حاجة الأمة إلى العلم - منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب

العودة   منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب > منتديات الدين الإسلامي الحنيف > قسم العقيدة و التوحيد

قسم العقيدة و التوحيد تعرض فيه مواضيع الإيمان و التوحيد على منهج أهل السنة و الجماعة ...

في حال وجود أي مواضيع أو ردود مُخالفة من قبل الأعضاء، يُرجى الإبلاغ عنها فورًا باستخدام أيقونة تقرير عن مشاركة سيئة ( تقرير عن مشاركة سيئة )، و الموجودة أسفل كل مشاركة .

آخر المواضيع

حاجة الأمة إلى العلم

 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 2012-08-23, 00:08   رقم المشاركة : 1
معلومات العضو
اسحاق المالكي
عضو جديد
 
إحصائية العضو










افتراضي حاجة الأمة إلى العلم

بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه ملأ السماوات والأرض وملأ ما شاء الله من كل شيء بعد، أهل الثناء والمجد أحق ما قال العبد وكلنا له عبد، لا مانع لما أعطى ولا معطي لما منع ولا ينفع ذا الجد منه الجد،

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة عبد قال ربي الله ثم استقام ، وسلك أقوم طريق إلى التعلم والتعليم وأشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله خير من أرشد وخير من جمع وخير من وحد وخير من أطاب الكلام وخير من أطعم الطعام وخير من صلى بالليل والناس نيام صلوات ربي وسلامه عليه وعلى آله وأصحابه الأكرمين وعلى كل من سلك طريقهم و نهجهم إلى يوم الدين.
سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم،ربي اشرح لي صدري ويسر لي أمري واحلل عقدة من لساني يفقه قولي، إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب.
أما بعد أيها الإخوة الكرام أبدأ هذا اللقاء المبارك الذي من الله به علينا في هذه الأمسية السعيدة بتحية مباركة طيبة أجزيها لكم في هذا المسجد المبارك الطيب وما هذه التحية إلا تحية الإسلام التي تعارف عليها أهل الإسلام في كل لقاء إنها تحية السلام.
فالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وإننا لنحمد الله أولا الذي منِ بهذه النعمة المباركة وهي نعمة اللقاء، و نعمة مجلس العلم الذي هو أفضل المجالس ، إنه المجلس الذي تحفه ملائكة الله تغشاه رحمات الله وتتنزل على قلوب الجالسين فيه سكينة الله، ويذكر الله أهله في الملأ الأعلى عنده، ولو لم يكن في مجلسنا هذا إلا هذه الفضائل وهذه المكرومات لكان أجدر بأن يغشاه المؤمنون والمؤمنات والمسلمون والمسلمات، لكان أجدر بأن يأتوه من بعيد وأن يصدق عليهم قول الله جل علا " وَجَاء مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَى " ، ( سورة يس الآية 20 ) ، لكان أجدر بأن يسعى إليه من بعيد،إنه خير مجلس يعقد فوق هذه لأرض .
أيها الإخوة الكرام إنه لابد من الشكر الذي يجزى لكل من تسبب في هذا اللقاء وسعى إليه بأي وسيلة، كانت هذه الوسيلة قريبة أم كانت بعيدة، وذلك لما رويناه عن حبيبنا صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال "من لم يشكر الناس لم يشكر الله" إسناد صحيح رواه أحمد وأبو داود والترمذي,إن هذا المشروع المشرع المبارك الكريم ما خرج إلى حيز الوجود إلا بعد بدل جهود وجهود لجنود الخفاء الذين يسعون في هذه الأمة لا يحبون الظهور لأن حب الظهور يقطع الظهور، فهم لا يحبون أن يظهروا، فكل من تعلق بالظهور كان مآل عمله إلى الانقطاع، أما الذين يسعون من وراء حجاب لأنهم يسعون إلى الله ويسعون إلى مرضاة الله، ويسعون إلى الجزاء الأكبر عند الله، ما قنعوا بجزاء الدنيا لأن جزاء الدنيا من قبيل الفني وإنما طلبوا جزاء الآخرة، لأن جزاء الآخرة من قبيل الباقي، فما رضوا بالفاني إنما تعلقت همتهم بالباقي، ومن تعلقت همته بالباقي لن يرضى بالفاني .
أيها الأخوة الكرام لا بد من شكر هؤلاء المؤمنين من جنود الخفاء وأجرهم على الله وقد وقع أجرهم على الله فهنيأ لهم بما عملوا وهنيأ لهم بما سعوا به ، فإن من سن سنة حسنة له أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة، وبعد هذا إخوتي الكرام فلابد من مقدمات و ممهدات للموضوع الذي سندخل إليه إنشاء الله آمنين مطمئنين فرحين مستبشرين ، هذه المقدمات قد تكون بضع مقدمات ،وسنسوق اليوم منها مقدمتين اثنتين المقدمة الأولى موضوعها حاجة الأمة إلى العلم ، والمقدمة الثانية وهي مكملة لها وتابعة لها حاجة الأمة إلى هذا العلم الذي سنعيش معه إنشاء الله لقاءات متعددة.
وهو: علم السلوك علم تهذيب النفس علم الأخلاق و سمه كما تشاء فالمسمى واحد وإن تعددت الأسماء ، سواء سميته بعلم السلوك ، فهو علم السلوك إلى الله ،أو سميته بعلم الأخلاق، وعلم الأخلاق هو ثمرة هذا الدين كله ،وما جاء هذا الدين إلى من أجل أن يغرس هذه الثمرة في أتباعه، أو سميته علم إصلاح القلوب ،وما أحوج قلوبنا إلى الإصلاح، أو سميته بعلم التزكية .
ومن مقاصد بعثة المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم، من مقاصد هذه البعثة النبوية تزكية النفوس كما جاء ذلك في القرآن الكريم مصرحا به في موضع أربع:
الموضع الأول والثاني في سورة البقرة والموضع الثالث في سورة آل عمران والموضع الرابع في سورة الجمعة، وردت التزكية في هذه المواضع وبين الله في هذه المواضع أن من مقاصد بعثة الحبيب المصطفي صلى الله عليه وآله وسلم التزكية وما أدراك ما التزكية، وسوف نتعرض لهذه المواضع كلها بالتفصيل إن شاء الله، لأن مقصدنا في هذا المجلس المبارك هاتان المقدمتان اللتان هما حاجة الأمة إلى العلم بصفة عامة، ثم حاجة الأمة إلى هذا العلم الخاص الذي يحتاج إليه كل إنسان ولا سيما المسلم والمسلمة التي تمثل هذا الدين والذي يمثل هذا الدين.
أما حاجة الأمة إلى العلم أيها الإخوة الكرام والأخوات الكريمات، فإن حاجة الأمة إلى العلم أعظم من حاجتها إلى الطعام والشراب واللباس والغذاء بل وللهواء الذي تتنفس منه وبه، وذلك لأن كل هذه الأشياء قد يستغني عنها الإنسان إما أياما وإما ساعات وإما ثوان، قد يستغني الإنسان عن الطعام أياما ويعيش ويستغني عن الماء ساعات ويعيش، ويستغني عن الهواء ثوان ويعيش، ولكن العلم الذي هو إحياء القلوب والذي هو إصلاح النفوس والذي هو تهذيب الأخلاق الذي هو النور الذي يكشف للإنسان في هذه الحياة الطريقة الموصلة للهدف الأسمى وإلى النجاة من خسارة الدنيا ومن خسارة الآخرة، لا يستغني عنه إنسان فوق هذه الأرض ولا سيما أمة الحبيب صلى الله عليه وآله وسلم، التي تقرأ من أول آية من وحي الله عز وجل إقرأ، هل هناك أمة عندها هذا المنهج وعندها هذا الأمر العظيم الذي هو لفت الإنسان إلى القراءة والعلم من أول الآية و أول قبسه من قبسات الوحي تغشى الناس في هذه الدنيا، من أول سيل من سيول الغيث يتنزل على هذه الأمة، أول قطرة من قطرات الغيث وأول سيل من سيول السحاب الذي هو وحي الله، وأول قبسه من قبسات النور الرباني بدأ بإقرأ، هل تجدون أمة في هذه الدنيا عندها هذه المزية ؟
لا أبدا إنها أمة إقرأ، فكيف تغفل عن العلم؟ هذا العلم الذي نوه به القرآن وأعلى قدره ورفع شأنه وجعل العلماء فيه لهم الدرجات العليا الرفيعة فوق درجات المؤمنين كما قال الله جل وعلا في سورة المجادلة " يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات" (الآية11)،هذا العلم الذي ينوه به القرآن تنويها عظيما بحيث تتلو موضعا من مواضع القرآن إلا وتجد فيه الإشارة إلى هذا العلم . وعندما نقرأ قصة غريبة عجيبة فريدة في هذا الباب، نرى في تلك القصة العجب العجاب، إنها قصة كليم الله موسى عليه الصلاة والسلام، هذا النبي الموحى إليه المكلم من قبل ربه، هذا النبي الذي خص بالتكليم، خص بخصية التكليم التي لم تكن لنبي غيره، هذا النبي أوحى الله إليه بعدما خطب خطبة بليغة في بني إسرائيل وسأله رجل منهم، هل يوجد من هو أعلى منك ؟ فأجابه موسى عليه الصلاة والسلام بأنه لا يوجد حسب علمه، فأوحى الله إليه أن هناك من هو أعلم منك، فلما سمع بهذا قرر أن يرحل إلى هذا الرجل الذي هو أعلم منه ليجلس بين يديه ويتعلم هذا العلم الذي ليس عنده.
ماذا قال الله عز وجل في قصة العلم وقصة طلب العلم الذي نحن الآن على بابه وعلى عتبته ونوشك أن ندخل إليه، ماذا قال الله عن النبي موسى وعن كليمه عليه الصلاة والسلام " وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِفَتَاهُ لَا أَبْرَحُ حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ أَوْ أَمْضِيَ حُقُباً " (سورة الكهف الآية 60) لا أبرح حتى أدرك غايتي واحصل على ضالتي المنشودة.
ما هي ضالته المنشودة أيها الإخوة الكرام والأخوات الكريمات؟ ما هي همة هذا النبي المكلم من الله؟ ما هي غايته التي قرر تقريرا مؤكدا أنه لا بد أن يصل إليها مهما كلفه الثمن " لَا أَبْرَحُ حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ أَوْ أَمْضِيَ حُقُباً " (سورة الكهف الآية 60) . لا أزال أطلب العلم ولا أزال أرحل من أرض إلى أرض حتى أدرك هذا العالم لأجلس بين يديه وأتعلم منه ولو كلفني ذلك أزمنة طويلة ممدودة لا حد لها "أَوْ أَمْضِيَ حُقُباً " (سورة الكهف الآية 60) حقبا هي جمع حقب وهي الأزمنة الطويلة التي ليس لها نهاية.
إن العلم لا ينبثق إلا من هذه الهمة العالية ليكمن الإنسان أن يحصل على قسط من هذا العلم، إلا إذا كانت عنده مثل هذه الهمة، هذه الهمة التي توصل الإنسان إلى قسط من العلم وليس إلى العلم كله، لأن العلم فحل عظيم لا ينقاد للنفوس الضعيفة الذليلة الراضية بالذل، لأن العلم شرف كبير عملاق ضارب في أجواء السماء لا ينقاد للكسالى ولا ينقاد لذوي الهمم الهابطة النازلة التي ترضى بالذل وإنما ينقاد لذوي الهمم العالية التي تعلقت بالجوزاء ولم ترضى أبدا بحفنة التراب، وإنما طلبت ما يشرفها ويعزها في الدنيا والآخرة.
له همم لا منتهى لكبرها وهمته الصغرى التي هي أصغر هممه أجل من الدهر، هؤلاء هم الذين يصلون إلى العلم، فالعلم سماء لا يمكن أبدا أن ينزل إلى أهل الأرض وإنما أهل الأرض هم الذين يصعدون إلى هذه السماء.
العلم جوزاء، ولا يمكن أبدا للجوزاء أن تنزل أبدا إلى أهل الأرض وإلى أهل الدون، وما ناله أولئك الرجال، ما ناله المتقاعسون والمتقاعدون،ما ناله الكسالى وإنما ناله أولئك الرجال العظماء الذين اقتبسوا من هذه الآيات التي نتحدث عنها، تلك الهمة العالية" وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِفَتَاهُ لَا أَبْرَحُ حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ أَوْ أَمْضِيَ حُقُباً (60) فَلَمَّا بَلَغَا مَجْمَعَ بَيْنِهِمَا نَسِيَا حُوتَهُمَا فَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ سَرَباً"(سورة الكهف الآية 60 61) سبحان الله عندما تجاوز المكان المطلوب والهدف المنشود أحس بالتعب والنصب، قبل أن يصل إلى المكان المقصود هل أحس بتعب أو نصب ؟ لا ولا، لقد عرف ما قصد فهان عليه ما وجد ولذلك طوى الطريق وسهل العسير وأذاب العقبات وضل يخطو الخطوات، وضل يتسلق الجبال ولم يحس بأي نصب ولا بأي تعب، لكن عندما تجاوز المكان المقصود أحس حينها بالنصب وبحاجته إلى الغذاء، أما قبل ذلك فالهمة تجاوزت الجوع والعطش والتعب والنصب، وهكذا كان شأن علمائنا رحمهم الله، كانوا يرحلون من أقصى المغرب إلى أقصى المشرق، ويستغرقون في الرحلة الشهور الطوال وليس عنده من الزاد إلا ما لا نرضى نحن أن نجعله في بيوتنا، ليس له من الزاد إلا خبزا يابس، كسرة يابسة كانوا يبللونها بالماء فيقتلون بها الجوع ثم يسترسلون في طلب العلم.
كنت ترى الصحراء مملوءة بقوافل طلاب العلم الذين غطوا هذه الصحاري، بماذا ؟ بقوافلهم المباركة التي ترحل إلى العلم.
فلما أحس موسى عليه الصلاة والسلام بحاجته إلى الطعام قال لرفيقه وغلامه فَلَمَّا جَاوَزَا قَالَ لِفَتَاهُ آتِنَا غَدَاءنَا لَقَدْ لَقِينَا مِن سَفَرِنَا هَذَا نَصَباً (62) قَالَ أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنَا إِلَى الصَّخْرَةِ فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ وَمَا أَنسَانِيهُ إِلَّا الشَّيْطَانُ أَنْ أَذْكُرَهُ وَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ عَجَباً (63) قَالَ ذَلِكَ مَا كُنَّا نَبْغِ فَارْتَدَّا عَلَى آثَارِهِمَا قَصَصاً (64) " (سورة الكهف) هذه هي ضالتنا، هذه هي قضيتنا، هذا هو هدفنا الآن قد وصلنا إلى الهدف ،حينئذ وقف في مجمع البحرين يبحث عن ضالته المنشودة، وعن حدثه الذي يدندن حوله والذي شغله بالليل والنهار، فوجد ضالته المنشودة التي هي العالم الكبير نبي الله الخضر فسلم عليه، ولما سلم عليه أخد يتوسل إليه توسل طالب العلم الذي يريد العلم وليس غير العلم، وتواضع موسى عليه الصلاة والسلام تواضعا عجيبا سوف تلاحظونه في هذه القصة العجيبة، فلما لقيه ماذا قال له؟ قال الله جل وجلاله" فَوَجَدَا عَبْداً مِّنْ عِبَادِنَا آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِندِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِن لَّدُنَّا عِلْماً (65) قَالَ لَهُ مُوسَى هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَن تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْداً (66)" (سورة الكهف) هل أتبعك؟ يستأذنه في أن يتبعه، هل : أداة استفهام تدل على طلب الاستئذان، موسى كليم الله المخصوص بالكلام والنبوة والرسالة الذي هو من أولي العزم يتضرع إلى هذا العالم بهذا الأسلوب الذي هو غاية في التواضع، هل تقبلني ؟ ولم يقل هل أصاحبك أو أرافقك أو أزاملك؟ لا ! هل أتبعك ؟ هل تقبلني تابعا لك؟، أنت إمامي وسيدي وأستاذي وأنا تلميذك المتواضع التابع لك، الذي يترسم على خطاك والذي يقتدي بك في كل صغيرة وكبيرة.
" هَلْ أَتَّبِعُكَ "(سورة الكهف الآية 66) أنظروا إلى هذا الأدب العظيم الذي يعلمنا ربنا عز وجل من خلال أن قص علينا هذه القصة العجيبة.
"هَلْ أَتَّبِعُكَ "(سورة الكهف الآية 66)، ولماذا يتبعه؟ ماذا يطلب من وراء الإتباع ؟ يطلب شيئا واحدا هو العلم وليس غير ذلك، " هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَن تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْداً" "(سورة الكهف الآية 66)، ولم يستعمل القرآن في أن تعلمني " عَلَى أَن تُعَلِّمَنِ " لأن العلم أشرف، ولذلك جيء بهذا الحرف الذي يدل على الاستعلاء " عَلَى أَن تُعَلِّمَنِ " لا يشرف الإنسان إلا بالعلم، العلم ليس فيه تسفل الذي تدل عليه( في) وإنما يشرف بصاحبه فيعلوا قدر هذا الذي تعلم، ولذلك كان العلماء هم سادة الأمة وسيضلون سادتها إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.
فلا شرف إلا بالعلم فأهل المال يخضعون للعلماء وأهل الحكم يخضعون للعلماء، فلا أحد يستطيع أن يتجاوز حرمة العلماء، فهم الذين يحكمون على الوراء في حقيقة الأمر، لماذا ؟ لأنهم مؤهلون لذلك لأنهم يقتبسون النور من النور لينيروا الطريق لعباد الله .
" عَلَى أَن تُعَلِّمَنِ ""(سورة الكهف الآية 66) أي لا أطلب منك شيئا وأنا أستأذنك في إتباعك يا سيدي إلا أن تعلمني، فهو يطلب حاجة واحده ليس غير تلك الحاجة.
ما حاجته أيها الأحبة الكرام ؟ حاجته أن يتعلم، أنظروا إلى أدب الخطاب، لم يقل له على أن أتعلم منك لا ! إنما قال على أن تعلمني أن أكون تلميذك وأنت أستاذي، أن أكون متعلما وأنت العالم، أن أكون مربى وأنت المربي، أن أكون طالبا وأنت الأستاذ والشيخ.
" عَلَى أَن تُعَلِّمَنِ ""(سورة الكهف الآية 66) لم يقل على أن أتعلم منك لا ! لأن أتعلم منك معناه : أن فيه شيئا من الترفع لكن أن تعلمني أن أكون خاضعا لك فأنت الأستاذ وأنا التلميذ، وأنت المربي وأنا المربى، لا أتجاوز دائرة ما تأمرني به وما توجهني إليه، ثم قال " مِمَّا عُلِّمْتَ " "(سورة الكهف الآية 66) من هنا للتبعيض أي شيء من ذلك العلم الذي أعطاك الله ولا أريد أن آخذ علمك كله حتى أكون مساويا لك، وإنما آخذ جزءا من العلم الذي علمك الله، حتى تخرجنا من دائرة ما كنت أجهل إلى دائرة ما يخرجني الله تعالى به، من دائرة الجهل إلى دائرة العلم.
" مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْداً " (سورة الكهف الآية 66) لاحظوا من التي تدل على التبعيض وأنه يطلب بعضا من ذلك العلم ولا يطلب العلم كله الذي عند أستاذه، لأن أستاذه سيضل فوقه وسيضل أعلى منه " مِمَّا عُلِّمْتَ""(سورة الكهف الآية 66) أنظروا وكذلك إلى كلمة " عُلِّمْتَ " أي كما علمك ربك عز وجل ومن عليك وتفضل عليك فتفضل علي كما تفضل عليك، وعلمني كما علمك الله ومن علي كما من عليك ربك سبحانه وتعالى، فاجعلني من جملة من تتصدق عليهم بالعلم، وخير الصدقة صدقة بالعلم، ما أعظم الصدقة به، فمسألة واحدة إذا تعلمتها من غيرك فهي أعظم صدقة في هذه الدنيا، أعظم من المال ومن الجاه، وأعظم من ما تراه عينك وذلك لأن أي صدقة تصدق بها عليك غيرك، وتطوع بها عليك غيرك هي صدقة، لا تتجاوز البدن والجسم والشبح لكن صدقة العلم هي التي تستقر في القلب فهي من باب الكماليات فكل ما يخص الجسم فهو من باب النقائص، وما يخص الروح والعقل والقلب هي من باب الكماليات لذلك قال علمني مما علمك الله " " هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَن تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْداً" (سورة الكهف الآية 66) أي من العلم الذي صرت به رشيدا،و لا ترشد أمتنا إلا بالعلم، لا يرشد شبابنا إلا بالعلم، ولا ترشد نسائنا إلا بالعلم، لا يرشد أي فرد من أفراد هذه الأمة إلا بهذا العلم الرباني.
والرشد هو حفظ العقول وحفظ القلوب والنفوس وحفظ الأرواح من الضياع، وأشد ضياع يحصل للأمة الإسلامية ضياع الأفكار والعقول أعظم ضياع تعاني منه الأمة اليوم ضياع عقول شبابنا وضياع أفكار أبنائنا، حيث تفسد هذه الأفكار، تمتلئ بماذا، تمتلئ عقول شبابنا بما يخربها من الثقافات التي لا تعود عليها بالنفع لا في دينها ولا في دنياها.
لذلك أيها الإخوان الكرام نحن في مجالسنا هذه نتعلم إن شاء الله العلم الذي نرشد به إن شاء الله نحفظ به العقول من الضياع، نحفظ بهذه الأفكار من الضياع.

إن في هذه الأمة طاقات عجيبة والله، طاقات تهدر، فلإنسان يحشو دماغه ودهنه بهذه الأغاني الساقطة التي لا تنفعه في دينه و دنياه،أليس ذلك دمارا لعقول والأفكار.
إذن هذا هو الرشد أيها الإخوة " مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْداً " (سورة الكهف الآية 66)"وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أُوْلَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ " (سورة الحجرات الآية7) ، الرشد هو السداد هو حفظ العقول من الضياع ، هو الوصول إلى الغاية المطلوبة، وما الغاية المطلوبة إلا وضع الشيء في محله ، وما وضع الشيء في محله إلا بالحكمة فإذا تعلمنا الرشد صرنا حكماء ، فلا حكمة إلا بالرشد.
لا يمكن أن تصير أمتنا حكيمة إلا بالرشد، هذا هو الرشد الذي نتعلمه من دين الرشد، ونتعلمه من قرآن الرشد، ونتعلمه من سنة الحبيب المصطفى التي هي سنة الرشد،" عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ، وإياكم و محدثات الأمور، فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة" (مسند الإمام احمد، وأبو داود، والترمذي وابن ماجه، وصحيح الجامع) ، وكل هذا الأدب من نبي الله موسى أمام هذا الأستاذ العملاق، فإن الأستاذ لم يتنازل عن أستاذيته، ولم يتنازل عن مشيخته ، أخد يشترط عليه شروطا .
إن للعلم شروطا لا يحصل إلا بها، وإن للعلم صفات لا يثبت إلا بها، وإن للعلم وسائل لا يحصل إلا بها، ولذلك ماذا قال الأستاذ الخضر للتلميذ موسى" قَالَ فَإِنِ اتَّبَعْتَنِي " (سورة الكهف الآية 70) الشرط الأول فإن اتبعتني ولم يقل له فإن صاحبتني ،فإن اتبعتني أنت قلت " هَلْ أَتَّبِعُكَ"(سورة الكهف الآية 66)،إذن على شرطك الذي اشترطته و على وصفك الذي قدمت نفسك به الذي هو الإتباع ، فإن اتبعتني إذن الأستاذ في موقع الآن يشترط شروطه ويفرض فروضه، " فَلَا تَسْأَلْنِي عَن شَيْءٍ " (سورة الكهف الآية 70) أي شيء، النكران هنا في سياق النفي سواء كانت للنهي أو للنفي، فالنكرة عندما تكون في سياق النهي أو النفي أو الاستفهام فإنها تفيد العموم " فَلَا تَسْأَلْنِي عَن شَيْءٍ حَتَّى أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْراً" (سورة الكهف الآية 70)".
في بداية الطلب قد يغتر الطالب حين تبدأ العلوم أمامه تتشقق كالأزهار، وحين تبدأ نفسه تتطلع إلى مسائل العلم فترى الأنوار، فهنا حين يغشاها النور أول مرة فتظن أنها قد رأت كل شيء، وأنها قد فهمت كل شيء، هذا ما يحصل لطالب العلم في أول خطواته في المنهج، حين يبدأ أول خطوة من الخطوات يغتر، أول مرة يرى النور ، هو ما رأى النور من قبل ، كان المسكين مغمض العينين بالجهل ، فلما بدأ النور يشع أمامه ظن أن ذلك هو النور كله، وما هي إلا قبسة صغيرة من الأنوار، وما هي إلا قطرة قليلة من الغيث الذي سوف ينهمر بعد حين، ولذلك قالوا أول الغيث قطرة ثم ينهمر ، هذا المسكين لما رأى القطرة أول مرة ظن أنه قد وصل، ولذلك يغتر طالب العلم في بعض الأحيان ويظن أنه قد وصل ، ولهذا لابد من الشرط "فَلَا تَسْأَلْنِي عَن شَيْءٍ حَتَّى أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْراً" (سورة الكهف الآية 70).ثم إن موسى عليه الصلاة و السلام أكد له أنه سيأخذ بالوصية" قَالَ سَتَجِدُنِي إِن شَاء اللَّهُ صَابِراً وَلَا أَعْصِي لَكَ أَمْراً"(سورة الكهف الآية 69)،هذه المقدمة الأولى من المقدمتين لم نستطع أن نأتي بالمقدمة الثانية.
فرأينا في هذه المقدمة التي هي حاجة الأمة إلى العلم وأنها لا ترتقي إلا بالعلم، وأنها لا تكون إلا بالعلم، وأنها لا تتنور إلا بالعلم، لكن هذا العلم كما ذكرت فحل لا يدركه إلا الفحول، إلا الرجال الذين انقطعوا إليه وتزوجوا به ولم يقبل هذا العلم الضرة، فإن زاحمته ضرة أخرى من الدنيا أو غير ذلك رحل.
العلم لا يقبل الضرة التي تزاحمه، فتزوجوا يا طلبة العلم سواء كان منكم الذي في سن الكهول أو في سن الفتوة أو في سن الشباب أو في سن الشيوخ، فإن العلم لا سن له و لا عمر له، أطلب العلم حتى يدركك الموت وأنت تطلبه فإن أدركك الموت وأنت تطلب العلم مت شهيدا.
اللهم ارزقنا اعلم الذي ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وزدنا علما، وفقهنا في الدين واجعلنا من عبادك الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه، برحمتك يا أرحم الراحمين ويا أكرم الأكرمين ويا أجود الأجود ين، نسألك يا ألله أن تبارك لنا في هذه المجالس وأن تمدها بعناية من عندك وأن تحفظها بحفظ من عندك، وأن تلهمنا فيها السداد والرشد ، وأن تجعلني وإخواني جميعا ممن فتحت لهم أبواب العلم فعلمتهم العلم النافع ورفعتهم في الدنيا والآخرة.
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولجميع المسلمين آمين، وصلى الله وسلم و بارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، سبحانك ربنا رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.









 


 

الكلمات الدلالية (Tags)
الأمة, العلم, حادث


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

الساعة الآن 11:53

المشاركات المنشورة تعبر عن وجهة نظر صاحبها فقط، ولا تُعبّر بأي شكل من الأشكال عن وجهة نظر إدارة المنتدى
المنتدى غير مسؤول عن أي إتفاق تجاري بين الأعضاء... فعلى الجميع تحمّل المسؤولية


2006-2024 © www.djelfa.info جميع الحقوق محفوظة - الجلفة إنفو (خ. ب. س)

Powered by vBulletin .Copyright آ© 2018 vBulletin Solutions, Inc