المطلب الثاني : مبدأ قابلية المرفق للتغيير
إذا كانت المرافق العامةتهدف إلى إشباع الحاجات العامة للأفراد وكانت هذه الحاجات متطورة ومتغيرة باستمرارفإن الإدارة المنوط بها إدارة وتنظيم المرافق العامة تملك دائماً تطوير وتغييرالمرفق من حيث أسلوب إدارته وتنظيمه وطبيعة النشاط الذي يؤديه بما يتلاءم مع الظروفوالمتغيرات التي تطرأ على المجتمع ومسايرة لحاجات الأفراد المتغيرة باستمرار ومنتطبيقات هذا المبدأ أن من حق الجهات الإدارية القائمة على إدارة المرفق كلما دعتالحاجة أن تتدخل لتعديل بإدارتها المنفردة لتعديل النظم واللوائح الخاصة بالمرفق أوتغييرها بما يتلاءم والمستجدات دون أن يكون لأحد المنتفعين الحق في الاعتراض علىذلك والمطالبة باستمرار عمل المرافق بأسلوب وطريقة معينة ولو أثر التغيير في مركزهمالشخصي .
وقد استقر القضاء والفقه على أن هذا المبدأ يسري بالنسبة لكافةالمرافق العامة أياً كان أسلوب إدارتها بطريق الإدارة المباشرة أم بطريق الالتزام .
كما أن علاقة الإدارة بالموظفين التابعين لها في المرافق علاقة ذات طبيعةلائحية. فلها دون الحاجة إلى موافقتهم نقلهم من وظيفة إلى أخرى أو من مكان إلى أخرتحقيقاً لمقتضيات المصلحة العامة.
ومن تطبيقات هذا المبدأ أيضاً حق الإدارة فيتعديل عقودها الإدارية بإرادتها المنفردة دون أن يحتج المتعاقد " بقاعدة العقدشريعة المتعاقدين " إذ أن الطبيعة الخاصة للعقود الإدارية وتعلقها بتحقيق المصلحةالعامة، تقتضي ترجيح كفة الإدارة في مواجهة المتعاقد معها، ومن مستلزمات ذلك أن لاتتقيد الإدارة بقاعدة العقد شريعة المتعاقدين وأن تتمكن من تعديل عقودها لتتمكن منتلبية التغير المستمر في المرافق التي تديرها .( )
وسلطة الإدارة في تعديلعقودها الإدارية أثناء تنفيذها تشمل العقود الإدارية جميعها دونما حاجة إلى نص فيالقانون أو شرط في العقد وقد اعترف القضاء والفقه بهذه الفكرة ولاقت القبول تأسيساًعلى أن طبيعة احتياجات المرافق العامة المتغيرة باستمرار هي التي تقضي بتعديل بعضنصوص العقد، على أن لا يمس هذا التعديل النصوص المتعلقة بالامتيازات المالية .
وفي هذا الاتجاه يذكر الدكتور"سليمان الطماوي" إن الأساس الذي تقوم عليه سلطةالتعديل مرتبطة بالقواعد الضابطة لسير المرافق العامة ومن أولها قاعدة قابليةالمرفق العام للتغيير والمرفق العام يقبل التغير في كل وقت متى ثبت أن التغير منشأنه أن يؤدي إلى تحسين الخدمة التي يقدمها إلى المنتفعين وفكرة التعديل هي فكرةملازمة للقاعدة السابقة. ( )
وتتبع هذه الطريقة في إدارة المرافق العامةالإدارية القومية بصفة أساسية ويرجع ذلك إلى أهمية هذه المرافق واتصالها بسيادةالدولة كمرفق الأمن والدفاع والقضاء , وفي الوقت الحاضر أصبحت الكثير من المرافقالإدارية تدار بهذه الطريقة وكذلك بعض المرافق الصناعية والتجارية متى وجدت الإدارةأن من المناسب عدم ترك إدارتها لأشخاص القانون الخاص.
ولا شك أن هذا الأسلوبيسمح للإدارة بالإدارة المباشرة لنشاط المرفق ويوفر المقدرة المالية والفنيةوالحماية القانونية واستخدام أساليب السلطة العامة مما لا يتوفر لدى الأفراد. لكنالإدارة المباشرة منتقدة من حيث أن الإدارة عندما تقوم بالإدارة المباشرة للمرفقتتقيد بالنظم واللوائح والإجراءات الحكومية التي تعيق هذه المرافق عن تحقيق أهدافهافي أداء الخدمات وإشباع الحاجات العامة. ( )
غير أننا نرى أن هذا الأسلوب لايفيد أهمية بالنسبة للمرافق الإدارية القومية بالنظر لخطورتها وتعلقها بسيادة وأمنالدولة والتي لا يمكن أن تدار بأسلوب أخر، والمرافق الإدارية التي يعرف عن إدارتهاالأفراد لانعدام أو قلة أرباحها .
المطلب الثاني : أسلوب المؤسسة أو الهيئةالعامة
قد يلجأ المشرع إلى أسلوب أخر لإدارة المرافق العامة ، فيمنحإدارتها إلى أشخاص عامة تتمتع بالشخصية المعنوية المستقلة ويسمح لها باستخدام وسائلالقانون العام ويكون موظفيها موظفين عموميين وأموالها أموالاً عامة وأعمالهاأعمالاً إدارية .
ويطلق على هذه الأشخاص الإدارية الهيئات العامة إذا كان نشاطالمرفق الذي تديره تقديم خدمات عامة و يطلق عليها المؤسسات العامة إذا كان الموضوعنشاط المرفق تجارياً أو صناعياً أو زراعياً أو مالياً.
كما تتميز الهيئاتالعامة عن المؤسسات العامة من حيث أن المؤسسات العامة لها ميزانية مستقلة لا تلحقفي الغالب بالميزانية العامة للدولة وتوضع ميزانيتها على نمط المشاريع الاقتصاديةوالتجارية وتكون أموالها مملوكة للدولة ملكية خاصة ، في حين تعد أموال الهيئاتالعامة أموالاً عامة وتلحق ميزانيتها بميزانية الدولة .
كذلك تتميز رقابةالدولة على الهيئات العامة بأنها أكثر اتساعاً من رقابتها على المؤسسات العامةنظراً لطبيعة نشاط الهيئات العامة وتعلقه بتقديم الخدمات العامة ( ) .
المطلب الثالث : التزام أو امتيازات المرافق العامة
بمقتضى هذهالطريقة تتعاقد الإدارة مع فرد أو شركة لإدارة واستغلال مرفق من المرافق العامةالاقتصادية لمدة محددة بأمواله وعمالة وأدواته وعلى مسئوليته مقابل التصريح لهبالحصول على الرسوم من المنتفعين بخدمات المرفق وفق ما يسمى بعقد التزام المرافقالعامة أو عقد الامتياز.
وقد استقر القضاء والفقه على اعتبار عقد الالتزامعملاً قانونياً مركباً يشمل على نوعين من النصوص ( ) ، الأول منه يتعلق بتنظيمالمرفق العام وبسيره وتملك الإدارة تعديل هذه النصوص وفقاً لحاجة المرفق أما النوعالثاني من النصوص فيسمى بالنصوص أو الشروط التعاقدية التي تحكمها قاعدة " العقدشريعة المتعاقدين" , ومنها ما يتعلق بتحديد مدة الالتزام و الالتزامات المالية بينالمتعاقدين ولا تتعدى ذلك لتشمل أسلوب تقديم الخدمات للمنتفعين . ( )
وعلى أيحال فإن المرفق العام الذي يدار بهذا الأسلوب يتمتع بذات امتيازات المرافق العامةالأخرى كونه يهدف إلى تحقيق النفع العام , فهو يخضع لنفس المبادئ الأساسية الضابطةلسير المرافق العامة وهي مبدأ إقرار سير المرافق بانتظام واطراد ومبدأ قابليةالمرفق للتعديل ومبدأ المساواة في الانتفاع بخدمات المرفق، كما يتمتع الملتزم بحقشغل الدومين العام أو طلب نزع الملكية للمنفعة العامة.
غير أن من يعمل فيالمرفق الذي يدار بهذا الأسلوب لا يعد موظفاً عاماً بل يخضع في علاقته بالملتزملأحكام القانون الخاص، وتمارس الإدارة في مواجهة الملتزم سلطة الرقابة والإشراف علىممارسة عمله وفقاً لشروط العقد والقواعد الأساسية لسير المرافق العامة، على أن لاتصل سلطة الإدارة في الرقابة حداً يغير من طبيعة الالتزام , وتعديل جوهرة أو أن تحلمحل الملتزم في إدارة المرفق وإلا خرج عقد الالتزام عن مضمونه وتغير استغلال المرفقإلى الإدارة المباشرة .( )
غير أن الإدارة تملك إنهاء عقد الالتزام قبل مدتهبقرار إداري ولو لم يصدر أي خطأ من الملتزم كما قد يصدر الاسترداد بموجب قانون حيثتلجأ الإدارة إلى المشرع لإصدار قانون باسترداد المرفق وإنهاء الالتزام وهو ما يحصلغالباً عند التأميم . وفي الحالتين للملتزم الحق في المطالبة بالتعويض .
وفيمقابل إدارة الملتزم للمرفق العام وتسييره يكون له الحق بالحصول على المقابل الماليالمتمثل بالرسوم التي يتقاضاها نظير الخدمات التي يقدمها للمنتفعين كما يكون لهالحق في طلب الإعفاء من الرسوم الجمركية ومنع الأفراد من مزاولة النشاط الذي يؤديهالمرفق.
المطلب الرابع : الاستغلال المختلط
يقوم هذا الأسلوب علىأساس اشتراك الدولة أو أحد الأشخاص العامة مع الأفراد في إدارة مرفق عام .
ويتخذ هذا الاشتراك صورة شركة مساهمة تكتتب الدولة في جانب من أسهمها على أنيساهم الأفراد في الاكتتاب بالجزء الأخر.
وتخضع هذه الشركة إلى أحكام القانونالتجاري مع احتفاظ السلطة العامة بوصفها ممثلة للمصلحة العامة بالحق في تعيين بعضأعضاء مجلس الإدارة وأن يكون الرأي الأعلى لها في هذا المجلس ويأتي هذا من خلالالرقابة الفعالة التي تمارسها الدولة أو الشخص العام المشارك في هذه الشركة علىأعمالها وحساباتها.
وتتم إدارة المرفق إدارة مختلطة من ممثلي الإدارة و توفرهذه الطريقة نوع من التعاون بين الأفراد والسلطة العامة في سبيل الوصول إلى إدارةناضجة وربح معقول .( )
وقد انتشرت شركات الاقتصاد المختلط في كثير من الدولالأوربية كوسيلة لإدارة المرافق العامة ذات الطابع الاقتصادي لا سيما فرنسا فيإدارة مرافق النقل والطاقة لما يحققه هذا الأسلوب في فائدة تتمثل في تخليص المرافقالعامة من التعقيدات والإجراءات الإدارية التي تظهر في أسلوب الإدارة المباشرة، كماأنه يخفف العبء عن السلطة العامة ويتيح لها التفرغ لإدارة المرافق العامة القومية،ويساهم في توظيف رأس المال الخاص لما يخدم التنمية الاقتصادية
ختاما لا تحرمونا من دعائكم. [IMG]file:///C:/DOCUME%7E1/jinki/LOCALS%7E1/Temp/msohtml1/08/clip_image001.gif[/IMG]