أراني هناك , بين حاضر لا يُحتمل و ماض جراحه لا تندمل , بين حقيقة واقعي و سراب أحلامي الوردية , في برودتي و تجاهلي ألم كبير , في صمتي و كبتي الظاهر نقيض مختلف عن هذا كله يعيش بداخلي ...
آآآه من داخلي هذا , لو أمكنكم أن تُدركوه أو تعيشوه للحظات لفهمتموني يا بشر , انه عالم لا يسكن , عالم به ضجة قاتلة , صرخة متألمة , أنهار من دموع قلبي تنهمر و أمكنة جسدتها أشجاني و مشاعري المتحسرة , تبا لهذا الحال , أنا لا أُطيق هذا من نفسي , لا أحب أن أُنصت الى أنينها ففعل ذلك يمزقني , تُحاول انتشالي من واقعي و هي بذلك تغرقني أكثر في بحر من الكآبة و الحزن .
لطالما عرفت الحزن , كتبتُ عنه حتى مللتُ و لكنه لا زال أوفى الأصدقاء و الصحاب , لا زال الأب و الأم و الأخ و القريب و الحبيب , هو لا يفارقني , لا يدعني للحظة بمفردي و كأنه ألف صحبتي فأبى الترك و التخلي , عجبتُ منه فسألته : ما بالك يا حزن ؟ أوجدتني وطنا لك آمنا ؟ أتُراني احتضنتك حين تخلت عنك جملة المتفائلين ؟ ...الخ
حري بك أن تنساني فأنا سريعة الضجر من الأشياء , أحب رؤية التغيير من حولي باستمرار , و صُحبتك لسنين أرهقت كاهلي , و أعيت بكل المقاييس داخلي , الآن , أريد أن أصير لا مبالية ’ تعيش اليوم على أنه اليوم بتعريفه العلمي المنطقي , و إني لأُفضل الغرق في تعاريفي السخيفة هذه حتى شعر رأسي على أن أُخضع من حولي لفلسفتي التي حُرم تطبيقها أو الاعتراف بها من الأساس , أتمنى لو أن بوسعي تجاهل كل شيء , و معاملة كل شخص بالبرودة التي يستحقها , ففقداني للأمل كل مرة مزقني , أرهقني , شتتني ...بكل معاني السلبية و الخذلان عرّفني , أنا لا أهواك يا حزن , لست بك هائمة فدعني و شأني , أنا بخير من دون أحد كنتُ أبدا معهم و بدونهم , لا فرق عندي بين وجودهم و غيابهم .
و لكني للحظة أردتُ اكتشاف الجديد , أردتُ تغييرا جذريا و لو لشهور فقط لكن و للأسف فالتغيير رفضني , لم تُسعده رفقتي و إخلاصي كما أسعدتك يا حزني الحزين , لكني فخورة بنفسي لأني عشتُ كل ذلك , أني فعلتُ ما أردتُ بقوة – حتى لو مضى ذلك سريعا , سريعا جدا و انقضى – أحببته بشدة و بكل قوتي تمسكتُ به , أردته كما لم أُرد شيئا آخر من قبل , و من دون أي تنسيق , تجاهلتُ تلك النصيحة التي تقول أن : * على المرأة أن تختار من يحبها لا من تحبه *, لأني ظننت أن هذا المثل يقتصر على اختيار الرجال لا الأحوال , فأسرعتُ نحو ذاك التغيير و التجديد و أبديتُ ُ له عشقي و هيامي , أخبرته أني أريد بشدة و فضول أن يُتيح لي فرصة اكتشافه و معاينة أبعاده , أقسمتُ له أني لا أُريد منه الا أن يملأ فراغ أيامي الطوال و ينتشلني من فجوة اللاشعور التي أعيشها باستمرار , سألته بالله أن يُمكنني من جعله شعوري اللامتناهي و الوحيد , كنتُ أرى في رفقته فرح و سعادة أيامي و أنا التي ضحيتُ لأجله بأوفى الأصدقاء – حزني الحزين- , و لكني أعترف الآن بعد انتهاء كل شيء إني أخطأت خطأ فادحا لا يُغتفر , جميل أن اكتشف الحقائق من حولي , أن أحيا و أُعايش الجديد و لكن لما كل هذا التهور , لما ألقيتُ بنفسي كلها كالبلهاء , تجاهلتُ كل ما حولي من قيود , لو فكرتُ لحظتها بأن النتيجة قد تكون سلبية كما قد تكون ايجابية لما وقعت في ذاك الخطأ , كنتُ سأخطو أولى خطواتي بحرص و حذر , لو فعلتُ هذا لما غرقتُ بين ثنايا عالم حُرِّم علي دخوله منذ البداية , لقد كان عالما آخر بحق , اكتشفتُ فيه هدى مختلفة عما عهدته من نفسي , أحببتني لدرجة تفوق كل وصف , و ما زاد تعلقي بتلك المدينة الساحرة هو أني نُصبت مسؤولة من مسؤوليها , بل إنني صرتُ الآمرة الناهية و لربما غرني ذلك و هذا ما صعّب علي مفارقة تلك الأجواء فالمرء يعشق أن يُكرم و يُمنح شرف المحاولة إن كان واثقا كل الثقة بأنه كان بحاجة فرصة فقط ليُثبت ذاته و يُوظف قدراته المكبوتة , هناك رسّختُ شخصيتي و رقّيتُ أكثر من قيمي بتطبيقها على الجميع و لكني صرتُ أبعد ما يكون عن الواقع النتن , و رغم نتانته فمن فقد واقعه فقد حياته و معناها ...
الآن أفقتُ و لستُ بنادمة على ما مضى مطلقا , لم و لن اندم يوما على أي ثانية أمضيتها بمملكتي الخرافية تلك , فما هروبي من الواقع إلا لفظاعته و ما تمسكي بالوهم إلا لأمل مني في العيش بهدوء لبرهة , و لا زلتُ حقا لذلك العالم عاشقة هائمة , سرّني ما مررتُ به بكل ما تعنيه كلمة سرور و كل ما تشمله من حيز السعادة و الغبطة في الأحاسيس , و حديثي الآن بصفة الماضي المنقضي لا يعني بأن تلك الأيام صارت عدما في مفاهيمي , لا و ربي , لستُ أرضى بذلك , أنا الآن أُحاول ترميم نفسي لأنهم ألحقوا بعض الضرر بكياني , سأُرممه سريعا , سأُعيد إصلاح ذاك الضرر لأستعيد حريتي و قدرتي على قيادة نفسي لما يُصلحني , و هذه المرة ان قُدر لي أن أعود فسأعود أقوى و أفضل و أكثر تأثيرا و سأُحيل تلك الخرافة و السذاجة الصبيانية – كما يسميها بعض الجهلة – واقعا حيا يُرى على الدوام و لا طاقة لمخلوق كان برفضه أو سحقه .
انتهى .