لم يسبق أن أصدرت هيئة دولية أو حكومة من الحكومات العظمى، تهديدات صريحة تجاه الجزائر مثل تلك التي جاءت في التقرير الأخير للخارجية الأمريكية، بخصوص تجارة البشر.
والغريب في الموضوع، أن واشنطن اختارت ملفّا لا يُحرج الجزائر عادة، لأن تجارة البشر تفترض وجود مظاهر العبودية وعمالة الأطفال واستغلال المرأة... وبلادنا مقبلة على سنّ قانون يخصّص للمرأة 30 في المائة في مختلف المجالس المنتخبة، والممارسات ذات العلاقة باستعباد البشر اختفت من مجتمعنا، وعمالة الأطفال لا تشكّل إلا نسبة هامشية عندنا...
انتقاد الجزائر وتصنيفها في القوائم السوداء لا يحيّر ـ إذن ـ لو تعلق الأمر بالملف الأمني، لأننا تعوّدنا على ذلك، ولا يحيّر لو تعلق الأمر بتشديد الرقابة على الجزائريين، فنحن تعودنا كذلك على كل أشكال الإهانة في الخارج. كما لا يحيّر الأمر لو قرّرت واشنطن أو باريس أن تتهمنا بتخصيب اليورانيوم، لأننا نملك الوسائل للدفاع عن أنفسنا والتأكيد على أننا نريد تطوير الصناعة النووية لأغراض سلمية، وإن صعبت المهمّة نحيل ذلك إلى الاستعمار القديم والامبريالية التي تريد أن تنال منّا لأنّنا لا نخدم مصالحها...
وكان بإمكان الإدارة الأمريكية أن تستغل الاحتجاجات الشعبية والإضرابات القطاعية... لتحذير الجزائر من المساس بحقوق الإنسان، ونحن متعودون على هذه التحذيرات وحكومتنا تملك التجربة في التعامل مع هذه الملفات. لكن أن تُتّهم الجزائر بتجارة البشر وأن تكون الحجة في ذلك ظاهرة الحراقة والمهاجرين الأفارقة الذين يستعملون الجزائر نقطة عبور، فهنا مؤشّر على فشل كبير لسياسة تسويق صورة الجزائر في الخارج التي ارتكزت عليها الكثير من السياسات الأخرى في البلاد في السنوات الأخيرة.
ويبقى الآن أن نعرف ما مدى جديّة واشنطن والعواصم الغربية الأخرى في تعاملها مع ظاهرة الهجرة غير الشرعية، وهل فعلا تريد هذه العواصم وضع حدّ للظاهرة، وهل أسواقها في غنى عن اليد العاملة المجانية حتى تعاقب الدول المصدّرة للهجرة غير الشرعية؟
إذا كان الأمر كذلك، فحكومتنا مدعوّة للتفكير، أكثر مما تفعله حاليا، في مخاطر التدخل الأجنبي مستقبلا.