إنّ غريزة حب البقاء متأصلة في الإنسان أي هي الأصل في طبيعته والموجهة لكل سلوكه وهو لا يلجأ الى الإنتحار إلا اذا حدث خلل في هذه الغريزة لاسباب طارئة وهي اما صحية تعود الى الأمراض العقلية والعصبية او نفسية او اجتماعية أو مركبة أي نفسية اجتماعية أما الأولى فلا تعنينا في هذا المقام اما الأسباب النفسية والأجتماعية فتتمثل في الضغوط الحياتية اليومية الناجمة عن المشاكل الإجتماعية الحادة المتولدة عن البطالة وأزمة السكن ...وغيرها من المشاكل في بيئة لا تقيم لحقوق الإنسان أي اعتبار و تشيع جوا من ا لحقرة واللاعدالة تؤدي في النهاية الى الشعور بالألم واليأس و الذل والمهانة...
لذلك السّؤال الذي يطرح ليس هو هل يجوز الإنتحار ام لا يجوز في مثل هذه الأوضاع..فليس هذا هو المشكل لان الجواب على ذلك مجرد تحصيل حاصل وانما ينبغي النظر الى الأسباب والأوضاع التي تدفع الى مثل هذا السلوك ومحاولة القضاء عليها.. .لان الجانب افقتصادي مرتبط ارتباطا وثيقا بالجانب الخلقي للإنسان . فالإنسان كل لا يتجزء ولذلك جاء في الإثر كاد الفقر ان يكون كفرا وقول علي كرم الله وجهه لو كان الفقر رجلا لقتلته ..وغيرها ,وانظر الى تلك الإرادة السياسية المستميتة للقضاء على الفقر التي تنطوي عليها حرارة هذه الكلمة "لقتلته" ....وبالتالي لماذا يهب هؤلاء الفقهاء على ادانة هذا الإنسان المنتحر بل تكفيره وتسفيهه والإستخفاف بروحه والسكوت الجبان عن الأسباب الحقيقية التي قتلت كيانه نفسيا قبل ان يدمر ذاته جسديا مع العلم أن الظاهرة تكررت بشكل لافت وكانها إنتحار الجماعي...ولا ننسى هنا ظاهرة أخرى مشا بهة آلا وهي ظاهرة الحراقة...مما يؤكد انها لم تعد مشكلة فردية وانما أصبحت ظاهرة اجتماعية تتحكم بها أسباب اجتماعية واوضاع سياسية تفضح فشل المسؤولين و أهل السلطة على محاولة التكفل الجاد بحل هذه مشاكل هؤلاء... لماذا ندين المنتحر الذي يعتبر ضحية اوضاع قاسية لم يساهم في تشكيلها وليست له القدرة على تغييرها ونسكت تماما عن المسؤولين عن تدهور هذه الأوضاع رغم أنهم يملكون القرار و الإمكانيات المادية للقضاء عليها...لماذا ندين الطرف الضعيف في المعادلة ونسكت عن الطرف المتحكم في كل أجزائها..اليس في ذلك ظلم مزدوج لهذا الإنسان ظلم له في حياته هذا ان امكننا تسميتها حياة ..وظلم له بعد موته ...اليس في ذلك نوع من التواطؤ بطريقة أو بأخرى بين هؤلاء الفقهاء وأقول هؤلاء حتى لا اعمم وبين أهل السلطة على رأس الضحية من أجل المحافظة على مصالحهم.
أين هم هؤلاء الأئمة من سيرة فقهاء الإسلام مثل الإمام العز بن عبد السلام وحادثته المشهورة أمراء للبيع اين هم من شهامة الإمام بن حنبل ومحنته مع المامون في مسالة خلق القرآن أين هم من شجاعة ابن رشد ونكبته مع مؤسس دولة الموحدين...
لماذا ينتقي هؤلاء من الثراث ما يخدم مصلحة الحاكم الظالم فقط كقول عبد الله بن عمر )ض( فقد قال عبدا لله بن عمر: "إذا كان الإمام عادلاً فله الأجر وعليك الشكر، وإذا كان الإمام جائراً فله الوزر وعليك الصبر" لماذا يسكتون عما قاله أبو ذر الغفاري مثلا
" عجبت لمن لا يجد القوت في بيته، كيف لا يخرج على الانس شاهرا سيفه" والأمثلة كثيرة ...يتبع