عودة مصر الى عصر الجاهلية ووأد البنات

[ترياااق]

في الوقت الذي تشهد فيه الدول الغربية جدلا محتدما حول شرعية الإجهاض، استطاعت اللجنة الصحية في مجلس الشعب المصري انتزاع قرار مشروع قانون جديد يبيح إجهاض المرأة أو تعقيمها لظروف الفقر أو المرض.
المشروع المدرج تحت اسم "قانون المسئولية الطبية" ينتظر موافقة اغلبية نواب الشعب الا أن فكرة تقديمه للمجلس تثير عاصفة من ردود فعل المنددة.

فقد اعتبر رجال الدين أن إباحة التعقيم والإجهاض من شأنه أن يفتح أبوابا شتي للانحرافات والزيجات غير الشرعية ، كما أنه يهدد النسل ويقضي علي النوع ، ويري الكثيرين أن الأولاد لا علاقة لهم بالفقر أو الغني معتبرين أن الإجهاض من أجل الفقر حرام شرعاً لأن الرزق بيد الله ، كما أن عملية التعقيم تعني القضاء علي النسل ، وتعني بشكل أو بآخر نوع عودة الى طقوس الجاهلية حين كانوا يقتلون أبنائهم مخافة الفقر أو العار .
مشروع قانون التعقيم والإجهاض يراه البعض ردة نحو عصر الجاهلية ومفتاح لمفاسد شتي وكوارث كثيرة لا يقبلها المجتمع المصري بل ولا أي مجتمع آخر ، حتى أسبانيا التي تظاهر فيها منذ أيام أكثر من 600 شخص يرتدون الملابس الحمراء دفاعاً عن الحياة بشوارع العاصمة الأسبانية مدريد ، رافعين لافتات "نعم للحياة ولا للإجهاض" لمطالبة الحكومة بإلغاء قانون الإجهاض الذي أقرَّه البرلمان الأسباني مؤخراً ، والذي يجيز إجراء عمليات الإجهاض قبل انتهاء الأسبوع الرابع عشر من فترة الحمل , كما يسمح أيضاً للفتيات في السادسة عشرة من العمر بالإجهاض دون إبلاغ أهاليهم ، أما الحكومة الإسبانية اعتبرت ومن جانبها أن هذا القانون يحفظ للمرأة حقوقها واحترامها ، وتساءل المتظاهرين الأسبان كيف في يوم ما رفض البرلمان الأسباني قبول اقتراح تطبيق عقوبة السجن مدى الحياة، أما الآن فقد طبّق حكم الإعدام !! والسؤال هل من المتوقع أن تطبق مشروع هذا القانون قريباَ في مصر؟
قتل الفقر
وكانت لجنة الصحة بمجلس الشعب (البرلمان المصري) قد أقرت مشروع قانون المسئولية الطبية الذي يبيح تعقيم المرأة أو إجهاضها لظروف الفقر أو المرض، واشترطت المادة موافقة الزوجين -وولي الزوجة في حالة تعذر الحصول علي موافقتها- وكذلك موافقة لجنة طبية من 3 أطباء علي تقرير يثبت تشوه الجنين أو تعرض المرأة لأمراض من شأنها إصابة الأجنة بالتشوه، أو وصول المرأة إلى سن 40 سنة وتخشى تعرض الجنين للتشوه طبقاً لتقارير طبية.
جاء ذلك في الوقت الذي دافع فيه الدكتور حمدي السيد عن هذه المواد مؤكداً ضرورة مراعاة ظروف الأسرة المصرية الصعبة التي لا تساعدها في تربية الأولاد والإنفاق عليهم طبقاً لتقرير يصدر من الشئون الاجتماعية يفيد عدم القدرة علي الإنفاق ووجود عدد كاف من الأولاد لدي الزوجين كأسباب جوهرية في إجراء عملية العقم .
وتقضى المادة الثانية بمشروع القانون الذي أقرته لجنة الصحة بالمجلس بتشكيل «لجنة عليا للمسؤولية الطبية» تختص بتقديم الرأي بناء على طلب النيابة العامة، أو المحكمة المختصة في حالات الأخطاء الطبية، وقال إن هذه اللجنة توفر جهد القضاء، وتحقق العدالة، خاصة أن الطبيب الشرعي لا يمكنه الإلمام بكل النواحي الطبية التي تمكنه من تحديد الخطأ، مشيراً إلى أن رأيه غالباً ما يكون غير مدروس ومتعجلاً، على عكس اللجنة التي تتميز بالتخصص والقدرة على إبداء الرأي الفني القاطع.
واعترض عمرو الطاهر، وكيل اللجنة التشريعية، على اللجنة التي وصفها بأنها ستصبح هي القاضي، فرد عليه السيد بقوله إن رأيها استشاري فقط، لكنها تضمن حماية الأطباء من أمور لا علاقة لهم بها، مثل تعرض المرضى لمضاعفات نتيجة إجراء جراحات.
وأيد الدكتور جمال الزينى، تشكيل اللجنة حتى لا يعاقبون قبل التحقيق معهم، مشيراً إلى عدم جواز إحالتهم إلى النيابة مباشرة في حالة حدوث خطأ مهني.

وتتشكل اللجنة بقرار من رئيس مجلس الوزراء، بعضوية وزير الصحة أو من ينوب عنه، ونقيب الأطباء أو من ينوب عنه، ورئيس إحدى الجامعات الحكومية الذي يرشحه وزير التعليم العالي، وعميد إحدى كليات الطب، ورئيس مصلحة الطب الشرعي، كما يمكن تشكيل لجان فرعية في المحافظات، وتختص بتقديم الرأي في وجود الخطأ الطبي من عدمه، وبيان سبب حدوثه، والأضرار المترتبة عليه، ومخاطر المهنة المتعلقة بالممارسات الطبية، ويجوز لها تشكيل لجان فرعية من بين أعضائها أو غيرهم لإبداء الرأي الفني في مسألة معينة، وتسرى في شأنها أحكام مصلحة الخبراء.
معني التعقيم
وعرف الشيخ عبد الحميد الأطرش - رئيس لجنة الفتوى بالأزهر "الإعقام" بأنه جعل المرأة عقيمة بمعالجة تمنع الإنجاب نهائيا ، وقد أجمع الفقهاء بأنه يحرم استعمال ما يقطع "الحبل" من أصله لأنه كالوأد إلا إذا كانت هناك ضرورة ملجئة كانتقال مرض خطير بالوراثة إلي الأولاد والأحفاد لأن درء المفاسد مقدم علي جلب المنافع وارتكاب أخف الضررين ، ويجوز عقم المصابة بمرض خبيث وتكون من فئة النساء اللاتي تحققت فيهن مشيئة الله بالعقم " لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ يَهَبُ لِمَن يَشَاءُ إِنَاثاً وَيَهَبُ لِمَن يَشَاءُ الذُّكُورَ . أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَاناً وَإِنَاثاً وَيَجْعَلُ مَن يَشَاءُ عَقِيماً إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ " أما ما يبطل الحبل مدة ولا يقطعه من أصله فلا يحرم إن كان لعذر كتربية ولد.
مستحيل وغير منطقي
د. جورجيت القليني - عضو مجلس الشعب وعضو المجلس القومي للمرأة - تؤكد لـ "لهن " أن هذا القانون ليس وارداً أن يطبق بل من المستحيل وليس منطقياً أن تطبق فكرة الإجهاض فالإجهاض معناه قتل روح وجنين كما أنه خطر يهدد حياة المرأة وهو ضد حقوق الإنسان بكافة أشكالها ، أما إذا كان من الضروري الإجهاض فيكون ذلك لأسباب ضرورية وخاصة مثل تشوه الجنين أو وجود خطورة على حياة كل من الأم أو الطفل .
وتضيف د. جورجيت أن فكرة التعقيم واردة كوسيلة من وسائل منع الحمل تستخدمها أي امرأة ولكن بشكل اختياري وليس إجباري فهي تعتبر وسيلة من وسائل منع الحمل .
تدليس علي الدين
د.عبد المعطي بيومي - عضو مجمع البحوث الإسلامية وعميد كلية أصول الدين سابقاً- يرفض مشروع القانون تماماً بقوله : لا يجوز تطبيق هذا المشروع إطلاقاً ، لأنه تدليس على الدين، كيف تعقم المرأة حتى ولو لمجرد احتمال علمي بأنها ستنجب ولداً مشوهاً ، ولا يجوز أبداً أن يكون هذا الأمر مصدر لإباحة التعقيم .
وإنما السبب الشرعي للتعقيم يجب أن يكون بعد دراسة الجينات ، ويتعين أن يكون هناك سبباً وخطر حقيقي يهدد صحة الأم عندئذ من الممكن أن تدرس المسألة ، وفى هذه الحالة تجهض الأم ولا تعقم ، ولكن يجب ألا يتوقف هذا الأمر على نتائج متوقعة أو احتمالات ، أما أن تعقم المرأة من دون حمل فهو استباق لعلم الله عز وجدل ومسارعة وتهور لكل المواثيق والقيم الدينية .
أما تعقيم المرأة أو إجهاضها بسبب الفقر، يشير د. عبد المعطي بيومي إلى أن هذا أبلغ في الحرمة، فهل الفقر دائم ؟ رب فقير اليوم غني غداً ورب غني اليوم فقير غداً وتلتصق يده بالتراب ولا يجد قوت يومه، ألم نري فقراء كانوا معدمين ورزقهم الله عز وجل برزقه وأصبحوا أثرياء وتغير الحال إلى حال ، لا تعتمد هذه الدعوة إلا على الوقوع في دائرة الأوهام والتجني على شرع الله .
ويرفض د. بيومي هذه الدعوة غير الشرعية مؤكداً لــ"لهنّ" أن لا كلام يعلو على كلام الله عز وجل ، واستشهد بالآية الكريمة التي تنهي عن التخلص من الأبناء بدعوي الفقر ، يقول الله عز وجل ( وَلاَ تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ نَّحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ إِنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْئاً كَبِيراً ) سورة الإِسراء .
الأولاد عزوة

وتؤكد د. سامية خضر - أستاذ علم الاجتماع بجامعة عين شمس- لــ " لهــنّ " أننا نعيش حالة من الانفجار السكاني الرهيبة لكن بكل أسف لا أحد يقدر حجم هذه المشكلة والكل يتعامل مع هذا الانفجار على أنه أمر عادي وليس به أي خطورة .
وتوضح د. سامية أنه يجب أن توجه الحكومة العديد من الحملات في كل مكان ولكل الأزواج لكي يعرفوهم أن الزواج له أهداف ومعان كثيرة وليس معناه الوحيد إنجاب أكبر عدد ممكن من الأطفال ، فيجب أن يكون عندنا قانون يوضح أن الحياة الزوجية مهمة والإنجاب أيضاً مهم ولكن في حدود المعقول لكي نستطيع التأقلم والعيش في هذه الحياة الصعبة .
وتضرب مثالاً بالمدن الريفية وكثرة حالات الإنجاب بها تحت مصطلح " عزوة " ، موضحة أنه هناك أحد الأشخاص يعمل حارس عمارة متزوج ولديه 8 أولاد ومع ذلك تزوج مرة أخري من فتاة صغيرة وأنجب منها أيضاً 3 أطفال ، متعجبة من موقفه ومؤكدة أنه إذا كان هناك حملات توعيه لهؤلاء الأشخاص فالحياة سوف تختلف تماماً .
وتضيف د. سامية أن الإجهاض حرام شرعاً ولكن التعقيم من الممكن أن يكون حل ومهم جداً لكن بشرط أن تكون موافقة الزوجة و رضاها هي والزوج وليس بالسيطرة والجبر ، لذا يجب أن تكون هناك حملات لتوعية كل أم بعد إنجاب طفل أو طفلين فهنا لا يوجد أي مشكلة ولكن بشرط أن تحدد الدولة للأم حوافز ومساعدات لها ، وبذلك نستطيع أن تتصدي للانفجار السكاني الرهيب ونقف أمام الفقر .
أما الدكتورة عزة كريم ـ أستاذ علم الاجتماع بالمركز القومي للبحوث ـ توضح أن هذا القانون سوف يسبب كوارث اجتماعية كبيرة .
وتضيف أن الأسر الفقيرة تعتبر الأطفال ثروة ، لذا فإنها لن تستخدمه وستلجأ إليه الأسر المتوسطة ، وستحدث تلاعبات كثيرة تسهل لهم فكرة إثبات أن ظروفهم المعيشية صعبة .
وتوقعت د. عزة أن هذا القانون سيزيد من الزواج العرفي والعلاقات غير الشرعية ، خاصة أنه من الاستحالة أن تتوجه لجنة بزيارة لتقييم الأوضاع المادية لأسرة ما .
الرجل مثل الثور

تزداد مصر كل عام تقريباً مليون ونصف، ومن المفروض أن تقوم الدولة بخفض معدل خصوبة المرأة (الإنجاب) من 3.7 إلى 2.1 ، ولكن المشكلة تكمن في أن الأوساط الاجتماعية والاقتصادية العالية والمتوسطة لا يوجد بها ارتفاع في عدد الأسرة وينحصر ذلك في الأوساط الفقيرة فقط ، مما يؤدي إلى زيادة أطفال الشوارع وزيادة العشوائيات بالإضافة إلى زواج القاصرات، لذلك تجتهد الدولة في إصدار القوانين المنظمة للنسل وتعقيم المرأة في حالة الفقر في محاولة لحل هذه المشكلة .. هذه وجهة نظر الدكتور أمجد خيري استشاري الطب النفسي .
ولكن إذا كان ولا بد من تعقيم أحد الزوجين تحديداً للنسل ، يعترض د.أمجد خيري على تعقيم المرأة وحدها في الوقت الذي يمكن أن تجرى العملية نفسها للرجل ، قائلاً لموقع "لهنّ" : خطأ وخطير التركيز على المرأة وحدها فهي ليست السبب في الإنجاب ، لكنهم يقصدون المرأة لأنها الأسهل في التعامل من خلال الوحدات الصحية والإنجابية وهي التي تلد ومن الممكن أن يجروا لها عملية ربط الأنابيب أثناء الولادة ، ويتركون الرجل مثل الثور يتنقل من هذه
إلى تلك لينجب، كان الأجدر بهم أن يعقموا الرجل لأنه إذا تم تعقيمه لن تنجب المرأة ولكن العكس يجني على المرأة وحدها، الخطير في الأمر أيضاً أن الرجل الشرقي لا يقبل على نفسه أن يتم تعقيمه ولا يجد غضاضة في تعقيم المرأة التي غالباً تنجب عدداً كبيرا رغماً عن أنفها وتحد تهديد منه بالطلاق .
ويركز استشاري علم النفس على المشكلة الحقيقية قائلاً: المشكلة الحقيقية ليست تشريع القوانين وإنما في الجهل المسيطر على الفئة الفقيرة التي تنجب بالـ10 أطفال وأكثر ، فالمرأة في تلك الفئة لا تحقق كيانها إلا بالإنجاب وتشعر بأنوثتها ، على عكس المرأة المتعلمة المثقفة التي تجد ذاتها في العمل والإنجاب والزواج وتعمل على تحقيق التوازن بين عملها وزوجها وأطفالها لذا لا تفكر في إنجاب أكثر من ثلاثة أطفال، لذا فإن الجهل يشكل ظلم من نوع آخر على المرأة المراد تعقيمها .
لذا يدعو د.أمجد جميع منظمات المجتمع المدني بالتوجه إلى العشوائيات والقرى لرفع وعي المرأة والعمل على تنميتها سواء بمشاريع صغيرة أو محو أميتها أو بأي وسيلة للتنمية .



منقول