نقض أصول العقلانيين - منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب

العودة   منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب > منتديات الدين الإسلامي الحنيف > القسم الاسلامي العام

القسم الاسلامي العام للمواضيع الإسلامية العامة كالآداب و الأخلاق الاسلامية ...

في حال وجود أي مواضيع أو ردود مُخالفة من قبل الأعضاء، يُرجى الإبلاغ عنها فورًا باستخدام أيقونة تقرير عن مشاركة سيئة ( تقرير عن مشاركة سيئة )، و الموجودة أسفل كل مشاركة .

آخر المواضيع

نقض أصول العقلانيين

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 2012-09-25, 15:13   رقم المشاركة : 1
معلومات العضو
فقير إلى الله
عضو محترف
 
الصورة الرمزية فقير إلى الله
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي نقض أصول العقلانيين

نقض أصول العقلانيين

بسم الله الرحمن الرحيم
نقض
أصول العقلانيين
ما هو العقل؟ أين مكانه؟ ما موقف الإسلام منه؟ كيف نرد على من يعظمه على حساب النصوص الشرعية؟
إعداد
سليمان بن صالح الخراشي
دار علوم السنة
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مُضل له، ومن يُضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
أما بعد: فهذه عدة مباحث حول موضوع ((العقل)) و ((العقلانية)) أحببت أن أشارك بها في الحديث عن هذا الموضوع المتجدد الذي يخطف الشباب المسلم ببريقه، لا سيما في هذا الزمن الذي تعاظم فيه دور هذا العقل المخلوق، وتنوعت إنجازاته، فأصبح الحديث عنه وعن نظرة الإسلام له من المهمات للباحث المسلم.
فسبب كتابة هذه المباحث هو أنني رأيت الفتنة بهذا العقل (المخلوق) قد طغت عند طائفة من الشباب الذين كانوا يسلكون درب الهدى والاعتدال، ثم انحرفوا مع هذه الفتنة الطارئة على بلادنا، معتقدين في عقولهم الاعتقادات الخاطئة ومضخمين لدورها في سَوْقهم نحو الجادة والطريق القويم على حساب النصوص الشرعية.
ومما حفزني كثيراً للكتابة -أيضاً-: النظرة القاصرة التي ينظر بها أولئك الشباب -اتباعاً لرؤس العقلانيين- إلى متبعي النصوص الشرعية، معتقدين أنهم يبخسون العقل حقّه، فلا يستخدمونه في أيٍ من نواحي الحياة أو الشريعة، وفي هذا تشويه لأصحاب المنهج السلفي الذي كانوا وسطاً في نظرتهم إلى العقل، فلم يُلغوا دوره كما فعل غيرهم من الجامدين، ولم يغلوا فيه ويقحموه في مجالات مغيّبة لم يكن أهلاً لها. إنما استخدموه فيما أذن به الله ورسوله - صلى الله عليه وسلم -، ثم ألجموه بلجام النصوص الشرعية لكي لا يطغى عليها.
وليُعلم أنني في هذا المبحث عالةً على من هم أعلم مني وأجلد على البحث والنظر من أهل السنة، فكنت معتمداً -بعد الله- على المصادر والمراجع التي سبقتني في الحديث عن هذا الموضوع، لا سيما كتاب شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- ((درء تعارض العقل والنقل)) الذي حاولت تلخيصه في مبحث: الرد على العقلانيين.
... وأسال الله أن ينفع بهذه الرسالة من قرأها، وأن يجعلها سلاحاً بيد أهل السنة في صولاتهم المتكررة مع العقلانيين وأذنابهم في هذا الزمان.
... وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم
كتبه / سليمان بن صالح الخراشي
في الرياض عام 1421هـ


_______
ما هو العقل؟ :
قال صاحب اللسان (1) ((العقل الحجر والنهي. ضد الحمق والجمع عقول)) وقال ابن الأنباري ((رجل عاقل وهو الجامع لأمره ورأيه)) ((وقيل العاقل الذي يحبس نفسه ويردها عن هواها أخذ من قوله قد اعتقل لسانه إذا حبس ومنع الكلام)) . ((والعقل التثبت في الأمور. والعقل القلب. والقلب العقل. وسمي العقل عقلاً لأنه يعقل صاحبه عن التورط في المهالك. أي يحبسه. وقيل العقل هو التمييز الذي به يتميز الإنسان من سائر الحيوان)) .
قلت: والألفاظ المرادفة للعقل هي: اللب، الحِجْر، والنُهى، الحلم، الحجى.
العقل في القرآن:
ليس لإسم العقل وجود في كتاب الله العزيز وإنما يوجد ما تصرف منه نحو:
عقلوه: وردت في موضع واحد من القرآن.
تعقلون: وردت في أربعة وعشرين موضعاً من القرآن.
نعقل: وردت في موضع واحد من القرآن.
يعقلها: وردت في موضع واحد من القرآن.
يعقلون: وردت في اثنتين وعشرين موضعاً من القرآن.
__________
(1) مادة (عقل)











 


رد مع اقتباس
قديم 2012-09-25, 15:14   رقم المشاركة : 2
معلومات العضو
فقير إلى الله
عضو محترف
 
الصورة الرمزية فقير إلى الله
 

 

 
إحصائية العضو










B11 العقل في الحديث النبوي:

العقل في الحديث النبوي:

لا يكاد يوجد لفظ العقل المصدر في كلام النبي - صلى الله عليه وسلم - في حديث صحيح إلا في مثل الحديث الذي في الصحيحين عن أبي سعيد الخدري قال: خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في أضحى أو فطر إلى المصلى فمر على النساء فقال: ((يا معشر النساء تصدقن فإني أريتكن أكثر أهل النار)) فقلنا: وبم يا رسول الله؟ قال: ((تكثرن اللعن وتكفرن العشير ما رأيت من ناقصات عقل ودين أذهب للب الرجل الحازم من إحداكن)) . قلنا: وما نقصان عقلنا وديننا يا رسول الله؟ فقال: ((أليس شهادة المرأة نصف شهادة الرجل؟)) قلنا: بلى. قال: ((هذا من نقصان عقلها)) . قال: ((وإذا حاضت لم تصل ولم تصم)) . قلنا: بلى. قال: ((فهذا من نقصان دينها)) (1) .
وبالنظر في الأحاديث الوارد فيها ذكر (العقل) نجدها ثلاثة أنواع:
قسم ورد فيه العقل بمعنى الدية وهذا لا يدخل في بحثنا.
قسم ورد فيه لفظ العقل بصيغة الفعل ومثال ذلك ما رواه علي بن أبي طالب رضي الله عنه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: رفع القلم عن ثلاثة: عن النائم حتى يستيقظ وعن المعتوه - أو قال المجنون - حتى يعقل وعن الصغير حتى يشب (2) .
قسم ورد فيه لفظ العقل بصيغة المصدر وهو المقصود هنا كما في حديث أبي سعيد السابق. وأما غيره من الأحاديث فقد ضعفها العلماء كما سيأتي
__________
(1) البخاري (1/116) ومسلم (1/86) .
(2) صحيح أبي داود (3701) بعدة ألفاظ. وانظر الإرواء (2/5) .










رد مع اقتباس
قديم 2012-09-25, 15:18   رقم المشاركة : 3
معلومات العضو
فقير إلى الله
عضو محترف
 
الصورة الرمزية فقير إلى الله
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي العقل عند العلماء:

العقل عند العلماء:
قال القاضي أبو يعلى ((العقل ضرب من العلوم الضرورية وهو مثل العلم باستحالة اجتماع الضدين وكون الجسم في مكانين ونقصان الواحد عن الاثنين)) ثم ذكر تعريفات بعض العلماء له فقال: ((وقال أبو الحسن التميمي.. العقل ليس بجسم ولا صورة ولا جوهر وإنما هو نور فهو كالعلم. وقال أبو محمد البربهاري: وليس العقل باكتساب وإنما هو فضل من الله)) ((وقال بعضهم: قوة يفصل بها بين حقائق المعلومات. وقال أبو بكر بن فورك: هو العلم الذي يمتنع به من فعل القبيح. وقال بعضهم ما حسن معه التكليف)) ثم قال أبو يعلى ((ومعنى ذلك كله متقارب ولكن ما ذكرناه أولى لأنه مفسر وهو قول الجمهور من المتكلمين)) .
... وعن أحمد بن حنبل رحمه الله قال: ((العقل غريزة)) قال القاضي ((ومعنى قوله غريزة أنه خلق لله تعالى ابتداءً وليس باكتساب للعبد خلافاً لما حكي عن بعض الفلاسفة أنه اكتساب)) (1) .
... وقال الإمام أبو عبد الله المازري رحمه الله ((اختلف الناس في العقل ما هو فقيل هو العلم وقيل بعض العلوم الضرورية وقيل قوة يميز بها بين حقائق المعلومات)) (2) .
... وقال الإمام أبو القاسم الأصبهاني ((وقال بعضهم العقل على ثلاثة أوجه عقل مولود مطبوع وهو عقل ابن آدم الذي به فضل على أهل الأرض وهو محل التكليف والأمر والنهي وبه يكون التدبير والتمييز.
... والعقل الثاني: ((عقل التأييد الذي يكون مع الإيمان معاً. وهو عقل الأنبياء والصديقين وذلك تفضل من الله تعالى. والعقل الثالث: هو عقل التجارب والعبر وذلك ما يأخذه الناس بعضهم من بعض)) (3)
.
... قلت: والشاهد من قوله: العقل الأول.
__________
(1) العدة في أصول الفقه (1/83-86)

... وانظر: الأحياء 1/117 وكشاف الاصطلاحات 4/1027 والحدود للباجي 31 والتعريفات 157 والمسودة 556 وغيرها وكلها لا تخرج عما ذكرت.
(2) شرح النووي على مسلم (2/68) .
(3) الحجة في بيان المحجة (1/320) .
_____________________________________________
.. وقال ابن الجوزي ((إن أعظم النعم على الإنسان العقل. لأنه الآلة في معرفة الإله سبحانه والسبب الذي يتوصل به إلى تصديق الرسل)) (1) .
... وقال النسفي ((هو قوة للنفس بها تستعد للعلوم والادراكات)) (2) .
... وقال شيخ الإسلام ((العقل في لغة العرب يتناول العلم والعمل بالعلم جميعاً ومن أهل الكلام من يجعله اسماً لنوع من العلم فقط فيقول هو نوع من العلوم الضرورية ومن الناس من يريد به العمل بالعلم كما ذكره أبو البركات. وقد يراد بالعقل القوة التي في الإنسان وهي الغريزة التي بها يحصل له ذلك العلم والعمل به ولهذا كان في كلام السلف كأحمد والحارث المحاسبي وغيرهما اسم العقل يتناول هذه الغريزة)) (3) .
... وقال في موضع آخر ((العقل في لغة المسلمين مصدر عقل يعقل عقلاً وهو أيضاً غريزة في الإنسان فمسماه من باب الأعراض)) (4) . وقال ((العقل قد يراد به القوة الغريزية في الإنسان التي بها يفعل وقد يراد به نفس أن يعقل ويعي ويعلم فالأول قول الإمام أحمد وغيره من السلف: العقل غريزة والحكمة فطنة. والثاني قول طوائف من أصحابنا وغيرهم: العقل ضرب من العلوم الضرورية. وكلاهما صحيح فإن العقل في القلب مثل البصر في العين يراد به الإدراك تارة ويراد به القوة التي جعلها الله في العين يحصل بها الإدراك. فإن كل واحد من علم العبد وإدراكه، ومن علمه وحركته حول. ولكل منهما قوة ولا قوة إلا بالله)) (5) .

__________
(1) تلبيس إبليس (3) .
(2) نقلاً عن: العقل في مجرى التاريخ (30) .
(3) الصفدية (2/257) .
(4) الرد على المنطقيين (196) .
(5) الاستقامة (2/161) .
__________________________________________________ __
.. قلت: هذه بعض تعريفات العقل عند علماء المسلمين تُفيد في مجملها بأن العقل غريزة قد وهبها الله سبحانه وتعالى لمخلوقه (الإنسان) ليتميز بها عن غيره من المخلوقات في إدراك عالمه الذي يحيط به أو إن شئت فقل ((هو ملكة في النفس تستعد بها للعلوم والإدراكات)) (1) مستعيناً بمجموعة من الحواس التي تشكل نافذة له على هذا العالم الرحيب ومعتمداً في أعماله على عدة ملكات وهبها الله للإنسان ليستقيم بها عمل العقل، حصرها بعض العلماء في خمس ملكات هي:
ملكة الإرادة.
ملكة الإدراك.
ملكة الاستنتاج.
ملكة الحافظة.
ملكة الذاكرة (2) .

محل العقل:
أما محل العقل فقد قال القاضي أبو يعلى ((محل العقل القلب ذكره أبو الحسن التميمي في كتاب العقل فقال: الذي نقول به أن العقل في القلب يعلو نوره إلى الدماغ فيفيض منه إلى الحواس ما جرى في العقل. ومن الناس من قال هو في الدماغ. وقد نص أحمد رحمه الله على مثل هذا القول فيما ذكره أبو حفص ابن شاهين في الجزء الثاني من أخبار أحمد بإسناده عن فضيل بن زياد وقد سأله رجل عن العقل أين منتهاه من البدن؟ فقال: سمعت أحمد بن حنبل يقول: العقل في الرأس أما سمعت إلى قولهم: وافر الدماغ والعقل واحتج هذا القائل بأن الرأس إذا ضرب زال العقل. ولأن الناس يقولون: فلان خفيف الرأس وخفيف الدماغ ويريدون به العقل.
وهذا غير صحيح لقوله تعالى: (إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب) وأراد به العقل فدل على أن القلب محله. لأن العرب تسمي الشيء باسم الشيء إذا كان مجاوراً له أو كان بسبب منه.

__________
(1) العقل في مجرى التاريخ (10) .
(2) العقل والنفس والروح - الوائلي (115) .










رد مع اقتباس
قديم 2012-09-25, 15:19   رقم المشاركة : 4
معلومات العضو
فقير إلى الله
عضو محترف
 
الصورة الرمزية فقير إلى الله
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

واحتج أبو الحسن التميمي بقوله تعالى: (أفلم يسيروا في الأرض فتكون لهم قلوب يعقلون بها) وقال تعالى: (لهم قلوب لا يفقهون بها) واحتج أيضاً بما روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في حديث المدائني أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((والكبد رحمة والقلب ملك والقلب مسكن العقل)) .
وروي أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان إذا دخل عليه ابن عباس قال: (جاءكم الفتى الكهول له لسان قؤول وقلب عقول) فنسب العقل إلى القلب. وروى عياض بن خليفة عن علي رضي الله عنه أنه سمعه يوم صفين يقول: (إن العقل في القلب والرحمة في الكبد والرأفة في الطحال وإن النفس في الرئة) . وعن أبي هريرة وكعب أنهما قالا (العقل في القلب) وأيضاً فإن العقل ضرب من العلوم الضرورية ومحل العلم القلب. وما ذكروه من زوال العقل بضرب الرأس فلا يدل على أنه محله كما أن عصر الخصية يزيل العقل والحياة. ولا يدل على أنها محله. وقول الناس: إنه خفيف الرأس وخفيف الدماغ فهو أن يبس الدماغ يؤثر في العقل وإن كان في غير محله كما يؤثر في البصر وإن كان في غير محله)) (1) .

__________
(1) العدة (1/89-94) .










رد مع اقتباس
قديم 2012-09-25, 15:29   رقم المشاركة : 5
معلومات العضو
فقير إلى الله
عضو محترف
 
الصورة الرمزية فقير إلى الله
 

 

 
إحصائية العضو










B12 تابع

وقال النووي في شرحه لحديث ((ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب)) قال ((واحتج بهذا الحديث على أن العقل في القلب لا في الرأس وفيه خلاف مشهور مذهب أصحابنا وجماهير المتكلمين أنه في القلب وقال أبو حنيفة هو في الدماغ وقد يقال في الرأس وحكوا الأول أيضاً عن الفلاسفة والثاني عن الأطباء. قال المازري واحتج القائلون بأنه في القلب بقوله تعالى: (أفلم يسيروا في الأرض فتكون لهم قلوب يعقلون بها) وقوله تعالى: (إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب) وبهذا الحديث فإنه - صلى الله عليه وسلم - جعل صلاح الجسد وفساده تابعاً للقلب مع أن الدماغ من جملة الجسد فيكون صلاحه وفساده تابعاً للقلب فعلم أنه ليس محلاً للعقل. واحتج القائلون بأنه في الدماغ بأنه إذا فسد الدماغ فسد العقل ويكون من فساد الدماغ الصرع في زعمهم. ولا حجة لهم في ذلك لأن الله سبحانه وتعالى أجرى العادة بفساد العقل عند فساد الدماغ مع أن العقل ليس فيه ولا امتناع من ذلك. قال المازري لا سيما على أصولهم في الاشتراك الذي يذكرونه بين الدماغ والقلب وهم يجعلون بين رأس المعدة والدماغ اشتراكاً والله أعلم)) (1) .
__________
(1) شرح مسلم (11/29) .
-
---------------------------------------------------------

وقال شيخ الإسلام ((العقل قائم بنفس الإنسان التي تعقل. وأما من البدن فهو متعلق بقلبه كما قال تعالى: (أفلم يسيروا في الأرض فتكون لهم قلوب يعقلون بها) وقيل لابن عباس بماذا نلت العلم؟ قال: بلسان سؤول وقلب عقول. لكن لفظ القلب قد يراد به المضغة الصنوبرية الشكل التي في الجانب الأيسر من البدن التي جوفها علقة سوداء كما في الصحيحين عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ((إن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح لها سائر الجسد وإذا فسدت فسد لها سائر الجسد)) وقد يراد بالقلب باطن الإنسان مطلقاً فإن قلب الشيء باطنه كقلب الحنطة واللوزة والجوزة ونحو ذلك. وعلى هذا فإذا أريد بالقلب هذا فالعقل متعلق بدماغه أيضاً. ولهذا قيل إن العقل في الدماغ كما يقوله كثير من الأطباء. ونقل ذلك عن الإمام أحمد. ويقول طائفة من أصحابه إن أصل العقل في القلب فإذا كمل انتهى إلى الدماغ. والتحقيق أن الروح التي هي النفس لها تعلق بهذا وهذا وما يتصف من العقل به يتعلق بهذا وهذا لكن مبدأ الفكر والنظر في الدماغ ومبدأ الإرادة في القلب والعقل يراد به العلم ويراد به العمل فالعلم الاختياري أصله الإرادة وأصل الإرادة في القلب والمريد لا يكون مريداً إلا بعد تصور المراد. فلابد أن يكون القلب متصوراً فيكون منه هذا وهذا ويبتدئ ذلك من الدماغ وآثاره صاعدة إلى الدماغ فمنه المبتدأ وإليه الانتهاء وكلا القولين له وجه صحيح)) (1) .
__________
(1) الفتاوى (9/303) .
________________________________
قلت: علق الشيخ ابن عثيمين حفظه الله على قول شيخ الإسلام (قد يراد بالقلب باطن الإنسان مطلقاً…) فقال ((يعني به أنه إذا أريد بالقلب باطن الإنسان صار العقل متعلقاً بالقلب وبالدماغ لأن قوة التصور والإدراك في الدماغ وهي قوة باطنية ولكن هذا لا يعني أنه بالقلب باطن الإنسان في كل موطن حتى يقال إن العقل مشترك في تعلقه بين القلب الذي في الصدر والدماغ ولذلك لا يصح أن يراد بالقلب الدماغ في قوله تعالى: (ولكن تعمى القلوب التي في الصدور) وفي قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب)) (1) وكان قد أجاب حفظه الله قبل هذا الكلام على سؤال (أين محل العقل؟) فقال: ((الجواب عليه: أن الناس قد اختلفوا قديماً وحديثاً أين محل العقل؟ فقال بعضهم محله القلب.
وقال بعضهم محله الدماغ ونقل عن الإمام أحمد.
وقال آخرون محله القلب وله اتصال بالدماغ، فالقلب كالمولد للطاقة، والدماغ كالشمعة يضئ ويكشف الحقائق ولو احترقت لم نستفد من المولد شيئاً. وهذا القول جامع بين الدليل الشرعي والدليل الحسي.
فإن الدليل الشرعي -الكتاب والسنة- دل على أن محل العقل والتحكم في تصرفات الإنسان هو القلب، قال الله تعالى: (أفلم يسيروا في الأرض فتكون لهم قلوب يعقلون بها أو آذان يسمعون بها فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور) فتأمل قوله سبحانه قلوب يعقلون بها، حيث جعل القلوب آلة العقل ثم أكد أن المراد به القلب الحقيقي الموجود في الصدور بقوله: (ولكن تعمى القلوب التي في الصدور) فدل هذا على أن القلب هو الذي يبصر المعاني ويميز بينها ويعقلها.
وقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب)) فجعل مدار تصرف الجسد كله على القلب.
__________
(1) الجواب المختار (71) .
____________________________________

وكم من آية وحديث يدل على مجازاة العبد على ما في قلبه، كقوله تعالى: (أفلا يعلم إذا بعثر ما في القبور وحصل ما في الصدور) .
وأما الدليل الحسي فقد قام الدليل على أن للدماغ تأثيراً كبيراً في إحساس الإنسان وتصوراته وأنه إذا اختل الدماغ اختل التصور والإحساس.
وأما قول من زعم أن العلم الحديث دل على أن المخ هو الذي يتحكم في تصرف الإنسان فيقال فيه: إن العقل قوة معنوية لا يمكن أن يدرك بواسطة الحس، فمن الجائز من حيث التصور أن يكون الله أودعه -أعني العقل- في أي جزء أو عضو من البدن، ونحن لا نشعر إلا عن طريق الوحي. والوحي قد دل على أن محله القلب فوجب اتباعه في ذلك.
ويقال فيه أيضاً: العلم الحديث علم مخلوق بُني على استنتاجات قد تخطئ وقد تصيب، وعلم الوحي عِلمُ خالق يعلم ما خلق، وأين يقع علم المخلوق من علم الخالق؟ قال الله تعالى: (ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير) وتأمل قوله تعالى: (وهو اللطيف الخبير) حيث يدل على الخبرة وهي العلم ببواطن الأمور وعلى اللطافة وهي العلم بدقائق الأمور فالدقيق الخفي والباطن المستور كله مما يخفى على المخلوق، قال الله تعالى: (يعلمون ظاهراً من الحياة الدنيا) وقال تعالى: (ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي وما أوتيتم من العلم إلا قليلاً) .
ولنضرب مثلاً - ولله المثل الأعلى- بصانع صمم جهازاً وصار يتحدث عن تركيبه ووظائف جزئياته، فهل يكون أعلم أم المهندس الذي لم يفهم من هذا الجهاز وجزئياته إلا ما يدركه بعد اختبار الجهاز والتخرص في وظائف جزئياته؟ إن من المعلوم أن صانعه الذي صممه أدرى الناس به وأعلمهم بوظائف جزئياته.
وأما احتجاج من زعم أن العقل في المخ بأن المخ إذا اختل فقد عقله، وإن كان قلبه سليماً وأن القلب قد يمرض ويبقى عقله سليماً.
فيقال في الرد عليه: لا شك أن للمخ تأثيراً على تصور الإنسان ووعيه، لقوة الصلة بينه وبين القلب كما مثله بعضهم بالشمعة والقلب بالمولد، لكن لا يلزم من ذلك أن يكون المخ هو محل العقل والتصرف في البدن والتحكم فيه.
وأما كون القلب يمرض ويبقى العقل سليماً فالعقل قوة معنوية وليس قوة حسية، حتى يؤثر فيه المرض الحسي، فالقوة المعنوية تبقى سليمة وإن مرض محلها مرضاً حسياً.
على أنه يمكن أن يقال إن المخ هو جهاز التصور والإدراك، فهو يتصور الأشياء ويدركها ثم يبعث بها إلى القلب والقلب يتصرف ويتحكم، كما نقول في حاسة السمع والبصر تدرك المسموع والمرئي وتبعث بها إلى القلب فيحكم ويتصرف وهذا جمع آخر بين الوحي وما يقال من العلم الحديث، ويؤيده أن الله تعالى نفى العقل عن الكفار مع أن لهم تصوراً وإدراكاً لكن لفساد تصرفهم صاروا كمفقودي العقل.
فعلى هذا يكون محل تصور المعاني والمعقولات الدماغ، أما الذي يحكم البدن ويتصرف فيه فهو القلب، ومعلوم أنه إذا اختل محل التصور لم يمكن العقل لأن محل التصور هو الجسر الذي يعبر منه إلى القلب فإذا اختل لم يصل إلى القلب شيء فيختل العقل.)) إلى أن قال ((وأما قولك ولأجل أن لا يتعارض العلم مع القرآن (1) ألا يجوز أن نقول إن موضع التفكير هو المخ وإن القلب عضو كاليد والرجل وإنما نسب الله التفكير إلى القلب من باب مخاطبة الناس في ذلك بما يفهمون فجوابه: لا يجوز أن نقول ذلك فيما نرى لأن القرآن صريح في أن محل العقل القلب أو كالصريح في ذلك والسنة بينت ذلك أيضاً وما كان هكذا فلا يمكن تأويله لكن سبق أن ذكرنا أنه يمكن أن يكون أصل التفكير والتصور والإدراك في المخ ثم يبعث به إلى القلب والقلب يعقله ويدبر كما قلنا في حاستي السمع والبصر تدركان المسموع والمرئي ثم تبعثان به إلى القلب ليحكم بحسنه أو قبحه ثم يتصرف على ضوء ذلك)) إلى أن قال ((الذي ترجح عندي الآن أن التصور والإدراك للمعاني محله الدماغ ثم يبعث بذلك إلى القلب والقلب يأمر ويدبر فيبعث بأوامره إلى الدماغ والدماغ يحرك الأعضاء)) (2) .
قلت: هذا ما كان يقوله شيوخ الإسلام الذين اتبعوا نصوص الكتاب والسنة وعظموها، وقدموها على غيرها من المعقولات التي يظن الجهلة أنها تخالفها، ثم جاء العلم الحديث شاهداً لما قالوه مؤيداً لما رجحوه، فلله الحمد والمنة.
فقد اكتشف العلماء حديثاً أن قلب الإنسان يحتوي على عقلٍ آخر! مصداقاً لما أخبر الله به في قوله: (أفلم يسيروا في الأرض فتكون لهم قلوبٌ يعقلون بها) فأثبت سبحانه أن القلب يعقل.
__________
(1) سيأتي قريباً -إن شاء الله- أن العلم لم يعارض القرآن في هذا، فلله الحمد.
(2) الجواب المختار (66-71) .
______________________________________
فقد جاء في مجلة اليمامة (العدد 1607) تحقيق طبي عن آخر اكتشافات العلم الحديث حول وجود عقل في القلب اقتطف منه ما يلي لعله يكون عبرة لنا، فلا نبادر بمعارضة نصوص الكتاب والسنة بالمعقولات الساذجة فنكون ممن قال تعالى فيهم (بل كذبوا بما لم يُحيطوا بعلمه ولمَّا يأتهم تأويله) .
يقول الدكتور فهد العريفي: " سبحان الله القائل في محكم التنزيل: (إنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور) وصدق رسوله الكريم القائل ((ألا إن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد ألا وهي القلب)) .
كان للقرآن الكريم السبق في التدليل على أهمية هذه العضلة في تحديد شخصية الإنسان، بدءاً من دينه وانتهاءً بمعاملاته.
وقد ساد عند كثير من العلماء فهماً مفاده أن القلب عبارة عن مضخة ميكانيكية للدم وأن مصدر العاطفة والمشاعر هو العقل ولمراد به المخ وليس القلب. فكل الأفكار والتصرفات والسلوك مصدرها المخ وأوّل بعض المفسرين دلالة القلب الواردة في الآيات القرآنية والأحاديث النبوية على أن المراد هو العقل.
وأخيراً جاء العلم الحديث ليؤكد على أن القلب هو العقل الثاني المتحكم في المشاعر والسلوك".
قال الدكتور: "منذ قرون خالت، وعندما لم يكن متاحاً عن علم الأعصاب سوى النزر اليسير، فتن الغموض الذي أحاط بالقلب والعقل وكيفية عملهما الداخلي ولكن خلال العامين والنصف الماضيين ازدادت المعرفة حول علم الأعصاب، مما أدى إلى اكتشاف المزيد من التفسيرات عن الحافز للإنسان، إخلاصه وولائه، الثقة، الالتزام، التغير السلوكي، أكثر من أي وقت مضى في تاريخ البشرية ولتوضيح هذه الاكتشافات دعونا نأخذ مثالاً بسيطاً:
كلما كان لدينا خبرة مباشرة كمقابلة شخص لأول مرة مثلاً أو مواجهة تحد، أو مشكلة أو عندما تلوح لنا فرصة فهي تأتينا من خلال حواسنا الخمس وتنتقل عبر الجهاز العصبي حسب النموذج القديم الشبيه بدائرة كهربائية مباشرة إلى المخ فنفكر فيها ثم نستجيب بسلوك معين. وقد ثبت أن هذا الافتراض خاطئ بمعنى أننا نفكر في النهاية وليس في البداية.
وفيما يلي بعض الآراء التي ثبتت الآن صحتها، فعندما نقابل شخصاً لأول مرة أو نواجه تحدياً أو مشكلة أو عندما تلوح لنا فرصة، فإن الموقف سواءً تجربة أو خبرة لا تذهب مباشرة إلى المخ لكي نفكر فيها بل بدلاً عن ذلك تأتي الخبرة عن كل حواسنا بما فيها مجموعة من الحواس المادية وتذهب في البدء إلى الشبكة العصبية في القلب وليس المخ.
وهو ما يسمى حديثاً عند علماء الفسيلوجيا العصبية بالمخ الآخر.
تشير بعض البحوث الرائدة التي أجراها بعض العلماء إلى أنه يوجد (مخ آخر) داخل الأمعاء والقلب يعرف بالجهاز العصبي الداخلي وهو مستقل عن المخ بيد أنه يتصل به في الجمجمة وذلك حسب رأي (مايكل فيرشون) رئيس قسم التشريح وعلم الأحياء الخلوية بكولمبيا.
إن المكان الذي تذهب إليه كل تجربة أو خبرة هو القلب لا المخ. في التسعينات اكتشف علماء (علم القلب العصبي) الحقل الجديد الآخذ في الظهور، اكتشفوا عقلاً في القلب يتكون من 400.000 خلية عصبية من مختلف الأنواع إضافة إلى شبكة معقدة من المرسلات العصبية، البروتينات، الخلايا المساعدة وتؤدي عملاً مستقلاً عن الدماغ أو العقل.
وهذا (المخ القلبي) كبير ومتسع تماماً كما اتساع المناطق الرئيسية في المخ (الدماغ المفكر) ومعقد بالقدر الذي يجعله كالمخ تماماً.
وشبكة الاستقبال في القلب هي جهاز عصبي مستقل ولها طريق ذو اتجاهين يوصلها بالمخ.
وهناك اكتشاف مدهش آخر هو أن دقات القلب ليست نبضات ميكانيكية لمضخة، بل لديها لغة ذكية تؤثر عن كيفية فهمنا وتفاعلنا مع العالم الخارجي.
إن الدراسات الحديثة في علم الأعصاب توضح أن كل خفقة للقلب تحدث هناك.
فمع كل خفقة للقلب يتدفق شلال عصبي يطلق خلايا عصبية من القلب لترسل فوراً إلى المخ عبر العصب الشوكي. إن الإشارات العصبية الخارجة من القلب ذات تأثير وأثر على ضبط العديد من إشارات الجهاز العصبي، الأوعية الدموية، العضلات، الغدد والأعضاء المحيطة بالقلب كما أن الرسائل العصبية من القلب تؤثر أيضاً على قشرة المخ الجزء المختص بعمليات التفكير والاستنتاج كما تؤثر إشارات القلب العصبية على مواقع الإدراك والأفعال ومناطق العاطفة.
يتصل القلب بالمخ بطريقة أخرى، من خلال رسول كيمائي في النظام الهرموني للجسد وهذا ما يرمز له بهرمون التوازن "ANF" ولهرمون التوازن تأثير مهم على الجسد، والأوعية الدموية، ومناطق ضبط وتحكم متعددة في المخ. ويعتبر هذا الهرمون من خلال الدراسات الحديثة بأنه الباعث الأساسي للسلوك التحريضي، كالإخلاص والولاء والقبول.
مع كل نبضة قلب هنالك شكل آخر من أشكال الاتصال الفوري مع كل الجسم، وهي عبارة عن موجة تنتقل عبر الشرايين بسرعة تفوق بمرات كثيرة سرعة تدفق الدم. يخلق نوعاً من لغة الاتصال بين القلب والمخ لأن عينات موجة الضغط الدموي عينات قلبية إيقاعية معقدة وبهذه الطريقة تؤثر على مجمل الجسم وكذلك المخ.
ظهرت دراسات حديثة تبين أن الحقل الكهرومغناطيسي للقلب يعد تقريباً الأقوى بين الحقول الكهرومغناطيسية التي ينتجها الجسم وفي الواقع إنه يفوق الحقل الكهرومغناطيسي للمخ بخمسة آلاف (5000) مرة وطبقاً لأبحاث نُشرت في مجلة (طب القلب) الأمريكية فإن التغيرات الكهربائية في الإحساس التي يرسلها القلب البشري يمكن أن تُحس وتقاس على بعد 5 أقدام على الأقل.
والحقل الكهرومغناطيسي للقلب ليس محصوراً على الجسم في التأثير ولكن أيضاً لديه إشعاع خارجي، وفي الأبحاث الحديثة يمكن قياس هذا الإشعاع من على بعد 2 إلى 3 أمتار بواسطة جهاز كشف حساس يسمى الماغنيتوميتر.
وهذا أيضاً ما أكدته دراسات أجراها مجموعة من العلماء في جامعة أريزونا في الولايات المتحدة والتي قدمت دلائل على اتصال طاقة بين الحقلين الكهرومغناطيسيين للقلب والمخ.
لذلك ليس غريباً أننا نستند في صدق علاقاتنا على شعورنا الفطري نحو الآخرين أكثر من اعتمادنا على الأفكار التي يتلفظون بها أو الكلمات التي يعتقدونها. وهذا ما يجعلنا نشعر أن شخصاً ما يبطن مشاعر الحب أو الكراهية وهذا ما يطلق عليه العامة عدم صفاء القلب تجاه الآخر.
لكي نستمر في المثال حول نموذج ما يحدث خلال كل تجربة أو خبرة في العمل إنه تنقل من خلال نبضات عصبية هي ما تسمى المديولا-me dulla تقع في قاعدة المخ ومن هذه المنطقة فصاعداً إلى أعلى منطقة في المخ تحدث مراحل التفكير الرئيسية:
جهاز تنشيط شبكي: توجد في قاعدة المخ نقطة توصيل تسمى بجهاز التنشيط الشبكي "ARS" متصل بالأعصاب الرئيسية من الحبل الشوكي والمخ، وتقوم بالبحث والفحص لحوالي 100 مليون نبضة تهاجم المخ في كل ثانية، فلا تسمح سوى للنبضات الهامة بالدخول لتنبه المخ فعلى سبيل المثال (جميع أجزاء الجسم تتلامس مع أشياء كالثوب والساعة والأشياء من حولنا جميعها ترسل إلى تلك المنطقة التي نقوم بتضبطها لعدم الأهمية مقارنة بمنظر أو مشهد أو صوت لشخص مهم) وهذا الجزء من الخ يقع بين منطقة رأس الحبل الشوكي وقاعدة ساق المخ وقد نمّى مع مرور الزمن نزعة موروثة على تضخيم الرسائل الورادة السالبة (كتصرف أو موقف أو كلمة من شخص) وتقليل الرسائل الإيجابية.
فعندما يصيح شخص صيحة تحذيرية تقفز إلى أعلى، بغض النظر عن المتعة التي نكون منغمسين فيها، والتي نتركها لنهرب أو نستجيب لذلك الصوت، وفي عالم العمل اليومي يميل رد العقل المتأصل هذا إلى تعقيد الأمور، فكلمات نقد قليلة توجه إلينا، تُضخم وترسل من جهاز التنشيط الشبكي إلى مراكز المخ العليا الرئيسة كفيل بجعلنا نقف منزعجين وننبري للدفاع عن أنفسا.
لماذا في نهاية يوم عمل روتيني سارت فيه جميع الأمور بصورة طيبة عدا أمر واحد لم يكن كذلك نظل منشغلين بذلك الأمر؟
هذه غريزة جهاز التنشيط الشبكي.
بعد جهاز التنشيط الشبكي تكون المحطة التالية للأفكار وهي المنطقة الوسطى وتسمى "Limbic system" في المخ وهي منطقة المشاعر والإدراك وردود الفعل وكذلك تفسير العواطف في المخ.
وهو يعمل 80.000 مرة أسرع من قشرة المخ حيث مكمن وموضع التفكير في المخ.
وفي النهاية يصل الشلال العصبي (الأفكار) لانطباعاتنا عن التجربة التي مررنا بها أو الخبرة التي حصلنا علينا إلى منطقة التفكير في المخ والتي تسمى قشرة المخ.
أي أن كل تجربة أو خبرة قد أحسسناها قد فسرها القلب ومناطق أخرى كالأمعاء وأسفل منطقة المخ قبل أن تصل إلى قشرة المخ التي تحصل على التحليل النهائي.
بمعنى آخر إننا نفكر في النهاية وليس في البداية.
لذلك نحن نثق في الآخرين بالعاطفة أو العواطف ونبدع ونحلق بالعواطف! ومحاولة الاعتماد على القشرة المخية لوحدها قد يعود إلى شلل في القدرة على التحليل.
هذه هي المحطات التي تقطعها الأفكار والتجارب قبل أن تصل إلى قشرة المخ التي يتم فيها التحليل النهائي. وهذا القلب الذي منه وعبره تنطلق هذه التجارب والمشاعر.
في ختام هذه الرحلة عبر أعضاء الإنسان يتبين عظمة الخالق وعظمة الإبداع (وفي أنفسكم أفلا تبصرون) وصدق العامة عند رفضهم لقبول شخص بأنه لم يدخل القلب، فهذه المشاعر مصدرها القلب.










رد مع اقتباس
قديم 2012-09-25, 15:47   رقم المشاركة : 6
معلومات العضو
فقير إلى الله
عضو محترف
 
الصورة الرمزية فقير إلى الله
 

 

 
إحصائية العضو










B11 العقل عند الفلاسفة (1) :

العقل عند الفلاسفة (1) :
فأما الفلاسفة فقد كثر اضطرابهم في ذلك كحالهم في كل قضية يناقشونها فالعقل عندهم يطلق على عدة معاني منها:
العقل جوهر بسيط مدرك للأشياء بحقائقها (2) .
وهذا الجوهر ليس مركباً من قوة قابلة للفساد، وإنما هو مجرد عن المادة في ذاته مقارن لها في فعله.
العقل قوة النفس التي بها يحصل تصور المعاني، وتأليف القضايا، فهو قوة تجديد تنتزع الصور من المادة، وتدرك المعاني الكلية ولهذه القوة عندهم مراتب:
مرتبة العقل الهيولاني وهو الاستعداد المحض لإدراك المعقولات، ونسب إلى الهيولي لأن النفس في هذه المرتبة تشبه الهيولي الأولى الخالية في حد ذاتها من الصور كلها والعقل الهيولاني مرادف للعقل بالقوة، وهو العقل الذي يشبه الصفحة البيضاء التي لم ينقش عليها شيء بالفعل.
مرتبة العقل بالملكة، وهو العلم بالضروريات واستعداد النفس بذلك لاكتساب النظريات.
مرتبة العقل بالفعل: وهو أن تصير النظريات مخزونة عند القوة العاقلة بتكرار الاكتساب بحيث يحصل لها ملكة الاستحضار متى شاءت من غير تجشم كسب جديد لكنها لا تشاهدها بالفعل.
مرتبة العقل المستفاد: وهو أن تكون النظريات حاضرة عند العقل لا تغيب عنه (3) .

__________
(1) استفدت كثيراً مما جاء في هذا المبحث من مقدمة الدكتور: موسى الدويش لكتاب شيخ الإسلام (بغية المرتاد) مع ما تيسر من إضافات.
(2) رسالة في حدود الأشياء للكندي، تحقيق يوحنا مخيمر ص 33 دار المشرق بيروت.
(3) انظر المعجم الفلسفي د- جميل صليبا 2/86.
____________________________________
وعند هذا العقل الأخير يتم النوع الإنساني، وكل عقل من هذه العقول قد يكون عقلاً بالقوة بالنسبة إلى ما فوقه، وعقلاً بالفعل بالنسبة إلى ما تحته، ولا يتم له الانتقال من القوة إلى الفعل إلا بواسطة عقل مفارق هو دائماً بالفعل، وهو العقل الفعال (1) ، ومنزلته فوق العقل الإنساني تفيض عنه الصور على عالم الكون والفساد فتكون موجودة فيه من حيث هي فاعلة، أما في عالم الكون والفساد فهي لا توجد إلا من جهة الانفعال،، وإذا أصبح العقل الإنساني شديد الاتصال بالعقل الفعال كأنه يعرف كل شيء من نفسه سمي بالعقل القدسي.
وهذا كله مأخوذ من قول أرسطو (2) (إن العقل الفاعل هو العقل الذي يجرد المعاني أو الصور الكلية من لواحقها الحسية الجزئية على حين أن العقل المنفعل هو الذي تنطبع فيه هذه الصور) .
وقد اختلف شراح أرسطو في هذا العقل الفاعل، أو الفعال المفارق للمادة.
فذهب الاسكندر الأفروديسي إلى أن هذا العقل الفعال هو الله، لأن الله عقل محض مفارق للمادة عند أرسطو، وكذلك هذا العقل، وهو التأويل الذي اختارته المدرسة الأوغسطينية عامة في العصور الوسطى.
وذهب متفلسفة الإسلام إلى أن هذا العقل هو أحد العقول أو الجواهر المفارقة التي تحرك الأجرام السماوية وبناء عليه أسندوا إليه ثلاث وظائف كبرى: تحريك عالم ما تحت القمر، إفاضة الصور العقلية على النفس، فإفاضة الصور الجوهرية على الموجودات مطلقين عليه من جراء ذلك اسم ((واهب الصور)) .
وذهب فريق ثالث، وعلى رأسهم ثامسطيوس (317-388م) والقديس توما الاكويني (1225-1274م) إلى أنه قوة من قوى النفس (3) .
__________
(1) تاريخ الفلسفة العربية: د- جميل صليبا 255.
(2) المعجم الفلسفي د- جميل صليبا ص 86، شروح على أرسطو ص 31 وما بعدها تحقيق د- عبد الرحمن بدوي.
(3) أرسطو المعلم الأول، لماجد فخري 73-74 ط الثانية 1977م الأهلية للنشر والتوزيع بيروت.

___________________________
وذهب يوسف كرم إلى أن عبارة العقل الفعال من كلام الشراح وابتداعهم بسبب غموض كلام أرسطو في هذا المجال (1) . ومهما يكن فالخلاف حاصل بينهم لا محالة لأنهم يمشون على غير هدى من الله.
وينتهي أرسطو إلى القول بأن هناك علة أولى أو المبدأ الأول ويصفه بأنه عقل محض وعاقل ومعقول. وقد عجز في نهاية الأمر عن بيان كيفية الاتصال بين العالم الحسي والعقل الإلهي الذي تصوره، وهذا شأن الفلاسفة كلهم فهم يبنون أفكارهم على خيالات ذهنية لأنهم اعتمدوا على عقولهم وتركوا دعوة الرسل جانباً.
ولهذا نرى من جاء بعد أرسطو من الاسكندرانيين وعلى رأسهم أفلوطين وجدوا هذا التناقض العظيم بين الفلاسفة فكل منهم يخطئ الآخر، فحاولوا إصلاح تلك الفلسفة الفاسدة، وانتهى أمرهم إلى الإخفاق مثل غيرهم، وكان من ضمن محاولات أفلوطين للجمع بين رأي أفلاطون وأرسطو، القول بنظرية الفيض، وهي النظرية التي تبناها الفارابي فيما بعد ثم ابن سينا، حتى شاعت بين فلاسفة التصوف أمثال ابن عربي وابن سبعين.
ونظرية الفيض: عبارة عن تصوير صدور الموجودات عن الله أو صدور الكثرة عن الواحد.
ويرى هؤلاء (2) . أن إحداث الأشياء ما هو إلا انتشار ما في العلة الأولى من القدرة على التعقل والتأثير مع بقاء ذاتها على ما كانت عليه من السكون والكمال المتعالي عن كل نوع من التغيير والحركة، فإذا قيل: وما الباعث الذي حمل تلك العلة على إحداث العالم؟
الجواب: أنها لم تكن محتاجة إلى العالم، بل كان ذلك لما فيها من الجود وإفراط القدرة.
ثم قال أفلوطين (3) : لو لم يكن للعالم وجود، لما وجد في ذات المبدأ فرق.
__________
(1) تاريخ الفلسفة اليونانية، يوسف كرم ص 213.
(2) انظر كتاب الوجد الإلهي بين انتصار العقل وتهافت المادة - ص 163 لسانتلانا.
(3) المصدر نفسه 164.

_________________________________
فهو إذاً غير محتاج إلى العالم، مع شدة احتياج العالم إليه، غير أنه لا يتصور في القدرة إذا بلغت أشدها وأدركت من الكمال غايته أن تبقى في نفسها منحازة معطلة، بل لا تأثير لها ولا فعل، وهذا حال العلة الأولى فإنها لما لها من الكمال لا تبقى معطلة بل لابد أن تفيض قوتها فيضان الماء من العين الغزيرة وانتشار النور من الشمس.
فالوجود عند أفلوطين وشيعته ينحصر في أصل واحد هو: العقل الفائض من العلة الأولى، وما يفيض من العقل من مراتب الموجودات، فالكل أنوار عقلية أي: قوى إلهية انعكست ببعضها عن بعض يتناقص نورها شيئاً فشيئاً بقدر ما تباعدت عن المنبع الأولى إلى أن ينتهي هبوطها إلى رتبة يكاد أن ينعدم فيها النور بالكلية وهي المادة، وتلك عبارة عن الظلام وهو العدم، أي سلب التعيين وفقدان الوجود، فما العالم إلا إبراز ما كان مكنوناً من القوى في العلة الأولى، لا زال معلقاً بها كالظل بالشخص، وكالنور بالشمس، والإله محيط به من جميع أكنافه، حال في جميع أجزائه كما يقع نور الشمس على الأرض.
ويقول أفلوطين أيضاً: ينبغي أن نعلم أن الأشياء الطبيعية متعلق بعضها ببعض، فإذا فسد بعضها صار إلى صاحبه علو إلى أن يأتي الأجرام السماوية، ثم النفس، ثم العقل، فالأشياء كلها ثابتة في العقل، والعقل ثابت بالعلة الأولى، والعلة الأولى بدء لجميع الأشياء ومنتهاها (1) .
تلك هي نظرة هؤلاء الفلاسفة إلى الله سبحانه وتعالى، وهي نظرة تخالف عقيدة التوحيد وتناقضها ولا تلتقي معها أبداً، فهم قد جردوا الإله عن أسمائه الحسنى وصفاته العلى وخاصة صفة الخلق وجعلوا وجوده مجرد وجود في الذهن فقط.
__________
(1) الوجود الإلهي، سانتلانا 121-122.
_________________________________________
وقد أخذ متفلسفة الإسلام تلك الآراء الفلسفية وهذبوها وشرحوها وحاولوا مزجها بالشريعة الإسلامية، ومن ذلك نظرية الفيض أو الصدور التي قال بها أفلوطين وشيعته من الاسكندرانيين، وأخذها عنهم هؤلاء المتفلسفة ممن حاول الجمع بين الشريعة والفلسفة وجعلوا الفيض أو الصدور الذي عناه هؤلاء الفلاسفة هو معنى صفة الخلق لله التي نزل بها القرآن، ومن هؤلاء الفارابي، وابن سينا.
يرى ابن سينا أن الإله عقل محض، يعقل ذاته، ففعله الأول أنه يعقل نظام الخير في الوجود وكيف ينبغي أن يكون، لا عقلاً خارجاً من القوة إلى الفعل، ولا عقلاً متنقلاً من معقول إلى معقول بل عقلاً واحداً معاً، ولما كان التعقل علة للوجود كان من الضروري أن يصدر عن تعقل الإله لذاته معلول أول هو أيضاً عقل، وهذا العقل الأول واجب بالإله ممكن بذاته وهو أيضاً يعقل الإله ويعقل ذاته، فإذا عقل الإله لزم عنه بما يعقله وجود عقل ثان تحته، وإذا عقل ذاته صدر عن تعقله لها وجود صورة الفلك الأقصى وكمالها وهي النفس، ووجود جرمية الفلك الأقصى، فالنفس تصدر عن تعقله لذاته واجبة الوجود بالإله، والجسم يصدر عن طبيعة إمكان الوجود المتدرجة من تعقله لذاته، فهناك إذن ثلاثة أشياء تفيض عن العقل الأول، العقل الثاني، وجرم الفلك الأقصى، وصورته التي هي النفس، فتحت كل عقل ثلاثة أشياء في الوجود.
والعقول المفارقة كثيرة العدة، إلا أنها ليست موجودة معاً عن الإله بل يجب أن يكون أعلاها العقل الأول، ثم يتلوه عقل ثان وثالث، ولا يزال هذا التعقل ينتج عقولاً، ونفوساً، وأفلاكاً، حتى ينتهي الإبداع عند العقل العاشر، وهو العقل الفعال المدبر لعالم الكون والفساد.
فالأمور السماوية تؤلف إذن سلسلة، كل حلقة منها تتضمن ثلاثة أشياء: العقل، والنفس، والفلك.
والإله لا يبدع إلا العقل الأول، وهذا العقل الأول يلزم عنه ثلاثة أشياء: العقل الثاني، والفلك الأقصى، ونفسه.
________________________________
والعقل الثاني يلزم عنه ثلاثة أشياء: العقل الثالث، وفلك الكواكب الثابتة وصورته التي هي النفس وهكذا إلى أن ينتهي الفيض إلى فلك القمر وكرة الهواء المحيطة بالأرض (1) .
فابن سينا كغيره من الفلاسفة يرى أن الموجودات صدرت عن الله لا على سبيل القصد والاختيار بل ضرورة.
ولا شك أن كل عاقل يدرك بطلان تلك النظرية وفسادها ومنافاتها للفطرة السليمة التي لم تتلوث بالآراء الفلسفية، وقد قوبلت تلك النظرية وغيرها بالاستخفاف والاستهزاء من جانب العلماء فنجد مثلاً ابن خلدون يقول (2) : (إن هذا الذي ذهبوا إليه باطل بجميع وجوهه، فأما إسنادهم الموجودات كلها إلى العقل الأول، واكتفاؤهم به في الترقي إلى الواجب، فهو قصور عما وراء ذلك من رتب خلق الله، فالوجود أوسع نطاقاً من ذلك، ويخلق ما لا تعلمون) .
__________
(1) انظر النجاة لابن سينا 454؛ وانظر أيضاً من أفلاطون إلى ابن سينا مجموعة محاضرات للدكتور جميل صليبا ص88-89.
(2) مقدمة ابن خلدون ص 516.

_____________________________________
ونجد الغزالي مع أخذه بالفلسفة أحياناً، يستنكر تلك النظرية فيقول (1) : (ما ذكرتموه تحكمات، وهو على التحقيق ظلمات فوق ظلمات لو حكاه الإنسان في نومه عن منام رآه لاستدل به على سوء مزاجه) .
والحق أن تلك الآراء ما هي إلا امتداد للوثنية القديمة التي ترى أن الكواكب أجسام سماوية، وأن لها نفوساً تحركها وأن لحركاتها تأثيراً في نفوسنا وأجسامنا، وكل كوكب يعتبر إلهاً عندهم، فالمريخ مثلاً إله الغضب، والشمس إله الحرارة، والقمر إله الرطوبة، وقد حكى القرآن ذلك عن قوم إبراهيم قال تعالى: (إذ قال لأبيه وقومه ماذا تعبدون* أئفكاً ألهة دون الله تريدون* فما ظنكم برب العالمين* فنظر نظرة في النجوم * فقال إني سقيم) .
قلت: والذي عليه علماء المسلمين من أقوالهم -أي الفلاسفة- أن العقل جوهر مجرد قائم بنفسه. قال شيخ الإسلام عنهم ((ولفظ العقل والمادة ونحوهما في كلامهم غير معناه في لغة العرب فإنهم يعنون بالعقل جوهراً مجرداً قائماً بنفسه. والعقل في لغة العرب عَرَض هو علم أو عمل بالعلم وغريزة تقتضي ذلك)) (2) .
__________
(1) تهافت الفلاسفة للغزالي ص 29، وانتقدها من العلماء أيضاً ابن رشد في كتابه التهافت، وفخر الدين الرازي في كتابيه ((محصل أفكار المتقدمين والمتأخرين)) ، و ((الأربعين في أصول الدين)) والشهرستاني في كتابه ((نهاية الاقدام في علم الكلام)) وأبي البركات البغدادي في كتابه ((المعتبر في الحكمة)) وانتقدها من المحدثين: البيرنصري نادر، في مقدمته لتحقيق كتاب الفارابي: آراء أهل المدينة الفاضلة، وسليمان دنيا في مقدمته للجزء الأول من الإشارات لابن سينا، وحمودة غرابة في كتابه ((ابن سينا بين الدين والفلسفة)) وغيرهم، انظر كتاب دراسات في الفكر الفلسفي الإسلامي ص 149-156 للدكتور حسام الألوسي وقد استوفى غالب الأقوال التي انتقدت تلك النظرية.
(2) درء التعارض (10/302) .
________________________________________
وهذا القول الذي امتاز به فلاسفة اليونان في العقل دعاهم إليه دعوى تنزيه الإله أو الخالق عن أن تصدر عنه الكثرة المشاهدة في المحسوسات فاخترعوا لأجل ذلك قضية توالد العقول وتعاقبها والتي منها هذا العقل المزعوم الذي يشترك فيه الناس. ثم جاء فلاسفتنا فزادوا طينة هذا القول المضحك بلّة فتعسفوا التأويلات واحتجوا بالمأثورات الشاذة والموضوعة ليدللوا على أقوال أولئك الفلاسفة الوثنيين بدعوى الجمع بين الدين والفلسفة لئلا يعارض أحدهما الآخر فالأصل عندهم هو أقوال البشر من الفلاسفة فهي الأقوال المقدمة التي لا يأتيها الباطل من بين يديها ولا من خلفها. فينبغي حمل ما تيسر من النصوص الإسلامية وقسرها كرهاً على أن تدل على تلك الأقوال ذراً للرماد في أعين عامة المسلمين أن لا يتهمونا بشيء من المروق والإلحاد إن نحن أعرضنا عن نصوصهم ومأثوراتهم كلية!
قال الدكتور موسى الدويش ((حيث أن هؤلاء المتفلسفة أمثال الفارابي وابن سينا وابن رشد ومن هو على شاكلتهم مؤمنون بالفلسفة إيماناً كاملاً وكأنها وحي منزل لذا قاموا بإبراز أفكار من سبقهم من الفلاسفة وخاصة أرسطو وأتباعه أصحاب الفلسفة المشائية، ولما كانت تلك الآراء الفلسفية تناقض الحقائق الدينية ولا تلتقي معها أبداً حاول هؤلاء المتفلسفة التوفيق بينهما وذلك بإخضاع النصوص الشرعية وتأويلها وتحريفها حسب أهوائهم ومحاولة تطبيق الاصطلاحات الفلسفية على المسميات النبوية وكان أفضل طريق يحقق هدفهم هذا هو سلوكهم طريق الباطنية في تحريف النصوص فجمع هؤلاء بين التفلسف والقرمطة)) (1) .

__________
(1) بغية المرتاد (المقدمة 58) .










رد مع اقتباس
قديم 2012-09-25, 15:48   رقم المشاركة : 7
معلومات العضو
فقير إلى الله
عضو محترف
 
الصورة الرمزية فقير إلى الله
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

وقال أيضاً ((إن محاولة الجمع أو التوفيق بين الدين والفلسفة محاولة قديمة فهناك فئة من الناس اغترت بعقولها فذهبت تشرع للناس الشرائع في كل فن حتى وإن خالف شرع الله الذي جاءت به الرسل. وعندما اصطدمت تلك الآراء البشرية بشرع الله المنزل ظهرت فكرة الجمع بين الدين وتلك الآراء البشرية ومن هؤلاء فلاسفة اليونان قديماً. ثم جاء فيلون اليهودي (1) فجعل شريعة نبي الله موسى أساس الفلسفة. فذكر أن الكائنات بادئة من الله ونازلة إلى المادة وتتحد في الكلمة الإلهية ((لوجوس)) التي عنها فاضت الكائنات (2) .
وفي النصرانية جاء كليمنتس (3) فذكر أن الفلسفة في ذاتها ليست شراً فالمعرفة معرفتان:
إحداهما: عن طريق الوحي، بدأت في العهد القديم، واكتملت في العهد الجديد.
__________
(1) أحد فلاسفة اليهود وهو من الاسكندرية عاش فيما بين سنة 20 قبل الميلاد وتوفي سنة 50م فهو من معاصري المسيح عليه السلام، افتتن بالفلسفة اليونانية وجعل هدفه في الحياة هو التوفيق بين الكتاب المقدس وعادات اليهود من جهة والآراء اليونانية وبخاصة فلسفة أفلاطون من جهة أخرى. انظر: تاريخ الفلسفة اليونانية ليوسف كرم ص 247، قصة الحضارة 11/103 ول ديورانت.

(2) انظر الفلسفة اليونانية ليوسف كرم ص 250-251؛ تاريخ الفلسفة العربية 1/106-107- حنا الفاخوري، د- خليل الجر؛ تاريخ الفلسفة العربية ص 456 د- جميل صليبا.

(3) هو كليمنتس الاسكندري عاش فيما بين سنة 150-207م ولد في الاسكندرية وقيل في أثينا، وجال في شبابه أنحاء فلسطين وسوريا واليونان وإيطاليا يتفرج على البلاد ويدرس على مشاهير المعلمين فعرف الأسرار الوثنية، والمذاهب وانتهى بتفضيل الأفلاطونية ولكنه لم يتحقق له فيها شيء من أمانيه الروحية فاعتنق المسيحية، رحل في آخر حياته إلى آسيا الصغرى هرباً من الاضطهاد وهناك توفي. انظر تاريخ الفلسفة اليونانية ص269 ليوسف كرم.









رد مع اقتباس
قديم 2012-09-25, 15:54   رقم المشاركة : 8
معلومات العضو
فقير إلى الله
عضو محترف
 
الصورة الرمزية فقير إلى الله
 

 

 
إحصائية العضو










B11 فلاسفة اليونان.؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟

والثانية: عن طريق العقل الطبيعي، وهي التي جاء بها فلاسفة اليونان.
وذكر أيضاً: أن تاريخ المعرفة الإنسانية يشبه مجرى نهرين عظيمين: الناموس اليهودي، والفلسفة اليونانية، وقد تفجرت المسيحية عند ملتقى هذين النهرين.
فالناموس لليهود.
والفلسفة لليونان.
والناموس والفلسفة والإيمان للنصارى.
والفلسفة ليست متنافرة مع الإيمان، لأن لكل إنسان مزية تفرق بينه وبين الحيوانات العجم، وهذه المزية هي: الحكمة، وهي تدعي فكراً من حيث أنها تعرف المبادئ الأولى، وتدعي علماً ومعرفة من حيث أنها تستند إلى هذه المبادئ لتتوصل إلى المعرفة البرهانية، وهي تصبح ((تقنة)) إذا عالجت القضايا العلمية، وتصبح إيماناً عندما تنفتح على التقوى، وتؤمن بالكلمة وتقودنا نحو الخضوع لوصاياه تعالى، وهي في جميع مظاهرها هذه تظل واحدة لا تتعدد (1) .
وجاء أوريجنس (2) فحاول أن يؤيد العقيدة المسيحية ببيان اتفاقها مع الفلسفة اليونانية فكان بذلك واضع الأساس لفلسفة العصور الوسطى (3) .
إن محاولات الجمع بين الشرائع السماوية السابقة وبين الفلسفة من جانب هؤلاء أدى إلى تحريف الدين والعقيدة الصحيحة التي جاءت بها الرسل، ولهذا دخل التحريف على التوراة والإنجيل وأصبح لكل فرقة كتاب يخصهم وعمت الفوضى الفكرية تلك الديانات وتسرّب الإلحاد إليها بسبب تلك المحاولات وغيرها.
__________
(1) انظر تاريخ الفلسفة اليونانية ص 270-271 يوسف كرم، تاريخ الفلسفة العربية 1/104-105 حنا الفاخوري، وخليل الجر.
(2) هو تلميذ كليمنتس عاش فيما بين 185-254م وهو أول مسيحي حاول أن يرسم الحدود بين العقل والوحي. كانت أسرته وثنية ثم تنصرت، درس في المدرسة الوثنية على يد أمونيوس ما كاس أحد مؤسسي الفلسفة الأفلاطونية الجديدة، توفي في مدينة صور. انظر: تاريخ الفلسفة اليونانية ص 274-275 يوسف كرم.
(3) انظر تاريخ الفلسفة اليونانية ص 275، تاريخ الفلسفة العربية ص 456 د- جميل صليبا.

__________________________
أما عملية التوفيق بين الدين الإسلامي والفلسفة فقد بدأت مع حركة النقل والترجمة للكتب الفلسفية، وقد ترجمت كتب كثيرة من المنطق والفلسفة من السريانية واليونانية والفارسية، وكان أكثرها لأرسطو، وكان لترجمتها إلى اللغة العربية الأثر الكبير في زعزعة عقائد بعض أهل البدع لأن تلك البحوث ترتكز على الوثنية اليونانية، وتصور وثنيتهم القومية التي ترجموها في لغتهم الفلسفية وأضفوا عليها صبغة من الفن، وما العقول والأفلاك إلا رموز للوثنية الإغريقية القديمة، وما أفعالها وحركاتها وتصرفاتها إلا عقائد توارثتها الأجيال عندهم، وهي وثنية تعارض التوحيد.
وتشتمل هذه الفلسفة -التي بهرت البعض وتسلطت على عقولهم من غير حق - على ظنون وتخمينات وطلاسم لفظية لا حقيقة لها ولا معنى ولا وجود لها في الخارج، وقد أقبلوا عليها في شيء من التمجيد والتقديس)) (1) .
وقال الدكتور موسى -أيضاً-: ((أول من قام بعملية التوفيق من الفلاسفة الكندي (2) ، فقد أخذ يجمع في بعض تصانيفه بين أصول الشرع وأصول المعقولات محاولاً أن يقيم الدليل على عدم وجود تعارض بينهما، بل يغالي في الفلسفة فيعرفها بأنها (3) ((علم الأشياء بحقائقها)) ويدخل في ذلك بحسب رأيه علم الربوبية والوحدانية وكل علم.
__________
(1) مقدمة الدكتور موسى الدويش لكتاب ((بغية المرتاد)) (62/65) .
(2) هو يعقوب بن إسحاق الكندي أبو يوسف فيلسوف، طبيب، رياضي، منطقي نشأ في البصرة وانتقل إلى بغداد وصار من جلساء المأمون والمعتصم، ولما جاء المتوكل ضربه وأبعده لكونه من المعتزلة، توفي ببغداد سنة 252هـ من تصانيفه كتاب الفلسفة الأولى فيما دون الطبيعيات، رسالة في الحساب الهندي، الطب البقراطي وأسرار تقدمه وغيرها، انظر: الفهرست لابن النديم ص255، لسان الميزان 6/205؛ رسائل الكندي الفلسفية ص1-7 تحقيق محمد عبد الهادي أبو ريده؛ معجم المؤلفين 13/244.
(3) رسائل الكندي الفلسفية ص 97.

____________________________
ويذكر أيضاً: أن الدين علم الحق، وفي رسالته إلى أحمد بن المعتصم توضيح ذلك إذ يقول (1) : (ولعمري أن قول الصادق محمد صلوات الله عليه وما أدى عن الله عز وجل لموجود جميعاً بالمقاييس العقلية التي لا يدفعها إلا من حرم صورة العقل واتحد بصورة الجهل من جميع الناس) .
وللمعرفة عند الكندي طريقان:
أحدهما: طريق العقل.
والثاني: طريق الوحي، وهذان الطريقان يوصلان إلى حقيقة واحدة حسب رأيه (2) .
ثم جاء إخوان الصفا (3) فقام مذهبهم على أساس التوفيق بين الدين والفلسفة، وألّفوا لهذا الغرض رسائلهم، فهم يرون أن الشريعة قد دنست بالجهالات واختلطت بالضلالات ولا سبيل إلى غسلها وتطهيرها إلا بالفلسفة لأنها حاوية الحكمة الاعتقادية والمصلحة الاجتهادية.
فقامت لهذا الغرض مؤكدة أنه متى انتظمت الفلسفة الاجتهادية اليونانية والشريعة العربية فقد حصل الكمال (4) .
وهم يفسرون الشريعة الإلهية -أو الوحي- بشرح أفلوطيني فيقولون (5) : (واعلم أن الشريعة الإلهية هي جبلة روحانية تبدو من نفس جزئية في جسد بشري بقوة عقلية تفيض عليها من النفس الكلية، بإذن الله تعالى في دور من الأدوار والقرانات، وفي وقت من الأوقات، لتجذب بها النفوس الجزئية وتخلصها من أجساد بشرية متفرقة ليفصل بينها يوم القيامة) .
__________
(1) رسائل الكندي الفلسفية ص 244، والنص المذكور جزء من رسالة بعث بها الكندي إلى تلميذه أحمد بن المعتصم في الإبانة عن سجود الجرم الأقصى وطاعته لله عز وجل، وقد طلب منه أحمد بن المعتصم شرح الآية (والنجم والشجر يسجدان) فأوضح الكندي معنى السجود وشرحه شرحاً فلسفياً بعيداً عن المعنى الصحيح الذي ذكره أهل التفسير.
(2) انظر تاريخ الفلسفة العربية د- جميل صليبا ص 129-130.
(3) انظر الكلام عن جماعة إخوان الصفا ص180، من بغية المرتاد.
(4) انظر: رسائل إخوان الصفا 1/6 دار صادر بيروت.
(5) رسائل إخوان الصفا 4/129.

___________________________
ثم يوردون آيات من القرآن لتأييد مطلبهم، وكل هذا محاولة منهم للجمع بين الشريعة والفلسفة، فنراهم قد ربطوا بين الله والنفس الكلية من جهة، والعقل الإنساني المفاض عليه من جهة أخرى، كما ربطت الأفلاطونية الحديثة بين الله والنفس الكلية من جانب آخر، وجعلوا الخلاص من هذا العالم المادي غاية الإنسان.
ولتأكيد هذه المحاولة نرى إخوان الصفا عندما يريدون تقرير أمر من الأمور فإنهم يجمعون بين النصوص الشرعية والآراء الفلسفية كاستشهادهم على تجرد النفس واشتياقها إلى عالم الأفلاك -بعد الموت- فإن كانت صافية صعدت هناك، وإن كانت عكس ذلك بقيت تحت فلك القمر حسب زعمهم، وهم يستدلون بأقوال الفلاسفة والأنبياء كي يقرروا هذا الرأي الفلسفي ويصبغوه بصبغة شرعية فيقولون (1) : ((يقال أن بطليموس (2) كان يعشق علم النجوم، وجعل علم الهندسة سلماً صعد به إلى الفلك. فمسح الأفلاك وأبعادها والكواكب وأعظامها، ثم دوّنه في المجسطي، وإنما كان ذلك الصعود بالنفس لا بالجسد وهكذا.
ويحكى عن هرمس (3) المثلث بالحكمة، وهو إدريس النبي عليه السلام أنه صعد إلى فلك زحل ودار معه ثلاثين سنة، حتى شاهد جميع أحوال الفلك، ثم نزل إلى الأرض فخبر الناس بعلم النجوم.
__________
(1) رسائل إخوان الصفا 1/138.
(2) هو أفلاديوس بطليموس نشأ في القرن الثاني للميلاد، ألف كتاب ((المجسطي)) بكسر الميم والجيم وتخفيف الياء، وهو أول كتاب دون فيه علم الفلك، نقل هذا الكتاب إلى العربية -انظر تاريخ الفلسفة اليونانية ص 243 يوسف كرم؛ إخبار العلماء بأخبار الحكماء للقفطي ص 63.
(3) عن هرمس انظر ص 413-414. من بغية المرتاد.

______________________________
وقال أرسطاطاليس (1) في كتاب ((الثالوجيا)) شبه الرمز: إني ربما خلوت بنفسي وخلعت بدني، وصرت كأني جوهر مجرد بلا بدن فأكون داخلاً في ذاتي، خارجاً عن جميع الأشياء، فأرى في ذاتي من الحسن والبهاء ما أبقى له متعجباً باهتاً، فأعلم أني جزء من أجزاء العالم الأعلى الفاضل الشريف.
وقال فيثاغورس (2) في الوصية الذهبية: إذا فعلت ما قلت لك يا
ديوجانس (3) وفارقت هذا البدن حتى تصير نحلا في الجوّ، فتكون حينئذٍ سائحاً غير عائد إلى الإنسانية ولا قابل للموت.
... وقال المسيح عليه السلام للحواريين في وصية له: إذا فارقت هذا الهيكل فأنا واقف في الهواء عن يمنة عرش ربي، وأنا معكم حيثما ذهبتم فلا تخالفوني حتى تكونوا معي في ملكوت السماء غداً.
... وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لأصحابه في خطبة له طويلة: ((أنا واقف لكم على الصراط وإنكم ستردون على الحوض غداً فأقربكم مني منزلاً يوم القيامة من خرج من الدنيا على هيئة ما تركته، ألا لا تغيروا بعدي، ألا لا تبدلوا بعدي)) .
__________
(1) أي أرسطو.
(2) فيثاغورس ولد في ساموس، وعاش بين سنة 572-497 قبل الميلاد وهو فيلسوف يوناني ذاع صيته لمعلوماته العلمية والرياضية، حيث كان رياضياً بارعاً ولقد برهن على أن قوة الأصوات تابعة لطول الموجات الصوتية، انظر: الوجود الإلهي بين انتصار العقل وتهافت المادة لسانتلانا ص28، تاريخ الفلسفة اليونانية يوسف كرم ص20-21، إخبار العلماء بأخبار الحكماء ص170.
(3) ديوجانس فيلسوف يوناني عاش فيما بين 413-327 قبل الميلاد وهو من أنصار المدرسة الكلبية، يرى أن الرياضة البدنية والنفسية وسيلة الخلاص وسبب الفلاح من رق الأهواء، وكان يحتقر العرف ويرى أن الفرد غير مربوط بجماعة على عكس أفلاطون وأرسطو اللذين كانا يجعلان المدينة شرط الفضيلة، أنظر تاريخ الفلسفة اليونانية ص 212-213.

_____________________________
.. وهكذا فإن إخوان الصفا قد استدلوا بالسنة وقول عيسى بن مريم -عليه السلام- كما استدلوا بقول فيثاغورس وأرسطو على ما أرادوا تقريره من بقاء النفوس -وهي باقية- بعد مفارقة الأجسام، وهذا هو ما سلكوه في رسائلهم فعندما يستدلون على قول يجمعون بين أقوال الأنبياء والفلاسفة، وقد وضع إخوان الصفا الأساس لمن جاء بعدهم من الفلاسفة وفلاسفة التصوف حيث نهجوا نهجهم بل زادوا عليهم)) (1) .
... وقال شيخ الإسلام إن ((ابن سينا وأمثاله خلطوا كلامهم في الإلهيات بكلام كثير من متكلمي أهل الملل فصار للقوم كلام في الإلهيات وصار ابن سينا وابن رشد الحفيد وأمثالهما يقربون أصول هؤلاء إلى طريقة الأنبياء ويظهرون أن أصولهم لا تخالف الشرائع النبوية)) (2) . وقال سيد قطب رحمه الله ((إن عملية التوفيق بين شروح الفلسفة الإغريقية والتصور الإسلامي كانت تنّم عن سذاجة كبيرة وجهل بطبيعة الفلسفة الإغريقية وعناصرها الوثنية العميقة وعدم استقامتها على نظام فكري واحد. وأساس منهجي واحد. مما يخالف النظرة الإسلامية ومنابعها الأصيلة. فالفلسفة الإغريقية نشأت في وسط وثني مشحون بالأساطير ولم تخل من العناصر الوثنية الأسطورية قط. فمن السذاجة والعبث -كان- محاولة التوفيق بينها وبين التصور الإسلامي القائم على أساس التوحيد المطلق العميق التجريد.. ولكن المشتغلين بالفلسفة والجدل من المسلمين، فهموا -خطأ- تحت تأثير ما نقل إليهم من الشروح المتأخرة المتأثرة بالمسيحية أن الحكماء - وهم فلاسفة الإغريق- لا يمكن أن يكونوا وثنيين ولا يمكن أن يحيدوا عن التوحيد! ومن ثم التزموا عملية توفيق متعسفة بين كلام الحكماء وبين العقيدة الإسلامية ومن هذه المحاولة كان ما يسمى الفلسفة الإسلامية!)) (3) .
__________
(1) بغية المرتاد (المقدمة 66-69) .
(2) الصفدية (1/237) .
(3) خصائص التصور الإسلامي (12)
.
_________________________________

___










رد مع اقتباس
قديم 2012-09-25, 15:58   رقم المشاركة : 9
معلومات العضو
فقير إلى الله
عضو محترف
 
الصورة الرمزية فقير إلى الله
 

 

 
إحصائية العضو










B11 محاولة الجمع بين الشريعة والفلسفة واحدة من المحاولات التي قام بها أعداء الدين من متفلسفة وقرامطة وصوفية وغيرهم

.. إذن ((إن محاولة الجمع بين الشريعة والفلسفة واحدة من المحاولات التي قام بها أعداء الدين من متفلسفة وقرامطة وصوفية وغيرهم من ذوي الأطماع والعصبية الحادة ضد تلك العقيدة الصافية وقد كانت تلك المحاولة من أخطر المحاولات التي مرت على الفكر الإسلامي. فقد أدت إلى خلق بلبلة وفوضى فكرية نتج عنها جمود في أمتنا الإسلامية وطغيان أهل البدع)) (1) . ومن هذا الجمع المتهافت بين الإسلام والفلسفة ما نحن فيه من قضية (العقل) وما هيته فقد قام فلاسفتنا (2) بتتبع المأثورات الشاذة والضعيفة وحملها على أقوال الفلاسفة وتم لهم ذلك في قضية (العقل) بوجود مقدار لا بأس به من الأحاديث الموضوعة في فضل العقل، كان منها حديث العقل المشهور الذي أصبح عمدتهم الأولى في هذه القضية يُدللون به على صحة قول الفلاسفة في تعريفهم له. وأعني به الحديث الذي يقول متنه ((أول ما خلق الله العقل قال له: أقبل فأقبل فقال له: أدبر فأدبر فقال وعزتي وجلالي ما خلقت خلقاً أكرم عليّ منك فبك آخذ وبك أعطي وبك الثواب وبك العقاب)) (3) . وهذا الحديث موضوع وكذب عند أهل العلم بالحديث. قال شيخ الإسلام عنه ((اتفق أهل المعرفة بالحديث على أنه ضعيف بل هو موضوع على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقد ذكر الحافظ أبو حاتم البستي وأبو الحسن الدارقطني والشيخ أبو الفرج ابن الجوزي وغيرهم أن الأحاديث المروية عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في العقل لا أصل لشيء منها. وليس في رواتها ثقة يعتمد)) (4) .
__________
(1) بغية المرتاد (المقدمة 78) .
(2) قال ابن تيمية ((ليس الفلاسفة من المسلمين كما قالوا لبعض أعيان القضاة الذين كانوا في زماننا: ابن سينا من فلاسفة الإسلام. فقال: ليس في الإسلام فلاسفة)) (الرد على المنطقيين 199) .
... قلت: وأنا أطلق عليهم فلاسفتنا أحياناً مجاراة للمشهور لا مدحةً لهم.
(3) الصفدية (1/238) .
(4) بغية المرتاد (171)
.
______________________________
.. قلت: وذكر ابن الجوزي في الموضوعات (1/171) والسيوطي في الآلي المصنوعة (1/129) عدة روايات لهذا الحديث وبينا اتفاق العلماء على أنها موضوعة.
... قال ابن الجوزي ((رويت في العقول أحاديث كثيرة ليس فيها شيء يثبت)) (1/171) . وقال ابن القيم في المنار (66) ((ومنها -أي الأحاديث الموضوعة- أحاديث العقل كلها كذب)) وقال الدارقطني إن ((كتاب العقل وضعه أربعة: أولهم ميسرة بن عبد ربه ثم سرقه منه داود بن المحبّر فركبه بأسانيد غير أسانيد ميسرة وسرقه عبد العزيز ابن أبي رجاء فركبه بأسانيد أخر ثم سرقه سليمان بن عيسى السجزي فأتى بأسانيد أخر)) (1) . وقال المحدث ناصر الدين الألباني -رحمه الله- ((مما يحسن التنبيه عليه أن كل ما ورد في فضل العقل من الأحاديث لا يصح منها شيء وهي تدور بين الضعف والوضع وقد تتبعت ما أورده منها أبو بكر بن أبي الدنيا في كتابه: العقل وفضله فوجدتها كما ذكرت لا يصح منها شيء فالعجب من مصححه الشيخ محمد زاهد الكوثري كيف سكت عنها؟!)) (2) .
... قلت: ولم يكتف شيخ الإسلام ببطلان هذا الحديث المكذوب سنداً بل أبطل معناه ومتنه من عدة أوجه ليهدم أساس فلاسفتنا الموفقين بين الإسلام والفلسفة ويغلق عليهم منافذ التحريف والتأويل فقال رحمه الله:
... ((الأول: أن كلام ابن الجوزي على حديث العقل قد تقدم حيث بدأنا بالحديث وذكرنا ما قال فيه أئمة العلم وانقضى)) .
__________
(1) تاريخ بغداد (8/360) .
(2) السلسلة الضعيفة (1/13) وانظر الصفدية (1/238) .
___________________________
.. الثاني: ((أن من تدبر الكتب المصنفة في العقل لأهل الآثار تبين له تحريف هؤلاء مع ضعف الأصل، ومن أشهرها كتاب العقل لداود بن المحبر وهو قديم في أوائل المائة الثالثة روى عنه الحارث بن أبي أسامة ونحوه، وكذلك مصنفات غيره رووا فيها عن ابن عباس أنه دخل على أم المؤمنين عائشة فقال: ((يا أم المؤمنين أرأيت الرجل يقلّ قيامه ويكثر رقاده وآخر يكثر قيامه ويقل رقاده أيهما أحب إلى الله)) قالت: ((سألت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عما سألني عنه فقال: ((أحسنهما عقلاً)) فقلت: يا رسول الله إنما أسألك عن عبادتهما، فقال: ((يا عائشة إنهما لا يسألان عن عبادتهما إنما يسألان عن عقولهما، فمن كان أعقل كان أفضل في الدنيا والآخرة)) (1) .
... ورووا فيها عن البراء بن عازب قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((إن لكل إنسان سبيل مطية وثيقة ومحجة واضحة وأوثق الناس مطية وأحسنهم دلالة ومعرفة بالحجة الواضحة أفضلهم عقلاً)) (2) .
... ورووا فيها عن ابن عمر قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((إن الرجل ليكون من أهل الصيام وأهل الصلاة وأهل الحج وأهل الجهاد فما يجزى يوم القيامة إلا بقدر عقله)) (3) فهل يشك من سمع هذه الأحاديث أن المراد بذلك الإنسان؟ ليس المراد ما هو أعظم المخلوقات الموجودات بعد الباري عندهم وهو عندهم أبدع كل ما سواه، وأن الاستدلال بهذا الحديث ونحوه على إرادة هذا المعنى من أعظم الضلال وأبعد الباطل والمحال، هذا لعمري لو كان ذلك ثابتاً عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. وقد قال أبو حاتم بن حبان البستي ((لست أحفظ عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خبراً صحيحاً في العقل)) .
__________
(1) الموضوعات (1/176) .
(2) ذم الهوى (7) تحقيق مصطفى عبد الواحد. الطبعة الأولى 1380هـ- تنزيه الشريعة (1/215) .
(3) المجروحين (3/40) - الموضوعات (1/172) - تنزيه الشريعة (1/214) - الفوائد المجموعة (475) .

________________________________________










رد مع اقتباس
قديم 2012-09-25, 16:05   رقم المشاركة : 10
معلومات العضو
فقير إلى الله
عضو محترف
 
الصورة الرمزية فقير إلى الله
 

 

 
إحصائية العضو










B11 العقل عند المعتزلة:

العقل عند المعتزلة:
أما عند أصحابنا من علماء الكلام (وأعني بهم المعتزلة خاصة) فكيف تطورت أحوالهم حتى ضاهوا الشرع بعقولهم وجعلوه حاكماً على النصوص لا محكوماً لها؟
فأقول: ((لما ظلمت الأرض وبعد عهد أهلها بنور الوحي وتفرقوا في الباطل فرقاً وأحزاباً لا يجمعهم جامع ولا يحصيهم إلا الذي خلقهم فإنهم فقدوا نور النبوة ورجعوا إلى مجرد العقول فكانوا كما قال - صلى الله عليه وسلم - فيما يروي عن ربه أنه قال: ((إني خلقت عبادي حنفاء وأنهم أتتهم الشياطين فاجتالتهم عن دينهم وحرمتْ عليهم ما أحللتُ لهم وأمرتهم أن يشركوا بي ما لم أنزل به سلطاناً وأن الله نظر إلى أهل الأرض فمقتهم عربهم وعجمهم إلا بقايا من أهل الكتاب)) (1) . فكان أهل العقول كلهم في مقته إلا بقايا متمسكين بالوحي فلم يستفيدوا بعقولهم حين فقدوا نور الوحي إلا عبادة الأوثان أو الصلبان أو النيران أو الكواكب والشمس والقمر أو الحيرة والشك أو السحر أو تعطيل الصانع والكفر به فاستفادوا بها مقت الرب سبحانه لهم وإعراضه عنهم فأطلع الله شمس الرسالة في تلك الظلم سراجاً منيراً وأنعم بها على أهل الأرض في عقولهم وقلوبهم ومعاشهم ومعادهم نعمة لا يستطيعون لها شكوراً فأبصروا بنور الوحي ما لم يكونوا بعقولهم يبصرونه ورأوا في ضوء الرسالة ما لم يكونوا بآرائهم يرونه فكانوا كما قال الله تعالى: (الله ولي الذي آمنوا يخرجهم من الظلمات إلى النور) وقال: (آلر كتاب أنزلناه إليك لتخرج الناس من الظلمات إلى النور بإذن ربهم إلى صراط العزيز الحميد) وقال: (وكذلك أوحينا إليك روحاً من أمرنا ما كنت تدري ما الكتاب ولا الإيمان ولكن جعلنه نوراً نهدي به من نشاء من عبادنا) وقال: (أومن كان ميتاً فأحييناه وجعلنا له نوراً يمشي به في الناس كمن مثله في الظلمات ليس بخارج منها) فمضى الرعيل الأول في ضوء ذلك النور لم تطفئه عواصف الأهواء ولم تلتبس به ظلم الآراء وأوصوا من بعدهم أن لا يفارقوا النور الذي اقتبسوه منهم وأن لا يخرجوا عن طريقتهم)) (2)
__________
(1) رواه مسلم (1598) وهذا الحديث دليل على دم العرب ما لم يكن معهم إسلام.
(2) الصواعق المرسلة لابن القيم (3/1068) .
_________________________________
فكان من شأن الصحابة أنهم لم يقدموا عقولهم بين يدي الله ورسوله - صلى الله عليه وسلم - بل كان دليل أحدهم إذا استدل إنما هو آية من كتاب الله أو سنة رسوله - صلى الله عليه وسلم -. فهذا أبو سعيد الخدري رضي الله عنه لما سمع بمقالة ابن عباس رضي الله عنهما الأولى في الربا - قبل أن يرجع عنها - وهي حديث (إنما الربا في النسيئة) قال أبو سعيد له ((أرأيت هذا الذي تقول شيء سمعته من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أو وجدته في كتاب الله عز وجل؟)) .
فهاتان هما الحجتان الملزمتان للناس عند الصحابة: كتاب من الله أو سنة من رسوله - صلى الله عليه وسلم - مصداقاً لقوله تعالى: (يا أيها الذي آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول) وكان أحدهم رضي الله عنهم يغضب إذا عورض حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بقول غيره من البشر ولو كان من حكماء اليونان! فقد جاء في صحيح مسلم أن عمران بن حصين رضي الله عنه ذكر لأصحابه حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: ((الحياء لا يأتي إلا بخير)) فقال أحدهم وهو بشير بن كعب ((أنه مكتوب في الحكمة أن منه وقاراً ومنه سكينة)) فقال عمران ((أحدثك عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وتحدثني عن صحفك)) ! وفي رواية: فغضب عمران حتى احمرتا عيناه وقال ((ألا أراني أحدثك عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وتعارض فيه)) قال فأعاد عمران الحديث. قال فأعاد بشير. فغضب عمران قال فمازلنا نقول فيه: إنه منا يا أبا نجيد إنه لا بأس به)) (1) قال النووي ((وقولهم إنه منا لا بأس به معناه ليس هو ممن يتهم بنفاق أو زندقة أو بدعة أو غيرها مما يخالف به أهل الاستقامة)) .
__________
(1) مسلم بشرح النووي (2/7) .
___________________________
إذن فالصحابة لم يعارضوا ولم يرضوا بمعارضة حديث رسول - صلى الله عليه وسلم - بغيره من المعقولات، وإذا أشكل عليهم شيء من ذلك كانوا ((يوردون إشكالاتهم على النبي - صلى الله عليه وسلم - فيجيبهم عنها وكانوا يسألونه عن الجمع بين النصوص التي يوهم ظاهرها التعارض، ولم يكن أحد منهم يورد عليه معقولاً يعارض النص البتة، ولا عرف فيهم أحد -وهم أكمل الأمم عقولاً - عارض نصاً بعقله يوماً من الدهر، وإنما حكى الله سبحانه ذلك عن الكفار، كما تقدم، وثبت في الصحيح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: ((من نوقش الحساب عذب)) ، فقالت عائشة: يا رسول الله، أليس الله يقول: (فأما من أوتي كتابه بيمينه. فسوف يحاسب حساباً يسيراً) . فقال: ((بلى ولكن ذلك العرض ومن نوقش الحساب عذب)) (1) ، فأشكل عليها الجمع بين النصين حتى بين لها صلوات الله وسلامه عليه أنه لا تعارض بينهما وأن الحساب اليسير هو العرض الذي لابد أن يبين الله فيه لكل عامل عمله، كما قال تعالى: (يومئذٍ تعرضون لا تخفى منكم خافية) . حتى إذا ظن أنه لن ينجو نجاه الله تعالى بعفوه ومغفرته ورحمته فإذا ناقشه الحساب عذبه ولابد.
__________
(1) رواه البخاري (فتح الباري 1/196،197) ، ومسلم (4/2204) .
________________________________
ولما قال: - صلى الله عليه وسلم - ((لا يدخل النار أحد بايع تحت الشجرة)) قالت له حفصة: أليس الله يقول: (وإن منكم إلا واردها) قال: ((ألم تسمعي قوله تعالى (ثم ننجي الذين اتقوا ونذر الظالمين فيها جثياً)) ) فأشكل عليها الجمع بين النصين وظنت الورود دخولها كما يقال ورد المدينة إذا دخلها فأجاب النبي - صلى الله عليه وسلم - بأن ورود المتقين غير ورود الظالمين فإن المتقين يردونها وروداً ينجون به من عذابها والظالمين يردونها وروداً يصيرون جثياً فيها به. فليس الورود كالورود)) (1) إلى غير ذلك من مراجعتهم لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - ((فلما كان في أواخر عصرهم حدثت الشيعة والخوارج، والقدرية والمرجئة، فبعدوا عن النور الذي كان عليه أوائل الأئمة، ومع هذا فلم يفارقوه بالكلية، بل كانوا للنصوص معظمين، وبها مستدلين، ولها على العقول والآراء مقدمين، ولم يَدَّع أحد منهم أن عنده عقليات تعارض النصوص، وإنما أتوا من سوء الفهم فيها، والاستبداد بما ظهر لهم منها، دون من قبلهم، ورأوا أنهم إن اقتفوا أثرهم كانوا مقلدين لهم فصاح بهم من أدركهم من الصحابة وكبار التابعين من كل قطر، ورموهم بالعظائم، وتبرءوا منهم، وحذروا من سبيلهم أشد التحذير، ولا يرون السلام عليهم ولا مجالستهم، وكلامهم فيهم معروف في كتب السنة، وهو أكثر من أن يذكر هاهنا، فلما كثرت الجهمية في أواخر عصر التابعين كانوا هم أول من عارض الوحي بالرأي، ومع هذا كانوا قليلين أولاً مقموعين مذمومين عند الأئمة، وأولهم شيخهم الجعد بن درهم، وإنما نفق عند الناس بعض الشيء لأنه كان معلم مروان بن محمد وشيخه ولهذا كان مروان يسمى مروان الجعدي وعلى رأسه سلب الله بني أمية الملك والخلافة وشتتهم في البلاد ومزقهم كل ممزق ببركة شيخ المعطلة النفاة، فلما اشتهر أمره في المسلمين، طلبه خالد بن عبد الله القسري، وكان أميراً على العراق، حتى ظفر به،
__________
(1) الصواعق (3/1052) .
___________________________________

فخطب الناس في يوم الأضحى، وكان آخر ما قال في خطبته: أيها الناس، ضحوا تقبل الله ضحاياكم، فإني مضحٍ بالجعد بن درهم فإنه زعم أن الله لم يكلم موسى تكليماً، ولم يتخذ إبراهيم خليلاً، تعالى الله عما يقول الجعد علواً كبيراً ثم نزل فذبحه في أصل المنبر، …… ثم طفئت تلك البدعة فكانت كأنها حصاة رمي بها، والناس إذ ذاك عنق واحد أن الله فوق سمواته على عرشه بائن من خلقه موصوف بصفات الكمال ونعوت الجلال وأنه كلم عبده ورسوله موسى تكليماً وتجلى للجبل فجعله دكاً هشيماً إلى أن جاء أول المائة الثالثة، وولي على الناس عبد الله المأمون، وكان يحب أنواع العلوم، وكان مجلسه عامراً بأنواع المتكلمين في العلوم، فغلب عليه حب المعقولات، فأمر بتعريب كتب يونان، وأقدم لها المترجمين من البلاد، فعربت له، واشتغل بها الناس، والملك سوق ما سوق فيه جلب إليه، فغلب على مجلسه جماعة من الجهمية ممن كان أبوه الرشيد قد أقصاهم وتتبعهم بالحبس والقتل فحشوا بدعة التجهم في أذنه وقلبه فقبلها، واستحسنها، ودعا الناس إليها، وعاقبهم عليها)) (1) . ومنذ ذلك الحين تميزت فرقة أهل الاعتزال بمغالاتها في العقل ومقاييسه وتقديمه على ما يظن مخالفاً له من النصوص الشرعية وعرفت بذلك بين فرق الإسلام المختلفة. والذي دعاهم إلى هذا الالتفاف حول العقل في ظني أمور كثيرة -والعلم عند الله تعالى- منها:

__________

(1) الصواعق (3/1069) .


أولاً: أخذهم من تراث الأولين من فلاسفة اليونان ممّن لم ينعموا بمصاحبة وحي إلهي يقود مسيرتهم فصاروا يقضون في شؤونهم كلها بهذا العقل الذي زادوا من سلطانه وانفراده فكانت مصنفات أولئك الفلاسفة تضم المقاييس العقلية في شكل منطق يتحاكم إليه في القضايا العقلية. فتابعهم في ذلك المتكلمون والمعتزلة من أهل الإسلام وأعجبوا بصنيعهم ذلك. وكل هذا بفضل جهود الترجمة التي قام بها بعض الخلفاء فأوقعوا الأمة في هذه المصائب المتتالية من حيث ظنوا أنهم يحسنون صنعاً بها. ويشهد لذلك: أن المعتزلة لم يعلُ صيتهم وتظهر عقلانيتهم واضحة إلا في عهد الخليفة المأمون الذي مهّد السبيل للاقتباس من كتب اليونان وأعانهم عليها (1) . حتى أحدثت الفلسفة - كما يقول زهدي حسين - ((في حياتهم انقلاباً خطيراً وفي تفكيرهم ثورة عنيفة لأنهم بعد أن وقفوا على مواضيعها وتعمقوا فيها أحبوها لذاتها وتعلقوا بها فنتج عن ذلك أمران:

أنهم صاروا يعظمون الفلاسفة اليونان وينظرون إليهم نظرة أسمى وأقدس من نظرتنا إليهم اليوم ويضعونهم في مرتبة تقرب من عتبة النبوة. ثم آمنوا بأقوالهم واعتبروها كما يقول أوليري مكملة لتعاليم دينهم. وانهمكوا لذلك في إظهار الاتفاق الجوهري بينها فبدأ عمل المعتزلة الآخر المهم ألا وهو التوفيق بين الدين الإسلامي وبين الفلسفة اليونانية.. ذلك العمل الذي تركوه لمن خلفهم من الفلاسفة المسلمين كابن رشد والفارابي والكندي الذين قاموا بنصيبهم فيه وكانوا لا يقلون عنهم عناية به وتحمساً له.

__________

(1) نقل السيوطي عن شيخ الإسلام أنه ((كان يقول: ما أظن الله يغفل عن المأمون ولابد أن يقابله على ما اعتمده مع هذه الأمة من إدخاله هذه العلوم الفلسفية بين أهلها أو كما قال)) (صون المنطق 9) .

__________________________
أن المعتزلة أخذوا يبتعدون عن أهدافهم الدينية ويهملون تدريجياً عقائدهم اللاهوتية ويزدادون انصرافاً إلى المسائل الفلسفية حتى جاء وقت كادت جهودهم فيه تقتصر على البحث في مواضيع الفلسفة البحتة كالحركة والسكون والجوهر والعرض والموجود والمعدوم والجزء الذي لا يتجزأ… إن اشتغال المعتزلة بالتوفيق بين الدين والفلسفة وشغفهم بالأبحاث الفلسفية وتعمقهم فيها جعلهم يتأثرون بالفلسفة كثيراً ويصبغون بها معظم أقوالهم. ولهذا قال شتينز: إن الاعتزال في تطوراته الأخيرة كان أكثره متأثراً بالفلسفة اليونانية)) (1) . فإن قيل بأنهم قد سبقوا هذه الترجمة. فنقول إن ترجمة تراث الأقدمين ليست مقصورة على الخليفة المأمون ولكنه هو الذي تولى كِبْرها. فقد بدأت الترجمة كما يُذكر في عهد الخليفة المنصور الذي أوعز إلى ابن المقفع بترجمة بعض كتب المنطق ككتاب (المقولات) ((وبعد مضي عصر المنصور أتى عصر المهدي وانتهى ومر عصر الهادي بعد عصر المهدي دون أن تُؤثر عنهما أو عن واحد من الأشخاص البارزة في وقتهما شيء يتعلق بالترجمة في عمومها فضلاً عن ترجمة الفلسفة بمعناها الخاص)) (2) . أما الرشيد فقد أمر بإعادة ترجمة الكتب التي سبقت ترجمتها في العهود التي قبله أكثر من تشجيعه على ترجمة كتب جديدة. ثم جاء عصر المأمون وهو العصر الذهبي للترجمة كما يقال.
__________
(1) المعتزلة (49) .
(2) الجانب الإلهي من التفكير الإسلامي - محمد البهي (169) .










رد مع اقتباس
قديم 2012-09-25, 16:14   رقم المشاركة : 11
معلومات العضو
فقير إلى الله
عضو محترف
 
الصورة الرمزية فقير إلى الله
 

 

 
إحصائية العضو










B11

قال ابن صاعد في طبقات الأمم ((لما أفضت الخلافة إلى المأمون تمم ما بدأ به جده المنصور فأقبل على طلب العلم من مواطنه واستخراجه من معادنه بفضل همته الشريفة! وقوة نفسه الفاضلة! فداخل ملوك الروم وأتحفهم وسألهم صلته بما لديهم من كتب الفلاسفة فبعثوا إليه بما حضرهم من كتب أفلاطون وأرسطو وبقراط … وغيرهم من الفلاسفة فاختار لها مهرة التراجمة وكلفهم إحكام ترجمتها فترجمت له على غاية ما يمكن ثم حض الناس على قراءتها ورغبهم في تعليمها)) (1) .
قلت: والذي دعاه إلى هذه الهمة في الترجمة تشربه بمبدأ الاعتزال القائم على العقل ومقاييسه واستصغاره لنصوص الوحي - لا سيما الحديث - أن تفي بحاجات الأمة. إضافة إلى جلساء السوء من رموز الاعتزال وما يُذكر عنه من حبه للاطلاع والاستزادة من ثقافات الآخرين.
وأما اقتباس المعتزلة من تراث الديانة اليهودية والمسيحية فليس هذا مكانه لأن الحديث عن العقل والعقلانية التي تميزت بها الثقافة اليونانية دون غيرها فلهذا قصرت القول على كيفية استفادتهم منها.
ثانياً: ومما جعلهم ينحون هذا الاتجاه العقلاني هو ضعفهم في مجال الرواية وجهلهم لعلم الحديث النبوي واقتصارهم على آيات القرآن وبعض الأحاديث التي رأوا أنها تؤيد أقوالهم. فهذا الضعف في علم الحديث قد ألجأهم إلى المعقولات ليعوضوا بها ما عندهم من نقص ويسدوا به ثغرات مذهبهم. وهذا مصداق ما روي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال ((إن أصحاب الرأي أعداء السنة أعيتهم الأحاديث أن يحفظوها وتفلتت منهم فلم يعوها واستحيوا حين سئلوا أن يقولوا لا علم لنا فعارضوا السنة برأيهم إياك وإياهم)) (2) .

__________
(1) الجانب الإلهي من التفكير الإسلامي - محمد البهي (169) .
(2) الحجة (1/205) .
________________________________
ومما صد كثيراً منهم عن طلب الحديث والسعي وراء حلقاته ما رأوه من كثرة الوضع وانتشار الأحاديث الضعيفة بين رواة الحديث واختلاطها بالصحيح منه وكان من تلك الأحاديث ما يعارض المعقول فظنوا لجهلهم أن لا ضابط يفرق بين الصحيح والسقيم منها. وإن زعم ذلك أهل الحديث. فرأوا أن الرأي الصائب أن يدعوا صحيحها وسقيمها وأن يقتصروا على ما يوافق بدعهم وآراءهم منها. ولا يخفى على دارس أن الأحاديث قد دُسَّ في جملتها -لأغراض شتى- الموضوعات والمكذوبات على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى راجت على بعض العلماء فاحتجوا بها لا في الفقه وحده بل في أمور العقيدة. خاصة مسائل الصفات ولذا أنكر بعض المحققين كابن قدامة تلك الأحاديث الضعيفة والموضوعة وروايتها ضمن عقائد السلف.
قال ابن قدامة (ينبغي أن يُعلم أن الأخبار الصحيحة التي ثبتت بها صفات الله تعالى هي الأخبار الصحيحة الثابتة بنقل العدول الثقات التي قبلها السلف ونقلوها ولم ينكروها ولا تكلموا فيها. وأما الأحاديث الموضوعة التي وضعتها الزنادقة ليلبسوا بها على أهل الإسلام أو الأحاديث الضعيفة إما لضعف رواتها أو جهالتهم أو لعلةٍ فيها فلا يجوز أن يقال بها ولا اعتقاد ما فيها بل وجودها كعدمها. وما وضعته الزنادقة فهو كقولهم الذي أضافوه إلى أنفسهم فمن كان من أهل المعرفة بذلك وجب عليه اتباع الصحيح واطراح ما سواه ومن كان عامياً ففرضه تقليد العلماء وسؤالهم لقول الله تعالى (فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون) وإن أشكل عليه علم ذلك ولم يجد من يسأله فليقف وليقل: آمنت بما قاله رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولا يثبت بها شيئاً، فإن كان هذا مما قاله رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقد آمن به وإن لم يكن منه فما آمن به)) (1)
.
__________
(1) ذم التأويل (47) .
_______________________________
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية منكراً على أبي يعلى روايته لبعض تلك الأحاديث الضعيفة في الصفات ((والمقصود هنا أن ما لم يكن ثابتاً عن الرسول لا نحتاج أن ندخله في هذا الباب سواء احتيج إلى تأويل أو لم يحتج)) (1) .
لكن لا يعني رواج تلك الأحاديث على قلة من العلماء -غير المحدّثين- اجتهدوا في إدخالها ضمن عقائد السلف أن ندع الحديث جملة ونفر منه إلى غيره. فهل هذا إلا تولية للأدبار عن الدين كله؟ بل كان الأولى بهؤلاء أن يجتهدوا في معرفة الأحاديث الصحيحة التي لا تعارض المعقول أبداً ويميزوا بينها وبين ضعيف الحديث كما فعل جهابذة الحديث ونقاده الذي اصطفاهم الله لذلك.
واعلم أن هذا الاختلاط في الأحاديث كان لِحكَم لا يحصيها إلا الله سبحانه: منها أن يظل كلامه تعالى متميزاً عن غيره من كلام البشر ولو كان كلام رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ومنها أن تكون فتنة للجهلة وأصحاب القلوب المريضة وامتحاناً يميز الله فيه الخبيث من الطيب، ومنها أن تظهر براعة علماء الحديث. ومنها أن يأجرهم الله تعالى على صبرهم واجتهادهم في تمييز الأحاديث، ومنها أن يتنافس العلماء في الصالحات، ومنها أن تكثر العلوم الإسلامية وتتنوع وينتشر لأجل ذلك طلب العلم والسعي فيه، ومنها أن يظهر فضل هذه الأمة في حفظ دين نبيها وأقواله والحرص على جمعها وتهذيبها بخلاف غيرها من الأمم ممن حرف وبدل، ومنها أن يغتاظ الشيطان وحزبه إذا رأوا هذا الجد من الأمة في حفظ سنة نبيها - صلى الله عليه وسلم -، وحكم أخرى غيرها.

__________
(1) درء التعارض (5/239) .

_________________________________
ثم اعلم أنه برغم هذا الاختلاط الظاهر في الأحاديث فإن سنة النبي - صلى الله عليه وسلم - تظل محفوظة من قبل الله لا يشك مسلم في ذلك لأنه تعالى تكفل بحفظها في قوله: (إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون) وقوله: (وأنزلنا إليك الكتاب لتبين للناس ما نزل إليهم من ربهم) وقوله: (أطيعوا الرسول) فإذا اعتُقِد أن بعضاً من تلك الأحاديث قد فقدت أو اختلطت بغيرها حتى لم تعد تعرف فكيف يطاع الرسول - صلى الله عليه وسلم - الذي أمر به تعالى؟ وكيف يُرَدُّ إلى حُكمه عند الاختلاف؟ فهل هذا إلا تكليف ما لا يطاق؟ وهل هذا إلا إيذانٌ بعدم كمال الدين واستمراره إلى يوم القيامة؟
وأيضاً فهذه الأحاديث ((ما اختلطت إلا على الجاهلين بها فأما العلماء بها فإنهم ينتقدونها انتقاد الجهابذة الدراهم والدنانير فيميزون زيوفها ويأخذون جيادها ولئن دخل في غمار الرواة من وسم بالغلط في الأحاديث فلا يروج ذلك على جهابذة أصحاب الحديث ورتوت (1) العلماء حتى إنهم عدو أغاليط من غلط في الأسانيد والمتون بل تراهم يعدون على كل رجل منهم في كم حديث غلط وفي كم حرف حرّف وماذا صحف؟ فإذا لم يرج عليهم أغاليط الرواة في الأسانيد والمتون والحروف فكيف يروج وضع الزنادقة وتوليدهم الأحاديث)) (2) .
ثالثاً: مما صرفهم عن المأثورات إلى تلك المعقولات هو حب التمايز على الآخرين وشهوة الانفراد بشيء غير معروف عند عامة الناس ليذكروا به ولا يكونوا كغيرهم من جملة أهل الحديث. وهذا السبب لم يزل في الناس قديماً وحديثاً فلو تدبرت حال كثير من أهل البدع لوجدت النشأة الأولى لهم هذه الشهوة الخفية.
__________
(1) قال ابن الأعرابي: الرت: رئيس البلد جمعها (رتوت) (الصحاح 249) .
(2) الحجة (2/134) .

__________________________________
قال الإمام أبو القاسم الأصبهاني واصفاً حال هؤلاء العقلانيين ((إني تدبرت هذا الشأن فوجدت عظم السبب فيه أن الشيطان صار بلطيف حيلته يسوّل لكل من أحس من نفسه بفضل ذكاء وذهن، يوهمه أنه إن رضي في علمه ومذهبه بظاهر السنّة، واقتصر على واضح بيان منها كان أسوة العامة، وعدّ واحداً من الجمهور والكافة، فحرّكهم بذلك على التنطع في النظر، والتبدع بمخالفة السنّة والأثر، ليبينوا بذلك عن طبقة الدهماء، ويتميزوا في الرتبة عمّن يرونه دونهم في الفهم والذكاء، واختدعهم بهذه المقدمة حتى استزلهم عن واضح المحجة، وأورطهم في شبهات تعلقوا بزخارفها، وتاهوا في حقائقها، ولم يخلصوا منها إلى شفاء نفس، ولا قبلوها بيقين علم، ولما رأوا كتاب الله تعالى ينطق بخلاف ما انتحلوه، ويشهد عليهم بباطل ما اعتقدوه، ضربوا بعض آياته ببعض وتأولوها على ما سنح لهم في عقولهم، واستوى عندهم على ما وضعوه من أصولهم، ونصبوا العداوة لأخبار رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولسننه المأثورة عنه، وردّوها على وجوهها وأساءوا في نقلتها القالة، ووجهوا عليهم الظنون، ورموهم بالتزيد، ونسبوهم إلى ضعف المنّة، وسوء المعرفة بمعاني ما يروونه من الحديث، والجهل بتأويله، ولو سلكوا سبيل القصد ووقفوا عندما انتهى بهم التوقيف، لوجدوا برد اليقين وروح القلوب، ولكثرت البركة وتضاعف النماء، وانشرحت الصدور، ولأضاءت فيها مصابيح النور، والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم)) (1) .
هذه الأسباب الثلاثة: تأثرهم بالعلم الوافد وضعفهم في علم الحديث وشهوة التفاضل على الغير. هي في نظري أهم الأسباب التي أدارت وجوه القوم إلى العقل والعقلانية وألجأتهم إليها.
__________
(1) الحجة (1/372) .










رد مع اقتباس
قديم 2012-09-25, 16:14   رقم المشاركة : 12
معلومات العضو
فقير إلى الله
عضو محترف
 
الصورة الرمزية فقير إلى الله
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

إذن … هذا هو حال العقلانيين الأوائل في هذه الأمة. فرقة سادت قليلاً ثم بادت. قال الدكتور مصطفى الشكعة ((أما المعتزلة فقد اندثر حزبهم كمذهب قائم بذاته فلم نعد في عصرنا الحديث نسمع عن الواصلية أو الهذيلية أو النظامية أو الجاحظية أو البشرية أوا لجبائية إلى غير ذلك من المدارس الاعتزالية الفرعية. وإنما ذاب المذهب في تعاليم الشيعة الإمامية والشيعة الزيدية بحيث أخذ المذهبان أطيب ما عند المعتزلة من أفكار! واطرحا ما قد توسط فيه علماء الاعتزال من تطرف واندفاع)) (1) .
قلت: ولكن بقيت من أصولها الفكرية الأصل الذي يغالي في دور العقل في أمور الشريعة وأصبح مناراً يهدي العقلانيين إلى سبيل الرشاد! ويدفعهم عن طريق الفساد!.
ثم جاء بعد المعتزلة آحاد الفلاسفة الإسلاميين المفترقين مكاناً وزماناً فزادوا في الميل إلى تلك المعقولات فكانت هي رأس مالهم. ولقد كانوا كما قال أحمد أمين ((فلاسفة أولاً ودينيين آخراً. لا ينظرون إلى الدين إلا عند ما تتعارض نظرية فلسفية مع الدين فيجدوا للتوفيق بينهما)) (2) . فلذا لم يؤثروا في حياة المسلمين كتأثير المعتزلة الذي خلطوا الدين بالكلام وموًّهواً على المسلمين بنصرة دينهم. وإنما اندثرت أفكارهم النظرية بموتهم فلم تبن مجتمعاً ولم تُقم على سلطة ولكنهم تلازموا وإياهم في تعظيم (العقل) لأنه كما قلت بضاعتهم الوحيدة، فهذا الرازي يتحدث كثيراً عن العقل في كتبه. ويأتي بعده ابن سيناء فيغلو في العقل إلى أن أطلقه على الله تبارك وتعالى. وأقربهم مودة إلى العقلانيين فيلسوف المغرب ابن رشد.
__________
(1) إسلام بلا مذاهب (619) .
(2) ضحى الإسلام (3/204) .









رد مع اقتباس
قديم 2012-09-25, 16:18   رقم المشاركة : 13
معلومات العضو
فقير إلى الله
عضو محترف
 
الصورة الرمزية فقير إلى الله
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

إذن بعد موت المعتزلة لم تقم فرقة واحدة تدعو إلى إعلاء العقل على حساب غيره وإنما لم تخل الأمة من أفراد يرفعون أصواتهم بين الحين والآخر مطالبين بتلك الفكرة لأسباب متنوعة. ويحضرني منهم فيلسوف المعرة - كما يُسَمّى- الشاعر أبا العلاء المعري.
وهو من ملاحدة الشعراء في كثرة اعتراضه على الشرع بل على الديانات كلها.
وتمجيده للعقل والإيمان الإلهي المجرد يقول عنه طه حسين ((لا يؤمن إلا للعقل وحده فخالف بهذا أهل السنة لأنهم يقدسون الشرع على العقل وإن آمنوا به وخالف مذهب المعتزلة لأنهم على تقديسهم للعقل يتخذون الشرع لنظرهم أصلاً ودليلاً يعتزون به ويلجئون إليه)) (1) . ويقول الدكتور عمر فروخ ((يعتقد المعري أن من اتسع عقله لم يضل هذا إذا كان له عقل! أما إذا لم يكن له عقل فهو يعمل أعماله بالتقاليد أو يساق إليها كالعجماوات. ولم يكتف المعري بأن يحكم العقل في الأمور التي جرت العادة بتحكيمه فيها بل أراد أن يكون العقل والفكر في أكثر الأغراض التي تناولها المعري في لزومياته حتى في العبادات وهو في كل ذلك يزدري شيئين ازدراءً شديداً التقليد والأخبار المروية. ولذلك تراه يتلقى كل خبر مروي أو كل عادة شائعة بميزان العقل)) (2) .

قلت: وهذا مصدق لما نبهتك عليه سابقاً من أن انتشار الأحاديث الضعيفة والموضوعة كان صارفاً لبعض الجهلة في الحديث - كالمعري مثلاً - إلى إعظام دور العقل. فهو يقول ناصحاً للأمة:
خذوا في سبيل العقل تهدوا بهديه ... ولا يرجون غير المهيمن راج
ولا تطفئوا نور المليك فإنه ... ممتع كل من حجا بسراج (3)
ويقف متحيراً أمام بعض الأحاديث الضعيفة التي تخالف العقل فيقول:
جاءت أحاديث إن صحت فإن لها ... شأناً ولكن فيها ضعف إسناد
__________
(1) تجديد ذكرى أبي العلاء (239) .
(2) تاريخ الفكر العربي (448) .
(3) لزوم ما لا يلزم (1/366) .









رد مع اقتباس
قديم 2012-09-25, 16:21   رقم المشاركة : 14
معلومات العضو
فقير إلى الله
عضو محترف
 
الصورة الرمزية فقير إلى الله
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

تابع

فشاور العقل واترك غيره هدراً ... فالعقل خير مشير ضمه النادي (1)

أي لا تتعب نفسك بدراسة علم الحديث ومصطلحه وإنما انبذ ذلك كله وشاور عقلك!.
ويقول:
عليك العقل وافعل ما رآه ... جميلاً فهو مشتار الشوار (2)
وهو الإمام والقائد للإنسان
كذب الظن لا إمام سوى ... العقل مقيماً في صبحه والمساء (3)
ويبلغ الغلو في تمجيد العقل عند هذا الملحد إلى أن ينزله منازل الأنبياء! كما صنع المعتزلة بالنصوص فهو يقول:
أيها الغِر إن خُصصت بعقل ... فاسألنه فكل عقل نبي! (4)
لم يكن أبو العلاء معتزلياً … كما ذكر طه حسين، فهو عندما أشاد بالعقل وقدسه قد ذم المعتزلة في شعره كثيراً وأعلن البراءة من مقولاتهم. خاصة قولهم بالقدر فهو يقول:
جنوا كبائر آثام وقد زعموا ... أن الصغائر تجني الخلد في النار (5)
وينصح سامعه بأن لا يكون منهم:
لا تعش مجبراً ولا قدرياً ... واجتهد في توسطٍ بين بينا (6)
ويخبر عن نفسه أنه بمعزل عنهم:
ارجوا واعتزلوا فإني ... عن مقالتكم بمعزل (7)
أي كونوا مرجئة أو معتزلة فلست معكم.

__________
(1) المصدر السابق (1/500) .
(2) المصدر السابق (2/756) .
(3) المصدر السابق (1/61) .
(4) المصدر السابق (3/1716) .
(5) المصدر السابق (2/736) .
(6) المصدر السابق (3/1579) .
(7) المصدر السابق (3/1357) .










رد مع اقتباس
قديم 2012-09-29, 02:09   رقم المشاركة : 15
معلومات العضو
فقير إلى الله
عضو محترف
 
الصورة الرمزية فقير إلى الله
 

 

 
إحصائية العضو










Hot News1 المدرسة العقلية الحديثة:

المدرسة العقلية الحديثة:
وفي عصر الزهاوي بدأت تتكامل ملامح مدرسة التجديد الديني التي غرس بذرها جمال الدين الأفغاني وتلاميذه في مصر. وهي المدرسة الوحيدة التي استطاعت مع بعض الاختلافات الطفيفة أن تشكل تياراً عقلانياً كتيار المعتزلة، فهو القاسم المشترك بين أعضائها وإن اختلفت وجهات كل واحد منهم في الأصول الدينية الأخرى.
والحديث عن هذه المدرسة العقلانية الحديثة -أعني مدرسة الأفغاني ومحمد عبده وتلاميذهما- مما يطول مداه وتكثر كلماته، حيث أن هذه المدرسة بحق قد خرَّجت كثيراً من العقلانيين المعاصرين الذي تتلمذوا على شيوخها مباشرة، أو عن طريق تراثهم، فأصبحوا يشكلون تياراً ضخماً في فترة من الفترات، فكان لهم رجالهم في السياسة وفي المجتمع وفي علوم الشريعة.. وهكذا في خليط عجيب لا يجمعهم سوى الالتقاء على مبادئ هذه العقلانية الجديدة التي زاحمت النصوص الشرعية وردت أو تأولت كثيراً منها بدعوى معارضتها للعقل أو للحضارة المادية المعاصرة.
فكان منهم: سعد زغلول وقاسم أمين وعبد العزيز جاويش وأحمد أمين ومحمود شلتوت….. الخ.
ثم تبع آثارهم من بعدهم كالغزالي والقرضاوي ومحمد عمارة وحسين أحمد أمين.
ثم من بعدهم كفهمي هويدي …. وهكذا في سلسلة يطول الحديث عنها. وفي ظني أن هذه المدرسة لم تحظ إلى الآن بدراسة شاملة عن أفكارها وأفرادها المنتمين إليها.. إنما هي أشتات دراسات (1) .
فلعل نابتها يقوم بهذه المهمة المفيدة (لتستبين سبيل) هذه المدرسة الغامضة التي احتفى بها الغرب كثيراً.
بعد هذه المدرسة القريبة العهد بنا، أصبحنا نسمع ونرى بين الحين والآخر رجالاً قد طالتهم أيدي هذا التيار فتمذهبوا بمذهبه في الرفع من شأن العقل والعقلانية على تفاوت في جرعات العقل فيما بينهم. فاسمع لأحدهم يقول ((أكاد واقطع بأننا لو سرنا في طريق التقليد مئات السنوات وانحرفنا عن نهر العقل فلن نستطيع التقدم خطوة واحدة في سبيل إرساء دعائم فلسفتنا العربية وكشف ما فيها من مواطن القوة والضعف)) (2) . ويعني بالتقليد… اتباع النصوص الشرعية! لا التقليد المتعارف عليه عند الفقهاء وأهل الأصول. لأنه جاهل لا شك بذلك!.
لا تثريب على فلاسفة اليونان وفلاسفة الغرب أن يقدسوا عقولهم ويرجعوا إليها في كل شاردة وواردة من أمور الغيب ونظم الحياة لأنهم قد ضلوا وأضلوا كثيراً وضلوا عن سواء السبيل. فقد حرموا نعمة الوحي الإلهي الذي يكشف للإنسان عن تلك العوالم المجهولة التي تخفى عليه ولا تطولها حواسه ولا عقله مهما عَظُم أو كبر وتكشف له قبل ذلك عن صفات الإله المعبود وذاته المقدسة وتريحه من عناء البحث المضني في ذلك والذي لن يأتِ بأي نتيجة لهذا الإنسان تكشف له عن أشياء كثيرة غائبة بل وحاضرة ولكن تخفى حكمتها عليه.
__________

(1) من أهمها دراسة الدكتور فهد الرومي عن منهج هذه المدرسة في التفسير - كما سبق -،

(2) ثورة العقل في الفلسفة العربية - د. محمد العراقي (13) .
____________
لا تثريب على فلاسفة اليونان والغرب! الذين ضلوا مع قوة عقولهم وذكائهم، ولكن كما قال الإمام الذهبي ((لعن الله الذكاء بلا إيمان ورضي الله عن البلادة مع التقوى)) (1) .
ولكن اللوم والأسى على من أنار الله بصيرته بالإسلام وشرح صدره بالقرآن من فلاسفتنا ومتكلمينا فنبذ كل ذلك وراء ظهره وآثر الضلال بعد الهدى والعمى بعد البصيرة جانحاً إلى فلاسفة اليونان الوثنيين وعقولهم يزاحم بها نصوص الكتاب والسنة.
قال الحافظ ابن حجر ((قد توسع من تأخر عن القرون الثلاثة الفاضلة في غالب الأمور التي أنكرها أئمة التابعين وأتباعهم ولم يقتنعوا بذلك حتى مزجوا مسائل الديانة بكلام اليونان وجعلوا كلام الفلاسفة أصلاً يردون إليه ما خالفه من الآثار بالتأويل ولو كان مستكرهاً ثم لم يكتفوا بذلك حتى زعموا أن الذي رتبوه هو أشرف العلوم وأولاها بالتحصيل وأن من لم يستعمل ما اصطلحوا عليه فهو عامي جاهل، فالسعيد من تمسك بما كان عليه السلف واجتنب ما أحدثه الخلف)) (2) .
__________
(1) سير أعلام النبلاء (14/62) .
(2) فتح الباري (13/267) .









رد مع اقتباس
إضافة رد

الكلمات الدلالية (Tags)
التعريب, العلمانيين, نقض أصول العقلانيين


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

الساعة الآن 10:36

المشاركات المنشورة تعبر عن وجهة نظر صاحبها فقط، ولا تُعبّر بأي شكل من الأشكال عن وجهة نظر إدارة المنتدى
المنتدى غير مسؤول عن أي إتفاق تجاري بين الأعضاء... فعلى الجميع تحمّل المسؤولية


2006-2024 © www.djelfa.info جميع الحقوق محفوظة - الجلفة إنفو (خ. ب. س)

Powered by vBulletin .Copyright آ© 2018 vBulletin Solutions, Inc