![]() |
|
القسم الاسلامي العام للمواضيع الإسلامية العامة كالآداب و الأخلاق الاسلامية ... |
في حال وجود أي مواضيع أو ردود
مُخالفة من قبل الأعضاء، يُرجى الإبلاغ عنها فورًا باستخدام أيقونة
( تقرير عن مشاركة سيئة )، و الموجودة أسفل كل مشاركة .
آخر المواضيع |
|
![]() |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
![]() |
رقم المشاركة : 1 | ||||
|
![]() نقض أصول العقلانيين
بسم الله الرحمن الرحيم نقض أصول العقلانيين ما هو العقل؟ أين مكانه؟ ما موقف الإسلام منه؟ كيف نرد على من يعظمه على حساب النصوص الشرعية؟ إعداد سليمان بن صالح الخراشي دار علوم السنة إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مُضل له، ومن يُضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله. أما بعد: فهذه عدة مباحث حول موضوع ((العقل)) و ((العقلانية)) أحببت أن أشارك بها في الحديث عن هذا الموضوع المتجدد الذي يخطف الشباب المسلم ببريقه، لا سيما في هذا الزمن الذي تعاظم فيه دور هذا العقل المخلوق، وتنوعت إنجازاته، فأصبح الحديث عنه وعن نظرة الإسلام له من المهمات للباحث المسلم. فسبب كتابة هذه المباحث هو أنني رأيت الفتنة بهذا العقل (المخلوق) قد طغت عند طائفة من الشباب الذين كانوا يسلكون درب الهدى والاعتدال، ثم انحرفوا مع هذه الفتنة الطارئة على بلادنا، معتقدين في عقولهم الاعتقادات الخاطئة ومضخمين لدورها في سَوْقهم نحو الجادة والطريق القويم على حساب النصوص الشرعية. ومما حفزني كثيراً للكتابة -أيضاً-: النظرة القاصرة التي ينظر بها أولئك الشباب -اتباعاً لرؤس العقلانيين- إلى متبعي النصوص الشرعية، معتقدين أنهم يبخسون العقل حقّه، فلا يستخدمونه في أيٍ من نواحي الحياة أو الشريعة، وفي هذا تشويه لأصحاب المنهج السلفي الذي كانوا وسطاً في نظرتهم إلى العقل، فلم يُلغوا دوره كما فعل غيرهم من الجامدين، ولم يغلوا فيه ويقحموه في مجالات مغيّبة لم يكن أهلاً لها. إنما استخدموه فيما أذن به الله ورسوله - صلى الله عليه وسلم -، ثم ألجموه بلجام النصوص الشرعية لكي لا يطغى عليها. وليُعلم أنني في هذا المبحث عالةً على من هم أعلم مني وأجلد على البحث والنظر من أهل السنة، فكنت معتمداً -بعد الله- على المصادر والمراجع التي سبقتني في الحديث عن هذا الموضوع، لا سيما كتاب شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- ((درء تعارض العقل والنقل)) الذي حاولت تلخيصه في مبحث: الرد على العقلانيين. ... وأسال الله أن ينفع بهذه الرسالة من قرأها، وأن يجعلها سلاحاً بيد أهل السنة في صولاتهم المتكررة مع العقلانيين وأذنابهم في هذا الزمان. ... وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم كتبه / سليمان بن صالح الخراشي في الرياض عام 1421هـ _______ ما هو العقل؟ : قال صاحب اللسان (1) ((العقل الحجر والنهي. ضد الحمق والجمع عقول)) وقال ابن الأنباري ((رجل عاقل وهو الجامع لأمره ورأيه)) ((وقيل العاقل الذي يحبس نفسه ويردها عن هواها أخذ من قوله قد اعتقل لسانه إذا حبس ومنع الكلام)) . ((والعقل التثبت في الأمور. والعقل القلب. والقلب العقل. وسمي العقل عقلاً لأنه يعقل صاحبه عن التورط في المهالك. أي يحبسه. وقيل العقل هو التمييز الذي به يتميز الإنسان من سائر الحيوان)) . قلت: والألفاظ المرادفة للعقل هي: اللب، الحِجْر، والنُهى، الحلم، الحجى. العقل في القرآن: ليس لإسم العقل وجود في كتاب الله العزيز وإنما يوجد ما تصرف منه نحو: عقلوه: وردت في موضع واحد من القرآن. تعقلون: وردت في أربعة وعشرين موضعاً من القرآن. نعقل: وردت في موضع واحد من القرآن. يعقلها: وردت في موضع واحد من القرآن. يعقلون: وردت في اثنتين وعشرين موضعاً من القرآن. __________ (1) مادة (عقل)
|
||||
![]() |
![]() |
رقم المشاركة : 2 | |||
|
![]() العقل في الحديث النبوي: |
|||
![]() |
![]() |
رقم المشاركة : 3 | |||
|
![]() العقل عند العلماء: |
|||
![]() |
![]() |
رقم المشاركة : 4 | |||
|
![]() واحتج أبو الحسن التميمي بقوله تعالى: (أفلم يسيروا في الأرض فتكون لهم قلوب يعقلون بها) وقال تعالى: (لهم قلوب لا يفقهون بها) واحتج أيضاً بما روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في حديث المدائني أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((والكبد رحمة والقلب ملك والقلب مسكن العقل)) . |
|||
![]() |
![]() |
رقم المشاركة : 5 | |||
|
![]() وقال النووي في شرحه لحديث ((ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب)) قال ((واحتج بهذا الحديث على أن العقل في القلب لا في الرأس وفيه خلاف مشهور مذهب أصحابنا وجماهير المتكلمين أنه في القلب وقال أبو حنيفة هو في الدماغ وقد يقال في الرأس وحكوا الأول أيضاً عن الفلاسفة والثاني عن الأطباء. قال المازري واحتج القائلون بأنه في القلب بقوله تعالى: (أفلم يسيروا في الأرض فتكون لهم قلوب يعقلون بها) وقوله تعالى: (إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب) وبهذا الحديث فإنه - صلى الله عليه وسلم - جعل صلاح الجسد وفساده تابعاً للقلب مع أن الدماغ من جملة الجسد فيكون صلاحه وفساده تابعاً للقلب فعلم أنه ليس محلاً للعقل. واحتج القائلون بأنه في الدماغ بأنه إذا فسد الدماغ فسد العقل ويكون من فساد الدماغ الصرع في زعمهم. ولا حجة لهم في ذلك لأن الله سبحانه وتعالى أجرى العادة بفساد العقل عند فساد الدماغ مع أن العقل ليس فيه ولا امتناع من ذلك. قال المازري لا سيما على أصولهم في الاشتراك الذي يذكرونه بين الدماغ والقلب وهم يجعلون بين رأس المعدة والدماغ اشتراكاً والله أعلم)) (1) . __________(1) شرح مسلم (11/29) . - --------------------------------------------------------- وقال شيخ الإسلام ((العقل قائم بنفس الإنسان التي تعقل. وأما من البدن فهو متعلق بقلبه كما قال تعالى: (أفلم يسيروا في الأرض فتكون لهم قلوب يعقلون بها) وقيل لابن عباس بماذا نلت العلم؟ قال: بلسان سؤول وقلب عقول. لكن لفظ القلب قد يراد به المضغة الصنوبرية الشكل التي في الجانب الأيسر من البدن التي جوفها علقة سوداء كما في الصحيحين عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ((إن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح لها سائر الجسد وإذا فسدت فسد لها سائر الجسد)) وقد يراد بالقلب باطن الإنسان مطلقاً فإن قلب الشيء باطنه كقلب الحنطة واللوزة والجوزة ونحو ذلك. وعلى هذا فإذا أريد بالقلب هذا فالعقل متعلق بدماغه أيضاً. ولهذا قيل إن العقل في الدماغ كما يقوله كثير من الأطباء. ونقل ذلك عن الإمام أحمد. ويقول طائفة من أصحابه إن أصل العقل في القلب فإذا كمل انتهى إلى الدماغ. والتحقيق أن الروح التي هي النفس لها تعلق بهذا وهذا وما يتصف من العقل به يتعلق بهذا وهذا لكن مبدأ الفكر والنظر في الدماغ ومبدأ الإرادة في القلب والعقل يراد به العلم ويراد به العمل فالعلم الاختياري أصله الإرادة وأصل الإرادة في القلب والمريد لا يكون مريداً إلا بعد تصور المراد. فلابد أن يكون القلب متصوراً فيكون منه هذا وهذا ويبتدئ ذلك من الدماغ وآثاره صاعدة إلى الدماغ فمنه المبتدأ وإليه الانتهاء وكلا القولين له وجه صحيح)) (1) . __________(1) الفتاوى (9/303) . ________________________________ قلت: علق الشيخ ابن عثيمين حفظه الله على قول شيخ الإسلام (قد يراد بالقلب باطن الإنسان مطلقاً…) فقال ((يعني به أنه إذا أريد بالقلب باطن الإنسان صار العقل متعلقاً بالقلب وبالدماغ لأن قوة التصور والإدراك في الدماغ وهي قوة باطنية ولكن هذا لا يعني أنه بالقلب باطن الإنسان في كل موطن حتى يقال إن العقل مشترك في تعلقه بين القلب الذي في الصدر والدماغ ولذلك لا يصح أن يراد بالقلب الدماغ في قوله تعالى: (ولكن تعمى القلوب التي في الصدور) وفي قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب)) (1) وكان قد أجاب حفظه الله قبل هذا الكلام على سؤال (أين محل العقل؟) فقال: ((الجواب عليه: أن الناس قد اختلفوا قديماً وحديثاً أين محل العقل؟ فقال بعضهم محله القلب. وقال بعضهم محله الدماغ ونقل عن الإمام أحمد. وقال آخرون محله القلب وله اتصال بالدماغ، فالقلب كالمولد للطاقة، والدماغ كالشمعة يضئ ويكشف الحقائق ولو احترقت لم نستفد من المولد شيئاً. وهذا القول جامع بين الدليل الشرعي والدليل الحسي. فإن الدليل الشرعي -الكتاب والسنة- دل على أن محل العقل والتحكم في تصرفات الإنسان هو القلب، قال الله تعالى: (أفلم يسيروا في الأرض فتكون لهم قلوب يعقلون بها أو آذان يسمعون بها فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور) فتأمل قوله سبحانه قلوب يعقلون بها، حيث جعل القلوب آلة العقل ثم أكد أن المراد به القلب الحقيقي الموجود في الصدور بقوله: (ولكن تعمى القلوب التي في الصدور) فدل هذا على أن القلب هو الذي يبصر المعاني ويميز بينها ويعقلها. وقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب)) فجعل مدار تصرف الجسد كله على القلب. __________ (1) الجواب المختار (71) . ____________________________________ وكم من آية وحديث يدل على مجازاة العبد على ما في قلبه، كقوله تعالى: (أفلا يعلم إذا بعثر ما في القبور وحصل ما في الصدور) . وأما الدليل الحسي فقد قام الدليل على أن للدماغ تأثيراً كبيراً في إحساس الإنسان وتصوراته وأنه إذا اختل الدماغ اختل التصور والإحساس. وأما قول من زعم أن العلم الحديث دل على أن المخ هو الذي يتحكم في تصرف الإنسان فيقال فيه: إن العقل قوة معنوية لا يمكن أن يدرك بواسطة الحس، فمن الجائز من حيث التصور أن يكون الله أودعه -أعني العقل- في أي جزء أو عضو من البدن، ونحن لا نشعر إلا عن طريق الوحي. والوحي قد دل على أن محله القلب فوجب اتباعه في ذلك. ويقال فيه أيضاً: العلم الحديث علم مخلوق بُني على استنتاجات قد تخطئ وقد تصيب، وعلم الوحي عِلمُ خالق يعلم ما خلق، وأين يقع علم المخلوق من علم الخالق؟ قال الله تعالى: (ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير) وتأمل قوله تعالى: (وهو اللطيف الخبير) حيث يدل على الخبرة وهي العلم ببواطن الأمور وعلى اللطافة وهي العلم بدقائق الأمور فالدقيق الخفي والباطن المستور كله مما يخفى على المخلوق، قال الله تعالى: (يعلمون ظاهراً من الحياة الدنيا) وقال تعالى: (ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي وما أوتيتم من العلم إلا قليلاً) . ولنضرب مثلاً - ولله المثل الأعلى- بصانع صمم جهازاً وصار يتحدث عن تركيبه ووظائف جزئياته، فهل يكون أعلم أم المهندس الذي لم يفهم من هذا الجهاز وجزئياته إلا ما يدركه بعد اختبار الجهاز والتخرص في وظائف جزئياته؟ إن من المعلوم أن صانعه الذي صممه أدرى الناس به وأعلمهم بوظائف جزئياته. وأما احتجاج من زعم أن العقل في المخ بأن المخ إذا اختل فقد عقله، وإن كان قلبه سليماً وأن القلب قد يمرض ويبقى عقله سليماً. فيقال في الرد عليه: لا شك أن للمخ تأثيراً على تصور الإنسان ووعيه، لقوة الصلة بينه وبين القلب كما مثله بعضهم بالشمعة والقلب بالمولد، لكن لا يلزم من ذلك أن يكون المخ هو محل العقل والتصرف في البدن والتحكم فيه. وأما كون القلب يمرض ويبقى العقل سليماً فالعقل قوة معنوية وليس قوة حسية، حتى يؤثر فيه المرض الحسي، فالقوة المعنوية تبقى سليمة وإن مرض محلها مرضاً حسياً. على أنه يمكن أن يقال إن المخ هو جهاز التصور والإدراك، فهو يتصور الأشياء ويدركها ثم يبعث بها إلى القلب والقلب يتصرف ويتحكم، كما نقول في حاسة السمع والبصر تدرك المسموع والمرئي وتبعث بها إلى القلب فيحكم ويتصرف وهذا جمع آخر بين الوحي وما يقال من العلم الحديث، ويؤيده أن الله تعالى نفى العقل عن الكفار مع أن لهم تصوراً وإدراكاً لكن لفساد تصرفهم صاروا كمفقودي العقل. فعلى هذا يكون محل تصور المعاني والمعقولات الدماغ، أما الذي يحكم البدن ويتصرف فيه فهو القلب، ومعلوم أنه إذا اختل محل التصور لم يمكن العقل لأن محل التصور هو الجسر الذي يعبر منه إلى القلب فإذا اختل لم يصل إلى القلب شيء فيختل العقل.)) إلى أن قال ((وأما قولك ولأجل أن لا يتعارض العلم مع القرآن (1) ألا يجوز أن نقول إن موضع التفكير هو المخ وإن القلب عضو كاليد والرجل وإنما نسب الله التفكير إلى القلب من باب مخاطبة الناس في ذلك بما يفهمون فجوابه: لا يجوز أن نقول ذلك فيما نرى لأن القرآن صريح في أن محل العقل القلب أو كالصريح في ذلك والسنة بينت ذلك أيضاً وما كان هكذا فلا يمكن تأويله لكن سبق أن ذكرنا أنه يمكن أن يكون أصل التفكير والتصور والإدراك في المخ ثم يبعث به إلى القلب والقلب يعقله ويدبر كما قلنا في حاستي السمع والبصر تدركان المسموع والمرئي ثم تبعثان به إلى القلب ليحكم بحسنه أو قبحه ثم يتصرف على ضوء ذلك)) إلى أن قال ((الذي ترجح عندي الآن أن التصور والإدراك للمعاني محله الدماغ ثم يبعث بذلك إلى القلب والقلب يأمر ويدبر فيبعث بأوامره إلى الدماغ والدماغ يحرك الأعضاء)) (2) . قلت: هذا ما كان يقوله شيوخ الإسلام الذين اتبعوا نصوص الكتاب والسنة وعظموها، وقدموها على غيرها من المعقولات التي يظن الجهلة أنها تخالفها، ثم جاء العلم الحديث شاهداً لما قالوه مؤيداً لما رجحوه، فلله الحمد والمنة. فقد اكتشف العلماء حديثاً أن قلب الإنسان يحتوي على عقلٍ آخر! مصداقاً لما أخبر الله به في قوله: (أفلم يسيروا في الأرض فتكون لهم قلوبٌ يعقلون بها) فأثبت سبحانه أن القلب يعقل. __________ (1) سيأتي قريباً -إن شاء الله- أن العلم لم يعارض القرآن في هذا، فلله الحمد. (2) الجواب المختار (66-71) . ______________________________________ فقد جاء في مجلة اليمامة (العدد 1607) تحقيق طبي عن آخر اكتشافات العلم الحديث حول وجود عقل في القلب اقتطف منه ما يلي لعله يكون عبرة لنا، فلا نبادر بمعارضة نصوص الكتاب والسنة بالمعقولات الساذجة فنكون ممن قال تعالى فيهم (بل كذبوا بما لم يُحيطوا بعلمه ولمَّا يأتهم تأويله) . يقول الدكتور فهد العريفي: " سبحان الله القائل في محكم التنزيل: (إنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور) وصدق رسوله الكريم القائل ((ألا إن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد ألا وهي القلب)) . كان للقرآن الكريم السبق في التدليل على أهمية هذه العضلة في تحديد شخصية الإنسان، بدءاً من دينه وانتهاءً بمعاملاته. وقد ساد عند كثير من العلماء فهماً مفاده أن القلب عبارة عن مضخة ميكانيكية للدم وأن مصدر العاطفة والمشاعر هو العقل ولمراد به المخ وليس القلب. فكل الأفكار والتصرفات والسلوك مصدرها المخ وأوّل بعض المفسرين دلالة القلب الواردة في الآيات القرآنية والأحاديث النبوية على أن المراد هو العقل. وأخيراً جاء العلم الحديث ليؤكد على أن القلب هو العقل الثاني المتحكم في المشاعر والسلوك". قال الدكتور: "منذ قرون خالت، وعندما لم يكن متاحاً عن علم الأعصاب سوى النزر اليسير، فتن الغموض الذي أحاط بالقلب والعقل وكيفية عملهما الداخلي ولكن خلال العامين والنصف الماضيين ازدادت المعرفة حول علم الأعصاب، مما أدى إلى اكتشاف المزيد من التفسيرات عن الحافز للإنسان، إخلاصه وولائه، الثقة، الالتزام، التغير السلوكي، أكثر من أي وقت مضى في تاريخ البشرية ولتوضيح هذه الاكتشافات دعونا نأخذ مثالاً بسيطاً: كلما كان لدينا خبرة مباشرة كمقابلة شخص لأول مرة مثلاً أو مواجهة تحد، أو مشكلة أو عندما تلوح لنا فرصة فهي تأتينا من خلال حواسنا الخمس وتنتقل عبر الجهاز العصبي حسب النموذج القديم الشبيه بدائرة كهربائية مباشرة إلى المخ فنفكر فيها ثم نستجيب بسلوك معين. وقد ثبت أن هذا الافتراض خاطئ بمعنى أننا نفكر في النهاية وليس في البداية. وفيما يلي بعض الآراء التي ثبتت الآن صحتها، فعندما نقابل شخصاً لأول مرة أو نواجه تحدياً أو مشكلة أو عندما تلوح لنا فرصة، فإن الموقف سواءً تجربة أو خبرة لا تذهب مباشرة إلى المخ لكي نفكر فيها بل بدلاً عن ذلك تأتي الخبرة عن كل حواسنا بما فيها مجموعة من الحواس المادية وتذهب في البدء إلى الشبكة العصبية في القلب وليس المخ. وهو ما يسمى حديثاً عند علماء الفسيلوجيا العصبية بالمخ الآخر. تشير بعض البحوث الرائدة التي أجراها بعض العلماء إلى أنه يوجد (مخ آخر) داخل الأمعاء والقلب يعرف بالجهاز العصبي الداخلي وهو مستقل عن المخ بيد أنه يتصل به في الجمجمة وذلك حسب رأي (مايكل فيرشون) رئيس قسم التشريح وعلم الأحياء الخلوية بكولمبيا. إن المكان الذي تذهب إليه كل تجربة أو خبرة هو القلب لا المخ. في التسعينات اكتشف علماء (علم القلب العصبي) الحقل الجديد الآخذ في الظهور، اكتشفوا عقلاً في القلب يتكون من 400.000 خلية عصبية من مختلف الأنواع إضافة إلى شبكة معقدة من المرسلات العصبية، البروتينات، الخلايا المساعدة وتؤدي عملاً مستقلاً عن الدماغ أو العقل. وهذا (المخ القلبي) كبير ومتسع تماماً كما اتساع المناطق الرئيسية في المخ (الدماغ المفكر) ومعقد بالقدر الذي يجعله كالمخ تماماً. وشبكة الاستقبال في القلب هي جهاز عصبي مستقل ولها طريق ذو اتجاهين يوصلها بالمخ. وهناك اكتشاف مدهش آخر هو أن دقات القلب ليست نبضات ميكانيكية لمضخة، بل لديها لغة ذكية تؤثر عن كيفية فهمنا وتفاعلنا مع العالم الخارجي. إن الدراسات الحديثة في علم الأعصاب توضح أن كل خفقة للقلب تحدث هناك. فمع كل خفقة للقلب يتدفق شلال عصبي يطلق خلايا عصبية من القلب لترسل فوراً إلى المخ عبر العصب الشوكي. إن الإشارات العصبية الخارجة من القلب ذات تأثير وأثر على ضبط العديد من إشارات الجهاز العصبي، الأوعية الدموية، العضلات، الغدد والأعضاء المحيطة بالقلب كما أن الرسائل العصبية من القلب تؤثر أيضاً على قشرة المخ الجزء المختص بعمليات التفكير والاستنتاج كما تؤثر إشارات القلب العصبية على مواقع الإدراك والأفعال ومناطق العاطفة. يتصل القلب بالمخ بطريقة أخرى، من خلال رسول كيمائي في النظام الهرموني للجسد وهذا ما يرمز له بهرمون التوازن "ANF" ولهرمون التوازن تأثير مهم على الجسد، والأوعية الدموية، ومناطق ضبط وتحكم متعددة في المخ. ويعتبر هذا الهرمون من خلال الدراسات الحديثة بأنه الباعث الأساسي للسلوك التحريضي، كالإخلاص والولاء والقبول. مع كل نبضة قلب هنالك شكل آخر من أشكال الاتصال الفوري مع كل الجسم، وهي عبارة عن موجة تنتقل عبر الشرايين بسرعة تفوق بمرات كثيرة سرعة تدفق الدم. يخلق نوعاً من لغة الاتصال بين القلب والمخ لأن عينات موجة الضغط الدموي عينات قلبية إيقاعية معقدة وبهذه الطريقة تؤثر على مجمل الجسم وكذلك المخ. ظهرت دراسات حديثة تبين أن الحقل الكهرومغناطيسي للقلب يعد تقريباً الأقوى بين الحقول الكهرومغناطيسية التي ينتجها الجسم وفي الواقع إنه يفوق الحقل الكهرومغناطيسي للمخ بخمسة آلاف (5000) مرة وطبقاً لأبحاث نُشرت في مجلة (طب القلب) الأمريكية فإن التغيرات الكهربائية في الإحساس التي يرسلها القلب البشري يمكن أن تُحس وتقاس على بعد 5 أقدام على الأقل. والحقل الكهرومغناطيسي للقلب ليس محصوراً على الجسم في التأثير ولكن أيضاً لديه إشعاع خارجي، وفي الأبحاث الحديثة يمكن قياس هذا الإشعاع من على بعد 2 إلى 3 أمتار بواسطة جهاز كشف حساس يسمى الماغنيتوميتر. وهذا أيضاً ما أكدته دراسات أجراها مجموعة من العلماء في جامعة أريزونا في الولايات المتحدة والتي قدمت دلائل على اتصال طاقة بين الحقلين الكهرومغناطيسيين للقلب والمخ. لذلك ليس غريباً أننا نستند في صدق علاقاتنا على شعورنا الفطري نحو الآخرين أكثر من اعتمادنا على الأفكار التي يتلفظون بها أو الكلمات التي يعتقدونها. وهذا ما يجعلنا نشعر أن شخصاً ما يبطن مشاعر الحب أو الكراهية وهذا ما يطلق عليه العامة عدم صفاء القلب تجاه الآخر. لكي نستمر في المثال حول نموذج ما يحدث خلال كل تجربة أو خبرة في العمل إنه تنقل من خلال نبضات عصبية هي ما تسمى المديولا-me dulla تقع في قاعدة المخ ومن هذه المنطقة فصاعداً إلى أعلى منطقة في المخ تحدث مراحل التفكير الرئيسية: جهاز تنشيط شبكي: توجد في قاعدة المخ نقطة توصيل تسمى بجهاز التنشيط الشبكي "ARS" متصل بالأعصاب الرئيسية من الحبل الشوكي والمخ، وتقوم بالبحث والفحص لحوالي 100 مليون نبضة تهاجم المخ في كل ثانية، فلا تسمح سوى للنبضات الهامة بالدخول لتنبه المخ فعلى سبيل المثال (جميع أجزاء الجسم تتلامس مع أشياء كالثوب والساعة والأشياء من حولنا جميعها ترسل إلى تلك المنطقة التي نقوم بتضبطها لعدم الأهمية مقارنة بمنظر أو مشهد أو صوت لشخص مهم) وهذا الجزء من الخ يقع بين منطقة رأس الحبل الشوكي وقاعدة ساق المخ وقد نمّى مع مرور الزمن نزعة موروثة على تضخيم الرسائل الورادة السالبة (كتصرف أو موقف أو كلمة من شخص) وتقليل الرسائل الإيجابية. فعندما يصيح شخص صيحة تحذيرية تقفز إلى أعلى، بغض النظر عن المتعة التي نكون منغمسين فيها، والتي نتركها لنهرب أو نستجيب لذلك الصوت، وفي عالم العمل اليومي يميل رد العقل المتأصل هذا إلى تعقيد الأمور، فكلمات نقد قليلة توجه إلينا، تُضخم وترسل من جهاز التنشيط الشبكي إلى مراكز المخ العليا الرئيسة كفيل بجعلنا نقف منزعجين وننبري للدفاع عن أنفسا. لماذا في نهاية يوم عمل روتيني سارت فيه جميع الأمور بصورة طيبة عدا أمر واحد لم يكن كذلك نظل منشغلين بذلك الأمر؟ هذه غريزة جهاز التنشيط الشبكي. بعد جهاز التنشيط الشبكي تكون المحطة التالية للأفكار وهي المنطقة الوسطى وتسمى "Limbic system" في المخ وهي منطقة المشاعر والإدراك وردود الفعل وكذلك تفسير العواطف في المخ. وهو يعمل 80.000 مرة أسرع من قشرة المخ حيث مكمن وموضع التفكير في المخ. وفي النهاية يصل الشلال العصبي (الأفكار) لانطباعاتنا عن التجربة التي مررنا بها أو الخبرة التي حصلنا علينا إلى منطقة التفكير في المخ والتي تسمى قشرة المخ. أي أن كل تجربة أو خبرة قد أحسسناها قد فسرها القلب ومناطق أخرى كالأمعاء وأسفل منطقة المخ قبل أن تصل إلى قشرة المخ التي تحصل على التحليل النهائي. بمعنى آخر إننا نفكر في النهاية وليس في البداية. لذلك نحن نثق في الآخرين بالعاطفة أو العواطف ونبدع ونحلق بالعواطف! ومحاولة الاعتماد على القشرة المخية لوحدها قد يعود إلى شلل في القدرة على التحليل. هذه هي المحطات التي تقطعها الأفكار والتجارب قبل أن تصل إلى قشرة المخ التي يتم فيها التحليل النهائي. وهذا القلب الذي منه وعبره تنطلق هذه التجارب والمشاعر. في ختام هذه الرحلة عبر أعضاء الإنسان يتبين عظمة الخالق وعظمة الإبداع (وفي أنفسكم أفلا تبصرون) وصدق العامة عند رفضهم لقبول شخص بأنه لم يدخل القلب، فهذه المشاعر مصدرها القلب. |
|||
![]() |
![]() |
رقم المشاركة : 6 | |||
|
![]() العقل عند الفلاسفة (1) : |
|||
![]() |
![]() |
رقم المشاركة : 7 | |||
|
![]() وقال أيضاً ((إن محاولة الجمع أو التوفيق بين الدين والفلسفة محاولة قديمة فهناك فئة من الناس اغترت بعقولها فذهبت تشرع للناس الشرائع في كل فن حتى وإن خالف شرع الله الذي جاءت به الرسل. وعندما اصطدمت تلك الآراء البشرية بشرع الله المنزل ظهرت فكرة الجمع بين الدين وتلك الآراء البشرية ومن هؤلاء فلاسفة اليونان قديماً. ثم جاء فيلون اليهودي (1) فجعل شريعة نبي الله موسى أساس الفلسفة. فذكر أن الكائنات بادئة من الله ونازلة إلى المادة وتتحد في الكلمة الإلهية ((لوجوس)) التي عنها فاضت الكائنات (2) . __________وفي النصرانية جاء كليمنتس (3) فذكر أن الفلسفة في ذاتها ليست شراً فالمعرفة معرفتان: إحداهما: عن طريق الوحي، بدأت في العهد القديم، واكتملت في العهد الجديد. (1) أحد فلاسفة اليهود وهو من الاسكندرية عاش فيما بين سنة 20 قبل الميلاد وتوفي سنة 50م فهو من معاصري المسيح عليه السلام، افتتن بالفلسفة اليونانية وجعل هدفه في الحياة هو التوفيق بين الكتاب المقدس وعادات اليهود من جهة والآراء اليونانية وبخاصة فلسفة أفلاطون من جهة أخرى. انظر: تاريخ الفلسفة اليونانية ليوسف كرم ص 247، قصة الحضارة 11/103 ول ديورانت.
(2) انظر الفلسفة اليونانية ليوسف كرم ص 250-251؛ تاريخ الفلسفة العربية 1/106-107- حنا الفاخوري، د- خليل الجر؛ تاريخ الفلسفة العربية ص 456 د- جميل صليبا. (3) هو كليمنتس الاسكندري عاش فيما بين سنة 150-207م ولد في الاسكندرية وقيل في أثينا، وجال في شبابه أنحاء فلسطين وسوريا واليونان وإيطاليا يتفرج على البلاد ويدرس على مشاهير المعلمين فعرف الأسرار الوثنية، والمذاهب وانتهى بتفضيل الأفلاطونية ولكنه لم يتحقق له فيها شيء من أمانيه الروحية فاعتنق المسيحية، رحل في آخر حياته إلى آسيا الصغرى هرباً من الاضطهاد وهناك توفي. انظر تاريخ الفلسفة اليونانية ص269 ليوسف كرم. |
|||
![]() |
![]() |
رقم المشاركة : 8 | |||
|
![]() والثانية: عن طريق العقل الطبيعي، وهي التي جاء بها فلاسفة اليونان. |
|||
![]() |
![]() |
رقم المشاركة : 9 | |||
|
![]() .. إذن ((إن محاولة الجمع بين الشريعة والفلسفة واحدة من المحاولات التي قام بها أعداء الدين من متفلسفة وقرامطة وصوفية وغيرهم من ذوي الأطماع والعصبية الحادة ضد تلك العقيدة الصافية وقد كانت تلك المحاولة من أخطر المحاولات التي مرت على الفكر الإسلامي. فقد أدت إلى خلق بلبلة وفوضى فكرية نتج عنها جمود في أمتنا الإسلامية وطغيان أهل البدع)) (1) . ومن هذا الجمع المتهافت بين الإسلام والفلسفة ما نحن فيه من قضية (العقل) وما هيته فقد قام فلاسفتنا (2) بتتبع المأثورات الشاذة والضعيفة وحملها على أقوال الفلاسفة وتم لهم ذلك في قضية (العقل) بوجود مقدار لا بأس به من الأحاديث الموضوعة في فضل العقل، كان منها حديث العقل المشهور الذي أصبح عمدتهم الأولى في هذه القضية يُدللون به على صحة قول الفلاسفة في تعريفهم له. وأعني به الحديث الذي يقول متنه ((أول ما خلق الله العقل قال له: أقبل فأقبل فقال له: أدبر فأدبر فقال وعزتي وجلالي ما خلقت خلقاً أكرم عليّ منك فبك آخذ وبك أعطي وبك الثواب وبك العقاب)) (3) . وهذا الحديث موضوع وكذب عند أهل العلم بالحديث. قال شيخ الإسلام عنه ((اتفق أهل المعرفة بالحديث على أنه ضعيف بل هو موضوع على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقد ذكر الحافظ أبو حاتم البستي وأبو الحسن الدارقطني والشيخ أبو الفرج ابن الجوزي وغيرهم أن الأحاديث المروية عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في العقل لا أصل لشيء منها. وليس في رواتها ثقة يعتمد)) (4) . |
|||
![]() |
![]() |
رقم المشاركة : 10 | |||
|
![]() العقل عند المعتزلة:
أما عند أصحابنا من علماء الكلام (وأعني بهم المعتزلة خاصة) فكيف تطورت أحوالهم حتى ضاهوا الشرع بعقولهم وجعلوه حاكماً على النصوص لا محكوماً لها؟ فأقول: ((لما ظلمت الأرض وبعد عهد أهلها بنور الوحي وتفرقوا في الباطل فرقاً وأحزاباً لا يجمعهم جامع ولا يحصيهم إلا الذي خلقهم فإنهم فقدوا نور النبوة ورجعوا إلى مجرد العقول فكانوا كما قال - صلى الله عليه وسلم - فيما يروي عن ربه أنه قال: ((إني خلقت عبادي حنفاء وأنهم أتتهم الشياطين فاجتالتهم عن دينهم وحرمتْ عليهم ما أحللتُ لهم وأمرتهم أن يشركوا بي ما لم أنزل به سلطاناً وأن الله نظر إلى أهل الأرض فمقتهم عربهم وعجمهم إلا بقايا من أهل الكتاب)) (1) . فكان أهل العقول كلهم في مقته إلا بقايا متمسكين بالوحي فلم يستفيدوا بعقولهم حين فقدوا نور الوحي إلا عبادة الأوثان أو الصلبان أو النيران أو الكواكب والشمس والقمر أو الحيرة والشك أو السحر أو تعطيل الصانع والكفر به فاستفادوا بها مقت الرب سبحانه لهم وإعراضه عنهم فأطلع الله شمس الرسالة في تلك الظلم سراجاً منيراً وأنعم بها على أهل الأرض في عقولهم وقلوبهم ومعاشهم ومعادهم نعمة لا يستطيعون لها شكوراً فأبصروا بنور الوحي ما لم يكونوا بعقولهم يبصرونه ورأوا في ضوء الرسالة ما لم يكونوا بآرائهم يرونه فكانوا كما قال الله تعالى: (الله ولي الذي آمنوا يخرجهم من الظلمات إلى النور) وقال: (آلر كتاب أنزلناه إليك لتخرج الناس من الظلمات إلى النور بإذن ربهم إلى صراط العزيز الحميد) وقال: (وكذلك أوحينا إليك روحاً من أمرنا ما كنت تدري ما الكتاب ولا الإيمان ولكن جعلنه نوراً نهدي به من نشاء من عبادنا) وقال: (أومن كان ميتاً فأحييناه وجعلنا له نوراً يمشي به في الناس كمن مثله في الظلمات ليس بخارج منها) فمضى الرعيل الأول في ضوء ذلك النور لم تطفئه عواصف الأهواء ولم تلتبس به ظلم الآراء وأوصوا من بعدهم أن لا يفارقوا النور الذي اقتبسوه منهم وأن لا يخرجوا عن طريقتهم)) (2) __________ (1) رواه مسلم (1598) وهذا الحديث دليل على دم العرب ما لم يكن معهم إسلام. (2) الصواعق المرسلة لابن القيم (3/1068) . _________________________________ فكان من شأن الصحابة أنهم لم يقدموا عقولهم بين يدي الله ورسوله - صلى الله عليه وسلم - بل كان دليل أحدهم إذا استدل إنما هو آية من كتاب الله أو سنة رسوله - صلى الله عليه وسلم -. فهذا أبو سعيد الخدري رضي الله عنه لما سمع بمقالة ابن عباس رضي الله عنهما الأولى في الربا - قبل أن يرجع عنها - وهي حديث (إنما الربا في النسيئة) قال أبو سعيد له ((أرأيت هذا الذي تقول شيء سمعته من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أو وجدته في كتاب الله عز وجل؟)) . فهاتان هما الحجتان الملزمتان للناس عند الصحابة: كتاب من الله أو سنة من رسوله - صلى الله عليه وسلم - مصداقاً لقوله تعالى: (يا أيها الذي آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول) وكان أحدهم رضي الله عنهم يغضب إذا عورض حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بقول غيره من البشر ولو كان من حكماء اليونان! فقد جاء في صحيح مسلم أن عمران بن حصين رضي الله عنه ذكر لأصحابه حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: ((الحياء لا يأتي إلا بخير)) فقال أحدهم وهو بشير بن كعب ((أنه مكتوب في الحكمة أن منه وقاراً ومنه سكينة)) فقال عمران ((أحدثك عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وتحدثني عن صحفك)) ! وفي رواية: فغضب عمران حتى احمرتا عيناه وقال ((ألا أراني أحدثك عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وتعارض فيه)) قال فأعاد عمران الحديث. قال فأعاد بشير. فغضب عمران قال فمازلنا نقول فيه: إنه منا يا أبا نجيد إنه لا بأس به)) (1) قال النووي ((وقولهم إنه منا لا بأس به معناه ليس هو ممن يتهم بنفاق أو زندقة أو بدعة أو غيرها مما يخالف به أهل الاستقامة)) . __________ (1) مسلم بشرح النووي (2/7) . ___________________________ إذن فالصحابة لم يعارضوا ولم يرضوا بمعارضة حديث رسول - صلى الله عليه وسلم - بغيره من المعقولات، وإذا أشكل عليهم شيء من ذلك كانوا ((يوردون إشكالاتهم على النبي - صلى الله عليه وسلم - فيجيبهم عنها وكانوا يسألونه عن الجمع بين النصوص التي يوهم ظاهرها التعارض، ولم يكن أحد منهم يورد عليه معقولاً يعارض النص البتة، ولا عرف فيهم أحد -وهم أكمل الأمم عقولاً - عارض نصاً بعقله يوماً من الدهر، وإنما حكى الله سبحانه ذلك عن الكفار، كما تقدم، وثبت في الصحيح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: ((من نوقش الحساب عذب)) ، فقالت عائشة: يا رسول الله، أليس الله يقول: (فأما من أوتي كتابه بيمينه. فسوف يحاسب حساباً يسيراً) . فقال: ((بلى ولكن ذلك العرض ومن نوقش الحساب عذب)) (1) ، فأشكل عليها الجمع بين النصين حتى بين لها صلوات الله وسلامه عليه أنه لا تعارض بينهما وأن الحساب اليسير هو العرض الذي لابد أن يبين الله فيه لكل عامل عمله، كما قال تعالى: (يومئذٍ تعرضون لا تخفى منكم خافية) . حتى إذا ظن أنه لن ينجو نجاه الله تعالى بعفوه ومغفرته ورحمته فإذا ناقشه الحساب عذبه ولابد. __________ (1) رواه البخاري (فتح الباري 1/196،197) ، ومسلم (4/2204) . ________________________________ ولما قال: - صلى الله عليه وسلم - ((لا يدخل النار أحد بايع تحت الشجرة)) قالت له حفصة: أليس الله يقول: (وإن منكم إلا واردها) قال: ((ألم تسمعي قوله تعالى (ثم ننجي الذين اتقوا ونذر الظالمين فيها جثياً)) ) فأشكل عليها الجمع بين النصين وظنت الورود دخولها كما يقال ورد المدينة إذا دخلها فأجاب النبي - صلى الله عليه وسلم - بأن ورود المتقين غير ورود الظالمين فإن المتقين يردونها وروداً ينجون به من عذابها والظالمين يردونها وروداً يصيرون جثياً فيها به. فليس الورود كالورود)) (1) إلى غير ذلك من مراجعتهم لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - ((فلما كان في أواخر عصرهم حدثت الشيعة والخوارج، والقدرية والمرجئة، فبعدوا عن النور الذي كان عليه أوائل الأئمة، ومع هذا فلم يفارقوه بالكلية، بل كانوا للنصوص معظمين، وبها مستدلين، ولها على العقول والآراء مقدمين، ولم يَدَّع أحد منهم أن عنده عقليات تعارض النصوص، وإنما أتوا من سوء الفهم فيها، والاستبداد بما ظهر لهم منها، دون من قبلهم، ورأوا أنهم إن اقتفوا أثرهم كانوا مقلدين لهم فصاح بهم من أدركهم من الصحابة وكبار التابعين من كل قطر، ورموهم بالعظائم، وتبرءوا منهم، وحذروا من سبيلهم أشد التحذير، ولا يرون السلام عليهم ولا مجالستهم، وكلامهم فيهم معروف في كتب السنة، وهو أكثر من أن يذكر هاهنا، فلما كثرت الجهمية في أواخر عصر التابعين كانوا هم أول من عارض الوحي بالرأي، ومع هذا كانوا قليلين أولاً مقموعين مذمومين عند الأئمة، وأولهم شيخهم الجعد بن درهم، وإنما نفق عند الناس بعض الشيء لأنه كان معلم مروان بن محمد وشيخه ولهذا كان مروان يسمى مروان الجعدي وعلى رأسه سلب الله بني أمية الملك والخلافة وشتتهم في البلاد ومزقهم كل ممزق ببركة شيخ المعطلة النفاة، فلما اشتهر أمره في المسلمين، طلبه خالد بن عبد الله القسري، وكان أميراً على العراق، حتى ظفر به، __________ (1) الصواعق (3/1052) . ___________________________________ فخطب الناس في يوم الأضحى، وكان آخر ما قال في خطبته: أيها الناس، ضحوا تقبل الله ضحاياكم، فإني مضحٍ بالجعد بن درهم فإنه زعم أن الله لم يكلم موسى تكليماً، ولم يتخذ إبراهيم خليلاً، تعالى الله عما يقول الجعد علواً كبيراً ثم نزل فذبحه في أصل المنبر، …… ثم طفئت تلك البدعة فكانت كأنها حصاة رمي بها، والناس إذ ذاك عنق واحد أن الله فوق سمواته على عرشه بائن من خلقه موصوف بصفات الكمال ونعوت الجلال وأنه كلم عبده ورسوله موسى تكليماً وتجلى للجبل فجعله دكاً هشيماً إلى أن جاء أول المائة الثالثة، وولي على الناس عبد الله المأمون، وكان يحب أنواع العلوم، وكان مجلسه عامراً بأنواع المتكلمين في العلوم، فغلب عليه حب المعقولات، فأمر بتعريب كتب يونان، وأقدم لها المترجمين من البلاد، فعربت له، واشتغل بها الناس، والملك سوق ما سوق فيه جلب إليه، فغلب على مجلسه جماعة من الجهمية ممن كان أبوه الرشيد قد أقصاهم وتتبعهم بالحبس والقتل فحشوا بدعة التجهم في أذنه وقلبه فقبلها، واستحسنها، ودعا الناس إليها، وعاقبهم عليها)) (1) . ومنذ ذلك الحين تميزت فرقة أهل الاعتزال بمغالاتها في العقل ومقاييسه وتقديمه على ما يظن مخالفاً له من النصوص الشرعية وعرفت بذلك بين فرق الإسلام المختلفة. والذي دعاهم إلى هذا الالتفاف حول العقل في ظني أمور كثيرة -والعلم عند الله تعالى- منها: __________ (1) الصواعق (3/1069) . أولاً: أخذهم من تراث الأولين من فلاسفة اليونان ممّن لم ينعموا بمصاحبة وحي إلهي يقود مسيرتهم فصاروا يقضون في شؤونهم كلها بهذا العقل الذي زادوا من سلطانه وانفراده فكانت مصنفات أولئك الفلاسفة تضم المقاييس العقلية في شكل منطق يتحاكم إليه في القضايا العقلية. فتابعهم في ذلك المتكلمون والمعتزلة من أهل الإسلام وأعجبوا بصنيعهم ذلك. وكل هذا بفضل جهود الترجمة التي قام بها بعض الخلفاء فأوقعوا الأمة في هذه المصائب المتتالية من حيث ظنوا أنهم يحسنون صنعاً بها. ويشهد لذلك: أن المعتزلة لم يعلُ صيتهم وتظهر عقلانيتهم واضحة إلا في عهد الخليفة المأمون الذي مهّد السبيل للاقتباس من كتب اليونان وأعانهم عليها (1) . حتى أحدثت الفلسفة - كما يقول زهدي حسين - ((في حياتهم انقلاباً خطيراً وفي تفكيرهم ثورة عنيفة لأنهم بعد أن وقفوا على مواضيعها وتعمقوا فيها أحبوها لذاتها وتعلقوا بها فنتج عن ذلك أمران: أنهم صاروا يعظمون الفلاسفة اليونان وينظرون إليهم نظرة أسمى وأقدس من نظرتنا إليهم اليوم ويضعونهم في مرتبة تقرب من عتبة النبوة. ثم آمنوا بأقوالهم واعتبروها كما يقول أوليري مكملة لتعاليم دينهم. وانهمكوا لذلك في إظهار الاتفاق الجوهري بينها فبدأ عمل المعتزلة الآخر المهم ألا وهو التوفيق بين الدين الإسلامي وبين الفلسفة اليونانية.. ذلك العمل الذي تركوه لمن خلفهم من الفلاسفة المسلمين كابن رشد والفارابي والكندي الذين قاموا بنصيبهم فيه وكانوا لا يقلون عنهم عناية به وتحمساً له. __________ (1) نقل السيوطي عن شيخ الإسلام أنه ((كان يقول: ما أظن الله يغفل عن المأمون ولابد أن يقابله على ما اعتمده مع هذه الأمة من إدخاله هذه العلوم الفلسفية بين أهلها أو كما قال)) (صون المنطق 9) . __________________________ أن المعتزلة أخذوا يبتعدون عن أهدافهم الدينية ويهملون تدريجياً عقائدهم اللاهوتية ويزدادون انصرافاً إلى المسائل الفلسفية حتى جاء وقت كادت جهودهم فيه تقتصر على البحث في مواضيع الفلسفة البحتة كالحركة والسكون والجوهر والعرض والموجود والمعدوم والجزء الذي لا يتجزأ… إن اشتغال المعتزلة بالتوفيق بين الدين والفلسفة وشغفهم بالأبحاث الفلسفية وتعمقهم فيها جعلهم يتأثرون بالفلسفة كثيراً ويصبغون بها معظم أقوالهم. ولهذا قال شتينز: إن الاعتزال في تطوراته الأخيرة كان أكثره متأثراً بالفلسفة اليونانية)) (1) . فإن قيل بأنهم قد سبقوا هذه الترجمة. فنقول إن ترجمة تراث الأقدمين ليست مقصورة على الخليفة المأمون ولكنه هو الذي تولى كِبْرها. فقد بدأت الترجمة كما يُذكر في عهد الخليفة المنصور الذي أوعز إلى ابن المقفع بترجمة بعض كتب المنطق ككتاب (المقولات) ((وبعد مضي عصر المنصور أتى عصر المهدي وانتهى ومر عصر الهادي بعد عصر المهدي دون أن تُؤثر عنهما أو عن واحد من الأشخاص البارزة في وقتهما شيء يتعلق بالترجمة في عمومها فضلاً عن ترجمة الفلسفة بمعناها الخاص)) (2) . أما الرشيد فقد أمر بإعادة ترجمة الكتب التي سبقت ترجمتها في العهود التي قبله أكثر من تشجيعه على ترجمة كتب جديدة. ثم جاء عصر المأمون وهو العصر الذهبي للترجمة كما يقال. __________ (1) المعتزلة (49) . (2) الجانب الإلهي من التفكير الإسلامي - محمد البهي (169) . |
|||
![]() |
![]() |
رقم المشاركة : 11 | |||
|
![]() قال ابن صاعد في طبقات الأمم ((لما أفضت الخلافة إلى المأمون تمم ما بدأ به جده المنصور فأقبل على طلب العلم من مواطنه واستخراجه من معادنه بفضل همته الشريفة! وقوة نفسه الفاضلة! فداخل ملوك الروم وأتحفهم وسألهم صلته بما لديهم من كتب الفلاسفة فبعثوا إليه بما حضرهم من كتب أفلاطون وأرسطو وبقراط … وغيرهم من الفلاسفة فاختار لها مهرة التراجمة وكلفهم إحكام ترجمتها فترجمت له على غاية ما يمكن ثم حض الناس على قراءتها ورغبهم في تعليمها)) (1) . |
|||
![]() |
![]() |
رقم المشاركة : 12 | |||
|
![]() إذن … هذا هو حال العقلانيين الأوائل في هذه الأمة. فرقة سادت قليلاً ثم بادت. قال الدكتور مصطفى الشكعة ((أما المعتزلة فقد اندثر حزبهم كمذهب قائم بذاته فلم نعد في عصرنا الحديث نسمع عن الواصلية أو الهذيلية أو النظامية أو الجاحظية أو البشرية أوا لجبائية إلى غير ذلك من المدارس الاعتزالية الفرعية. وإنما ذاب المذهب في تعاليم الشيعة الإمامية والشيعة الزيدية بحيث أخذ المذهبان أطيب ما عند المعتزلة من أفكار! واطرحا ما قد توسط فيه علماء الاعتزال من تطرف واندفاع)) (1) . __________قلت: ولكن بقيت من أصولها الفكرية الأصل الذي يغالي في دور العقل في أمور الشريعة وأصبح مناراً يهدي العقلانيين إلى سبيل الرشاد! ويدفعهم عن طريق الفساد!. ثم جاء بعد المعتزلة آحاد الفلاسفة الإسلاميين المفترقين مكاناً وزماناً فزادوا في الميل إلى تلك المعقولات فكانت هي رأس مالهم. ولقد كانوا كما قال أحمد أمين ((فلاسفة أولاً ودينيين آخراً. لا ينظرون إلى الدين إلا عند ما تتعارض نظرية فلسفية مع الدين فيجدوا للتوفيق بينهما)) (2) . فلذا لم يؤثروا في حياة المسلمين كتأثير المعتزلة الذي خلطوا الدين بالكلام وموًّهواً على المسلمين بنصرة دينهم. وإنما اندثرت أفكارهم النظرية بموتهم فلم تبن مجتمعاً ولم تُقم على سلطة ولكنهم تلازموا وإياهم في تعظيم (العقل) لأنه كما قلت بضاعتهم الوحيدة، فهذا الرازي يتحدث كثيراً عن العقل في كتبه. ويأتي بعده ابن سيناء فيغلو في العقل إلى أن أطلقه على الله تبارك وتعالى. وأقربهم مودة إلى العقلانيين فيلسوف المغرب ابن رشد. (1) إسلام بلا مذاهب (619) . (2) ضحى الإسلام (3/204) . |
|||
![]() |
![]() |
رقم المشاركة : 13 | |||
|
![]() إذن بعد موت المعتزلة لم تقم فرقة واحدة تدعو إلى إعلاء العقل على حساب غيره وإنما لم تخل الأمة من أفراد يرفعون أصواتهم بين الحين والآخر مطالبين بتلك الفكرة لأسباب متنوعة. ويحضرني منهم فيلسوف المعرة - كما يُسَمّى- الشاعر أبا العلاء المعري. __________وهو من ملاحدة الشعراء في كثرة اعتراضه على الشرع بل على الديانات كلها. وتمجيده للعقل والإيمان الإلهي المجرد يقول عنه طه حسين ((لا يؤمن إلا للعقل وحده فخالف بهذا أهل السنة لأنهم يقدسون الشرع على العقل وإن آمنوا به وخالف مذهب المعتزلة لأنهم على تقديسهم للعقل يتخذون الشرع لنظرهم أصلاً ودليلاً يعتزون به ويلجئون إليه)) (1) . ويقول الدكتور عمر فروخ ((يعتقد المعري أن من اتسع عقله لم يضل هذا إذا كان له عقل! أما إذا لم يكن له عقل فهو يعمل أعماله بالتقاليد أو يساق إليها كالعجماوات. ولم يكتف المعري بأن يحكم العقل في الأمور التي جرت العادة بتحكيمه فيها بل أراد أن يكون العقل والفكر في أكثر الأغراض التي تناولها المعري في لزومياته حتى في العبادات وهو في كل ذلك يزدري شيئين ازدراءً شديداً التقليد والأخبار المروية. ولذلك تراه يتلقى كل خبر مروي أو كل عادة شائعة بميزان العقل)) (2) . قلت: وهذا مصدق لما نبهتك عليه سابقاً من أن انتشار الأحاديث الضعيفة والموضوعة كان صارفاً لبعض الجهلة في الحديث - كالمعري مثلاً - إلى إعظام دور العقل. فهو يقول ناصحاً للأمة: خذوا في سبيل العقل تهدوا بهديه ... ولا يرجون غير المهيمن راج ولا تطفئوا نور المليك فإنه ... ممتع كل من حجا بسراج (3) ويقف متحيراً أمام بعض الأحاديث الضعيفة التي تخالف العقل فيقول: جاءت أحاديث إن صحت فإن لها ... شأناً ولكن فيها ضعف إسناد (1) تجديد ذكرى أبي العلاء (239) . (2) تاريخ الفكر العربي (448) . (3) لزوم ما لا يلزم (1/366) . |
|||
![]() |
![]() |
رقم المشاركة : 14 | |||
|
![]() تابع |
|||
![]() |
![]() |
رقم المشاركة : 15 | |||
|
![]() المدرسة العقلية الحديثة:
وفي عصر الزهاوي بدأت تتكامل ملامح مدرسة التجديد الديني التي غرس بذرها جمال الدين الأفغاني وتلاميذه في مصر. وهي المدرسة الوحيدة التي استطاعت مع بعض الاختلافات الطفيفة أن تشكل تياراً عقلانياً كتيار المعتزلة، فهو القاسم المشترك بين أعضائها وإن اختلفت وجهات كل واحد منهم في الأصول الدينية الأخرى. والحديث عن هذه المدرسة العقلانية الحديثة -أعني مدرسة الأفغاني ومحمد عبده وتلاميذهما- مما يطول مداه وتكثر كلماته، حيث أن هذه المدرسة بحق قد خرَّجت كثيراً من العقلانيين المعاصرين الذي تتلمذوا على شيوخها مباشرة، أو عن طريق تراثهم، فأصبحوا يشكلون تياراً ضخماً في فترة من الفترات، فكان لهم رجالهم في السياسة وفي المجتمع وفي علوم الشريعة.. وهكذا في خليط عجيب لا يجمعهم سوى الالتقاء على مبادئ هذه العقلانية الجديدة التي زاحمت النصوص الشرعية وردت أو تأولت كثيراً منها بدعوى معارضتها للعقل أو للحضارة المادية المعاصرة. فكان منهم: سعد زغلول وقاسم أمين وعبد العزيز جاويش وأحمد أمين ومحمود شلتوت….. الخ. ثم تبع آثارهم من بعدهم كالغزالي والقرضاوي ومحمد عمارة وحسين أحمد أمين. ثم من بعدهم كفهمي هويدي …. وهكذا في سلسلة يطول الحديث عنها. وفي ظني أن هذه المدرسة لم تحظ إلى الآن بدراسة شاملة عن أفكارها وأفرادها المنتمين إليها.. إنما هي أشتات دراسات (1) . فلعل نابتها يقوم بهذه المهمة المفيدة (لتستبين سبيل) هذه المدرسة الغامضة التي احتفى بها الغرب كثيراً. بعد هذه المدرسة القريبة العهد بنا، أصبحنا نسمع ونرى بين الحين والآخر رجالاً قد طالتهم أيدي هذا التيار فتمذهبوا بمذهبه في الرفع من شأن العقل والعقلانية على تفاوت في جرعات العقل فيما بينهم. فاسمع لأحدهم يقول ((أكاد واقطع بأننا لو سرنا في طريق التقليد مئات السنوات وانحرفنا عن نهر العقل فلن نستطيع التقدم خطوة واحدة في سبيل إرساء دعائم فلسفتنا العربية وكشف ما فيها من مواطن القوة والضعف)) (2) . ويعني بالتقليد… اتباع النصوص الشرعية! لا التقليد المتعارف عليه عند الفقهاء وأهل الأصول. لأنه جاهل لا شك بذلك!. لا تثريب على فلاسفة اليونان وفلاسفة الغرب أن يقدسوا عقولهم ويرجعوا إليها في كل شاردة وواردة من أمور الغيب ونظم الحياة لأنهم قد ضلوا وأضلوا كثيراً وضلوا عن سواء السبيل. فقد حرموا نعمة الوحي الإلهي الذي يكشف للإنسان عن تلك العوالم المجهولة التي تخفى عليه ولا تطولها حواسه ولا عقله مهما عَظُم أو كبر وتكشف له قبل ذلك عن صفات الإله المعبود وذاته المقدسة وتريحه من عناء البحث المضني في ذلك والذي لن يأتِ بأي نتيجة لهذا الإنسان تكشف له عن أشياء كثيرة غائبة بل وحاضرة ولكن تخفى حكمتها عليه. __________ (1) من أهمها دراسة الدكتور فهد الرومي عن منهج هذه المدرسة في التفسير - كما سبق -، (2) ثورة العقل في الفلسفة العربية - د. محمد العراقي (13) . ____________ لا تثريب على فلاسفة اليونان والغرب! الذين ضلوا مع قوة عقولهم وذكائهم، ولكن كما قال الإمام الذهبي ((لعن الله الذكاء بلا إيمان ورضي الله عن البلادة مع التقوى)) (1) . ولكن اللوم والأسى على من أنار الله بصيرته بالإسلام وشرح صدره بالقرآن من فلاسفتنا ومتكلمينا فنبذ كل ذلك وراء ظهره وآثر الضلال بعد الهدى والعمى بعد البصيرة جانحاً إلى فلاسفة اليونان الوثنيين وعقولهم يزاحم بها نصوص الكتاب والسنة. قال الحافظ ابن حجر ((قد توسع من تأخر عن القرون الثلاثة الفاضلة في غالب الأمور التي أنكرها أئمة التابعين وأتباعهم ولم يقتنعوا بذلك حتى مزجوا مسائل الديانة بكلام اليونان وجعلوا كلام الفلاسفة أصلاً يردون إليه ما خالفه من الآثار بالتأويل ولو كان مستكرهاً ثم لم يكتفوا بذلك حتى زعموا أن الذي رتبوه هو أشرف العلوم وأولاها بالتحصيل وأن من لم يستعمل ما اصطلحوا عليه فهو عامي جاهل، فالسعيد من تمسك بما كان عليه السلف واجتنب ما أحدثه الخلف)) (2) . __________ (1) سير أعلام النبلاء (14/62) . (2) فتح الباري (13/267) . |
|||
![]() |
![]() |
الكلمات الدلالية (Tags) |
التعريب, العلمانيين, نقض أصول العقلانيين |
|
|
المشاركات المنشورة تعبر عن وجهة نظر صاحبها فقط، ولا تُعبّر بأي شكل من الأشكال عن وجهة نظر إدارة المنتدى
المنتدى غير مسؤول عن أي إتفاق تجاري بين الأعضاء... فعلى الجميع تحمّل المسؤولية
Powered by vBulletin .Copyright آ© 2018 vBulletin Solutions, Inc