جلست ذات عشية مع (عمي البقال)، وإذا أنا جالس –متفطن ويقظ- شعرت بأن نفسي تريد محادثتي؛ فصوب بيتي اتجهت، ثم في ركن منه اعتزلت، فكانت نفسي هي الشيخ الوقور المبجل، وكنت –أنا- مريدها.
قالت لي نفسي: أنت تعدو بسرعة، وتركض في اتجاهات شتى، ونحن نتجه صوب الجهة الأخرى من هرم حياتنا. قلت لها يائسا: ومن أجبرك على الانقياد؟ قالت: والله لست بمصرخي ولست بمصرختك عند الديان !! لكن فلتسأل نفسك ولتجيبها بصدق مطلق. حينذاك قاطعتها: أسأل نفسي؟ ومن أنت، إذن؟ ! قالت: أنا الأنا، أجبني: ماذا أنجزت خلال عطلة الصيف؟ ماذا تعلمت؟ ما هي القيم الشخصية التي لا بد أن تعيشها؟ على أي دور ستركز خلال السنة القادمـة؟ هل سطرت أهدافك؟ ما فائدتك في المجتمع، دنيويا ودينيا؟ ثم لم خابت آمالك فيك؟.. ولم أكمل الحوار لأن الوالد كان يريدني لإتمام عمل أناطه بي.
وفي الليل، أردت أن أجيب نفسي، لكنها أبت المجيء.. فبتّ أخمن وأفكر: حقيقة، ماذا أنجزت؟ لا شيء، وماذا تعلمت؟ الراحة والتباطؤ والتقاعس، ما القيم التي لابد أن أعيشها؟ لا قيمة عندي لشيء، حتى الفضيلة (التي اشتهرت بها) فقدتها، على أي دور سوف أركز في المستقبل؟ لا أدري، (وظهرت عدة علامات من الاستفهام؟؟)، هل سطرت أهدافـي؟ هدفي الوحيد هو أوبتان: أوبة إلى الله، جل وعلا، وأوبة إلى الفضيلة. ما فائدتي في المجتمع؟ أظن لاشيء البتة، لم خابت الآمال؟ لأنني مكثار في الأخطاء، مما يجعل حياتي صعبة نوعا ما.
إلهي، هل أنا مثل بطلة "لويس كارول"؟ بلا اكتراث تسير، مقودة تسير، لا هدف لها في الوجود.. هي أليس لما كانت في بلاد العجائب، سألت قطتها: من فضلك، هل يمكن أن تخبريني أي طريق يجب أن أسلكه من هنا؟ أجابت القطة: يعتمد هذا، بقدر كبير، على المكان الذي تودين بلوغه، قالت أليس: أنا لا أهتم إلى أين أسير وأسري، حينها قالت القطة الحكيمة: "لذلك لا توجد أهمية لأي سبيل تسلكين".
يا لها من حكمة بالغة، تلك التي نطقت بها القطة في ذاك الحوار، ولكن السؤال الذي حيرني في جنح الظلام: أي نوع أنا؟ هل أنا مثل أليس لا تهتم إلى أين تتجه؟ يجب أن أقف وقفة صادقة: العالم من حولي يتحرك بسرعة مذهلة في صخب وضوضاء، وأنا واقف وسط الملأ لا أدري ما العمــل؟ !! حتى عادت نفسي لتؤنبني كعشية اليوم، قائلة ومرددة: لا خيار لك سوى: "واستعينوا بالصبر والصلاة"، "وقل اعملوا".