بقلمي : اصحوا ياعرب....

[اشعة الشمس]

اِصحوا ياعرب!!
"أليس لحياتي معنى، ما الذي اقترفته حتى أبقى سجين المقاهي، لا عمل... لاهدف... ثائه وسط شوارع بيروت... لاتقدير ليراعي ولا أمل في مصيري... بالله، أتغنّينا بأمة همشت فلذات أكبادها؟؟..." ارتشف إدريس رشفة من شاي الحسرة بنظرة لا يمكن تحديد أين تتوجه... يلعن الظلام دون أن يحاول إشعال شمعة.. لكن كل شيء تغير ذلك اليوم،،، عندما استيقظ من نوم بيولوجي لم يكن له منه سوى الشخير، لمحها من النافذة:" أهي ملاك تنزل من السماء... بالله عليك استديري لأبصر ملامحك..." أسرته من أول نظرة، كان ذلك تغيرا جذريا في حياة روتينية أشبه ماتكون بجهنم... هرول نحوها ولكنها اختفت، لم تغب عن خلده مند تلك اللحظة... سأل عنها:" أما بصرتم بحورية الظلال، حور تسر الناظرين، غريبة عن بلد عشعش فيه الظلام..."، لم يجد جوابا يشفي غليله، إلا من عجوز القارعة البكماء، سألها... فلم يكن من إشاراتها وأمارات وجهها إلا نذير بعاصفة قادمة... قطب حاجبيه، ثم استدار باحثا عن غايته... أمسكته من قميصه وكأنها تنهاه... لم يستمع إليها فقد أعماه شبح مُستقبَل رسمه بين رمشة وأخرى... يئس إدريس ظانا نفسه متخيلا، لم يكن له أنيس إلا صاحبه في دمشق، تخطى الزمان والمكان قاصا له عن حورية الظلال:" قد ذهبت وذهب معها قلبي وبصري.. أواه يابلال... أأحرم من حياة مثلى وأقبع في جب شكوى؟؟" أردف بلال: "أمتأكد أنت يا إدريس؟! حورية الظلال إنها وربي من بصرت بها أمس..." خشي إدريس من أن يسرقها منه صاحبه أو أن يفتري عليه مفتتنا بوصفها... قطع الاتصال فورا... وراح يتمشى مضطربا بين الأسواق عله ينساها ببضاعة مزجاة... غريب جدا؟!! أين ماكان يسخر به من بلده لكونه أجنبيا؟!!... لم كل البطاقات فارغة... نظر إلى بائعها فصدم ولم يصدق نفسه ... "حورية الظلال"، لم يتفوه ببنت شفة فقد ثمل... حاول أن يمسكها قبل أن تهرب مجددا... أسرع متقد الخطى خلفها، لكن اختفت وتلاشى أثرها... لم يوقظه من غفلته إلا بلال وقد اتصل به معلنا وصوله إلى بيروت... متى وكيف؟؟!لقد توقف به الزمن متأملا حوريته! لايدري ألبث يوما أو بعض يوم، ولكن البغض بدأ يجد مكانا في أحشائه ...كيف تساور نفس رفيق دربه أن يلاحق معه حبيبته ؟ ولم يتوقف الأمر عند ذلك بل اصطحب معه خليلا له من حلب...داس على قلبه ذاكرا عشرة الماضي... "من أين الطريق؟؟" سأل بلال متلهفا.. لم يجب إدريس إلا أنه صحبه إلى ملاذه من ضجيج لا طائل منه... استلقى على سريره متنهدا... "لم طاولة المقهى بالذات؟!" ، جال ببصره في أنحاء غرفته، وحز في قلبه شيء عندما رأى مصحفه... مند متى لم يحمله، لا يتذكر مطلقا، ولكن وجدانه يصيح به مرددا كلمة الحل ...أشاح بصره دون أن يلقي بالا إلى موطن الشفاء.. "ألا تريد أن تشاهد شاشة النفاق؟" دعاه بلال بابتسامة ساخرة تعودا أن يتبادلاها... "ظاهر المنافق يغني عن حال آلت إليها أنفسنا..."، تناول إدريس جهاز التحكم وفجأة ... نفس حالته السابقة، حورية الظلال، يتحدثون عنها... صاح بهيستيريا: "من أين لأولئك العرب بها، هي وطني أنا فحسب... مالهم يحتكرون مارأيت قبلهم...إني لملاحقها حتى أصل إليها.." ، ماكاد يخرج حتى ألفى بلالا وصاحبه الحلبي قد سبقاه ... تسابقوا نحو الميناء ... متجهين إلى المجهول... عجوز القارعة مجددا ولكنها نطقت هذه المرة " الميناءَ! الميناءَ! فإنكم لهالكون" ، لم يلق لحديثها بالا، بل لم يفهم ماتلفظت به البتة، كل جوارحه كانت مركزة على تلك القوارب... رأى جمعا غفيرا يتكالبون على الميناء... لم يكن قريبا منه إلا الحلبي الذي حسبه عائقا، دفعه فسقط في أخدود النيران واشتعل... صاحت العجوز: "حلب تحترق ،، حلب تحترق!!"... توقف إدريس لبرهة صاحيا... "إنها لقوارب الموت ياعرب، وحورية الظلال قد داست على كرامتكم ، اغتصبت أرضكم، وسيرتكم بخيوط دمى، بمجرد أن أبدت ظاهرها لكم، اصحوا ياعرب؟ فإنها قد أدت بكم إلى الثمالة... وكل مسكر حرام..." فات الأوان لكثير من السكارى وماهم بسكارى، غرقت ليبيا ...تونس...سوريا...العراق...اليمن... جثا إدريس طالبا المعونة من عجوز القارعة ، "قد طلبتها قبلك لأكثر من قرن، فلم يكن لي من عرب اغتربوا إلا الشفقة والحبر الجاف... ابق كما أنت وظل مرددا: اصحوا ياعرب... متى الصحوة؟ سأجيبك... عندما أستعيد الرمق، فلولا وعد رب لكنت الآن تحت التراب..." أغمض إدريس عينيه، وقد سبحت ملامحه وسط عبرات منعته من الرؤية... كل مارآه مصحفه الذي تركه فوق الخزانة، مدركا أنه الحل من أجل الصحوة.....