لا تعمل إلافي النكرات.

فصارت الجملة فيها شيء محذوف وهو الخبر وتقديره: حق،أي: لا إله حق إلا الله عزّ وجل، وهناك آلهة لكنها آلهة باطلة ليست آلهة حقّة،وليس لها من حق الألوهية شيء،ويدل لذلك قوله تعالى : (ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ) (الحج:62)

وَأَنَّ مُحَمَّدَاً رَسُولُ اللهِ أي وتشهد أن محمداً رسول الله،ولم يقل: إني رسول الله مع أن السياق يقتضيه لأنه يخاطبه، لكن إظهاره باسمه العلم أوكد وأشد تعظيماً. وقوله: مُحَمَّداً هو محمد بن عبد الله الهاشمي القرشي من ذرية إسماعيل، وليس من ذرية إسماعيل رسول سواه، وهو المعني بقول الله تعالى عن إبراهيم وإسماعيلرَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ ) (البقرة: الآية129)

رَسُولُ اللهِ رسول بمعنى مرسل، والرسول هو من أوحى الله إليه بشرع وأمر بتبليغه والعمل به.

َتُقِيْمَ الصَّلاةَ أي تأتي بها قائمة تامة معتدلة.

وكلمة: الصَّلاةَ تشمل الفريضة والنافلة.

وَتُؤْتِي الزَّكَاةَ تؤتي بمعنى تعطي، والزكاة هي المال الواجب بذله لمستحقه من الأموال الزكوية تعبداً لله، وهي الذهب والفضة والماشية والخارج من الأرض وعروض التجارة.

وَتَصُوْمَ رَمَضَانَ أي تمسك عن المفطرات تعبداً لله تعالى من طلوع الفجر إلى غروب الشمس.

وأصل الصيام في اللغة: الإمساك.

ورمضان هو الشهر المعروف مابين شعبان وشوال.

وَتَحُجَّ البَيْتَ أي تقصد البيت لأداء النسك في وقت مخصوص تعبداً لله تعالى.

إِنِ اسْتَطَعْتَ إِلِيْهِ سَبِيْلا قَالَ: صَدَقْتَ القائل صدقت: جبريل عليه السلام وهو السائل، فكيف يقول: صدقت وهو السائل؟ لأن الذي يقول: صدقت للمتكلم يعني أن عنده علماً سابقاً علم بأن هذا الرجل أصابه،وهو محل عجب، ولهذا تعجب الصحابة كيف يسأله ويصدقه، لكن سيأتي إن شاء الله بيان هذا.

شرح هذه الأركان الخمسة:

- الركن الأول: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله. وهنا مسألة: لماذا جُعِلَ هذان ركناً واحداً، ولم يجعلا ركنين؟.

والجواب: أن الشهادة بهذين تبنى عليها صحة الأعمال كلها، لأن شهادة ألا إله إلا الله تستلزم الإخلاص، وشهادة أن محمداً رسول الله تستلزم الاتباع، وكل عمل يتقرب به إلى الله لا يقبل إلا بهذين الشرطين: الإخلاص لله، والمتابعة لرسول الله .

ومعنى أن تشهد أن لا إله إلا الله، أي: أن يعترف الإنسان بلسانه وقلبه بأنه لامعبود حق إلا الله عزّ وجل . و أَشْهَدُ بمعنى:أقر بقلبي ناطقاً بلساني؛ لأن الشهادة نطق وإخبار عما في القلب. وإذا كان الشاهد بقلبه أخرس لا يستطيع النطق فإنه يكفي للعجز.

والشهادة باللسان لاتكفي بدليل أن المنافقين يشهدون لله عزّ وجل بالوحدانية ولكنهم يشهدون بألسنتهم، فيقولون بألسنتهم ما ليس في قلوبهم، فلا ينفعهم، وهم يأتون إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يؤكدون له أنهم يشهدون أنه رسول الله ، والله يعلم أنه رسول الله، ولكنه سبحانه يشهد أن المنافقين لكاذبون.

و لاَ إِلَهَ إِلاَّ الله أي: لا معبود حق إلا الله وبتقديرنا الخبر بهذه الكلمة حق يتبين الجواب عن الإشكال التالي: وهو كيف يُقال لا إله إلا الله مع أن هناك آلهة تعبد من دون الله،وقد سماها الله آلهة وسماها عابدوها آلهة، قال الله تعالى: (فَمَا أَغْنَتْ عَنْهُمْ آلِهَتُهُمُ الَّتِي يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ ) (هود: الآية101] وقال تعالى: (أَمْ لَهُمْ آلِهَةٌ تَمْنَعُهُمْ مِنْ دُونِنَا لا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَ أَنْفُسِهِمْ وَلا هُمْ مِنَّا يُصْحَبُونَ) (الانبياء:43)

وقال تعالى: (وَلا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ ) (القصص: الآية88)

بتقدير الخبر في لا إله إلا الله فنقول: هذه الآلهة التي تعبد من دون الله هي آلهة لكنها باطلة،ليست آلهة حقّة،وليس لها حق الألوهية من شيء،ويدل لذلك قول الله عزّ وجل : (ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ) (الحج:62)

فإذا جاء مشركٌ إلى تمثالٍ يعبده بأن يركع له، ويسجد وينتحب ويخشع وربما يغمى عليه، فعبادته باطلة، ومعبوده باطل أيضاً.

إِلاَّ اللهُ الله: علم على الرب عزّ وجل لايسمى به غيره، وهو أصل الأسماء، ولهذا تأتي الأسماء تابعة له،ولايأتي تابعاً للأسماء إلا في آية واحدة،وهي قول الله تعالى: ( إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ * اللَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ) [إبراهيم:1-2] لكن لفظ الاسم الكريم هنا بدل من العزيز، وليست صفة، لأن جميع الأسماء إنما تكون تابعة لهذا الاسم العظيم.

مسألة: هل هذه الشهادة تُدخِل الإنسان في الإسلام ؟

والجواب: نعم تدخله في الإسلام حتى لو ظننا أنه قالها تعوّذاً،فإننا نعصم دمه وماله؛ ولو ظننا أنه قالها كاذباً، ودليل ذلك قصة المشرك الذي أدركه أسامة بن زيد رضي الله عنهما حين هرب المشرك، فلما أدركه أسامة بالسيف قال: لا إله إلا الله، فقتله أسامة ظنّاً أنه قالها تعوّذاً من القتل، أي قالها لئلا يقتل فقتله، فلما أخبر بذلك النبي صلى الله عليه وسلم جعل يردد: أَقَتَلتَهُ بَعْدَ أَنْ قَالَ لاَ إِلَهَ إِلا الله؟ قَالَ: يَارَسُوْلَ اللهِ إِنَّمَا قَالَهَا تَعَوُّذَاً [11] فجعل يردد: أقتلته بعد أن قال لا إله إلا الله ؟ قال أسامة : فتمنيت أنني لم أكن أسلمت بعد، من شدة ماوجد رضي الله عنه .

إذاً نحن ليس لنا إلا الظاهر حتى لو غلب على ظننا أنه قالها تعوذاً عصمته، نعم لو ارتد بعد ذلك قتلناه، وهذا يوجد من جنود الكفر إذا أسرهم المسلمون قالوا: أسلمنا. من أجل أن يعصموا أنفسهم من القتل، فيسأل المجاهدون ويقولون: هل نقتل هؤلاء بعد أن قالوا: لاإله إلاالله أم لا ؟

نقول: حديث أسامة يدلّ على أنهم لايقتلون ولكن يراقبون، فإذا ظهر منهم ردة قتلوا، لأنهم بشهادة أن لاإله إلا الله تُلزمهم أحكام الإسلام. فإن كان الكافر يقول: لا إله إلا الله لكن لايشهد أن محمداً رسول الله، فلا يكفيه ذلك حتى يقول: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله، وعلى هذا فالكافر يدخل في الإسلام بمجرّد أن يقول: لا إله إلا الله، فإذا كان يقولها لكنه ينكر رسالة النبي صلى الله عليه وسلم فلابد أن يضيف إليها شهادة أن محمداً رسول الله، وفي الحديث الشريف: اُدْعُهُمْ إِلَى شَهَادَةِ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ الله وَأَنَّيْ رَسُوْلُ الله[12] قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - وقد عُلم بالاضطرار من دين الرسول صلى الله عليه وسلم واتفقت عليه الأمة: أن أول ما تؤمر به الخلق شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله فبذلك يصير الكافر مسلماً [13] وإذا كان مسلماً وشهد أن لا إله إلا الله ومات على ذلك فإنه يكفي لقول النبي صلى الله عليه وسلم : مَنْ كَانَ آخِرُ كَلامِهِ مِنَ الدُّنْيَا لاَ إِلَهَ إِلاَّ الله دَخَلَ الجَنَّة [14] وإنما اكتفي بلا إله إلا الله لأن هذا الميت يقر بأن محمداً رسول الله وليس عنده فيها إشكال.

شهادة أن لا إله إلا الله تستلزم إخلاص العبادة لله، ويسمى هذا النوع من التوحيد توحيد الألوهية، ويسمّى توحيد العبادة، لأن معنى لاإله إلا الله أي لا معبود حقّ إلا الله، إذا لا تعبد غير الله، فمن قال: لاإله إلا الله وعبد غير الله فهو كاذب، إذْ إن هذه الشهادة تستلزم إخلاص العبادة لله عزّ وجل وطرد الرياء والفخر وما أشبه ذلك .

وقوله: أنَّ مُحَمَّدَاً رَسُوْلُ الله فلابد أن تشهد أنه رسول الله، أي مرسلِهُ إلى الخلق، والرسول هو من أوحى إليه الله بشرعٍ وأمره بتبليغه، وكان الناس قبل نوح على ملة واحدة لم يحتاجوا إلى رسول، ثم كثروا واختلفوا، فكانت حاجتهم إلى الرسل، فأرسل الله تعالى الرسل، قال الله عزّ وجل: (كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النبيين مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ)(البقرة: الآية213)

فالرسل إنما بعثت حين اختلف الناس ليحكموا بينهم بالحق، ولهذا كان أول الرسل نوحاً عليه السلام، وآخرهم محمد صلى الله عليه وسلم . فلابد من الإيمان بأن محمداً رسول الله، ولابد أن نؤمن بأنه خاتم النبيين.

ومما سبق يُعلم خطأ المؤرّخين الذين قالوا: إن هناك رسولاً أو أكثر قبل نوح، فليس قبل نوح عليه السلام رسول بدليل قول الله تعالى: (إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنبيينَ مِنْ بَعْدِهِ) (النساء: الآية163] وقال الله عزّ وجل : ( وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحاً وَإِبْرَاهِيمَ وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِمَا النُّبُوَّةَ وَالْكِتَاب) (الحديد: الآية26) أي في ذريتهم خاصة.

ومن السنة في قصة الشفاعة أن الناس يأتون إلى نوح فيقولون له: أَنْتَ أَوَّلُ رَسُوْلٍ أَرْسَلَهُ اللهُ إِلَى أَهْلِ الأَرْضِ [15] فعقيدتنا أن أول الرسل نوحٌ عليه السلام، وآخرهم: محمد صلى الله عليه وسلم . فمن ادعى النبوة بعد محمد فحكمه أنه كافر،لقول الله تعالى: (وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النبيينَ )(الأحزاب: الآية40) ولم يقلْ سبحانه وخاتم الرسل ، مع أنه قال رسول الله بالأول، لأنه إذا كان خاتم النبيين فهو خاتم الرسل، إذ لارسالة إلا بعد النبوة، فإذا انتفت النبوة من بعده فالرسالة من باب أولى.

شهادة أن محمداً رسول الله تستلزم أموراً منها:

الأول: تصديقه صلى الله عليه وسلم فيما أخبر، بحيث لايكون عند الإنسان تردد فيما أخبر به صلى الله عليه وسلم ، بل يكون في قلبه أشد مما نطق،كما قال عزّ وجل في القرآن: (إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ)(الذريات: الآية23) فالإنسان لايشك فيما ينطق به،كذلك ماينطق به رسول الله صلى الله عليه وسلم لانشك فيه، ونعلم أنه الحق، لكن بيننا وبينه مفاوز وهو السند، لأن النبي صلى الله عليه وسلم ليس أمامنا لكن إذا ثبت الحديث عن الرسول صلى الله عليه وسلم وجب علينا تصديقه،سواء علمنا وجهه أم لم نعلمه، أحياناً تأتي أحاديث نعرف المعنى لكن لانعرف وجهها، فالواجب علينا التصديق.

الثاني: امتثال أمره صلى الله عليه وسلم ولانتردد فيه لقول الله تعالى: (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ )(الأحزاب: الآية36) ولهذا أقول:من الخطأ قول بعضهم: إنه إذا جاءنا الأمر من الله ورسوله بدأ يتساءل فيقول: هل الأمر للوجوب أو للاستحباب؟ كمايقوله كثير من الناس اليوم،وهذا السؤال يجب طرحه وأن لايورد؛ لأن الصحابة رضي الله عنهم إذا أمرهم النبي صلى الله عليه وسلم لم يكونوا يقولون يارسول الله: هل الأمر للوجوب أو الأمر للاستحباب أو غير ذلك؟ بل كانوا يمتثلون ويصدقون بدون أن يسألوا. نقول: لاتسأل وعليك بالامتثال، أنت تشهد أن محمداً رسول الله فافعل ما أمرك به.

وفي حالة ما إذا وقع الإنسان في مسألة وخالف الأمر، فهنا له الحق أن يسأل هل هو للوجوب أو لغير الوجوب، لأنه إذا كان للوجوب وجب عليه أن يتوب منه لأنه خالف، وإذا كان لغير الوجوب فأمره سهل.

ثالثاً : أن يجتنب ما نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عنه بدون تردد، لايَقُلْ: هذا ليس في القرآن فيهلك، لأننا نقول: ما جاء في السنة فقد أمر القرآن باتباعه. ولقد حذّر النبي صلى الله عليه وسلم من هذا وأمثاله الذي يقول هذا ليس في القرآن فقال: لاَ ألْفِيَنَّ أَحَدَكُمْ عَلَى أَرِيْكَتِه أي جالساً متبختراً متعاظماً يَأْتِيْهِ الأَمْرُ مِنْ عِنْدِيْ فَيَقُولُ مَا أَدْرِيْ، مَا كَانَ فِيْ كِتَابِ اللهِ اِتَّبَعْنَاهُ [16] أي وما لم يكن لانتبعه، مع أننا نقول : كل ما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد جاء في القرآن، لأن الله تعالى قال: ( وَاتَّبِعُوهُ ) (الأعراف: الآية158) وهو عام في كل ماقال.

رابعاً : أن لايقدم قول أحدٍ من البشر على قول النبي صلى الله عليه وسلم ، وعلىهذا لايجوز أن تقدم قول فلان - الإمام من أئمة المسلمين - على قول الرسول صلى الله عليه وسلم لأنك أنت والإمام يلزمكما اتباع الرسول صلى الله عليه وسلم . وماأعظم قول من إذا حاججته وقلت: قال رسول الله ، قال: لكن الإمام فلان قال كذا وكذا، فهذه عظيمة جداً، إذ لايحل لأحد أن يعارض قول النبي صلى الله عليه وسلم بقول أحد من المخلوقين كائناً من كان حتى إنه ذُكِر عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما أنه قال: يُوْشكُ أَن تنزل عليكم حجارة من السماء أقول قال رسول الله وتقولون قال أبوبكر وعمر [17] ومن إمام هذا الرجل المجادل بالنسبة إلى أبي بكر وعمر رضي الله عنهما.

خامساً : أن لايبتدع في دين الله مالم يأتِ به الرسول صلى الله عليه وسلم، سواء عقيدة، أو قولاً، أو فعلاً، وعلى هذا فجميع المبتدعين لم يحققوا شهادة أن محمداً رسول الله، لأنهم زادوا في شرعه ماليس منه، ولم يتأدبوا مع الرسول صلى الله عليه وسلم .

سادساً : أن لايبتدع في حقه ماليس منه، وعلى هذا فالذين يبتدعون الاحتفال بالمولد ناقصون في تحقيق شهادة أن محمداً رسول الله، لأن تحقيقها يستلزم أن لاتزيد في شريعته ماليس منه.

سابعاً : أن تعتقد بأن النبي صلى الله عليه وسلم ليس له شيء من الربوبية، أي أنه لايُدعى، ولايُستغاث به إلا في حياته فيما يقدر عليه، فهو عبد الله ورسوله : (قُلْ لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعاً وَلا ضَرّاً إِلاَّ مَا شَاءَ اللَّهُ )(الأعراف: الآية188] وبهذا نعرف ضلال من يدعون رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأنهم ضالون في دينهم، سفهاء في عقولهم، إذ إن النبي صلى الله عليه وسلم لايملك لنفسه نفعاً ولاضراً فكيف يملك لغيره؟ ولهذا أمره الله أن يقول: (قُلْ إِنِّي لا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرّاً وَلا رَشَداً * قُلْ إِنِّي لَنْ يُجِيرَنِي مِنَ اللَّهِ أَحَدٌ وَلَنْ أَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَداً) [الجن:21-22] أي أنه هو عليه الصلاة والسلام لو أراد الله به ما يريد ما استطاع أحد من الناس أن يمنع إرادة الله فيه. إذا كان كذلك فمن الضلال البيّن أن يستغيث أحدٌ برسول الله صلى الله عليه وسلم، بل هذا من الشرك، فلو جاء إنسان مهموم مغموم إلى قبر النبي صلى الله عليه وسلم وقال: يارسول الله أغثني فإني مهموم مغموم، فيكون هذا مشركاً شركاً أكبر، لأنه دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ودعوة الميت أن يغيثك أو يعينك شرك، لأنه غير قادر، فهو جسد وإن كانت الروح قد تتصل بالجسد في القبر لكن هو جسد، وهذا لاينافي أن يكون حياً في قبره حياة برزخية لاتشبه حياة الدنيا.

ثامناً: احترام أقواله، بمعنى أن يحترم أقوال النبي صلى الله عليه وسلم فلاتضع أحاديثه عليه الصلاة والسلام في أماكن غير لائقة، لأن هذا نوع من الامتهان، ومن ذلك: أن لا ترفع صوتك عند قبره، وقد سمع أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه رجلين قدما من الطائف فجعلا يرفعان أصواتهما في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم فقال: لَوْلاَ أَنَّكُمَا مِنْ أَهْلِ الطَّائِفِ لأَوْجَعْتُكُمَا ضَرْبَاً[18] لأن الله تعالى يقول: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النبي صلى الله عليه وسلم وَلا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ) (الحجرات:2) .

ولماَ نزلت هذه الآية كان رجل من الصحابة يقال له: ثابت بن قيس رضي الله عنه ممن يخطب بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم، وكان جهوري الصوت، فلما نزلت هذه الآية بقي في بيته يبكي ليلاً ونهاراً رضي الله عنه هؤلاء الذين يعلمون قدر القرآن الكريم، ففقده النبي صلى الله عليه وسلم لأن من عادة الرسول صلى الله عليه وسلم أن يتفقّد أصحابه، وهذا من حسن رعايته صلى الله عليه وسلم فسأل عنه فقالوا: يارسول الله إن الرجل منذ أنزل الله تعالى هذه الآية وهو في بيته يبكي ليلاً ونهاراً، فقال صلى الله عليه وسلم : (اِذْهَبْ فَادْعُهُ لِي فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال له: مَايُبْكِيْكَ يَاثَابِتُ فقال:أنا صيّت وأتخوّف أن تكون هذه الآية نزلت فيّ.، لأن الله تعالى يقول: (أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ) [الحجرات:2] فقال له الرسول صلى الله عليه وسلم: أَمَا تَرْضَى أَنْ تَعِيْشَ حَمَيدَاً، وَتُقْتَلَ شَهِيْدَاً، وَتَدْخُلَ الجَنَّة [19] ، الله أكبر،كل من خاف من الله أمن، فهو بقي في بيته خائفاً من الله عزّ وجل ولكن أمَّنه الله ، ولهذا يجب علينا وجوباً أن نشهد أن ثابت بن قيس رضي الله عنه من أهل الجنة، لأن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر بهذا. فبقي الرجل حميداً في حياته وشارك المسلمين في قتال مسيلمة الكذاب، وغزوة مسيلمة الكذاب معروفة ومشهورة في التاريخ، وقتل رضي الله عنه شهيداً، ويدخل الجنة، اللهم اجعلنا من أهل الجنة يارب العالمين.

وقع في قصته رضي الله عنه أيضاً مسألة غريبة: مر به أحد الجنود وهو ميت وعلى ثابت رضي الله عنه درع جيد، فأخذ الجندي الدرع منه ثم ذهب به إلى رحله وجعل عليه برمة - والبرمة قدر من الخزف - وفي الليل رأى أحد أصحاب ثابت ثابتاً رضي الله عنه في المنام وأخبره الخبر وقال له: مر بي رجل من الجند وأخذ درعي ووضعه تحت برمة في طرف العسكر وحوله فرس تستن، أي رافعة إحدى قوائمها، فلما أصبح الرجل الذي رأى هذه الرؤيا أخبر بها القائد خالد بن الوليد رضي الله عنه فأرسله إلى المكان، ولما أرسله إلى المكان وجد الأمر كما قال ثابت - فسبحان الله العظيم - ما الذي أعلم ثابتاً وهو ميت،لكن الرؤيا الصالحة جزء من ستة وأربعين جزءاً من النبوة، فأخذ الدرع.

كما أن ثابتاً رضي الله عنه أوصى بوصية بعد موته، وأُبلِغَت أبا بكر رضي الله عنه فنفذ الوصية، قالوا: ولايوجد أحد نفذت وصيته التي أوصى بها بعد موته إلا ثابت بن قيس رضي الله عنه، لكن يشكل على هذا كيف نعتبر الرؤيا في تنفيذ الوصية؟

والجواب: أنه إذا دلت القرائن على صدق الرؤيا نُفذت الوصية ولاحرج. ولقد حدثني رجل أثق به يقول: إنه مات أبوه وكان قد استأجر البيت الذي تركه بعد موته لمدة كذا سنة، فلما مات أتى أهل البيت الذين يملكون رقبة البيت وقالوا للورثة: اخرجوا عن البيت، البيت بيتنا، فقالوا: لن نخرج، بين مورّثنا وبينكم عقد لم ينتهِ بعد، فقالوا:بل انتهى العقد، ففزع الورثة من هذه الدعوى وضاقت بهم الأرض، يقول: فلما كان ذات ليلة رأيت في المنام أن أبي أطل علينا من فرجة المجلس وقال لهم: العقد في أول صفحة من الدفتر لكنه لاصق في جلدة الدفتر، فلما أصبح وفتح أول صفحة وجد العقد.

سبحان الله، فالله تعالى قد يخبر بعض الموتى ببعض ما يحصل على أهله، لكن هذه مسائل ليست لكل أحد.

وتقيم الصلاة أي تأتي بها قويمة، ولاتكون قويمة إلا بفعل شروطها وأركانها وواجباتها - وهذا لابد منه - وبمكملاتها، فهذا يكون أكمل.

ولاحاجة لشرح هذه لأنها معروفة في كتب الفقه [20]

وقوله الصّلاةَ يشمل كل الصلاة: الفريضة والنافلة،وهل تدخل صلاة الجنازة أو لا؟

يحتمل هذا وهذا، إذا نظرنا إلى عموم اللفظ قلنا: إنها داخلة لأنها صلاة،كما قال الله عزّ وجل : (وَلا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَداً ) (التوبة: الآية84) ‘ وإن نظرنا إلى أن صلاة الجنازة صلاة طارئة حادثة يقصد بها الشفاعة للميت قلنا: لاتدخل في هذا الحديث، لكن تدخل في عموم الأمر بإحسان.

وَتُؤْتي الزَّكَاةَ تؤتي بمعنى تعطي، والزكاة هي: المال الواجب في الأموال الزكوية، فيعطيه الإنسان مستحقه تعبّداً لله عزّ وجل ورجاءً لثوابه.

مثال ذلك: الدراهم والدنانير فيهما زكاة، وهي ربع ا لعشر، أي تأخذ ربع العشر وهو واحد من أربعين وتعطيه المستحق.

وقد بيّن الله عزّ وجل أهل الزكاة في سورة التوبة أنهم ثمانية أصناف فقال عزّ وجل: (إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ )(التوبة: الآية60) أي فرضها الله علينا أن نعطيها هؤلاء ولا نعطي غيرهم: (وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ)(التوبة: الآية60) وتفاصيل ذلك مذكورة في كتب الفقه ولاحاجة إلى تفصيله هنا[21] .

وَتَصُوْمَ رَمَضَانَ بأن تمسك عن المفطرات من طلوع الفجر الثاني إلى غروب الشمس تعبّداً لله تعالى.

والمفطرات أيضاً معروفة لاحاجة إلى ذكرها[22] ولكن ننبّه على شيء مهمّ فيها: أن المفطرات لاتفطر الصائم إلا بثلاثة شروط: أن يكون عالماً، وأن يكون ذاكراً، وأن يكون مريداً.

فضدّ العالم الجاهل، فلو أكل الصائم يظن أن الليل باقٍ ثم تبين أنه قد طلع الصبح وهو يأكل فحكم الصوم أنه صحيح.

ولو أكل يظن غروب الشمس ثم تبين أنها لم تغرب فالصوم صحيح، ودليل ذلك: ما رواه البخاري عن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما قالت: أفطرنا في يوم غيم على عهد النبي صلى الله عليه وسلم ثم طلعت الشمس [23] ولم يأمرهم بالقضاء، فلو كان القضاء واجباً لكان يبينه النبي صلى الله عليه وسلم ولنُقِلَ إلينا، لأنه إذا كان واجباً لكان القضاء من شريعة الله، ولابد أن تنقل، وهو داخل في عموم قوله تعالى: (رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا )(البقرة: الآية286) وقوله: ( وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ)(الأحزاب: الآية5).

ولو أكل غير مريد للأكل أو شرب غير مريد للشرب بأن كان مكرهاً فصيامه صحيح، ومن ذلك:أن يكره الرجل زوجته فيجامعها وهي صائمة، فليس عليها شيء لاقضاء ولاكفّارة.

هذه مهمة لأن كثيراً من الفقهاء يقولون: إن الإنسان إذا أكل جاهلاً بالوقت سواء من أول النهار أو آخره وجب عليه القضاء إذا تبيّن أنه قد أكل في النهار، ولكن يقال: إن الذي شرع الصوم للعباد هو الذي رفع عنهم الحرج بهذه الأعذار.

وَتَحُجّ البَيْتَ أي تقصده. لأداء المناسك في وقت مخصوص تعبّداً لله تعالى.

وهل يدخل في ذلك العمرة أو لا ؟

فيه خلاف بين العلماء: فمنهم من قال: إن العمرة داخلة لقول النبي صلى الله عليه وسلم : العُمْرَةُ حَجٌّ أَصْغَر [24] لأنه وردت روايات في نفس الحديث فيها ذكر العمرة.

والصحيح أن العمرة دون الحج، أي ليست من أركان الإسلام لكنها واجبة يأثم الإنسان بتركها إذا تمّت شروط الوجوب.

إِنِ اسْتَطَعْتَ إَلِيْهِ سَبِيْلاً مأخوذ من قوله تعالى: ( وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً ) (آل عمران: الآية97) قد يقول قائل: هذا الشرط في جميع العبادات لقول الله تعالى: (فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ )(التغابن: الآية16) فلماذا خص الحج؟

نقول: خص الحج لأن الغالب فيه المشقة والتعب وعدم القدرة، فلذلك نص عليه وإلا فجميع العبادات لابد فيها من الاستطاعة.

قَالَ:صَدَقْتَ) أي أخبرت بالحق، والقائل هو جبريل عليه السلام.

قَالَ عُمَرُ: فَعَجِبْنَا لَهُ يَسْأَلهُ وَيُصَدِّقُه ووجه العجب أن السائل عادة يكون جاهلاً، والمصدّق يكون عالماً فكيف يجتمع هذا وهذا، ومثاله: لوقال قائل: فلانٌ قدم من المدينة، فقال بعضهم:صدقت، فمقتضى ذلك أنه عالم، فكيف يسأل جبريل عليه السلام النبي صلى الله عليه وسلم ثم يقول صدقت؟ هذا محل عجب، وستأتي الحكمة في ذلك.

قَالَ: فَأَخْبِرني عَنِ الإِيمَانِ قال: أي جبريل، فأخبرني: أي يامحمد عن الإيمان؟

والإيمان في اللغة: هو الإقرار والاعتراف المستلزم للقبول والإذعان وهو مطابق للشرع.

وأما قولهم: الإيمان في اللغة التصديق ففيه نظر، لأنه يقال: آمنت بكذا وصدقت فلاناً ولايقال: آمنت فلاناً، بل يقال: صدقه، فصدق فعل متعدٍ، وآمن فعل لازم، وقد ذكر ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - باستفاضة في كتابه: (كتاب الإيمان.

وقولنا: الإيمان المستلزم للقبول والإذعان احترازاً مما لو أقر لكن لم يقبل كأبي طالب عم النبي صلى الله عليه وسلم ،حيث أقر بالنبي صلى الله عليه وسلم وأنه صادق لكن لم يقبل ماجاء به - نسأل الله العافية - ولم يُذعن ولم يتابع، فلم ينفعه الإقرار، فلابد من القبول والإذعان.

ولذلك يخطئ خطأً كبيراً من يقول: إن أهل الكتاب مؤمنون بالله، وكيف يكون ذلك وهم لم يقبلوا شرع الله ولم يذعنوا له، فاليهود والنصارى حين بعث رسول الله كفروا به وليسوا بمسلمين ودينهم دين باطل،ومن اعتقد أن دينهم صحيح مساوٍ لدين الإسلام فهو كافر خارج عن الإسلام فالإيمان قبولٌ وإذعانٌ.

قَالَ: الإِيْمَانُ أَنْ تُؤمِنَ بِاللهِ، وَمَلائِكَتِهِ، وَكُتُبِهِ، وَرسله، وَاليَوْمِ الآخِرِ، وَتُؤْمِنُ بَالقَدَرِ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ هذه ستّة أشياء:

أَنْ تُؤْمِنَ بِاللهِ الإيمان بالله يتضمن أربعة أشياء:

الأول : الإيمان بوجوده سبحانه وتعالى. فمن أنكر الله تعالى فليس بمؤمن، ومع ذلك لايمكن أن يوجد أحد ينكر وجود الله تعالى بقرارة نفسه، حتى فرعون الذي قال لموسى: ما رب العالمين؟ كان مقرّاً بالله، قال له مؤسى: (لَقَدْ عَلِمْتَ مَا أَنْزَلَ هَؤُلاءِ إِلاَّ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ بَصَائِرَ ) (الاسراء: الآية102) لكنه جاحد،كما قال الله تعالى: (وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْماً وَعُلُوّاً )(النمل: الآية14)

الثاني : الإيمان بانفراده بالرّبوبية، أي تؤمن بأنه وحده الرّب وأنه منفرد بالربوبية، والرب هو الخالق المالك المدبر.

فمن الذي خلق السماوات والأرض ؟ الله عزّ وجل .

ومن الذي خلق البشر ؟ الله عزّ وجل .

ومن يملك تدبير السماوات والأرض ؟ الله عزّ وجل .

الثالث : إيمان بانفراده بالألوهية، وأنه وحده الذي لا إله إلا هو لاشريك له، فمن ادعى أن مع الله إلهاً يُعبد فإنه لم يؤمن بالله، فلابد أن تؤمن بانفراده بالألوهية، وإلا فما آمنت به.

الرابع : أن تؤمن بأسماء الله وصفاته بإثبات ما أثبته سبحانه لنفسه في كتابه، أو سنة رسوله صلى الله عليه وسلم من الأسماء والصفات على الوجه اللائق به من غير تحريف، ولاتعطيل ولاتكييف، ولا تمثيل، فمن حرّف آيات الصفات أو أحاديث الصفات فإنه لم يحقق الإيمان بالله .

قال قومٌالرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى) (طـه:5) استولى، ومعناه شرعاً ولغة: علا وارتفع على العرش، لكنه علوّ خاص، ليس العلوّ العام علىجميع المخلوقات. فهذا الذي فسّر (اسْتَوَى) بـ : استولى لم يحقق الإيمان بالله، لأنه نفى صفة أثبتها الله لنفسه، والواجب إثبات الصفات.

ومن قال: (لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ )(صّ: الآية75) أي بقدرتيَّ ، أو: بقوتيَّ وليس لله يد حقيقة لم يحقق الإيمان بالله، لو حقق الإيمان بالله لقال: لله عزّ وجل يد حقيقية لكن لاتماثل أيدي المخلوقين،كما قال الله عزّ وجل : (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ )(الشورى: الآية11) لأننا لانحدث عن الله إلاعلى حسب ما أخبرنا الله به عن نفسه، فإذا كنّا لايمكن أن نتحدث عن شخص لم نرهُ وإن كان عندنا في البلد، فكيف نتحدث عن الله تعالى بلاعلم.

وإذا قال: إن الله لايتكلم بكلام مسموع، ولكن كلامه المعنى القائم بنفسه، وما سمعه جبريل فهو مخلوق، أصوات خلقها الله عزّ وجل لتعبّر عما في نفسه، فهذا ما حقق الإيمان بالله. لأن تفسير (الكلام) بهذا المعنى يدلّ على أن الله تعالى لايتكلم حقيقة، لأنك إذا قلت: الكلام هو المعنى القائم بالنفس صار معنى الكلام هو العلم، لا أنه المسموع، وعلى هذا فقس.

وعلى هذا فجميع المبتدعة في الأسماء والصفات، المخالفين لما عليه السلف الصالح، لم يحققوا الإيمان بالله، ولا نقول إنهم غير مؤمنين، فهم مؤمنون لاشك، لكنهم لم يحققوا الإيمان بالله، والذي فاتهم من الأمور الأربعة هو الرابع: الإيمان بأسماء الله وصفاته، فلم يحققوا الإيمان به، وهم مخطئون مخالفون لطريق السلف، وطريقتهم ضلال بلاشكّ، ولكن لايحكم على صاحبه بالضلال حتى تقوم عليه الحجة، فإذا قامت عليه الحجة، وأصر على خطئه وضلاله، كان مبتدعاً فيما خالف فيه الحق، وإن كان سلفيّاً فيما سواه، فلا يوصف بأنه مبتدع على وجه الإطلاق، ولا بأنه سلفيّ على وجه الإطلاق ،بل يوصف بأنه سلفي فيما وافق السلف، مبتدع فيما خالفهم .

ومن مسائل الأسماء والصفات التي حصل فيها خلاف معنى حديث : أَنَّ اللهَ خَلَقَ آَدَمَ عَلَى صُوْرَتِهِ[25] وضجّوا وارتفعت أصواتهم وكثرت مناقشاتهم، كيف خلق آدم على صورته؟

فحرّفه قومٌ تحريفاً مشيناً مستكرهاً، وقالوا: معنى الحديث: خَلَقَ اللهُ آدم على صورته أي على صورة آدم - الله المستعان - هل يمكن لأفصح البشر وأنصح البشر أن يريد بالضمير ضمير المخلوق، بمعنى خلق آدم على صورته أي على صورة آدم ؟ لايمكن هذا، لأن كل مخلوق فقد خلق على صورته، وحينئذ لافضل لآدم على غيره. فهذا هراء لامعنى له، أتدرون لما قالوا هذا التأويل المستكره المشين؟

قالوا: لأنك لو قلت إنها صورة الرب عزّ وجل لمثّلت الله بخلقه، لأن صورة الشيء مطابقةله ، وهذا تمثيل .

وجوابنا على هذا أن نقول : لو أعطيت النصوص حقها لقلت خلق الله آدم على صورة الله ، لكن ليس كمثل الله شيء.

فإن قال قائل: اضربوا لنا مثلاً نقتنع به ، أن الشيء يكون على صورة الشيء وليس مماثلاً له ؟

والجواب نقول: ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال إِنَّ أَوَّلَ زُمْرَةٍ تَدْخُلُ الجَنَّةَ عَلَى صُوْرَةِ القَمَرِ لَيْلَةِ البَدْرِ ثُمَّ الَّذِيْنَ يَلوُنَهُمْ عَلَى أَضْوَءِ كَوْكَبٍ فِي السَّمَاءِ[26] فهل أنت تعتقد أن هؤلاء الذين يدخلون الجنة على صورة القمر من كل وجه أو تعتقد أنهم على صورة البشر لكن في الوضاءة والحسن والجمال واستدارة الوجه وما أشبه ذلك على صورة القمر، لامن كل وجه ، فإن قلت بالأول فمقتضاه أنهم دخلوا وليس لهم أعين وليس لهم أفواه، وإن قلت بالثاني؛ زال الإشكال وثبت أنه لايلزم من كون الشيء على صورة الشيء أن يكون مماثلاً له من كل وجه.

فالمهم أن باب الصفات بابٌ عظيمٌ، خطره جسيم، ولايمكن أن ينفك الإنسان من الورطات والهلكات التي يقع فيها إلا باتباع السلف الصالح، أثبت ما أثبته الله تعالى لنفسه، وانْفِ مانفى الله عن نفسه، فتستريح.

هل تبحث في أمر يكون البحث فيه تعمّقاً وتنطّعاً ؟

الجواب: لا تبحث.

وقد سُئِل الإمام مالك - رحمه الله - عن قول الله تعالى: (الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى) [طه:5] كيف استوى؟

فأطرق - رحمه الله - برأسه وجعل يتصبب عرقاً من ثقل ما ألقي عليه وتعظيمه الرب جل وعلا، ثم رفع رأسه وقال: (الاستواء غير مجهول) أي أنه معلوم في اللغة العربية، استوى على كذا: أي علا عليه واستقرّ، وكل ما ورد في القرآن والسنةوكلام العرب أن (استوى) إذا تعدّت بـ (على) فمعناه العلو وقوله: (والكيف غير معقول) أي معناه: أنّا لاندرك كيفية استواء الله على عرشه بعقولنا: وإنما طريق ذلك السمع. وقوله: (الإيمان به واجب) معناه : أن الإيمان باستواء الله على عرشه على الوجه اللائق واجب. (والسؤال عنه بدعة) معناه : أن السؤال عن كيفية الاستواء بدعة، لأن مثل هذا السؤال لم يسأل عنه الصحابة رضي الله عنهم النبي صلى الله عليه وسلم وهم أشد منا حرصاً على معرفة الله عزّ وجل ، والمجيب لو سألوه فهو أعلم منا بالله تعالى، ومع ذلك لم يقع السؤال، أفلا يسعنا ما وسعهم ؟

الجواب: بلى، فيجب على المسلم أن يسعه ما وسع السلف الصالح، فلا يسأل.

ثم قال الإمام مالك - رحمه الله- : (ما أراك) أي ما أظنك (إلامبتدعاً) تريد أن تفسد على الناس دينهم، ثم أمر به فأُخرج من المسجد، أي مسجد النبي صلى الله عليه وسلم ، ولم يقل: والله لاأستطيع إخراجه، أخشى أن أدخل في قوله تعالى: (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَسَاجِدَ اللَّهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ )(البقرة: الآية114) لأني أمنع هذا من دخول المسجد، لأنه لم يدخل ليذكر فيه اسم الله، بل دخل ليفسد عباد الله، ومثل هذا يمنع.

فإذا كان الذي يأكل الثوم والبصل يمنع من دخول المسجد، فكيف بمن يفسد على الناس أديانهم،أفلا يكون أحقّ بالمنع؟ بلى والله، ولكن كثيراً من الناس غافلون.

على كلّ حال هذا المقام مقام عظيم، لكني أحذركم أن تتعمّقوا في باب الأسماء والصفات، وأن تسألوا عما لاحاجة لكم به.

يقول بعض الناس: الله تعالى له أصابع، ويقول المحرفون: ليس له أصابع، والمراد بقوله: إنَّ قُلُوْبَ بَنِيْ آدَمَ بَيْنَ أُصْبُعَيْنِ مِنْ أَصَابِعِ الرَّحْمَنِ[27] كمال السيطرة والتدبير، سبحانَ الله، أأنتم أعلم أم رسول الله؟ نفوا الأصابع لظنهم أن إثباتها يستلزم التمثيل، فمثلوا أولاً وعطّلوا ثانياً، فجمعوا بين التمثيل والتعطيل.

وجاء آخرون فقالوا: قلوب بني آدم بين أصبعين من أصابع الرحمن، وأمسك المسواك بين أصابعه وقال: بين أصبعين من أصابع الرحمن. قطع الله هاتين الأصبعين. فهل يحلّ هذا ؟

الجواب: لا يحل، أولاً: هل تعلم أن أصابع الله تعالى خمسة: إبهام وسبابة ووسطى وبنصر وخنصر؟ لا تعلم .

ثانياً: هل تعلم أن كون القلوب بين أصبعين من أصابع الرحمن: بين الإبهام والسبابة، أو بين الإبهام والوسطى، أو بين الإبهام والبنصر، أو بين الإبهام والخنصر؟ كيف تقول على الله ما لاتعلم، أم على الله يفترون، فمثل هذا يستحق أن يؤدّب لأنه قال على الله ما لا يعلم.

فقالوا: أليس النبي صلى الله عليه وسلم لما قال: وَكَانَ اللهُ سَمِيعَاً بَصِيرَا وضع إبهامه وسبابته على العين والأذن[28]

نقول: بلى، لكن أنت لست رسولاً حتى تفعل هذا، ثم المقصود من وضع الرسول صلى الله عليه وسلم أصبعيه تحقيق السمع والبصر فقط.

وأكرر أن باب الصفات باب عظيم، احذر أن تزل، فتحت رجلك هوّة، فالأمر صعب جداً.

يقول آخرون في قول الله تعالى: (وَالْأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ )(الزمر: الآية67) فيشير بيده قابضاً لها على شيء - أعوذ بالله - والآخرون يقولون: قبضته أي تحت تصرفه، والفرق بينهما عظيم.

فعلى كل حال، أكرر:احذروا باب الصفات أن تخوضوا في شيءٍ لم يتكلم فيه السلف الصالح.

يقول بعض العلماء: من لم يسعه ما وسع الصحابة والتابعين فلا وسّع الله عليه.

قوله: وَمَلائِكَتِهِ بدأ بالملائكة قبل الرسل والكتب لأنهم عالم غيبي، أما الرسل والكتب فعالم محسوس، فالملائكة لا يظهرون بالحس إلا بإذن الله عزّ وجل ، وقد خلق الله الملائكة من نورٍ،كما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم وهم لايحتاجون إلى أكل وشرب، ولهذا قيل إنهم صمدٌ أي ليس لهم أجواف، فلا يحتاجون إلى أكل ولا شرب، فنؤمن أن هناك عالماً غيبياً هم الملائكة.

وهم أصناف، ووظائفهم أيضاً أصناف حسب حكمة الله عزّ وجل كالبشر أصناف ووظائفهم أصناف.

والإيمان بالملائكة يتضمّن:

أولاً : الإيمان بأسماء من علمنا أسماءهم،أن نؤمن بأن هناك ملَكاً اسمه كذا مثل جبريل.

ثانياً : أن نؤمن بما لهم من أعمال، مثلاً:

جبريل: موكل بالوحي، ينزل به من عند الله إلى رسله.

وميكائيل: موكل بالقطر أي المطر، والنبات أي نبات الأرض.

وإسرافيل: موكل بالنفخ في الصور .

هؤلاء الثلاثة كان النبي صلى الله عليه وسلم يذكرهم عندما يستفتح صلاة الليل فيقول: اللَّهُمَّ رَبَّ جِبْرَائِيْلَ وَمِيْكَائِيْلَ وَإِسْرَافِيْلَ [29] والحكمة من هذا : أن كل واحد منهم موكل بحياة: فجبريل موكل بالوحي وهو حياة القلوب كما قال عزّ وجل : (وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنَا)(الشورى: الآية52) وميكائيل موكل بالقطر والنبات وهو حياة الأرض، وإسرافيل موكل بالنفخ في الصور وهو حياة الناس الحياة الأبدية.

والمناسبة ظاهرة، لأنك إذا قمت من النوم فقد بعثت من موت كما قال تعالى: [وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُمْ بِالنَّهَارِ ثُمَّ يَبْعَثُكُمْ فِيهِ ) (الأنعام: الآية60)] وقال عزّ وجل: (اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمّى)(الزمر: الآية42)

إذا كان القيام من الليل بعثاً وهؤلاء الملائكة الثلاثة الكرام كلهم موكلون بحياة،صارت المناسبة واضحة.

كذلك يجب الإيمان بما لبعض الملائكة من أعمال خاصة، فمثلاً: هناك ملائكة وظائفهم أن يكتبوا أعمال العباد، قال الله عزّ وجل: (وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْأِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ * إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ*مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ) [ق:16-18] فهؤلاء موكلون بكتابة أعمال بني آدم،وقال الله عزّ وجل أيضاً في آية أخرى كَلاَّ بَلْ تُكَذِّبُونَ بِالدِّينِ*وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ كراما كاتبين) [الأنفطار:9-11] يكتبون كل قول يقوله الإنسان، وظاهر الآية الكريمة أنهم يكتبون ما للإنسان وما عليه وما ليس له ولا عليه، وجه كون هذا هو الظاهر: أن قوله عزّ وجل مِنْ قَوْلٍ) نكرة في سياق النفي مؤكّدة بـ: (من) فتفيد العموم، لكن ماليس له ولا عليه لايحاسب عليه وإنما يقال إنه فاته خير كثير.










رد مع اقتباس
إضافة رد

الكلمات الدلالية (Tags)
كمال12345


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

الساعة الآن 23:53

المشاركات المنشورة تعبر عن وجهة نظر صاحبها فقط، ولا تُعبّر بأي شكل من الأشكال عن وجهة نظر إدارة المنتدى
المنتدى غير مسؤول عن أي إتفاق تجاري بين الأعضاء... فعلى الجميع تحمّل المسؤولية


2006-2024 © www.djelfa.info جميع الحقوق محفوظة - الجلفة إنفو (خ. ب. س)

Powered by vBulletin .Copyright آ© 2018 vBulletin Solutions, Inc