الفصل الأول
1
باش مانفوتكش بالحديث سيدتي
بهده اللغة البسيطة التي رضعت لبنها من ثدي البرد الساكن في مفاصل مدينتي المعروكة بعرق الجذور والأجداد , تمتص نسغها بلا هوادة من دم قبيلة العمور ذاك الفرع المشاكس من الشجر ة الهلالية الهاربة من صحراء القحط بنجد , أتحداك بطفولتي التي سلبت مني وأتحدى كل أولئك الرجال الدين أهانوني دون أن أعرفهم وأحبوك بسادية ومكر..
لست وحدك المسؤولة عن هزاتي ونكباتي وليس هناك رجل يمكنه التخلص من لعنة النساء في كل زمن، مثلك أيتها المنفردة في كل شيء إلا من أنوثة ( كارمن) ,سوف أكتب عنك وعن كل أولئك القتلة الدين أحببتهم بسادية شفافة لكنهم ما أحبوني يوما.
أنت تعرفين أن الكتابة أخر وسائل المجابهة والتمترس في حرب نخوضها بالوراثة جيل بعد جيل.
هادنتك كثيرا وهادنت هذا العالم وصافيته وأحببت ما لم يكن لي صافيا وصاحبت ما لم يكن لي صاحبا ، سرت أنسج لك ألاف الأعذار كلما أهانتني وعودك العرقوبية، بخيوط الجسد المتعب من المقاومة رسمت طريقي إليك حتى وهنت وعفت حالي.
لهذا سوف أغير التفكير نحوك ونحو ما يجرفني إليك, لابد أنك لا تمانعين إن أنا عريت أولئك المقنعين وأخذت بثأري وثأرك, قد نلتقي في نقطة واحدة هي الحقد على هذا العالم سيدتي....
لا يستطيع المرء أن يبقى حياديا في بؤر الموت التي تنبت في كل منعطف بهذا الوطن, مشلول يفقد الحب دون أن يتحول إلى كومة من الحقد تمضغ كل شيء ،قد نختلف في مساحات كثيرة وفي لحظات الحب أيضا، التي لم تكن تتواءم معنا، لكننا حتما نتساوى في الجيل الحرج.
لست أدرى أي منا كان يأتي متأخرا ،لحظات الفرح تولد فيك حينما تبدأ في الموت داخلي , مفارقة عظيمة تجذب عمقي إليك كي أعلن أنك ملهمتي وبأنك الجرح الذي لابد أن أطرز أخاديده بألياف الجسد وأصوات الكلمات ,هكذا أظن أنني سوف أشفى منك وأعود حينها إليك كي تفعل بي ما تشائين!
ألست تسعدين بألمي؟!
قلت إننا متشابهين لهذا لا يمكن أن نلتقي!
عفوا، لكننا لسنا خطين متوازيين سيدتي!
لكنك لم تسمعي ردي ، كنت تسلبينني حق الرد، جعلتني أمتلئ بطعون التردد, لهذا سأطعن فيك وفي مسيرة هذا العالم , وهذا الوطن الذي فتحت عيناي على سوءته، لأجد نفسي متهما بك ، مطاردا منك ومن عدالة عرجاء تكيل بمكايل غامضة ,وتزدري كل قادم من أطراف هذا الوطن
أنا لا أحقد عليك سيدتي..ولو استطعت لكان أجدى لي من كل هذا، الحقد وحده يصنع الثورة ويعيد الأوطان المسلوبة لكنني أعترف أنه كان أكثر من السلب ،أكثر من الموت، معك لا أستطيع سوى أن أكتب لعلي أتخلص من لعنة الخطيئة التي لحقتني حينما طاوعتك وطاوعت هذا القلب الذي لا يعرف لغتك ولا لغة هذا العالم ،لابد أنني أخطئت حينما أعلنت أنني في الاتجاه المعاكس لهذا النظام الرتيب المسلط على رقاب البائسين .
أنت أيضا لا تنتمين إلى هؤلاء، تتمنينا الانفلات من هذه الأرض ،ألست حفيدة الجازية الهلالية التي بقي صوتها طيلة عقود النزوح يجوب أرض البربر ويحرض الرجال على الموت من أجل يبقى الأسياد أسياد وأبقى أنا البدوي كما تريدين ، يسكنني الحلم بك فلا أقوى على البوح به.
عدت بعدما امتلأت حتى الحلقوم بخيبات الانتظار المضني على آمل أن تعودي إلى فصيلتك الأولى، لكنك أصريت على التنكر والمضي بتعنت الأنثى ( كارمن) باحثة عن لذة أخرى في جسد أخر يتعرف لك بانهزامه وصمته أمام صخبك وعنفك الذي لا يبرره شيء، لم أفهم لحظتها أنك تتلذذينا بجرحي.,
لو تكلمت وتكلم كل الرجال الذين ماتوا دونك أوالدين بقوا جرحى مدى الحياة معطوبي القلوب لأدانك العالم بكل إدانات التمرد ،ولأنك تنزلقين كالماء بين الأصابع ،لا يمكنني إلا محاصرتك بأصوات الكلمات التي تدين أولئك الرجال الذين أحبوك واغتصبوا منك دلالة المرأة التي أحببتها بعنف البداوة ليحولوك إلى آلة متعة تشبعهم كلما صاح فيهم نداء الجنس، حتى فقدت انسجامي وغدوت منفصما عن كينونة الرجال الذين لا أتوان في إدانتهم كيما أكفر عن خطاياك وخطايا القلب .
أليست الكتابة كفارة وصدقة جارية في مطلق الأحوال ندفعها حتى لا نجن في أخر المطاف أو حتى لا ننسى!
سوف أتطهر من خطايا الوراثة التي جبلت عليها بسذاجة عاشق عودته الطفولة على اقتفاء الأثر, على ملاحقة أمه حينما يحاصره الخوف والجوع ،تلك بعض الجروح الوراثية التي زرعها الآباء في شرايننا لتنموا العبودية مشروعة كشجرة نسب فينا ،لتبقى الأجيال تلاحق بعضها بحثا عن بصيص للعتق عبر قوارب الموت دون أن تلتفت لهذا وطن الذكوري الموبوء الذي لا يعترف بغير زناته.
سيدتي أفهمك ولا افهم هذا الوطن!. وهذا الهمس المسائي يد القدر تلطمني به ,تلاحقني تزرعه في سراديب ليل توات،لتضع وجهي في مواجهة جدار العالم ، جذار العار الذي بنته دولة الريع في قلوبنا باسم الثورة و باسم هذا الوطن الذي سلبت روحه منا كلما تساءلنا عن أحلام هذا الجيل الموؤدة في رمل العرق ،وشرفات البحر حيث يغتصب الأمل في الحياة .، نسمات أدرار الغامضة في ربيعها المصفر صفرة الكثيب تصدم وجهي,تجذبني من جوف إلي جوف عبر هذا الامتداد الجنيني الذي يؤرقني ويدفع همسك إليّ ليجرح شبكية الروح ويغرز ابر سرب النخيل عنوة في لحم القلب ,يدفعني إلى هاوية الحلم لأهرب منك بعيدا لأتخلص من جرح الضمير!
أنظر إلى المبنى اللعين دون أن تجرفني سيول الذاكرة ،أمرر بصري الشاحب عبر دروب غيابك, خيوط الليل عنكبوت يعربد في زوايا مخيلتي ، يطحن أنفاس فريسته ليغرق نهاري في عرق أدرار المدمي الذي يصلب عشاقها سرا في سراديب القصور حيث يحدث الذي يحدث في مواخير التل.
عشقك ناداني سيدتي مند الخليقة,همس في أعماق الأذن الوسطى وقال:
لا تبالي يعاشق فإني كصبح البحر أتيك ببرد الماء لأصبه على حروق دمك الفائر، بعبق الموج الأزرق أطفئ لهيب ليلك البهيم !
يدحيني الصمت في صمت الذاكرة فلا أقوى،
أوردتي حبلى بكوريات الدم المصابة بالفشل تحمل برد الثلج والصقيع الذي أصابني في الطفولة حينما طردني طاعن السن ليلا من البيت ،كانت أمي تشد أقدامه وهو يثور ضاربا أياي بفردة حداءه الثقيل التي تركت أثرها في جسدي الصغير,هربت ليلتها و الظلمة الليل سرداب لا قرار له، حافيا يعصرني حريق الوجع والبرد الذي يشبه رمال (بودة) النائمة على ظهر الجحيم ، لم يكن لي غير الليل الذي يغطي اليوم صمت صحراءك، وحده يشهد أنني ما كنت أحمل غير قلب واحد في جوف الصدر المثخن بك وما كان سواك جلادي..كنت دوما تقفين بسياط الشواذ تجلدين الرغبة حينما تلامس طيفك، فأتجلد حاملا جرحي كي يمر سوطك دون أن أنبس بحركة تغير سكون الحلم، يحاصرني صوتك الهارب عبر جياد الأثير التي لا تكل فلا أقوى سوى على البكاء.....
ليتك كنت مدججة برماح الريح المسمومة التي قتلت أبناء هذا الوطن في معابر أكتوبر حيث أراد الأسياد أن يغيروا ثوبهم حينما أحسوا بالعاصفة قادمة ,كان وجهي حينها سيذوب ويهوى كما النيزك الذي لفضته المجرة من حلقها للأبد ...
,لم يكن لنا لم انتشينا عاريين في كثيب( شروين) صوت يواسينا كما رضيع العشق ،كنت آخر زهرة تنفلت لريح القبلي القادم من العرق ،في قلب توات غصت داخلك لعلي أجد صورا للحب الخامد فيك ،لأقرع أجراس أحاسيسك الممزقة بأنياب العابرين على جسدك في هذه المدينة,لم أكن غير سارح تخونه مزاميره في منعطف النشوة ،إلتحفت خيبتي بعد أن فشلت جذبك نحوي ،ارتحلت عبر أحلام اليقظة, أردت مسكك عبر خيوط الصور الهاربة من ألبوم المساء الذي تركت فيه بعض من جسدك الماسي المضيء، حاولت ضمك بين ذراعي قبل أن يسدل ستار العمر ,فعلت كل ما يفعله الفارس الأسطوري في مسارح روما المجهضة بالغدر, تشابكت أيدينا كنخلة عنيدة تغرس جذورها في رحم الرمل , كنت لحظتها ترردين على مسمعي عبارتك الموخزة
ـ أتدري لم أنم البارحة..
وخزها حز كهوف الدم المخثر داخلي،شدني من أوردتي كسفينة حرب قديمة إلى عمق الحيرة ،دون أن أدري كنت أخطو في فراغ صحراءك بعيدا, يلولبني الريح عنك ,والدنيا شوارع أدرارية تجري تحت قدماي في الاتجاه المعاكس تكسر خطاي وحلمي.
الجري في هذا الوطن لا معنى له، والكلام لا يجدي وطيفك إغراء غجرية تهرب من قدرها.
تترصدني الخيبة حينما ترحلين كما الغرباء عبر باب بشار ، يحاصرني خوف وجودي على هذا الجسد الغريب الذي أسكنه.
لم تكن غير أمي الوحيدة التي فهمت لغة هذا الجسد المسجى،عندما تدخل أشباح الخلايا أنسجتي تدخل أمي ذاكرتي لتشحن فراغ الخوف بصوتها الدافئ،
أدركت اليوم أنني أطارد فيك وجهها وصوتها وحزنها الملون بحزن الوطن, يا لهذا الوطن الموبوء بنا وبما ورثناه غصبا من أباء جاحدين ، أنت وهن هذا الوطن في خيبات أبناءه المتناحرين ,هاأنا ذا أهرب منك إليك لعلي أصادف فرحا في شوارع عينيك ،أنت لا تعرفين كم هي المسافة بعيدة عندما يتحرك الألم كزلزال في أرض الروح, وتنغلق الأبوب داخل الغرف الضيقة ،وحدك في ربع هذا الوطن الخالي تركضين , تلوحين بريات الجرح ودم الضحايا يملأ يديك حينما أوغلوا فيك بسكاكينهم ,تضعين الخنجر مكان الورد ,تحاولين تجريد عشاقك من الألم !
أعرف أنك مثل النجوم التي هربت مند زمن التكون والانفجار تهربين دوما للا مكان.
السفر إليك حافل بالوجع والخيبة أتدرين ذلك؟
كما الأشواك الحادة أنت , وعرة المسك.
لست بريئة سيدتي !
وليس العالم بريء أيضا!
وليس الوطن أم !
الحب وحده سيجعلك تعترفين بذنبك,وبذنب أولئك الذين أحبوك بمكر المدن .