كيف تحفظ ؟ وماذا تحفظ ؟ { وصايا نفيسة للشيخ معاذ الشمّري حفظه الله }

مهاجرة إلى ربي · 2012-07-31, 23:32

حياكم الله إخواني ، أخواتي فهذه فوائد منتقاة من وصايا الشيخ معاذ الشمّري حفظه الله تعالى لطلبة العلم وحفظة القرآن الكريم بمدينة توكرة بليبيا ،وقد أدرجت هنا الوصية الأخيرة الخاصّة بالحفظ أسأل الله أن يكتب فيها النفع والفائدة والله المستعان على كلِّ أمر

وإنّ آخر وصيّة أوصي بها نفسي وإخواني في هذا اللِّقاء أن نعرف كيف نحفظ ،فأقول :
أوّلا :اجعل لنفسك ياطالب العلم أصلا واحداً تحفظ منه ،فإذا كنت تحفظ القرآن مثلا ؛فإنّ نسخ المصحف كثيرة، فهناك مثلا:نسخة مصحف مُجمّع الملك فهد ؛وهي نسخةٌ جيِّدة ،خطُّها واضح ،قد اعتنى بها نخبةٌ من المتخصِّصين ؛فإذا حفظت منها فلا تنتقل في المراجعة أو في حفظٍ آخر لسورةٍ أخرى لنسخةٍ أخرى ،ذلك لأنّ صورة ما تحفظ ستنطبع في رأسك ،فاجعل لنفسك أصلاً واحداً ترجعُ إليه في الحفظ والمراجعة.
وإيّاك أن تحفظ مرّةً من مصحف برواية حفص ،وتراجع من مصحف برواية ورش ،ثمّ تحفظ مرّةً ثانية من مصحف بروايةِ قالون أو غير ذلك ،بل احفظ من مصحفٍ واحد ونسخةٍ واحدة ورِوايةٍ واحدة.

وإذا أردت أن تحفظ ،فاستمع أوّلا إلى المحفوظ قبل أن تحفظه ،لأنِّي أخشى أن يكون بعض الأحِبّة في قراءتهم غلط ،فإذا قرأ غلِط غلطاً سيحفظُ غلطاً ،وسيثبت الحفظ في رأسه غلطاً ،ولكن صحِّح قراءتك على شيخٍ مُتقن ،أو استمع إلى قراءة زملائك ،أو استمع إلى تسجيلٍ للقراءة سيّان كان ذلك للقرآن أو للمتون العلمية التي تريد أن تحفظها ،ثمّ احفظ.

وإذا استمعتَ ثمّ قرأتَ ،فاجعل لقلمك نصيباً في حفظك ،أعني :أُكتب .استمع إلى القراءة الصحيحة ،واقرأ من نسختكَ ؛من مصحفك أو من كتابك ؛ثمّ اكتب ما تريدُ أن تحفظه بخطِّ يدك ،فإنّ من يحفظ بالقراءة فقط فإنّ عينيه تُشارِكان في ذلك فقط ،أمّا مَن يحفظ مُستمعاً وقارئاً فقد شاركت أُذناه ،وهذا أبلغ في التلقي وأقوى في تثبيت العلم ،ومَن استمع وقرأ وكتب كان ذلك أقوى وأقوى.

ثمّ إذا كنت تحفظ فلا تُكثِّر المادّة التي تحفظها في كلِّ مرّة ،بل قلِّل المحفوظ يثبت في قلبك ثباتاً أقوى هذا من جهة ،وتستطيعه نفسك من جهةٍ ثانية ،وكان أحبّ العمل إلى رسول الله -صلّى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلّم- أدومه وإن قلّ ،فإنّك إن قللت المحفوظ تستطيع أن تداوم عليه.

وعليك بالتّسميع ،أيّ أن تُسمِّع ما تحفظ غيرك ،ويُروى أنّ الزُّهريّ كان يحفظ في مجالس العلم ،وكانت له جاريةٌ أعجمية لا تفهم العربية ،فكان يُجلسها بين يديه ويُسمِّعُ لها :(حدّثنا فلان ،قال :أخبرنا فلان ،قال :سمعت فلانًا يقول إلى آخره ) ،فإنّ هذا التّسميع ينفعك جدّا في المراجعة وتثبيت الحفظ.

وعليك بالتكرار ،وانظر إلى الماء إذا نزل متدفِّقاً مرّةً واحدة على صخرةٍ صمّاء فإنّه لا يكاد يُحدثُ فيها شيئاً ،ولكنَّه إذا نزل قطرةً قطرة فإنّهُ قد يخرقها ،وكذلك إذا قلّلت المادّة المحفوظة ولكنّك كرّرت وكرّرت كتكرار سقوط تلك القطرة فإنّ ذلك هو العلم النّافع إن شاء الله.
ويُروى عن الزُّهريّ أيضا أنّه كانت له جارية ،وكان إذا حفظ في مجلس العلم ذهب يُكرِّرُ في البيت ،ويُجلسها ويُسمِّع لها ،ثمّ يحفظ ،ثمّ يُجلسها ويُسمِّع ،فيقول :(حدّثنا فلان ،قال : حدّثنا فلان إلى آخره ) ،فتتعب هي من شدّة تكراره فتقول :قد حفظتُ! قد حفظتُ! ،فيتركها ثمّ يرجع إليها بعد أسبوعٍ أو نحوه ثمّ يقول :اقرئي لي ما حفظتيه، فتقول :قد نسيته ،فيقول :لأجل ذلك كُنّا نكرِّر.

ثمّ أوصيك يا طالب العلم أن تبتدأ في حفظك من الأدنى إلى الأعلى وأن ترتقي فيه ارتقاءاً ،فتبدأ في كلِّ علمٍ بالمتون الصغيرة فتحفظها ،ثمّ ترتقي إلى المتون التي أكبر ،وإيّاك أن تبدأ من فوق خشية أن تسقط على عنقك فتُدقّ، واعلم أنّ طعام الكبار سمُّ الصِّغار.

وإيّاك أن تحفظ حفظا مجرّداً عن الفهم ،بل اِقرن حفظك بفهمك ،وقد جرّبنا وجرّب غيرنا ،ورأينا أنّ المادّة المحفوظة إذا كانت مفهومةً ،فإنّ فهمك إيَّاها يُعينك على حفظها وضبطها ،ذلك أنّك إذا نُسِّيت شيئا منها فبمجرّد إذكارك لما فهمته تستعيد كلماتها وحروفها.

وليس كلُّ متن يُحفظُ بفصِّه ونصِّه ؛لا ؛هذا غلط ،فأمّا القرآن فيُحفظ بفصِّه ونصّه ،وأمّا الحديث ؛فيقول رسول الله -صلّى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلّم-:" نضَّر الله امرءاً سمع مقالتي فوعاها ، فبلّغها كما سمعها ،فرُبّ مُبلَّغٍ أوعى من سامع ،ورُبّ حامل فقهٍ وليس بفقيه ،ورُبّ حامل فقهٍ إلى مَن هو أفقه منه " هذا مجموع ما في الروايات.
وأمّا النّظم فإنّ صاحبه إنّما نظمه ليسهُل حفظه ،وإذا أنت أخللت في نصّه وفصِّه يختلُّ وزنه إلّا أن يشاء الله ،فيُحفظ النّظم أيضا بفصِّه ونصِّه ،ولكن كُتبُ أهل العلم ،فإنّهم لم يكتبوها حين كتبوها لكي تحفظ ،ولو أنّهم ظنّوا أنّ قارئها سيحفظها لكتبوها بعبارةٍ أخرى ،فمثلا :لو كان في أصل الكتاب قول المصنِّف :(اقرؤا القرآن ذلك الكتاب الذي أخبرتكم أنّ الله جعله مباركاً ) ،فجاء الحافظ وحفظها :( اقرؤا القرآن المبارك ) لما كان في ذلك بأسٌ إن شاء الله تعالى.

للفائدة هذه المادة الصوتية مفرّغة كاملة من الآجري

كلمةٌ هاتفيّةٌ للشيخ معاذ الشمري -حفظه الله- في افتتاح دورة الإمام الألبانيّ الأولى في حفظ القرآن والمتون في بلدة توكرة اللّيبيّة-حرسها الله-؛ أُلقيت في: السّادس من رمضان؛ من العام: 1433هـ.

المادة الصوتية

التفريغ