في زاوية من البيت العتيق كانت تتوارى بهدوء تمد يداها المرتجفتان نحو سجادة تفترشها تكبر كثيرا تهلل كثيرا وتحمد الله كثيرا .. جدتي عُقد الخير في ناصيتها وتفجرت ينابيع الرحمة من كفيها .. لم تكن تكسر قلب صغير ولا تكسف خاطر محتاج .. وعاشت متفائلة رغم قسوة الحياة ...
أذكر بكل فخر ملامحها السمحة .. ونشاطها الذي لايفنى.
في الحقل كانت كل زهرة تفرح بقدومها وكل شاة يقفز قلبها طربا حين تسمع صوتها .. وحتى البقرة تعطيها الحليب مدرارا من ضرعها .. ولاتعطي غيرها
كان جدي يرمقها بنظرات الفخر والنصر .. يراها جوهرته النادرة وأغلى إنتصاراته
وكان يرجو أن ترحل روحه قبلها فلا لذة للحياة دونها ..
وعلى فراش الموت ظل يحدق طويلا لوجهها البريء وكأنه يريد أن يحمل زاده الأخير من قربها ..
بقيت وفية له متلحقة رداء الستر بعده .. فلم تدخل بيتا منعها منه في حياته وكانت تقول جدكم سيغضب ... ولزوال الدنيا بعيني أهون من لمسة حزن في قبره ...
فجر يوم ربيعي .. سلمت جدتي روحها وقد زارتها إبتسامتها أخيرا.. إنه قرب اللقيا برفيق الدرب
ورسما معا لوحة حب ووفاء أصيلة غابت عن مجتمعنا اليوم ..